کتابخانه روایات شیعه
اللّه، و نذير و مخوّف بالنّار لمن عصى اللّه و عصاه، يهتدى به كما يهتدى بالسّراج، المنير الّذي يصدر النّور من جهته، إمّا بفعله، و إمّا لأنّه سبب له، و هو الشّاهد على أمّته فيما يفعلونه و يتولّونه من طاعة و معصية، و ما يفعلون من إيمان و كفر بإمارة و علامة لهما، ليشهد لهم و عليهم يوم القيامة فيجازيهم اللّه بحسبه، و المزمّل، لأنّه زمّل أمرا عظيما أي حمله، و الزّمل:
الحمل، و ازدمله: احتمله.
و قيل: إنّه كان تلفف في مربط 164 سداه شعر، و لحمته وبر، و هو ثناء عليه و تحسين لحالة الّتي كان عليها من القناعة بالقليل من حطام الدّنيا، و المدّثر: قريب منه، و هو لابس الدّثار، و هو ما فوق الشّعار، و الشّعار:
ثوب على الجسد،
و منه قوله عليه السّلام: «الأنصار شعار و النّاس دثار».
فقال عليه السّلام: «نوديت فرفعت رأسي، فإذا جبرئيل في الهواء فأتعبني أعباء الوحي، فقلت: دثّروني دثّروني».
و أمّا الوجه في جميع تلك الألقاب، فإنّه عليه السّلام مختار، مصطفى، منتجب، اصطفاه اللّه تعالى حبيبا لنفسه و اختاره من ذريّة الأنبياء ليكون خاتمهم، و انتجبه فألطف له حتّى تفرّغ لعبادته و اتّباع مرضاته، و اختصّه بالكرامة السّنيّة استحقاقا من آباء طيّبين طاهرين و أمّهات طاهرات.
و قد قال اللّه تعالى له عليه السّلام : «لولاك لما خلقت الأفلاك، و لولاك لما خلقت الكونين».
، فاصطفى اللّه قبله آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ على عالمي زمانهم لطفا لاحمهم، و اصطفى محمّدا و آله و أنبأ بهم الملائكة قبل وجودهم، و أخبرهم بأحوالهم و أوصافهم، و كيفيّة قيامهم بما يجب عليهم، و أوحى إلى الأنبياء بأخبارهم و آثارهم، فكان محمّد و آله لطفا للملائكة و الأنبياء و أممهم، و لمن يكون إلى قيام السّاعة من المكلّفين.
و إنّما اختار اللّه محمّدا و انتجبه و اصطفاه لاستحقاقه المنزلة العظيمة الّتي تقتضي ذلك، و قد قرىء أيضا: و آل محمّد على العالمين، في قراءة أهل البيت عليهم السّلام و في شواذّ العامّة، و قال تعالى:
وصف اللّه محمّدا بخمسة أوصاف ههنا و قابل كلّ منها بخطاب مناسب له، قابل الشّاهد بقوله وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ* 166 لأنّه كان شاهدا على أمّته، و هم يكونون شهداء على سائر 167 الأمم، و هو الفضل الكبير.
و قابل المبشّر بالإعراض، لأنّه إذا عرض عن الكافرين و المنافقين، أقبل جميع إقباله على المؤمنين و قابل النّذير ب وَ دَعْ أَذاهُمْ 168 ، لأنه إذا ترك خوفه من أذاهم إيّاه لا بدّ من عقاب عاجل أو آجل كانوا منذرين به في المستقبل.
و قابل الدّاعي إلى اللّه بتيسيره و توفيقه بقوله: وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ 169 ، لأنّ من توكّل على اللّه يسّر عليه كلّ عسير.
و قابل السّراج المنير بالاكتفاء به (تعالى) وكيلا، لأنّ من آثره اللّه برهانا على جميع خلقه كان جديرا بأن يكتفي به عن جميع خلقه.
فصل: فيما خاطبه به اللّه تعالى
و أعلم أنّ اللّه تعالى خاطب بقوله: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 170 في بدء الوحي، و لم يكن قد بلّغ شيئا، ثمّ خوطب بعد ذلك بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ* 171 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ* 172 و المعنى يا أيّها المزّمّل بعبء النّبوّة و المتحمّل لأثقالها، صلّ باللّيل إلّا قليلا منه، ثمّ قال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 173 ، أي يا أيّها
المتدثّر بثياب التّواضع و لباس العبيد، قُمْ قيام عزم و تصميم فَأَنْذِرْ ، أي فحذّر أولا قومك ثمّ جميع النّاس من عقاب اللّه و عذابه إن لم يؤمنوا، و إن آذوك و أسمعوك، و المعنى فافعل الإنذار من غير تخصيص له بأحد، فكأنّه أمره اللّه بالمزّمّل أن يبدأ بنفسه، و بالمدّثّر أن يأمر النّاس، و لمّا انتشرت دعوته قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ 174 يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ 175 ، فأمره بتبليغ أحكام الشرع و لمّا كان آخر أمره و قربت وفاته قال اللّه له صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ 176 .
و بالإسناد عن أبي بكر بن مردويه الأصبهاني حدّثنا 177 محمّد بن عليّ ابن دخيّم حدّثنا 178 أحمد بن حازم 179 حدثنا 180 إبراهيم إسحاق الصّبي حدّثنا 181 عمرو بن أبي المقدام و هو عمرو بن ثابت، عن أبي حمزة الثّمالي، عن سعيد بن جبير، عن أبي الحمراء خادم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّمأنّه قال: سمعت رسول اللّه عليه الصلاة و السّلام يقول: «رأيت ليلة أسري بي إلى السّماء على ساق العرش الأيمن مكتوبا: لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، صفوتي من خلقي، أيّدته بعليّ و نصرته به».
و بإسناده عن أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: «أنا و عليّ حجّة اللّه على عباده».
و عن ابن عبّاس: أوّل من يكسى من حلل الجنّة إبراهيم لخلّته، ثمّ محمّد لأنّه صفوة اللّه، ثمّ عليّ.
و قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ 182 ، فالعدل رسول اللّه، و الإحسان علي، و الّذي جاء بالصّدق رسول اللّه و صدّق به عليّ.
فصل: في ذكر اللّوح الّذي عليه أسماء النّبيّ و أوصيائه عليهم السّلام
عن جابر ، دخلت على فاطمة عليها السّلام و قدّامها لوح أخضر ظننت أنّه من زمرّد، و رأيت فيه كتابا شبيه نور الشّمس، فيه اثني عشر اسما ثلاثة في ظاهره، و ثلاثة في باطنه، و ثلاثة في آخره، و ثلاثة في طرفه، فقلت: أسماء من هؤلاء؟ قالت: أسماء الأوصياء، أوّلهم ابن عمّي و أحد عشر من ولدي آخرهم القائم، فرأيت محمّدا محمّدا محمّدا في ثلاثة مواضع، و عليّا عليّا عليّا عليّا في أربعة مواضع، فقالت فاطمة: هذا اللّوح أهداه اللّه إلى رسوله فأعطانيه أبي ليسّرني و فيه:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* هذا كتاب مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ* لمحمّد نوره و سفيره و حجابه و دليله، فإيّاي فاعبد، و عليّ فتوكّل، إنّي لم أبعث نبيّا فأكملت أيّامه، إلّا جعلت له وصيّا، و إنّي فضّلتك على الأنبياء، و فضّلت وصيّك عليّا على الأوصياء، و أكرمتك بشبليك و سبطيك بعده الحسن و الحسين، فجعلت حسنا معدن علمي، و جعلت حسينا خازن علمي، و أكرمته بالشّهادة، جعلت كلمتي التّامّة معه، بعترته أثيب و أعاقب، أوّلهم عليّ سيّد العابدين و زين أوليائي الماضين، و ابنه شبيه جدّه المحمود محمّد الباقر لعلمي و المعدن لحكمتي، سيهلك المرتابون في جعفر لأكرمنّ مثواه و لأسرّنّه في أشياعه، انتجبت بعده موسى لأن خيط فرضي 183 لا ينقطع، و ويل للمغترّين الجاحدين عند انقضاء عبدي موسى و حبيبي و خيرتي، إنّ المكذّب بالثّامن مكذّب لكلّ أوليائي، و هو عليّ وليّي و ناصري، و من أضع عليه أعباء النّبوّة و امتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت متكبّر، يدفن بالمدينة التي بناها العبد الصّالح إلى جنب شرّ خلقي 184 ، حقّ القول منّي لأقرنّ عينيه بمحمّد ابنه و خليفته من بعده، فهو وارث علمي، و معدن حكمتي، و موضع سرّي، و حجتي على
خلقي، و اختم بالسّعادة لابنه عليّ وليّي و ناصري، و الشّاهد في خلقي، و أميني على وحيي، أخرج منه الداعي إلى سبيلي و الخازن لعلمي الحسن، ثمّ أكمل ذلك بابنه رحمة للعالمين.
و في رواية أخرى: إنّ جابرا قال: يا رسول اللّه، و من الأئمة من ولد عليّ؟ قال: «الحسن و الحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ سيّد العابدين في زمانه عليّ بن الحسين، ثمّ الباقر محمّد بن عليّ، ثمّ الصّادق جعفر بن محمّد، ثم الكاظم موسى بن جعفر، ثمّ الرّضا عليّ بن موسى، ثم التّقي محمّد بن علي، ثمّ النّقي عليّ بن محمّد، ثمّ الزّكيّ الحسن بن عليّ، ثمّ ابنه القائم بالحقّ مهدي أمّتي الّذي يملأ الأرض عدلا بهم، يحفظ اللّه الأرض أن تميد بأهلها».
الباب الثاني: في ذكر أمير المؤمنين علي عليه السّلام
عن الصّادق عليه السّلام «إنّ فاطمة ابنة أسد قالت لمّا حملت بعليّ: رآني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بعد أربعة أشهر فقال: إنّ معك حملا يا أمّاه؟ قلت: نعم، قال: إن ولدتيه ذكرا فهبيه لي أشدد به أزري و أشركه في أمري، فسمعه أبو طالب فقال: عزيزي أنا غلامك، و فاطمة جاريتك، إن ولدت ذكرا أو أنثى فهو لك فلمّا تمّت شهوري طفت بالبيت ثلاثا فضربني الطّلق، فاستقبلني محمّد و قال: ما لي أرى وجهك متغيّرا، قلت: ضربني الطّلق، قال:
فرغت من الطّواف. قلت: لا، قال: طوفي فإن أتى عليك أمر لا تطيقنه، فادخلي الكعبة فهي ستر اللّه، فلمّا كنت في السّابعة و علاني ما لا أطيقه دخلت الكعبة، فلمّا توسطتها بإزاء الرّخامة الحمراء ولدت عليّا ساجدا للّه، فسمعته يقول: سبحانك سبحانك، و رأيت نورا من عليّ قد ارتفع إلى السّماء، و بقيت ثلاثة أيّام في بيت اللّه آكل من ثمار الجنّة، و سمعت هاتفا يقول: يا فاطمة سميّه عليّا فهو عليّ و أنا عليّ الأعلى، و هو الإمام بعد حبيبي محمّد رسول اللّه، و هو ولييّ اشتققت اسمه من اسمي قالت: فلمّا رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم قال: الحمد للّه الّذي أتمّ لي الوعد و أنجز لي الموعود، و قال: سميّه عليّا، فوضع النّبيّ لسانه في فيه فلم يزل يمصّه، و نادى أبو طالب:
يا ربّ يا ذا الغسق الدّجي
و القمر المبتلج المضيّ
بيّن لنا من حكمك المقضيّ