کتابخانه روایات شیعه
فصل آخر في السؤال و البيان
إن سألك سائل فقال ما أول نعمة الله تعالى عليك فقل خلقه إياي حيا لينفعني.
فإن قال و لم زعمت أن خلقه إياك حيا أول النعم فقل لأنه خلقني لينفعني و لا طريق إلى نيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك.
فإن قال ما النعمة فقل هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصدا لها.
فإن قال فما المنفعة قل هي اللذة الحسنة أو ما يؤدي إليها.
فإن قال لم اشترطت أن تكون اللذة حسنة به 63 فقل لأن من اللذات ما يكون قاتلا فلا يكون حسنا.
فإن قال لم قلت أو ما يؤدي إليها فقل لأن كثيرا من المنافع لا يتوصل إليها إلا بالمشاق كشرب الدواء الكريه و الفصد و نحو ذلك من الأمور المؤدية إلى السلامة و اللذات فتكون هذه المشاق منافع لما تؤدي إليه في عاقبة الحال.
و لذلك قلنا إن التكليف نعمة حسنة لأن به ينال مستحق النعيم الدائم و اللذات.
فإن قال فما كمال نعم الله تعالى فقل إن نعمه تتجدد علينا في كل حال و لا يستطاع لها الإحصاء.
فإن قال فما تقولون في شكر المنعم فقل هو واجب.
فإن قال فمن أين عرفت وجوبه-
فقل من العقل و شهادته و أوضح 64 حجته و دلالته و وجوب شكر المنعم على نعمته مما تتفق العقول عليه و لا تختلف فيه.
فإن قال فما الشكر اللازم على النعمة فقل هو الاعتراف بها مع تعظيم منعمها.
فإن قال فهل أحد من الخلق يكافئ نعم الله تعالى بشكر أو يوفي حقها بعمل فقل لا يستطيع ذلك أحد من العباد من قبل أن الشيء إنما يكون كفوا لغيره إذا سد مسده و ناب منابه و قابله في قدره و ماثله في وزنه.
و قد علمنا أنه ليس من أفعال الخلق ما يسد مسد نعم الله عليهم لاستحالة الوصف لله تعالى بالانتفاع أو تعلق الحوائج به إلى المجازاة.
و فساد مقال من زعم أن الخلق يحيطون علما بغاية الإنعام من الله تعالى عليهم و الإفضال فيتمكنون من مقابلتها بالشكر على الاستيفاء للواجب و الإتمام.
فنعلم بهذا تقصير العباد عن مكافاة نعم الله تعالى عليهم و لو بذلوا في الشكر و الطاعات غاية المستطاع و حصل ثوابهم في الآخرة تفضلا من الله تعالى عليهم و إحسانا إليهم و إنما سميناه استحقاقا في بعض الكلام لأنه وعد به على الطاعات و هو الموجب له على نفسه بصادق وعده و إن لم يتناول شرط الاستحقاق على الأعمال و هذا خلاف ما ذهبت إليه المعتزلة إلا أبو القاسم البلخي فإنه يوافق في هذا المقال و قد تناصرت به مع قيام الأدلة العقلية عليه الأخبار
رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَّكِلِ الْعَامِلُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي يَعْمَلُونَهَا لِثَوَابِي فَإِنَّهُمْ لَوِ اجْتَهَدُوا وَ أَتْعَبُوا أَنْفُسَهُمْ أَعْمَارَهُمْ فِي عِبَادَتِي كَانُوا مُقَصِّرِينَ غَيْرَ بَالِغِينَ فِي عِبَادَتِهِمْ كُنْهَ عِبَادَتِي فِيمَا يَطْلُبُونَ 65 مِنْ كَرَامَتِي وَ النَّعِيمِ فِي جَنَّاتِي وَ 66 رَفِيعِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى فِي جِوَارِي وَ لَكِنْ بِرَحْمَتِي فَلْيَثِقُوا وَ فَضْلِي فَلْيَرْجُوا وَ إِلَى حُسْنِ الظَّنِّ بِي فَلْيَطْمَئِنُّوا فَإِنَ
رَحْمَتِي عِنْدَ ذَلِكَ تُدْرِكُهُمْ وَ بِمَنِّي أُبَلِّغُهُمْ رِضْوَانِي وَ مَغْفِرَتِي وَ أُلْبِسُهُمْ عَفْوِي 67 وَ بِعَفْوِي أُدْخِلُهُمْ جَنَّتِي فَإِنِّي أَنَا اللَّهُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ بِذَلِكَ تَسَمَّيْتُ.
وَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع قَالَ: يُوقَفُ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَيَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ قِيسُوا بَيْنَ نِعَمِي عَلَيْهِ وَ بَيْنَ عَمَلِهِ فَتَسْتَغْرِقُ النِّعَمُ الْعَمَلَ فَيَقُولُ هَبُوا لَهُ النِّعَمَ وَ قِيسُوا بَيْنَ الْخَيْرِ وَ الشَّرِّ مِنْهُ فَإِنِ اسْتَوَى الْعَمَلَانِ أَذْهَبَ اللَّهُ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ وَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَ إِنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِفَضْلِهِ وَ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ فَضْلٌ وَ هُوَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى وَ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَغْفِرَةِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ بِرَحْمَتِهِ إِنْ 68 شَاءَ وَ يَتَفَضَّلُ عَلَيْهِ بِعَفْوِهِ.
وَ عَنْ سَعْدِ 69 بْنِ خَلَفٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع أَنَّهُ قَالَ لَهُ عَلَيْكَ بِالْجِدِّ وَ الِاجْتِهَادِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَ لَا تُخْرِجْ نَفْسَكَ مِنْ حَدِّ التَّقْصِيرِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَ طَاعَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعْبَدُ حَقَّ عِبَادَتِهِ.
كتاب البرهان على ثبوت الإيمان لأبي الصلاح التقي بن نجم بن عبيد الله الحلبي
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ و صلواته على خيرة النبيين محمد و آله الطاهرين و سلم و كرم.
أول فعل مقصود يجب على العاقل مما لا يخلو منه عنك 70 كمال عقله من وجوب النظر المؤدي إلى المعرفة لأن الحي عند كمال عقله يجد عليه آثار نفع من كونه حيا سميعا بصيرا عاقلا مميزا قادرا متمكنا مدركا للمدركات منتفعا بها و يجوز أن يكون ذلك نعمة لمنعم.
و يعلم أنها إن كانت كذلك فهي أعظم نعمة لانغمار كل نعمة في جنبها و يجد في عقله وجوب شكر المنعم و استحقاق المدح على فعل الواجب و الذم على الإخلال به و يجوز أن يستحق من موجده و المنعم عليه مع المدح ثوابا و مع الذم عقابا و يجد في عقله وجوب التحرز من الضرر اليسير و تحصيل النفع العظيم.
فتجب عليه معرفة من خلقه و النفع له ليعلم قصده فيشكره إن كان منعما و لا سبيل إلى معرفته إلا بالنظر في آثار صنعته لوقوعها بحسبها و لو كانت لها سبب غيره لجاز حصول جميعها لمن لم ينظر و انتفاؤها عن الناظر فوجب فعله لوجوب ما لا يتم الواجب إلا به.
و الواجب من المعرفة شيئان توحيد و عدل و للتوحيد إثبات و نفي.
فالإثبات إثبات صانع للعالم سبحانه قادر عالم حي قديم مدرك مريد.
و النفي نفي صفة زائدة على هذه الصفات و نفي التشبيه و نفي الإدراك عنه تعالى بشيء من الحواس و نفي الحاجة و نفي قديم ثان شارك في استحقاق هذه الصفات.
و العدل تنزيه أفعاله عن القبيح و الحكم لها بالحسن
فصل في الكلام في التوحيد
طريق العلم بإثبات الصانع سبحانه أن يعلم الناظر أن هاهنا حوادث يستحيل حدوثها عن غير محدث.
و جهة ذلك أن يعلم نفسه و غيره من الأجسام متحركا ساكنا ثم مجتمعا مفترقا أوضحه ذلك.
فيعلم بتغاير هذه الصفات على الأجسام أنها أعيان لها لأنها لو كانت صفات لذواتها لم يجز تغيرها.
و يعلم بتجددها عن عدم و بطلانها عن وجود أنها محدثة لاستحالة الانتقال عليها من حيث لم تقم بأنفسها و الكمون المعقول راجع به إلى الانتقال.
فإذا علم استحالة ذلك على هذه الصفات علم أن المتجدد منها إنما يجدد عن عدم و هذه حقيقة المحدث و المنتفي و أن ما انتفى عن الوجود و العدم يستحيل على القديم لوجوب وجوده و ما ليس بقديم محدث.
فإذا علم حدوث هذه المعاني المغايرة للجسم و علم أنه لا بد في الوجود من مكان يختصه مجاورا لغيره أو مباينا وقتا واحدا أو وقتين لابثا فيه أو منتقلا عنه و قد تقدم له العلم أنه إنما كان كذلك لمعان غيره محدثة علم أنه محدث لأنه لو كان قديما لوجب أن يكون سابقا للحوادث بما لا نهاية له.
فإذا علم أنه لا ينفك من الحوادث علم كونه محدثا لعلمه ضرورة بحدوث ما لم يسبق المحدث و لأنه إذا فكر في نفسه و غيرها فوجدها كانت نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم جنينا ثم حيا ثم طفلا ثم يافعا ثم صبيا ثم غلاما ثم بالغا ثم شابا قويا ثم شيخا ضعيفا ثم ميتا.
و أنه لم يكن كذلك إلا بتجدد معان فيه حرارات و برودات و رطوبات و يبوسات و طعوم و ألوان و أراييح مخصوصة و قدر و علوم و حياة.
و علم بطلان كل صفة من هذه الأغيار بعد وجود و تجددها عن عدم و الجواهر التي تركب منها الجسم باقية علم أنها صفات مغايرة لها و أنها محدثة لاستحالة الكون
و الانتقال عليها بما قدمناه.
و إذا علم حدوث جواهره و غيره من الجواهر بالاعتبار الأول و صفاته بهذه و صفات غيره بالاعتبار الثاني و لأنها لا تنفك من المحل المحدث.
و علم أن في الشاهد حوادث كالبناء و الكتابة و إن لها كاتبا و بانيا هو من وقعت منه بحسب غيرها و إنما ذلك مختص بما يجوز حصوله و انتفاؤه فلا يحصل إلا بمقتض.
فأما ما وجب فمستغن بوجوبه عن مؤثر منفصل عن الذات كتحيز الجوهر و حكم السواد.
و لا يجوز خروجه تعالى عن هذه الصفات لوجوب الوجود له تعالى في حق كونه قديما لنفسه يجب له وجوده تعالى في كل حال و كونها صفات نفسه يجب ثبوتها للموصوف و يستحيل خروجه عنها ما وجد لكون المقتضي ثانيا 71 و هو النفس و استحالة حصول المقتضي و انتفاء مقتضاه.
و بعلمه سبحانه مدركا إذا وجدت المدركات لكونه تعالى يستحيل فيه الآفات و الموانع بدليل حصول هذا الحكم لكل حي لا آفة به متى وجد المدرك و ارتفعت الموانع.
و بعلمه سبحانه مريدا لوقوع أفعاله على وجه دون وجه و في حال دون أخرى و ذلك مفتقر إلى أمر زائد على كون الحي قادرا عالما لكونه صفة للفعل زائدة على مجرد الحدوث و الأحكام و إرادته فعله إذ كونه مريدا لنفسه أو معنى قديم يقتضي قدم المرادات أو كونه عازما و كلا الأمرين مستحيل فيه سبحانه.
و المحدث لا يقدر على فعل الإرادة في غيره و قديم ثان نرد 72 برهان نفيه فثبت سبحانه مريدا بإرادة يفعلها إلا 73 في محل لاستحالة حلولها فيه أو في غيره و لا صفة له سبحانه زائدة على ما علمناه لأنه لا حكم لهما و لا برهان بثبوتهما و إثبات ما لا حكم له و لا برهان عليه مفض إلى الجهالات.