کتابخانه روایات شیعه
كقولك لتارك الجادّة: أين تذهب؟
إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (27): تذكير لمن يعلم.
لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28): بتحرّي الحقّ و ملازمة الصّواب.
و إبداله من «العالمين» لأنّهم المنتفعون بالتّذكير.
وَ ما تَشاؤُنَ : الاستقامة إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ : إلّا وقت أن يشاء اللّه مشيئتكم، فله الفضل و الحقّ عليكم باستقامتكم.
رَبُّ الْعالَمِينَ (29): مالك الخلق كلّه.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم 25083 ، متّصلا بآخر ما نقلت عنه قريبا، أعني: قوله:
علما للنّاس. قلت: وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ .
قال: ما هو- تبارك و تعالى- على نبيّه بغيبه بضنين عليه.
قلت: قوله: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ .
قال: يعني: الكهنة الّذين كانوا في قريش، فنسب كلامهم إلى كلام الشّياطين الّذين كانوا معهم يتكلّمون على ألسنتهم، فقال: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ مثل أولئك.
قلت: قوله: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ [إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ .
قال: فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ] 25084 في عليّ، يعني: ولايته، أين تفرّون منها إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ لمن أخذ اللّه ميثاقه على ولايته.
قلت: لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ .
قال: في طاعة عليّ- عليه السّلام- و الأئمّة من بعده.
قلت: وَ ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ .
قال: لأنّ المشيئة إليه- تبارك و تعالى- لا إلى النّاس.
حدّثنا 25085 محمّد بن جعفر قال: حدّثنا محمّد بن أحمد، عن أحمد بن محمّد السّياريّ، عن فلان، عن أبي الحسن- عليه السّلام- قال: إنّ اللّه جعل قلوب الأئمّة موردا لإرادته، فإذا شاء اللّه شيئا، شاءوه، و هو قوله: وَ ما تَشاؤُنَ (الآية).
و في كتاب الاحتجاج 25086 للطّبرسيّ- رحمه اللّه- حديث طويل: عن عليّ- عليه السّلام - يذكر فيه جواب بعض الزّنادقة عمّا اعترض به على التّنزيل، أجاب عمّا توهّمه من التناقض بين قوله: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها و قوله: يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ و تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا و تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ . و الحديث قد ذكرناه في آخر سورة الدّهر.
سورة الانفطار
مكّيّة.
و آيها تسع عشرة آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*
في كتاب ثواب الأعمال 25087 ، بإسناده إلى الحسين بن أبي العلا قال: سمعت أبا عبد اللّه- عليه السّلام- يقول: من قرأ هاتين السّورتين، و جعلهما نصب عينيه في الفريضة و النّافلة إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ و إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ لم يحجبه اللّه من حاجته، و لم يحجزه من اللّه حاجز، و لم يزل ينظر إلى اللّه و ينظر اللّه إليه حتّى يفرغ من حساب النّاس.
و في مجمع البيان 25088 : ابيّ بن كعب، عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- قال: و من قرأها، أعطاه اللّه من الأجر بعدد كلّ قبر حسنة، و بعدد كلّ قطرة حسنة، و أصلح له شأنه يوم القيامة.
[و في الحديث ما رواه العامّة: عن النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: من قرأ سورة الانفطار و الانشقاق في الفريضة و النّافلة، لم يكن له حاجة إلّا قضاها اللّه- تعالى- في خزائن عينه و كتبه، ألف ألف حسنة من حسنات الأبرار في صحيفة عمله، و اللّه
العالم] 25089 .
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (1): انشقّت.
وَ إِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (2): تشاقطت متفرّقة.
و في مصباح شيخ الطّائفة 25090 ، في الدّعاء المرويّ، عن الصّادق- عليه السّلام-: و أسألك باسمك الّذي وضعته على الجبال فنسفت و] 25091 وضعته على السّماء فانشقّت، و على النّجوم فانتثرت 25092 .
وَ إِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (3): فتح بعضها إلى بعض، فصار الكلّ بحرا واحدا.
وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4): قلب ترابها و اخرج موتاها.
و قيل: إنّه مركّب من «بعث» و «راء» الإثارة، كبسمل 25093 ، و نظيره بحثر لفظا و معنى.
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ : من عمل، أو صدقة.
وَ أَخَّرَتْ (5): من سنّة 25094 ، أو تركة.
و يجوز أن يراد بالتّأخير: التّضييع. و هو جواب «إذا».
و في تفسير عليّ بن إبراهيم 25095 : وَ إِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ قال: تنشقّ فيخرج النّاس منها. عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ ، أي: ما عملت من خير و شرّ.
و في مجمع البيان 25096 : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ هذا كقوله 25097 : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ و قد مرّ ذكره.
و عن عبد اللّه بن مسعود 25098 قال: ما قَدَّمَتْ من خير أو شرّ، و ما أَخَّرَتْ من سنّة حسنة استنّ بها بعده فله أجر من اتّبعه من غير أن ينقص من أجورهم [شيء] 25099 ، أو
سنّة سيّئة عمل بها بعده فعليه وزر من عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء.
و يؤيّد 25100 هذا القول: بما
جاء في الحديث ، أنّ سائلا قدم على عهد النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- فسأل، فسكت القوم، ثمّ إنّ رجلا أعطاه فأعطاه القوم.
فقال النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله-: من استنّ خيرا [فاستنّ به] 25101 ، فله أجره و مثل أجور من اتّبعه من غير منتقص من أجورهم. و من استنّ شرا، [فاستنّ به] 25102 فعليه وزره و مثل أوزار من اتّبعه من غير أن ينقص من أوزارهم 25103 .
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6): أيّ شيء خدعك و جرّأك على عصيانه؟
قيل 25104 : و ذكر «الكريم» للمبالغة في المنع عن الاغترار، فإنّ محض الكرم لا يقتضي إهمال الظّالم و تسوية الموالي و المعادي و المطيع و العاصي فكيف إذا انضمّ إليه صفة القهر و الانتقام، و الإشعار بما به يغرّه 25105 الشّيطان، فإنّه يقول له: افعل ما شئت فربّك كريم لا يعذّب أحدا 25106 و لا يعاجل بالعقوبة. و الدّلالة على أنّ كثرة كرمه تستدعي الجدّ في طاعته، لا الانهماك في عصيانه اغترارا بكرمه.
و في مجمع البيان 25107 ، متّصلا بقوله: من اتّبعه غير منتقص من أوزارهم شيء. قال:
فتلا حذيفة بن اليمان: عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ، يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ، أي: أيّ شيء غرّك بخالقك و خدعك و سوّل لك الباطل حتّى عصيته و خالفته.
و روي 25108 أنّ النّبيّ- صلّى اللّه عليه و آله- لما تلا هذه الآية، قال: غرّه جهله.
و قال أمير المؤمنين 25109 - عليه السّلام-: كم من مغرور بالسّتر عليه، و مستدرج بالإحسان إليه.
و في نهج البلاغة 25110 ، من كلامه- عليه السّلام- قال عند تلاوته:
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ :
أدحض 25111 مسؤول حجّة، و أقطع مغترّ 25112 معذرة، لقد أبرح جهالة بنفسه 25113 .
يا أيّها الإنسان، ما جرّأك على ذنبك، و ما غرّك بربّك، و ما أنّسك بهلكة نفسك؟ أما من دائك بلول 25114 ، أم ليس من نومتك يقظة؟ أما ترحم من نفسك ما ترحم من غيرك؟ فلربما ترى الضّاحي من حرّ 25115 الشّمس فتظلّه، أو ترى المبتلى بألم 25116 يمضّ [جسده] 25117 فتبكي رحمة له! و عزّاك عن البكاء على نفسك، و هي أعزّ الأنفس عليك! و كيف لا يوقظك خوف بيات 25118 نقمة، و قد تورّطت بمعاصيه مدارج سطواته!
الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7): صفة ثانية مقرّرة للرّبوبيّة، مبيّنة للكرم، منبّهة على أنّ من قدر على ذلك أوّلا قدر عليه ثانيا.
و «التّسوية» جعل الأعضاء سليمة مستوية معدّة لمنافعها.
«و التعديل» جعل البنية معتدلة متناسبة الأعضاء، أو معدلة بما تسعدها من القوى.
و قرأ 25119 الكوفيّون: «فعدلك» 25120 بالتّخفيف، أي: عدل بعض أعضائك ببعض حتّى اعتدلت، أو فصرفك عن خلقة غيرك و ميّزك بخلقة فارقت خلقة سائر الحيوانات.
فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (8)، أي: ركّبك في أيّ صورة شاءها.
و «ما» مزيدة.
و قيل 25121 : شرطيّة، و «ركّبك» جوابها، و الظّرف صلة «عدلك» 25122 . و إنّما لم تعطّف الجملة على ما قبلها لأنّها بيان «لعدلك».