کتابخانه روایات شیعه
الفصل التاسع عشر [في إحاطته ع بفضائل أولي الألباب]
نذكر فيه ما وعدنا به في أول الباب من إحاطته ع بفضائل أولي الألباب و لا عجب ممن رباه النبي المؤيد بالوحي الإلهي أن يبلغ الغاية القصوى من العلوم و يطلع على سر السر المكتوم فقد روى مسلم في أول كراس من صحيحه في تفسير سورة غافر عن ابن عباس كان علي تعرف به الفتن قال و أراه ذكر فيه كل جماعة كانت في الأرض أو تكون و قال و روي عنه نحو ذلك كثير
و روت الفرقة المحقة قوله ع سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية لأخبرتكم بوقت نزولها و في من نزلت و أنبأتكم بناسخها و منسوخها و خاصها و عامها و محكمها و متشابهها و الله ما من فئة تضل أو تهدي إلا و أنا أعرف قائدها و سائقها و ناعقها إلى يوم القيامة و زاد في نهج البلاغة و من يقتل من أهلها و من يموت.
و في غرر الحكم عن الآمدي سلوني قبل أن تفقدوني فإني بطرق السماوات أخبر منكم بطرق الأرض.
و قد اشتهر أن النبي ص علمه ألف باب فتح له كل باب ألف باب و فيه قال الشاعر
علمه في مجلس واحد
ألف حديث حسبة الحاسب
كل حديث من أحاديثه
يفتح ألفا عجب العاجب
و كان من أحمد يوم الوغا
جلدة بين العين و الحاجب -.
قال الجاحظ في تزكية علي لأبي بكر بالرواية عنه دون العكس دليل الأفضلية قلنا ليس في الرواية عنه إن صح ذلك تزكية له و لا استفادة منه لجواز أن يكون عالما بها من الرسول فيرويها عنه إلزاما له أو ليحتج بها على من يحسن ظنه به و علي لم يحتج إلى تزكية أبي بكر بعد تزكية الله تعالى في قوله وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً 337 و تزكية رسول الله في قوله
أنا حرب لمن حاربتم و ولي
لمن واليتم.
على أن الدرك على تارك الفضيلة لا على صاحب الفضيلة. قال سكت علي ترجيحا للشيخوخة عليه قلنا في خطبته الشقشقية جواب هذا الكلام
و قد روى أخطب خوارزم أن النبي ص أعطى الراية ببدر لعلي و هو ابن عشرين سنة.
فلم تمنعه الفتوة عن تأميره و لما بهرت عجائبه عقول الغلاة ترفعوا به عن درجات المخلوقين فحفر النار و ألقى منهم كثيرا لينزلوا به إلى درجات المحدثين.
و أسند ابن جبر في نخبه إلى النبي ص أنه كان إذا نزل الوحي ليلا لم يصبح حتى يخبر به عليا و إذا نزل نهارا لم يمس حتى يخبر به عليا.
و فيه أيضا من طرق عديدة أنه ع قال بحضرة المهاجرين و الأنصار و أشار إلى صدره كنيف مليء علما لو وجدت له طالبا سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله زقا عندي علم الأولين و الآخرين لو ثنيت لي الوسادة لحكمت بين أهل التوراة و الإنجيل و الزبور و الفرقان بكتبهم حتى ينادي كل كتاب بأنه حكم الله في و في رواية حتى يزهر كل كتاب و يقول يا رب إن عليا قضى في.
و فيه أيضا لو شئت أخبرت كل أحد منكم بمخرجه و مولجه و جميع شأنه.
و فيه أيضا عن سلمان عندي علم المنايا و البلايا و الأنساب و فصل الخطاب و مولد الإسلام و مولد الكفر و أنا صاحب الميسم و الفاروق الأكبر سلوني عما يكون إلى يوم القيامة و عما كان قبلي و على عهدي.
و فيه عن المسيب ما كان أحد من أصحاب رسول الله ص يقول سلوني غير علي.
و عن ابن شبرمة ما قال أحد على المنبر سلوني غير علي.
و في تفسير الشيرازي من علمائهم في قوله فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ 338 يعني محمدا و عليا و فاطمة و الحسن و الحسين هم أهل العلم و العقل و البيان و الله ما سمي المؤمن مؤمنا إلا كرامة لأمير المؤمنين علي ع
تذنيب
طعن أبو هاشم في الحكم بالكتب المتقدمة بأنه منسوخ لا يجوز الحكم بها قلنا لعل المراد منها علمه بأحكامها [و علمه بأحكامها] الواردة في القرآن الناسخ لها أو أنه يعرف ما حرف منها فيقضي بينهم بغيره و يرد قضاءهم به أو يمكنه استخراج النصوص الواردة في حق النبي و أهل بيته منها.
تذنيب آخر
مما سمعناه مذاكرة أن ابن الجوزي قال على المنبر سلوني قبل أن تفقدوني فسألته امرأة
عما روي أن عليا سار في ليلة إلى سلمان فجهزه و رجع.
فقال روي ذلك قالت و عثمان تم ثلاثة أيام منبوذا في مزابل البقيع و علي حاضر قال نعم قالت فقد لزم الخطأ لأحدهما فقال إن كنت خرجت من بيتك بغير إذن بعلك فعليك لعنة الله و إلا فعليه فقالت خرجت عائشة إلى حرب علي بإذن النبي أو لا فانقطع.
و ذكر ابن شهرآشوب عن الصفواني قالت أم سلمة أعطاني النبي كتابا و قال من طلبه منك ممن يقوم مقامي فأعطيه فمضت الثلاثة و لم يطلبوه فلما بويع علي ع طلبه قالت و كان فيه كل شيء دون قيام الساعة و في رواية عن ابن عباس لما فتحه قال هذا علم الأبد.
تنبيه
إذا كان الرب القديم جعل كل شيء في القرآن العظيم فقال وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ 339 و من المعلوم أن ذلك ليس في ظاهره فهو في باطنه فقد ذكر أمير المؤمنين ع قوله سلوني و نحوها و لم يرد عليه أحد من الصحابة و التابعين فهو الذي عنى الله بقوله وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ 340 فهو أولى من الله بإمامته لقبح تقديم المفضول في حكمته و العلماء و الحكماء و أهل الزواجر بفضله يعترفون و من لجج بحاره الزواخر يغترفون.
و أما المتكلمون فناهيك بنهج البلاغة و ما فيه من التوحيد لباريه و قد شهد له الرسول الذي هو مدينة العلم بأنه رباني هذه الأمة و قال الغزالي في كتاب
إحياء العلوم أول من سن دعوة المبتدعة بالمجادلة إلى الحق علي بن أبي طالب و قد ناظرته الملاحدة في مناقضات القرآن فأجاب مسألة الجاثليق فأسلم.
و قد روى ابن جبر في نخبه عن ابن عباس أن الله تعالى جمع القرآن في قلبه و جمعه بعد موت رسوله.
و أما القراء فحمزة و الكسائي يعولان على قراءته و قال ابن مسعود ما رأيت أحدا أقرأ من علي و نافع و ابن كثير و أبو عمرو يرجعون في الأكثر إلى ابن عباس و هو قرأ على علي و أبي و قراءتهم تخالف قراءة أبي فهو عن علي و عاصم قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي و هو قرأ على علي.
و أما المفسرون فابن عباس و ابن مسعود و أبي و زيد بن ثابت معترفون له بالتقدم
قال ابن شهرآشوب سمعت مذاكرة أنه ع تكلم لابن عباس في الباء من بِسْمِ اللَّهِ إلى قرب الفجر و قال لو زادنا الليل لزدنا.
و في قوت القلوب لو شئت لأوقرت سبعين بعيرا في تفسير الفاتحة.
و في فضائل العكبري قال الشعبي ما أحدكم أعلم بكتاب الله بعد نبي الله من علي بن أبي طالب
و في حلية الأولياء و تاريخ البلاذري أنه ع قال ما نزلت آية إلا و قد علمت فيما نزلت و أين نزلت بليل أو نهار في سهل أو جبل إن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سئولا.
و أما الفقهاء فابن أبي ليلى و سفيان الثوري و الحسن بن صالح و شريك من أهل الكوفة يرجعون إليه و يترجمون الأبواب بقولهم هذا قياس قول علي و الحسن و ابن سيرين من أهل البصرة يأخذان عمن أخذ عن علي و قد أفصح ابن سيرين بأخذه عن عبيدة السلماني و هو أخص الناس بعلي و المكيون أخذوا عن ابن عباس و علي و أخذ ابن عباس معظم علمه عن علي و المدنيون قد صنف الشافعي كتابا في اتباعهم لعلي
و في مسند أبي حنيفة قال له الصادق ع من أين أخذت القياس قال من علي و زيد حين شاجرهما عمر في الجد مع الإخوة فقال له علي لو أن شجرة انشعب منها غصن ثم انشعب منه غصنان أيهما أقرب إلى أحدهما الغصن الأول أم الشجرة و قال زيد لو انبعث من الجدول ساقية و انبعت من الساقية
ساقيتان أيهما أقرب إحدى الساقيتين إلى الأخرى أم إلى الجدول.
و أما الفرضيون فقد روي في فضائل أحمد أن أعلم أهل المدينة بالفرائض علي بن أبي طالب قال الشعبي ما رأيت أفرض منه و لا أجيب منه
سئل على المنبر و هو يخطب عمن مات و ترك امرأة و أبوين و بنتين كم نصيب المرأة فقال ع صار ثمنها تسعا.
و ذلك إما استفهام أو بيان حكم على رأي من يقول بالعول فلقبت المسألة بالمنبرية
و روت العامة أنه سئل عمن خلف ست مائة دينار فاستحقت امرأة من الورثة دينارا واحدا كم كانوا فقال بنتان و أم و زوجة و اثنا عشر أخا و أختا.
فسميت المسألة الدينارية فأين هذا من عمر حيث أتى إليه زوج و أم و أخوان لأم و أخوان لأبوين فجعل للزوج نصفا و للأم سدسا و لأخوي لأم ثلثا فقال أخوا الأبوين هب أن أبانا كان حمارا فأشركنا بأمنا فسميت الحمارية.
و أما النحاة
فظاهر وصفه لأبي الأسود الدؤلي فإنه دخل عليه فرآه متفكرا فقال له فيما أنت متفكر قال سمعت في بلدكم لحنا و أردت أن أصنع في اللغة كتابا قال فأتيته بعد أيام فألقى إلي صحيفة فيها الكلام كله ثلاثة اسم و فعل و حرف و الأشياء ثلاثة ظاهر و مضمر و غيرهما فانح هذا النحو.
فجمع حروف النصب و لم يذكر لكن منها فقال له هي منها فزدها فيها و بخل أبو الأسود به زمانا حتى سمع قارئا يقرأ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولِهِ 341 12- 18 بكسر اللام فقال لا يحل أن أترك الناس بعد هذا فوضع أدوات الإعراب الثلاث و الوصل و التسكين و التشديد و التمديد ثم أخذه عنه عتبة ثم ابن أبي إسحاق و هو أول من فتح النحو و شرح العلل و صنف ثم عيسى ثم الخليل ثم سيبويه ثم الأخفش ثم المازني ثم المبرد ثم ابن السراج ثم أبو علي الفارسي ثم علي بن عيسى ثم الحسن بن حمدان ثم أحمد بن يعقوب كل واحد من المذكورين أخذ عمن تقدمه قاله الزجاج في أماليه.
و أما الخطباء و الفصحاء فناهيك بكلامه في نهج البلاغة و كتاب الخطب و غيره في الأصول من خطبته في التوحيد و غيرها و في الفروع من أحكامه التي لا يمكن أحد أن يفوه بنكيرها و من نظر في العلوم وجد أسها 342 عليه و رآه رأسها المنقادة إليه و كل من حصل علما فمنه احتذى و ابتدى و به اقتدى و اهتدى كل جليل من بحره اغترف و بدقيق علمه اعترف فقد قيل لعبد الحميد كاتب بني أمية لما كتب إلى أبي مسلم كتابا بجملة أجمل فيها من أين لك هذه البلاغة قال من حفظي لألف خطبة لأصلع بني هاشم.
و قد دهش الجاحظ الذي هو علامة الدهر في مفردات كلماته الحكمية و اعترف بأنها حوت متفرق المعاني و اشتملت على أحسن المباني و من رزق الهداية رأى كلامه منضودا في عقد الألفاظ الرائقة و الأساليب الفائقة لا بالمستعمل الخلق و لا بالمشكل الغلق بل أشهى إلى النفوس من الخرد الحسان و أعلق بالقلوب من تعلق الجزع بالأمان فإن وجدت شاردا منسوبا إلى غيره فبتفضيله و إن رأيت واردا مضافا إلى سواه فلا تعرض عن تبجيله و من بلغ في الهداية إلى هذا المرتبع كان أحق بقوله أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ 343 فوجب اتباعه بعد النبي بلا فصل لاختصاصه بعظيم الخصل شعر
رواه ابن جبر في نخبه عن الصادق ع
محال وجود النار في بيت ظلمة
و أن يهتدي حيران في ظل حائر
فلا تطمعوا في العدل من غير أهله
و لا في هدى من غير أهل البصائر .
قال السيد الرضي كان ع مشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها و منه ظهر مكنونها و عنه أخذ قانونها و أنشد بعضهم في المعنى
و خوطب بالوزارة من إليه
تناهي الفضل و اجتمع الفخار
منيع لا يطاوله زمان
وفي لا يضام له جوار
خطيب لا يعثره خطاب
بليغ لا يجاوزه اختصار -.
فنحن ننتهب جواهر البلاغة من بحار خطباته و ملح أشعاره و ننتقب فرائد البراعة من وجيز توقيعاته و كنوز أفكاره فمن كلامه فهمت جواهر العربية و يواقيت الحكم الدينية و الدنياوية عليه مسحة من الكلام الإلهي و فيه عبقة من اللفظ السوي.
قال قطب الدين الراوندي سمعت بعض العلماء بالحجاز يقول رأيت بمصر مجموعا من كلام علي في نيف و عشرين مجلدا و أسند صاحب النخب إلى الكلبي إلى أبي صالح أن الصحابة اجتمعت و قالت الألف أكثر دخولا في الكلام فارتجل خطبته المونقة أولها
حمدت من عظمت منته و سبغت نعمته و سبقت رحمته غضبه.
إلى آخرها لم يوجد فيها ألف ثم ارتجل أخرى خالية من النقط.
و أما الوعاظ فليس لأحد من الرجال ما له من العبر و الأمثال مثل
من زرع العدوان حصد الخسران.
من ذكر المنية نسي الأمنية.
من قعد به العقل قام به الجهل.
من عدل في سلطانه استغنى عن عدوانه.
من طال عدوانه زال سلطانه.
من ساءت سيرته سارت منيته.
من مال إلى الحق مال إليه الخلق.
من ساء اختياره قبحت آثاره.
من قل اعتباره قل استظهاره.
من جار في سلطانه صغره.
و من من بإحسانه كدره.
العدل أقوى جيش.
و الأمن أهنى عيش.
كل دولة يحوطها الدين لا تغلب.
و كل نعمة يحرسها الشكر لا تسلب.
و له مائة كلمة مشهورة قد تضوع المحققون بنشرها و اعتنى المدققون بكشف سرها اشتملت من العلوم على أعذاق جانية و أقطاف دانية.
و أما الفلاسفة فهو أرجحهم
قال ع أنا النقطة أنا الخط أنا الخط أنا النقطة أنا النقطة و الخط.
و قال جماعة القدرة هي الأصل و الجسم حجابه و الصورة حجاب الجسم لأن النقطة هي الأصل و الخط حجابه و مقامه و الحجاب غير الجسم الناسوتي.