کتابخانه روایات شیعه
قال و الكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار و يطيعك في السفر كطاعته في الحضر لا يقصر عنك بنوم و لا يعتريه ملال و هو المعلم الذي إن افتقرت إليه لم يحقرك و إن قطعت عنه المادة لم يقطع عنك الفائدة و إن عدلت عنه لم يدع طاعتك و إن هب ريح أعدائك لم ينقلب عليك و متى كنت منه متعلقا بسبب و معتصما بحبل لم تضطرك معه وحشة الانفراد إلى الجليس السوء. و لو لم يكن من فضله عليك و إحسانه إليك إلا منعه لك من الجلوس على بابك و النظر إلى المارة بك مع ما في ذلك من التعرض للحقوق في فضول النظر و ملابسة صغار الناس و حضور ألفاظهم الساقطة و أخلاقهم الردية لكان في ذلك السلامة يوم القيامة و نعم الجليس. و قال في هذا المعنى و الكتاب نعم الذخر و القعدة و نعم الجليس و العقدة و نعم السيرة و النزهة و نعم الشغل و الحرفة و نعم الأنيس ساعة الوحدة و نعم المعرفة ببلاد الغربة و نعم القرين و الدخيل و نعم الوزير و الزميل و الكتاب وعاء مليء علما و ظرف حشي ظرفا و إناء شحن مزاحا و جدا إن شئت كان أبين من سحبان وائل 372 و إن شئت كان أعي من باقل 373 و إن شئت ضحكت من نوادره و إن شئت عجبت من غرائب فوائده و إن شئت ألهتك نوادره و إن شئت أشحتك مواعظه. و بعد فمتى رأيت بستانا يخمل في ردن و روضة تنقلب في حجر ينطق عن الموتى و يترجم كلام الأحياء و من لك بمؤنس لا ينطق إلا بما تهوى آمن من في الأرض و أكتم للسر من صاحب السر.
و قال لا أعلم جارا أبر و لا خليطا أنصف و لا رفيقا أطوع و لا معلما أخضع و لا صاحبا أظهر كفاية و أقل جناية و لا أقل ملالا و إبراما و خلافا و جزافا و لا أقل غيبة و لا أبعد من مرأى و لا أترك لشغب و لا أزهد في جدل و لا أكف عن قتال من كتاب و لا أعلم قرينا و لا أحسن موافاة و لا أعجل مكافاة و لا أحضر معرفة و لا أخف مئونة و لا شجرا أطول عمرا و لا أطيب ثمرا و لا أقرب مجتنى و لا أسرع إدراكا و لا أوجد في كل أوان من كتاب 374 و أنشد بعضهم
و إذا الهموم تضيقتك و لم تجد
أحدا و مل فؤادك الأصحابا
فاعمد إلى الكتب التي قد ضمنت
أوراقها الأشعار و الآدابا
فهي التي تنفي الهموم و لم تجد
أحدا له أدب يمل كتابا
فصل
حكى شيخنا المفيد رضي الله عنه في بعض كتبه 375 قال قد ألزم الفضل بن شاذان رحمه الله فقهاء العامة 376 قولهم في الميراث أن يكون نصيب بني العم أكثر من نصيب الولد و اضطرهم إلى الاعتراف بذلك فقال
خبروني عن رجل توفي و خلف ثلاثين ألف درهم و خلف ثماني و عشرين بنتا و ابنا واحدا كيف تقتسمون الميراث فقالوا نعطي الولد الذكر ألفي درهم و نعطي كل بنت ألف درهم فيكون للبنات ثمانية و عشرون ألف درهم على عددهم و يحصل الذكر ألفا درهم فيكون له ما قسمه الله عز و جل و أوجبه في كتابه من قوله و لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قال لهم فما تقولون لو كان موضع الابن ابن عم كيف تقسم الفريضة. فقالوا نعطي ابن العم عشرة آلاف درهم و نعطي البنات كلهن عشرين ألف درهم فقال لهم الفضل بن شاذان رحمه الله فقد صار ابن العم أوفر حظا من الابن للصلب و الابن مسمى في التنزيل متقربا بنفسه و بنو العم لا تسمية لهم و إنما يتقربون بأبيهم و أبوهم يتقرب بجده و الجد يتقرب بأبيه و هذا نقض للشريعة قال شيخنا المفيد رضي الله عنه و إنما لزمت هذه الشناعة فقهاء العامة خاصة لقولهم بأن من عدا الزوج و الزوجة و الأبوين يرثون مع الولد على خلاف مسطور الكتاب و السنة و إنما أعطوا ابن العم عشرة آلاف درهم في هذه الفريضة من حيث تعلقوا بقوله تعالى فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ فلما بقي الثلث أعطوه لابن العم فلحقتهم هذه الشناعة المخرجة لهم من الدين و نجت الشيعة من ذلك و الحمد لله 377 . و وجدت في أمالي 378 شيخنا المفيد رضي الله عنه
أن أبا الحسن علي بن ميثم 379 رضي الله عنه دخل على الحسن بن سهل و إلى جانبه ملحد قد عظمه 380 و الناس حوله فقال له قد رأيت عجبا قال و ما هو قال رأيت سفينة تعبر الناس من جانب إلى جانب بغير ملاح و لا ماصر قال فقال الملحد إن هذا أصلحك الله لمجنون قال و كيف قال لأنه يذكر عن خشب جماد لا حيلة له و لا قوة و لا حياة فيه و لا عقل أنه يعبر الناس و يفعل فعل الإنسان كيف يصح هذا. فقال له أبو الحسن فأيما أعجب هذا أو هذا الماء الذي يجري على وجه الأرض يمنة و يسرة بلا روح و لا حيلة و لا قوى و هذا النبات الذي يخرج من الأرض و المطر الذي ينزل من السماء كيف يصح ما تزعمه من أن لا مدبر له كله و أنت تنكر أن تكون سفينة تتحرك بلا مدبر و تعبر الناس بلا ملاح قال فبهت الملحد
فصل أجبت به بعض الإخوان عن ثلاث آيات من القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الموفق للسداد و صلواته على حججه في العباد مولانا محمد خاتم النبيين و آله الطاهرين هذه ثلاث آيات من القرآن سأل عنها بعض أهل الإيمان أوضحت معانيها و ما يتعلق به المخالفون منها و أجبت عن ذلك بما اقتضاه الصواب على سبيل الاختصار دون الإطناب
الآية الأولى قول الله عز و جل وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ المواضع المسئول عنها من هذه الآية التي يتعلق بها المخالفون منها ثلاث مواضع. أحدها قول موسى ع أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منا فيقولون كيف خفي على نبي الله أنه لا يجوز في العدل و الحكمة أخذ العبد بجرم غيره. الثاني قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ فزعمت المجبرة أن في هذا دلالة على أن الله تعالى يفتن العباد الفتنة التي هي الإضلال. الثالث قوله تضل بها من تشاء و تهدي من تشاء قالوا و هذا بيان أنه سبحانه يفعل في طائفة من عباده الضلال و يحرمهم الإيمان و يخص الأخرى بالهدى و يجنبها الضلال. الجواب أما قول موسى ع أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا ففيه وجهان أحدهما أن الهلاك هنا هو الموت قال الله تعالى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ 381 يعني مات فكان موسى ع قال على سبيل السؤال أ تميتنا مع هؤلاء السفهاء و ليس الموت الذي سأل عنه عقوبة بل على ما جوزه من اتفاق حضور الميتة كما اتفق هلاك العالمين في طوفان نوح ع إلا من حملت السفينة فكان هلاك الكفار منهم عقوبة لهم و هلاك الأطفال و البهائم و من لا تكليف عليه معهم لحضور آجالهم
و قامت الباء في قوله تعالى بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مقام مع لأنهما جميعا من حروف الخفض. و الوجه الثاني أن يكون قوله أ فتهلكنا بما فعل السفهاء منا خرج منه على وجه الاستبعاد لذلك و النفي و الإنكار كما يقول أحدنا للحاكم أ تراك تظلمني في فعلك أو تجور علي في حكمك و هو لا يريد سؤاله بل يقصد نفي الظلم و الجور عنه و استبعاد وقوعهما منه قال جرير
أ عبدا حل في شعبي غريبا
أ لؤما لا أبا لك و اغترابا
يريد أن لا يجتمع هذان. و أما قوله إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ [فإن] 382 الفتنة على ضروب في الكلام و هي في هذا المكان بمعنى المحنة و الاختبار قال الله تعالى [وَ فَتَنَّاكَ فُتُوناً] 383 يعني اختبرناك اختبارا و كأنه قال إن هي إلا فتنتك التي امتحنت بها خلقك و [اختبرتهم] 384 في التكليف لتثبت من اهتدى بها و تعاقب من ضل [عنها] 385 و أما قوله تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ فإنه ذكر في هذه الآية و في نظائرها أنه يضل قوما و يهدي آخرين مجملا للقول في ذلك من غير تفسير. و كشف في آيات أخر عمن يشاء أن يضلهم و من يريد أن يهديهم و ميزهم وصف بعضهم من بعض و بينهم فقال في الضلال وَ يُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ و قال وَ ما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ . فأخبر أنه لا يشاء أن يضل إلا من سبقت منه الجناية و اقترف الإساءة
و قال في الهدى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ و قال وَ مَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ فأوضح بهذه الآيات المفسرة عما ذكره في تلك الآيات المجملة فأما هذا الضلال منه و الهدى فهو يحتمل وجوها منها أن يكون الإضلال العقاب و الهدى الثواب و جاز ذلك في الكلام لأن الجزاء عندهم على الشيء يسمى باسم ذلك الشيء على طريق الاتساع و له نظائر في القرآن. و منها أن يضل العصاة عن الألطاف في الدنيا التي وعد بها أهل الإيمان و منها للتسمية فقد يقال أكذبني فلان إذا سماني كاذبا و أضلني إذا سماني ضالا قال الشاعر 386
و طائفة قد أكفروني بحبكم
و طائفة قالوا مسيء و مجرم 387