کتابخانه روایات شیعه
الْأَجَلُ، وَ عَهْدُ الْهُدْنَةِ، وَ هَا أَنَا مُطِيعُكُمْ فِي الْمَسِيرِ إِلَيْهِ فَانْهَضُوا بِنِيَّاتٍ صَحِيحَةٍ وَ قُلُوبٍ مُطْمَئِنَّةٍ، وَ وَفَاءٍ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ عَلَيْكُمْ طَائِعِينَ لَا مُكْرَهِينَ فَاجْتَمَعَ مِنْ شِيعَةِ الْكُوفَةِ وَ الْبَصْرَةِ زُهَاءُ ثَلَاثِينَ أَلْفاً مُحَقِّقُونَ سِوَى مَنْ لَحِقَ بِالْعَسْكَرِ، فَلَمَّا بَرَزُوا وَ صَارُوا بِالنُّخَيْلَةِ وَ سَارُوا إِلَى الْقُطْقُطَانِيَّاتِ وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ عَامِلِهِ بِالنَّهْرَوَانِ أَنَّ أَرْبَعَةَ آلَافِ رَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ حَكَّمُوا بِالنَّهْرَوَانِ وَ رَفَعُوا رَايَاتِهِمْ وَ أَشْهَرُوا أَسْلِحَتَهُمْ وَ وَرَدُوا بِالْمَعْبَرَةِ فَأَخْرَجُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ مِنَ الْحُكْمِ، وَ أَتَوْا إِلَيْهِ وَ كَبَّرُوا وَ قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَظْفَرَنَا بِكَ أَيُّهَا الْخَائِنُ الْكَافِرُ بِكُفْرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَ الْمُقِيمُ مَعَهُ عَلَى رِدَّتِهِ، وَ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّكَ وَ زَوْجْتَكَ تَقَرُّباً إِلَى اللَّهِ بِدِمَائِكُمْ، وَ أَتَوْا بِخِنْزِيرٍ فَذَبَحُوهُ عَلَى شَطِّ النَّهْرَوَانِ وَ ذَبَحُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَبَّابٍ فَوْقَهُ، وَ قَالُوا: وَ اللَّهِ مَا ذَبْحُنَا لَكَ وَ لِهَذَا الْخِنْزِيرِ إِلَّا وَاحِداً.
وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَبَّابٍ مِنْ أَعْبَدِ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ أَفْضَلِهِمْ وَ أَخْيَرِهِمْ، وَ ذَبَحُوا زَوْجَتَهُ وَ طِفْلَهُ فَوْقَهُ، وَ قَالُوا: هَذَا فِعْلُنَا بِشِيعَةِ عَلِيٍّ وَ أَنْصَارِهِ نَقْتُلُهُمْ وَ لَا نُبْقِي مِنْهُمْ أَحَداً.
فَقَرَأَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ الْكِتَابَ وَ بَكَى رَحْمَةً لِعَبْدِ اللَّهِ وَ زَوْجَتِهِ وَ طِفْلِهِ وَ قَالَ:
آهْ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَئِنْ فَجَّعَ اللَّهُ بِكَ الدِّينَ لَقَدْ صِرْتَ وَ زَوْجَتُكَ وَ طِفْلُكَ إِلَى جَنَّاتِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَ سَمِعَ مَنْ فِي الْعَسْكَرِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَ صَاحَ النَّاسُ مِنَ الْعَسْكَرِ: فَمَا ذَا تَرَى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: اعْتَدُّوا بِنَا إِلَى هَؤُلَاءِ الْمَارِقِينَ، فَهَذَا وَ ايْمُ اللَّهِ أَرَى بَوَارَهُمْ وَ لُحُوقَهُمْ بِالنَّارِ.
فَرَجَعَ إِلَى النَّهْرَوَانِ حَتَّى نَزَلَ بِالْقُرْبِ مِنَ الْقَنْطَرَةِ وَ كَانَ فِي أَصْحَابِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدَبٌ الْأَزْدِيُّ قَدْ دَاخَلَهُ شَكٌّ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَلَحِقَ بِالْخَوَارِجِ (لَعَنَهُمُ اللَّهُ)، فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: الْزَمْنِي وَ كُنْ مَعِي حَيْثُ كُنْتُ، وَ حَقِّقْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَحَقَّقَهُ إِلَى أَنْ زَالَتِ الشَّمْسُ، فَأَتَاهُ قَنْبَرُ فَقَالَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: الصَّلَاةَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَقَالَ لَهُ: ائْتِنِي بِمَاءٍ
فَأَتَاهُ فَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ وَ صَلَّى فَأَتَاهُ فَارِسٌ يَرْكُضُ، فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَبَرَ الْقَوْمُ الْقَنْطَرَةَ فَقَالَ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنَّهُمْ مَا عَبَرُوهَا، فَقَالَ:
وَ اللَّهِ لَقَدْ عَبَرُوهَا، فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبْتَ مَا عَبَرُوهَا وَ لَنْ يَعْبُرُوهَا وَ لَا يَقْتُلُونَ مِنَّا إِلَّا تِسْعَةً وَ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا تِسْعَةٌ.
قَالَ جُنْدَبٌ الْأَزْدِيُّ اللَّهُ أَكْبَرُ هَذِهِ دَلَالَةٌ قَدْ أَعْطَانِي إِيَّاهَا فِيهِمْ فَأَتَاهُ فَارِسٌ آخَرُ يَرْكُضُ فَرَسَهُ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: عَبَرُوا الْقَنْطَرَةَ فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَقَدْ كَذَبْتَ مَا عَبَرُوهَا وَ لَا يَعْبُرُونَهَا، وَ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ إِلَّا تِسْعَةٌ وَ لَا يُفْقَدُ مِنَّا إِلَّا تِسْعَةٌ.
قَالَ جُنْدَبٌ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ هَذِهِ دَلَالَةٌ أُخْرَى، فَأَتَاهُ فَارِسٌ آخَرُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ أَرَادَ الْقَوْمُ أَنْ يَعْبُرُوهَا وَ مَا عَبَرُوهَا، قَالَ: صَدَقْتَ.
وَ كَانَ لِجُنْدَبٍ فَرَسٌ جَوَادٌ فَقَالَ: وَ اللَّهِ لَا سَبَقَنِي أَحَدٌ وَ لَا تَقَدَّمَنِي فِيهِمْ بِرُمْحٍ وَ ضَرَبَ فِيهِمْ بِسَيْفٍ، وَ خَرَجَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنَ الْعَسْكَرِ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) الْمَخْصُوفُ، وَ عَلَى مَنْكِبَيْهِ مُلَاءَةٌ وَ عَنْ يَمِينِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَ عَنْ يَسَارِهِ أَبُو أَيَّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، يَمْشِي نَحْوَ الْخَوَارِجِ فَوَثَبَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ مِنْ مُعَسْكَرِهِ بِالسِّلَاحِ وَ قَامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَخْرُجُ إِلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ وَ أَعْدَاءِ رَسُولِهِ وَ أَعْدَائِكَ، حَاسِراً بِغَيْرِ سِلَاحٍ، وَ هُمْ مُقَنَّعُونَ بِالْحَدِيدِ يُرِيدُونَ نَفْسَكَ لَا غَيْرَهَا؟ فَقَالَ: ارْجِعُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ فَوَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ، لَا يَكُونُ إِلَّا مَا يُرِيدُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ.
فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ وَ أَشْرَفَ عَلَى الْقَنْطَرَةِ الَّتِي كَانَتْ مِنْ وَرَائِهَا الْوَاقِعَةُ هَاجُوا نَحْوَهُ فَصَاحَ بِهِمْ: مَعَاشِرَ الْخَوَارِجِ إِنَّي جِئْتُكُمْ لِأُقَدِّمَ الْإِعْذَارَ وَ الْإِنْذَارَ إِلَيْكُمْ وَ أَسْأَلَكُمْ مَا تُرِيدُونَ وَ مَا تَطْلُبُونَ وَ تَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ وَ أَسْمَعُ مَا تَقُولُونَ، فَأَخْزَى اللَّهُ الظَّالِمِينَ فَزَجَرَهُمْ.
ثُمَّ قَالَ وَيْلَكُمْ أَيَّهَا الْخَوَارِجُ أَنَا أَعْلَمُ مَا تَقُولُونَ وَ لَا تَعْلَمُونَ مَا أَقُولُ،
فَاخْفِضُوا مِنْ أَصْوَاتِكُمْ وَ صَلْصَلَتِكُمْ وَ ضَجِيجِكُمْ وَ لْيَبْرُزْ إِلَيَّ ذُو الْحُكْمِ وَ الرَّأْيِ مِنْكُمْ، فَيَفْهَمَ عَنِّي وَ أَفْهَمَ عَنْهُ فَهَدَؤُا وَ بَرَزَ إِلَيْهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْهُمْ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): يَا مَعَاشِرَ الْخَوَارِجِ مَا الَّذِي أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ إِنْ مَرَقْتُمْ مِنْ دِينِ اللَّهِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ؟ وَ مَا ذَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ؟ وَ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ بِالْقِتَالِ إِنْ أَدْفَعْهُ إِلَيْكُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ تَقْبَلُونَهُ، وَ تَقُومُونَ حَتَّى لَا تُعَطَّلَ شَرِيعَةُ اللَّهِ وَ لَا رَسُولِهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ لَا تَطِيشَ مُسْلِمَةٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ، وَ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ.
فَقَالُوا: لَا.
فَقَالَ وَا عَجَبَاهْ لِقَوْمٍ يَطْلُبُونَ أَمْراً بِقِتَالٍ أَدْفَعُ إِلَيْهِمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ لَمْ يَقْبَلُوهُ، قَالُوا: وَ كَيْفَ نَقْبَلُهُ وَ نَحْنُ نُرِيدُ قَتْلَكُمْ؟ قَالَ: أَخْبِرُوني مَا الَّذِي أَرَدْتُمْ لِلْقِتَالِ بِغَيْرِ سُؤَالٍ وَ لَا جَوَابٍ، فَقَالُوا: أَنْكَرْنَا أَشْيَاءَ يَحِلُّ لَنَا قَتْلُكَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهَا.
فَقَالَ لَهُمْ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فَاذْكُرُوهَا فَقَالُوا: أَوَّلُهَا: أَنَّكَ كُنْتَ أَخَا رَسُولِ اللَّهِ وَ وَصِيَّهُ، وَ الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِهِ، وَ قَاضِيَ دَيْنِهِ، وَ مُنْجِزَ عِدَاتِهِ، وَ أَخَذَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ الْبَيْعَةَ فِي أَرْبَعِ مَوَاطِنَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ: فِي يَوْمِ الدَّارِ، وَ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَ فِي يَوْمِ غَدِيرِ خُمٍّ، وَ سَمَّاكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) تَشَاغَلْتَ بِوَفَاتِهِ، وَ تَرَكْتَ قُرَيْشاً وَ الْمُهَاجِرِينَ وَ الْأَنْصَارَ يَتَدَاوَلُونَ الْخِلَافَةَ، وَ الْمُهَاجِرُونَ يَقُولُونَ: الْخِلَافَةُ لِمَنِ اسْتَخْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وَ أَخَذَ لَهُ الْبَيْعَةَ مِنْهَا، وَ سَمَّاهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ قُرَيْشٌ تَقُولُ لَهُمْ لَا نَرْضَى وَ لَا نَعْلَمُ مَا تَقُولُونَ، فَقَالَ لَهُمُ الْأَنْصَارُ: إِذَا مُنِعَ عَلِيٌّ حَقَّهُ فَنَحْنُ وَ أَنْتُمْ أَحَقُّ بِهَا فَتَعَالَوْا نَنْصِبْ مِنَّا أَمِيراً وَ مِنْكُمْ أَمِيراً فَجَاءَتْ قُرَيْشٌ فَقَامَتْ قَسَامَةٌ أَرْبَعُونَ شَاهِداً يَشْهَدُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) قَالَ: الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ فَأَطِيعُوهُمْ مَا أَطَاعُوا اللَّهَ، فَإِنْ
عَصَوْهُ فَالْحُوهُمْ لَحْيَ هَذَا الْقَضِيبِ، وَ رَمَى الْقَضِيبَ مِنْ يَدِهِ، وَ كَانَتْ هَذِهِ أَوَّلَ قَسَامَةٍ، أُقْسِمَتْ بُهْتَاناً وَ زُوراً وَ أُشْهِرَتْ فِي الْإِسْلَامِ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ وَ عَقَدُوا الْأَمْرَ بِاخْتِيَارِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ وَ دَعَوْكَ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَخَرَجْتَ مُكْرَهاً مَسْحُوباً بَعْدَ أَنْ هَيَّأْتَ يُقِيمُ لَكَ فِيهَا عُذْراً، وَ تَقُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّكَ مَشْغُولٌ بِجَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ ذُرِّيَّتِهِ وَ تَعْزِيَتِهِنَّ وَ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، وَ مَا كَانَ لَكَ فِي ذَلِكَ عُذْرٌ فَلَمَّا تَرَكْتَ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ لَكَ وَ أَخْرَجْتَ نَفْسَكَ مِنْهُ أَخَّرْنَاكَ نَحْنُ أَيْضاً وَ شَكَكْنَا بِكَ.
قَالَ: هِيهِ، وَ مَا ذَا تُنْكِرُونَ؟
قَالُوا: وَ الثَّانِيَةُ أَنَّكَ حَكَمْتَ يَوْمَ الْجَمَلِ فِيهِمْ بِحُكْمٍ خَالَفْتَهُ بِصِفِّينَ، قُلْتَ لَنَا يَوْمَ الْجَمَلِ: لَا تُقَاتِلُوهُمْ مُوَلِّينَ وَ لَا مُدْبِرِينَ، وَ لَا نِيَاماً وَ لَا أَيْقَاظاً، وَ لَا تُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، وَ مَنْ أَلْقَى سِلَاحَهُ فَهُوَ كَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ، وَ أَحْلَلْتَ لَنَا فِي مُحَارَبَتِكَ لِمُعَاوِيَةَ سَبْيَ الْكُرَاعِ وَ أَخْذَ السِّلَاحَ وَ سَبْيَ الذَّرَارِيِّ فَمَا الْعِلَّةُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ إِلَى أَنَّ هَذَا حَلَالٌ وَ هَذَا حَرَامٌ؟
قَالَ: هِيهِ، ثُمَّ مَا ذَا أَنْكَرْتُمْ؟
قَالُوا: وَ الثَّالِثَةُ أَنَّكَ الْإِمَامُ وَ الْحَاكِمُ وَ الْوَصِيُّ وَ الْخَلِيفَةُ وَ أَنَّكَ أَجَبْتَنَا إِلَى أَنْ حَكَّمْنَا دُونَكَ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ فَكَانَ يَنْبَغِي لَكَ أَنْ لَا تَفْعَلَ وَ لَا تُجِيبَنَا إِلَى ذَلِكَ وَ تُقَاتِلَنَا بِنَفْسِكَ وَ نُطِيعَكَ، أَوْ تُقْتَلَ وَ لَا تُجِيبَهُمُ عِنْدَ رَفْعِ الْمَصَاحِفِ إِلَى أَنْ يَحْكُمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ الرِّجَالُ وَ أَنْتَ الْحَاكِمُ.
قَالَ: هِيهِ، ثُمَّ مَا ذَا؟
قَالُوا: وَ الرَّابِعَةُ أَنَّكَ كَتَبْتَ كِتَاباً إِلَى مُعَاوِيَةَ تَقُولُ فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَخْرٍ، فَرَدَّ الْكِتَابَ إِلَيْكَ وَ كَتَبَ فِيهِ يَقُولُ: إِنِّي لَوْ أَقْرَرْتُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ قَاتَلْتُكَ فَأَكُونُ قَدْ ظَلَمْتُكَ، بَلِ
اكْتُبْ بِاسْمِكَ وَ اسْمِ أَبِيكَ فَكَتَبْتَ إِلَيْهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَخْرٍ، فَلَمَّا أَجَبْتَ مُعَاوِيَةَ إِلَى إِخْرَاجِ نَفْسِكَ مِنْ إِمْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ كُنَّا نَحْنُ فِي إِخْرَاجِكُمْ، عَنِ الْآمِرِيَّةِ أَوْلَى.
قَالَ: هِيهِ ثُمَّ مَا ذَا؟
قَالُوا: وَ الْخَامِسَةُ أَنَّكَ قُلْتَ: هَذَا كِتَابُ اللَّهِ فَاحْكُمُوا بِهِ وَ اتْلُوهُ مِنْ فَاتِحَتِهِ إِلَى خَاتِمَتِهِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ مُعَاوِيَةَ أَثْبَتَ مِنِّي فَأَثْبِتُوهُ وَ إِنْ وَجَدْتُمُونِي أَثْبَتَ مِنْهُ فَأَثْبِتُونِي فَشَكَكْتَ فِي نَفْسِكَ فَنَحْنُ فِيكَ أَعْظَمُ شَكّاً.
قَالَ لَهُمْ: بَقِيَ لَكُمْ شَيْءٌ تَقُولُونَهُ؟ قَالُوا: لَا.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي الْجَوَابِ:
1- أَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ وَ أَقْرَرْتُمْ مِنِّي مِنَ الْأَمْرِ فِيمَا أَخَذَهُ اللَّهُ لِي وَ رَسُولُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْبَيْعَةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ إِلَى أَنْ تَشَاغَلْتُ فِيمَا ذَكَرْتُمُوهُ وَ فَعَلْتُمْ وَ فَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَ الْمُهَاجِرُونَ وَ الْأَنْصَارُ مَا فَعَلُوا إِلَى أَنْ عَقَدُوا الْأَمْرَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَمَا تَقُولُونَ مَعَاشِرَ الْخَوَارِجِ هَلْ تُوجِبُونَ عَلَى آدَمَ إِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِالسُّجُودِ لَهُ فَعَصَى اللَّهَ إِبْلِيسُ وَ خَالَفَهُ وَ لَمْ يَسْجُدْ لآِدَمَ أَنْ يَدْعُوَ إِبْلِيسَ إِلَى السُّجُودِ لَهُ ثَانِيَةً، فَقَالُوا: لَا، قَالَ: وَ لِمَ؟ قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ إِبْلِيسَ بِالسُّجُودِ فَعَصَى اللَّهَ وَ خَالَفَهُ وَ لَمْ يَفْعَلْ فَلَمْ يَجِبْ لِآدَمَ أَنْ يَدْعُوَهُ بَعْدَهَا.
قَالَ: فَهَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَمَرَ اللَّهُ النَّاسَ بِالْحَجِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَإِنْ تَرَكَ النَّاسُ الْحَجَّ وَ لَمْ يَحُجُّوا لِلْبَيْتِ كَفَرَ الْبَيْتُ أَوْ كَفَرَ النَّاسُ بِتَرْكِهِمْ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَجِّ إِلَيْهِ؟ قَالُوا: بَلْ كَفَرَ النَّاسُ، قَالَ: وَيْحَكُمْ مَعَاشِرَ الْخَوَارِجِ أَ تُعْذِرُونَ آدَمَ وَ تَقُولُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْعُوَ إِبْلِيسَ إِلَى السُّجُودِ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ فَعَصَى، وَ خَالَفَ، وَ لَمْ يَفْعَلْ وَ إِنَّمَا أَمَرَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَ لَا تُعْذِرُونَنِي وَ تَقُولُونَ: كَانَ يَجِبُ عَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ وَ قَدْ أَقْرَرْتُمْ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ سَمَّوْنِي بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) أَخَذَ لِيَ الْبَيْعَةَ عَلَيْهِمْ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاطِنَ، وَ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ فَرِيضَةٌ، وَ الْإِمَامُ فَرِيضَةٌ، كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ الَّتِي تُؤْتَى وَ لَا تُؤْتَى فَتُعْذِرُونَ الْبَيْتَ وَ تُعْذِرُونَ آدَمَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ)، وَ لَا تُعْذِرُونَنِي؟
فَقَالَ الْخَوَارِجُ: صَدَقْتَ وَ كَذَبْنَا، وَ الْحَقُّ وَ الْحُجَّةُ مَعَكَ.
ثُمَّ قَالَ:
2- وَ أَمَّا فِي يَوْمِ الْجَمَلِ بِمَا خَالَفْتُهُ فِي صِفِّينَ فَإِنَّ أَهْلَ الْجَمَلِ أَخَذُوا عَلَيْهِمْ بَيْعَتِي فَنَكَثُوا وَ خَرَجُوا عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) إِلَى الْبَصْرَةِ وَ لَا إِمَامَ لَهُمْ وَ لَا دَارُ حَرْبٍ تَجْمَعُهُمْ، وَ إِنَّمَا خَرَجُوا مَعَ عَائِشَةَ زَوْجَةُ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) مَعَهُمْ لِإِكْرَاهِهَا لِبَيْعَتِي وَ قَدْ أَخْبَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) بِأَنَّ خُرُوجَهَا خُرُوجُ بَغْيٍ وَ عُدْوَانٍ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ مَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ وَاحِدَةٌ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ غَيْرُهَا فَإِنَّ فَاحِشَتَهَا كَانَتْ عَظِيمَةً، أَوَّلُهَا خِلَافٌ لِلَّهِ فِيمَا أَمَرَهَا فِي قَوْلِهِ: وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى فَأَيُّ تَبَرُّجٍ أَعْظَمُ مِنْ خُرُوجِهَا وَ طَلْحَةَ وَ الزُّبَيْرِ وَ خَمْسَةٍ وَ عِشْرِينَ أَلْفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْحَجِّ، وَ اللَّهِ مَا أَرَادُوا حَجّاً وَ لَا عُمْرَةً، وَ مَسِيرُهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَ إِشْعَالِهَا حَرْباً قُتِلَ فِيهِ طَلْحَةُ وَ الزُّبَيْرُ وَ خَمْسَةٌ وَ عِشْرُونَ أَلْفاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَ قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ يَقُولُ: وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً فَقُلْتُ لَكُمْ عِنْدَ مَا أَظْهَرَنَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ دَارُ حَرْبٍ تَجْمَعُهُمْ وَ لَا إِمَامٌ يُدَاوِي جِرَاحَهُمْ، وَ لَا يُعِيدُهُمْ إِلَى قِتَالِكُمْ مَرَّةً أُخْرَى، وَ لَوْ كُنْتُ أَحْلَلْتُ لَكُمْ سَبْيَ الذَّرَارِيِّ أَيُّكُمْ كَانَ يَأْخُذُ عَائِشَةَ زَوْجَةَ رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ) فِي سَهْمِهِ؟
فَقَالُوا: صَدَقْتَ وَ اللَّهِ فِي جَوَابِكَ وَ أَصَبْتَ وَ أَخْطَأْنَا، وَ الْحَقُّ وَ الْحُجَّةُ لَكَ.
فَقَالَ لَهُمْ:
3- وَ أَمَّا قَوْلُكُمْ: أَجَبْتُكُمْ عِنْدَ رَفْعِ الْمَصَاحِفِ إِلَى أَنْ حَكَّمْتُمْ فِي دِينِ اللَّهِ الرِّجَالَ وَ كُنْتُ الْحَاكِمَ، فَمَا ذَا تَقُولُونَ أَيُّهَا الْخَوَارِجُ فِي أَلْفِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَاتَلَهُمْ أَلْفَا رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَوَلَّوْهُمُ الْأَدْبَارَ فَمَا هُمْ؟ قَالُوا كُفَّارٌ بِاللَّهِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَلْفُ رَجُلٍ عَلَى التَّمَامِ، وَ الْمُشْرِكُونَ أَلْفَا رَجُلٍ لَا يَزِيدُونَ، وَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): فَإِنْ نَقَصَ مِنْ عَدَدِ الْأَلْفِ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَ الْكُفَّارِ عَلَى التَّمَامِ مَا هُمْ عِنْدَكُمْ؟ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ مَعْذُورُونَ فِي ذَلِكَ، فَضَحِكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكُمْ يَا مَعَاشِرَ الْخَوَارِجِ تُعْذِرُونَ تِسْعَمِائَةٍ وَ تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ رَجُلًا فِي قِتَالِ أَلْفَيْ رَجُلٍ، وَ لَا تُعْذِرُونَنِي، وَ قَدِ الْتَقَانِي رِجَالُ ابْنِ هِنْدٍ فِي مِائَةٍ وَ عِشْرِينَ أَلْفاً مَا جَمَعَ حُكْمَ حَاكِمٍ، وَ قَدْ دَعَوْنَاهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ فَقَالُوا: دَعْنَا نُحَكِّمْ عَلَيْكَ مَنْ نَشَاءُ، وَ إِلَّا أَخْرَجْنَا أَنْفُسَنَا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَ أَبْطَلْنَا الْحَكَمَيْنِ وَ ارتدونا [ارْتَدَدْنَا] عَنِ الدِّينِ وَ قَعَدْنَا عَنْ نُصْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ: حَكِّمْ مَنْ هُوَ مِنْكَ وَ أَنْتَ مِنْهُ فَقُلْتُ لَكُمْ: اخْتَارُوا مَنْ شِئْتُمْ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، فَقُلْتُمْ: لَا يَحْكُمُ فِينَا مُضَرِيٌّ وَ لَا هَاشِمِيٌّ، فَأَعْرَضْتُمْ عَنِ الْمُهَاجِرِينَ وَ الَأَنْصَارِ وَ أَظْهَرْتُمْ مُخَالَفَتَكُمْ لِي، وَ كَتَبْتُمْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، وَ قَدْ قَعَدَ عَنْ نُصْرَتِنَا وَ هُوَ فَدْمٌ حِمَارٌ فَحَكَّمْتُمُوهُ وَ أَنَا أَنْصَحُ لَكُمْ، وَ أَقُولُ لَكُمْ اتَّقُوا اللَّهَ وَ لَا تُحَكِّمُوا عَلَيَّ أَحَداً. وَ إِنِّي الْحَاكِمُ عَلَيْكُمْ، وَ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّهَا خَدِيعَةٌ مِنْ مُعَاوِيَةَ، فَقُلْتُمْ اسْكُتْ وَ إِلَّا قَتَلْنَاكَ وَ سَلَّمْنَا هَذَا الْأَمْرَ إِلَى عَبْدٍ أَسْوَدَ وَ جَعَلْنَاهَا بَرْدَةً عَنِ الْإِسْلَامِ، فَمَنْ هُوَ أَوْلَى بِالْعُذْرِ؟ فَقَالُوا: أَنْتَ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ أَصَبْتَ وَ صَدَقْتَ وَ أَخْطَأْنَا وَ الْحَقُّ مَعَكَ وَ الْحُجَّةُ لَكَ.
قَالَ لَهُمْ: