کتابخانه روایات شیعه
تفسير سورة الصّافّات
سورة الصّافّات مكّيّة.
و آياتها مائة و إحدى أو اثنتان و ثمانون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب- الاعمال 12160 ، بإسناده إلى أبي عبد اللّه- عليه السّلام- قال: من قرأ سورة الصّافّات، في كلّ يوم جمعة، لم يزل محفوظا من كلّ آفة، مدفوعا عنه كلّ بليّة في الحياة الدّنيا، مرزوقا [في الدنيا] 12161 في أوسع ما يكون من الرّزق. و لم يصبه اللّه في ما له و لا ولده و لا بدنه، بسوء من شيطان رجيم، و لا من جبّار عنيد. و إن مات في يومه، أو ليلته، بعثه اللّه شهيدا، و أماته شهيدا. و أدخله الجنّة مع الشّهداء في درجة من الجنّة.
و في مجمع البيان 12162 : أبيّ بن كعب قال: قال رسول اللّه- صلّى اللّه عليه و آله-: و من قرأ سورة الصّافات، أعطي من الأجر عشر حسنات، بعدد كلّ جنّيّ و شيطان.
و تباعدت عنه مردة الشياطين. و برئ من الشّرك. و شهد له حافظاه يوم القيامة أنّه كان مؤمنا بالمرسلين.
و في الكافي 12163 : محمّد بن يحيى، عن موسى بن الحسن، عن سليمان الجعفريّ قال:
رأيت أبا الحسن- عليه السّلام- يقول لابنه القاسم: قم، فاقرأ عند رأس أخيك
وَ الصَّافَّاتِ حتّى تستتمّها.
فقرأ. فلمّا بلغ أَ هُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا 12164 قضي الفتى. فلمّا سجّي 12165 ، و خرجوا، أقبل عليه يعقوب بن جعفر، فقال له: كنّا نعهد الميّت إذا نزل به الموت، يقرأ عنده يس وَ الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ، فصرت تأمرنا بالصّافّات؟! فقال: يا بنيّ، لم تقرأ عند 12166 مكروب من موت قطّ، إلّا عجّل اللّه راحته.
وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3):
قيل 12167 : أقسم بالملائكة الصّافّين.
و في مجمع البيان 12168 : اختلف في معني الصَّافَّاتِ على وجوه:
أحدها: أنّها الملائكة تصفّ أنفسها صفوفا في السّماء، كصفوف المؤمنين للصّلاة.
عن ابن عبّاس، و مسروق، و الحسن، و قتادة، و السّديّ.
و ثانيها: أنّها الملائكة تصفّ أجنحتها في الهواء، إذا أرادت النّزول إلى الأرض، واقفة تنتظر ما يأمرها اللّه- تعالى. عن الجبّائي.
و ثالثها: أنّها جماعة المؤمنين يقومون مصطفّين في الصّلاة و الجهاد. عن أبي مسلم.
فَالزَّاجِراتِ زَجْراً . اختلف فيها- أيضا- على وجوه:
أحدها: أنّها الملائكة تزجر الخلائق عن المعاصي. عن السّديّ و مجاهد. و على هذا، فإنّه يوصل اللّه مفهومه إلى قلوب العباد، كما يوصل مفهوم إغواء الشّياطين إلى قلوبهم؛ ليصحّ التّكليف.
و ثانيها: أنّها الملائكة الموكّلة بالسّحاب، تزجرها و تسوقها. عن الجبّائي.
و ثالثها: أنّها زواجر القرآن و آياته الناهية عن القبائح. عن قتادة.
و رابعها: أنّهم المؤمنون يرفعون أصواتهم عند قراءة القرآن. لأنّ الزّجرة الصّيحة. عن أبي مسلم.
فَالتَّالِياتِ ذِكْراً اختلف فيها- أيضا- على أقوال:
أحدها: أنّها الملائكة تقرأ كتاب اللّه و الذّكر الّذي ينزل على الموحى إليه. عن
مجاهد و السّديّ.
و ثانيها: أنّها الملائكة تتلو كتاب اللّه الّذي كتبه لملائكته و فيه ذكر الحوادث، فتزداد يقينا بوجود المخبر على وفق الخبر.
و ثالثها: جماعة قرّاء القرآن من المؤمنين، يتلونه في الصّلاة. عن أبي مسلم.
و إنّما لم يقل: فالتّاليات 12169 تلواكما قال: فَالزَّاجِراتِ زَجْراً ، لأنّ التّالي قد يكون بمعنى التّابع. و منه قوله 12170 : وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها . فلمّا كان اللّفظ مشتركا، بيّنه بما يزيل الإبهام 12171 .
فالعطف لاختلاف الذّوات أو الصّفات. و الفاء لترتيب الوجود؛ كقوله:
يا لهف زيّابة للحارث الصابح
فالغانم فالآيب
فإنّ الصّفّ كمال، و الزّجر تكميل بالمنع عن الشّرّ، أو الإساقة 12172 إلى قبول الخير، و التّلاوة إفاضته. أو الرّتبة؛
كقوله 12173 - صلّى اللّه عليه و آله-: رحم اللّه المحلّقين، فالمقصّرين
غير أنّه لفضل المتقدّم على المتأخّر، و هذا للعكس.
و أدغم 12174 أبو عمرو و حمزة التّاءات فيما يليها، لتقاربها؛ فإنّها من طرف اللّسان و أصول الثّنايا.
جواب للقسم. و الفائدة فيه تعظيم المقسم به، و تأكيد المقسم عليه، على ما هو المألوف في كلامهم. و أمّا تحقيقه، فبقوله: رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ (5). فإنّ وجودها و انتظامها على الوجه الأكمل، مع إمكان غيره، دليل وجود الصّانع الحكيم و وحدته، على ما مرّ غير مرّة.
و «ربّ» بدل من «واحد» أو خبر ثان، أو خبر محذوف.
و ما قيل 12175 : إنّ ما بينهما يتناول أفعال العباد. فيدلّ على أنّها من خلقه ففيه: أنّ كونه ربّ أفعال العباد، لا يستلزم كونه خالقا لها. فإنّ كونه خالقا لمصادرها، يكفي في
كونه ربّا لها.
و الْمَشارِقِ مشارق الكواكب، أو مشارق الشّمس في السّنة. و هي ثلاثمائة و ستّون مشرقا، تشرق كلّ يوم في واحد، و بحسبها تختلف المغارب؛ و لذلك اكتفى بذكرها.
مع أنّ الشّروق أدلّ على القدرة، و أبلغ في النّعمة.
إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا : القربى منكم بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (6): بزينة 12176 هي الكواكب. و الإضافة للبيان. و يعضده قراءة 12177 يعقوب و حمزة 12178 و حفص بتنوين «زينة». و جرّ «الكواكب» على إبدالها منه.
أو: بزينة هي لها كأضوائها و أوضاعها. أو: بأن زيّنّا الكواكب فيها، على إضافة المصدر إلى المفعول. فإنّها كما جاءت اسماء- كاللّيقة- جاعت مصدرا، كالنّسبة.
و يؤيّده قراءة 12179 أبي بكر بالتّنوين و النّصب على الأصل.
أو: بأن زيّنتها الكواكب، على إضافته إلى الفاعل.
و ركوز الثّوابت في الكرة الثّامنة، و ما عدا القمر من السّيّارات في السّتّ المتوسّطة بينها و بين السّماء الدّنيا- إن تحقّق- لم يقدح في ذلك؛ فإنّ أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم 12180 : وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا قال: الملائكة و الأنبياء- عليهم السّلام- و من صفّ للّه- عزّ و جلّ- و عبده. فَالزَّاجِراتِ زَجْراً الّذين يزجرون النّاس. فَالتَّالِياتِ ذِكْراً [الّذين] 12181 يقرءون الكتاب من النّاس. فهو قسم و جوابه: إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ رَبُّ الْمَشارِقِ إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ. الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ .