کتابخانه روایات شیعه
فرفع حاجبيه عن عينيه و قد كان سقط على عينيه، قال، فقال ذاك خير البشر أما و اللّه ان كنا لنعرف المنافقين (1) على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ببغضهم إياه.
قوله رضى اللّه تعالى عنه: ان كنا لنعرف المنافقين ان بكسر الهمزة و اسكان النون على المخففة من المثقلة و يبطل التخفيف عملها و تدخل على الجملة الاسمية مثل ان زيد لمنطلق، و على الجملة الفعلية ان كان زيد لكريما.
و الفعل الذي تدخل عليه ان المخففة يجب أن يكون مما يدخل على المبتدأ و الخبر، و اللام لازمة لخبرها، و هي التي تسمى «الفارقة» لأنها تفرق بين ان المخففة و ان النافية.
و تكون أيضا ان زائدة في الكلام للتحبير و التزيين، اذا لم يكن مستعملة مع اللام.
و روى أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا عن أبي الزبير قال: قلت لجابر كيف كان علي فيكم؟ قال: ذاك خير البشر، ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم اياه 594 .
و روى مرفوعا الى أبي ذر رضي اللّه تعالى عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لعلي يا علي من فارقني فقد فارق اللّه، و من فارقك فقد فارقني 595 .
و عن أبي سعيد الخدري مسندا قال: كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ببغضهم عليا 596 .
و عن زيد بن أرقم: ما كنا نعرف المنافقين الا ببغضهم عليا 597 .
..........
و روى البغوي في المصابيح من الصحاح: أن عليا عليه السّلام قال: و الذي فلق الحبة و برأ النسمة أنه لعهد النبي الامي إليّ أنه لا يحبني الا مؤمن، و لا يبغضني الا منافق 598 .
و رواه مسلم في صحيحه عن زر بن حبش عن علي عليه السّلام 599 .
و في صحاح أصولهم و مسانيدهم بأسانيد متشعبة و طرق شتى أنه صلّى اللّه عليه و آله قال لعلي عليه السّلام: لا يحبك الا مؤمن و لا يبغضك الا منافق 600 .
و قال: لو لا انت لم يعرف حزب اللّه.
و قال صلّى اللّه عليه و آله: من زعم أنه آمن بما جئت به و هو يبغض عليا، فهو كاذب ليس بمؤمن 601 .
و انه صلّى اللّه عليه و آله كان جالسا فدخل علي بن أبي طالب عليه السّلام فقال: كذب من زعم أنه تولاني و أحبني و هو يعادي هذا و يبغضه، و اللّه لا يبغضه و يعاديه الا كافر أو منافق ولد زنية 602 .
و قال: من تولاه فقد تولاني و من تخلاه فقد تخلاني 603 .
و أنه صلّى اللّه عليه و آله قال: علي مع الحق و الحق مع علي، يدور معه حيث ما دار 604 .
قال: يا علي أنت و شيعتك هم الفائزون يوم القيامة 605 .
..........
و بالجملة من القطعيات المتواترات أن حب النبي عليه و آله الصلاة و التسليم و التصديق ما لم يكن مقرونا بحب علي عليه السّلام و معرفة حقه و الاستيقان بمنزلته، لم يكن مخرجا للمرإ من هوة الكفر و النفاق، و لا مدخلا اياه في طوار الدين و الايمان.
نقل و تذييل أوردت في بعض معمولاتي و معلقاتي كلاما بهذه الالفاظ: للّه درّ امام المتشككين و علامة المتكلفين من أعاظم علماء العامة فخر الدين الرازي، و لي فيه وجهته، شطر كعبة الحق، و آثر في سلوكه سبيل مسلك الانصاف، و من ذلك ما قد أنطقه اللّه بالقول الفصل الثابت في التفسير الكبير حيث قال في حجج الجهر ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ:*
الحجة الثالثة أن الجهر بذكر اللّه يدل على كونه مفتخرا بذلك الذكر غير مبال بانكار من ينكره، و لا شك أنه مستحسن في العقل فيكون في الشرع كذلك، لقوله عليه السّلام «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن».
و مما يقوى هذا الكلام أيضا ان الاخفاء و الاسرار لا يليق الا بما يكون عيبا و نقصانا، فيخفيه و يستره لئلا ينكشف ذلك العيب، اما الذي يفيد أعظم الورع الفخر و الفضيلة في الحقيقة، فكيف يليق بالعاقل اخفاؤه؟
و معلوم انه لا منقبة للعبد أعلى و أكمل من كونه ذاكرا للّه بالتعظيم، و لهذا قال صلّى اللّه عليه و آله: طوبى لمن مات و لسانه رطب من ذكر اللّه» و كان علي بن ابي طالب عليه السّلام يقول:
يا من ذكره شرف للذاكرين، و مثل هذا كيف يليق بالعاقل ان يسعى في اخفائه؟
و لهذا السبب نقل أن عليا عليه السّلام كان مذهبه الجهر ب «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* في جميع الصلوات.
و اقول: ان هذه الحجة قوية في نفسي راسخة في عقلي لا تزول بسبب كلمات المخالفين.
الحجة الرابعة: ما رواه الشافعي بأسناده أن معاوية قدم المدينة فصلى بهم، و لم
..........
يقرء «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* و لم يكبر عند الخفض الى الركوع و السجود.
فلما سلم ناداه المهاجرين و الانصار يا معاوية! سرقت من الصلاة، أين بسم اللّه الرحمن الرحيم؟ و أين التكبير عند الركوع و السجود؟ ثم انه اعاد الصلاة مع التسمية و التكبير.
قال الشافعي: ان معاوية كان سلطانا عظيم القوة شديد الشوكة، فلو لا ان الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين و الانصار، و الا لما قدروا على اظهار الانكار بسبب ترك التسمية.
الحجة الخامسة: روى البيهقي في السنن الكبير عن أبي هريرة قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يجهر في الصلاة ب «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* ثم ان البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و ابن الزبير.
و أما أن عليا عليه السّلام كان يجهر بالتسمية، فقد ثبت بالتواتر، و من اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب عليه السّلام فقد اهتدى، و الدليل قوله صلّى اللّه عليه و آله: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار انتهى كلامه بعبارته 606 .
ثم قال: و أقول: ان أنسا و ابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم اللّه الرحمن الرحيم للخلفاء الثلاثة، و لم يذكرا عليا، و ذلك يدل على اطباق الكل على أن عليا عليه السّلام كان يجهر ب «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* .
و أيضا هاهنا تهمة أخرى و هي أن عليا عليه السّلام كان يبالغ في الجهر ب «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ»* فلما وصلت الدولة الى بني أمية بالغوا في المنع عن الجهر سعيا في ابطال آثار علي عليه السّلام، فلعل أنسا خاف منهم، و لهذا السبب اضطربت أقواله فيه.
و نحن ان شككنا في شيء، فانا لا نشك أنه مهما وقع التعارض بين قول أنس
..........
و ابن المغفل، و بين قول علي عليه السّلام، و الذي بقي عليه طول عمره فان الاخذ بقول علي عليه السّلام أولى، و هذا جواب قاطع في هذه المسألة.
ثم هب أنه حصل التعارض بين راويكم و راوينا، الا أن الترجيح معنا من وجوه: الاول راوي أخباركم أنس و ابن المغفل، و راوي قولنا علي بن أبي طالب عليه السّلام و ابن عباس، و الثاني ان الدلائل العقلية موافقة لنا و عمل علي بن أبي طالب عليه السّلام معنا، و من اتخذ عليا عليه السّلام اماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى 607 . انتهى كلام امام المتشككين في التفسير الكبير في هذه المسألة بألفاظه.
قلت له: يا امام قومك و علامة أصحابك ما أحبر عقباك، و أكرم مثواك، و أحسن خاتمتك، و أسعد عاقبتك لو كنت مهتديا لسواء السبيل بالاقتداء بعلي بن ابي طالب عليه السّلام في ساير ابواب الدين على العموم، كما اقتديت و اهتديت به عليه السّلام في هذه المسألة بخصوصها.
و يحك ما خطبك علماؤكم و محدثوكم و حملة أخباركم و نقلة آثاركم و انت معهم مطبقون قاطبة على ان عليا عليه السّلام لم يبايع ابا بكر الى ستة اشهر، و هي مدة بقاء البتول الزهراء عليها السّلام بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، مدعيا ان الخلافة حقه و الامامة منصبه، محتجا على الاقوام بقوله عليه السّلام: أنتم بالبيعة لي أحق مني بالبيعة لكم، و اني احتج عليكم بمثل ما احتججتم به على الانصار يا ابا بكر قد استبدت علينا و استأثرت بحقنا و اخرجت سلطان محمد صلّى اللّه عليه و آله من بيته.
و الشيعة مجمعون على ان ابائه عليه السّلام عن البيعة لم يكن متخصصا بستة أشهر، و انه لم يبايع أحدا ابدا، بل انما قعد عن القيام بمطالبة حقه، و ترك الجهاد في محاولة الاستواء على سرير منصبه، لعدم مساعدة الزمان و قلة الانصار و الاعوان، ذلك امر مكشوف ظاهر كالشمس في الهاجرة، مستبين من صحيحكم و اصولكم و مسانيدكم
..........
كما قد نقلناه سابقا و كنا قد فصلنا القول فيه في كتاب نبراس الضياء.
فأنت اذا كنت من المستيقنين ان الحق مع علي صلوات اللّه عليه دائر معه حيث دار، و ان المقتدي به عليه السّلام في دينه مستمسك بالعروة الوثقى في يقينه، فهلا كنت قد استمسكت به مصدقا في دعواه، مؤثرا اياه في اتخاذه اماما لدينك على من عداه و مثل هذه الحجة يجري على حجة اسلامكم الشيخ الغزالي حيث يقول في كتابه احياء العلوم: لم يذهب ذو بصيرة الى تخطئة علي قط. و يقول في رسالته اللدنية العاقل يقتدي بسيد العقلاء علي بن أبي طالب فليتبصر.
عبد اللّه أبو جابر و جابر أيضا في الترجمة، على ما في طائفة جمة من النسخ عبد اللّه بن جابر بن عبد اللّه و جابر أيضا و هو الصواب.
و أبو جابر عبد اللّه بن عمرو بن حزام- باهمال الحاء المكسورة و الزاء و قيل:
حرام بفتح الحاء المهملة و الراء ضد الحلال- الانصاري، كان من النقباء الاثنا عشر ليلة البيعة، و من السبعين في بيعة العقبة، شهد بدرا و هو من شهداء أحد.
و ابنه جابر بن عبد اللّه الانصاري كان من السبعين و لم يكن من النقباء الاثنا عشر رضي اللّه تعالى عنهما، ذكر ذلك أصحاب الحديث من أصحابنا و من العامة جميعا.
قال ابن الاثير في جامع الاصول: عبد اللّه بن عمرو بن حرام الانصاري السلمي والد جابر بن عبد اللّه، و قد تقدم تمام نسبه عند ذكر ابنه جابر، و عبد اللّه شهد العقبة مع السبعين، و هو أحد النقباء و شهد بدرا و قتل يوم أحد، قال النبي صلّى اللّه عليه و آله لجابر:
ان اللّه أحيا أباك و كلمه كفاحا انتهى كلامه.
و قال ابن عبد البر: عبد اللّه بن عمرو بن حرام بن ثعلبة أبو جابر، شهد العقبة مع السبعين و هو أحد النقباء الاثنا عشر، و شهد بدرا واحدا، و قتل يومئذ 608 .
..........
ثم ان بعض النسخ الحديثة السقيمة الغير الملتفت لغتها قد صحف أبو با بن في الترجمة و في متن الحديث، فبعض من لم يتمهر من ابناء هذا العصر تو همه صحيحا و حسبه صوابا، و زعم من هناك ان عبد اللّه بن جابر بن عبد اللّه الانصاري المشهور من الرجال و من النقباء الاثنا عشر و من السبعين، و اما أبوه ابو جابر فهو من السبعين لا من الاثنا عشر 609 .
و من له قدم معرفة في الاخبار و الأحاديث يعلم ان ذلك من ضعف قوة النظر و نقص رأس مال التتبع و قلة بضاعة التحصيل، و انه لم يكن لجابر بن عبد اللّه الانصاري المشهور رضي اللّه عنه ابن مذكور في كتب الرجال اسمه عبد اللّه، و لو فرضنا صحته فكيف يستقيم كونه من الاثنا عشر و من السبعين، و ابوه من السبعين لا من الاثنا عشر
ثم لو صح ذلك لكان يذكر جابر بن عبد اللّه و عبد اللّه بن جابر أيضا لا بالعكس، و كان هذا الحاسب المتوهم انما منشأ حسبانه مسبار تو همه انه رأى في كتب الرجال عبد اللّه بن جابر الانصاري، فالتبس الامر عليه فحسب انه ابن جابر بن عبد اللّه الانصاري المعروف و ليس كذلك.
قال في جامع الاصول: عبد اللّه بن جابر هو عبد اللّه بن جابر البياضي الانصاري قال ابن مندة: ان البياضي الذي روى عنه ابو حازم التمار، و هو الذي جاء حديثه في الجهر بالقراءة في الصلاة، و اخرجه الموطأ فقال: ان اسمه عبد اللّه بن جابر و قال: سماه ابو عبيد عن اسحاق بن عيسى عن مالك. حازم بالحاء المهملة و الزاء.
و التمار بتاء فوقها نقطتان انتهى كلام جامع الاصول.