کتابخانه روایات شیعه
قال ابن جريح فو الله لقد منعتني هذه الأبيات من أشياء كثيرة-
مسألة
إن سأل سائل فقال ما وجه التكرار في سورة الكافرون و إعادة النفي فيها في جملة بعد جملة و قد كان يغني ذلك مرة واحدة الجواب قد أجاب الناس عن هذه المسألة بعدة أجوبة و نحن نورد منها أحسنها و أكثرها فائدة و أحسنها ما تضمن المعاني المختلفة حتى يكون المستفاد من النفي في الجملة الأولى غير المستفاد من النفي في الجملة الثانية و بهذا يبطل التكرار و يبقى للسائل بقية في السؤال فأعرب ما يجاب به فيها أن لفظة أعبد تصلح في الكلام لشيئين مختلفين. أحدهما أن يكون بمعنى أذل و أخضع و أخشع و هذا من العبادة و هو مستعمل معهود لا يفتقر فيه إلى دليل. و ثانيهما أن يكون أعبد بمعنى أجحد و هو من العبود الذي هو الجحود و أهل اللغة يعرفون ذلك يقول القائل عبدني فلان حقي يريد جحدني حقي قال الشاعر
فلو سألت قريشا من يؤممهم
ما ميلوا ذاك عن قومي و لا عبدوا
يعني و لا جحدوا و على هذا المعنى ما روي عن أحد الأئمة ص في تفسير قوله تعالى قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ .
______________________________ [1] نجد الكلام على ذلك في كتاب الأمالي للمرتضى ج (1) ص 120- 123.
و أن معناه فأنا أول الجاحدين و ذلك أن الدليل قد اتضح على أن من كان له ولد لا يكون إلا محدثا و المحدث لا يكون إلها. فقول الله عز و جل في الجملة الأولى لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ إنما معناه لا أذل و لا أخضع لأصنامكم التي تفعلون هذا لها و لا أنتم فاعلوه أيضا لإلهي الذي أنا فاعله له. و قوله جل اسمه في الجملة الثانية وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ إنما معناه و لا أنا جاحد لله تعالى الذي جحدتموه و لا أنتم جاحدون للأصنام التي أنا جاحدها. فقد تضمنت الجملتان فائدتين مختلفتين و بان انتظام الكلام بغير تكرار. جواب آخر و هو أن يكون المراد بلفظة أعبد في الجملة الأولى الزمان الحاضر فكأنه قال لا أعبد الآن ما تعبدون و لا أنتم عابدون الآن ما أعبد. و يكون المراد بها في الجملة الثانية الزمان المستقبل فكأنه قال و لا أنا عابد في المستقبل ما عبدتم و لا أنتم عابدون في المستقبل ما أعبد. فلفظة أعبد على هذا الجواب و إن كانت في الجملتين بمعنى واحد و هو العبادة فقد اختلفت بما يراد بها من الزمان المختلف و لا شك في أن لفظة أفعل تصلح للزمانين الحاضر و المستقبل و في هذين الجوابين غنى و كفاية و الحمد لله. و اعلم أنه يجب أن يكون السؤال على هذا مختصا بخطاب من المعلوم من حاله أنه لا يؤمن. و قد ذكر أنها نزلت في أبي جهل و المستهزءين و هم العاص بن وائل و الوليد بن المغيرة و الأسود بن المطلب و الأسود بن عبد يغوث و عدي بن قيس و لم يؤمن منهم أحد.
فإن قال فما معنى قوله في السورة لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ و ظاهر هذا الكلام يقتضي إباحتهم المقام على أديانهم قلنا إن ظاهر الكلام و إن كان ظاهر الإباحة فإن المراد به الوعيد و المبالغة في الزجر و التهديد كما قال تعالى اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ و قال أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً و قد قيل إن المعنى فيه لكم جزاء دينكم و لي جزاء ديني فحذف الجزاء من اللفظ لدلالة الكلام عليه و قيل إن الجزاء نفسه يسمى دينا قال الشاعر
إذا ما لقونا لقيناهم
و دناهم مثلما يقرضونا
أراد جزيناهم فيكون المعنى في قوله لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ أي لكم جزاؤكم و لي جزائي.
مسألة
فإن قال السائل فما وجه التكرار في سورة الرحمن و إعادته مع كل آية فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ الجواب قلنا إنما حسن هذا التكرار للتقرير بالنعم المختلفة و تعديدها نعمة بعد نعمة أنعم بها قرر عليها و وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره أ لم أحسن إليك بأن خولتك المال أ لم أحسن إليك بأن أمنتك من المكاره أ لم أحسن إليك بأن فعلت كذا و كذا فيحسن منه التكرار لاختلاف ما قرر به و هذا كثير في الكلام مستعمل بين الناس و هذا الجواب عن وجه التكرار في سورة المرسلات في قوله وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ . فإن قيل إذا كان الذي حسن التكرار في سورة الرحمن ما عدده من الآلاء فقد عدد في جملة ذلك ما ليس بنعمة و هو قوله يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ
مِنْ نارٍ وَ نُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ و قوله تعالى هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَ بَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ فكيف يحسن أن يقول بعد هذا فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ قلنا الوجه في ذلك أن فعل العقاب و إن لم يكن نعمة فذكره و وصفه و الإنذار به من أكبر النعم لأن في ذلك زجرا عما يستحق به العقاب و بعثا على ما يستوجب به الثواب و إنما أشار تعالى بقوله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ بعد ذكر جهنم و العذاب فيها إلى إنعامه بذكر وصفها و الإنذار بها و التخويف منها و لا شك في أن هذا في النعم التي يجب الاعتراف بها و الشكر عليها 575
كتاب البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان
و مما عملته كتاب البرهان على صحة طول عمر الإمام صاحب الزمان عليه و على آبائه أفضل السلام و بيان جواز تطاول الأعمار بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله على ما هدى و صلاته على من اصطفى سيدنا محمد و رسوله المجتبى و آله أئمة الهدى ذكرت يا أخي أيدك الله أنك رأيت جماعة من المخالفين يعتمدون في إنكار وجود صاحب الزمان ص على ما يقتضيه تاريخ مولده من تطاول عمره على القدر المعهود و يقولون إذا كان مولده عندكم في سنة خمس و خمسين و مائتين فله إلى سنتنا هذه و هي سنة سبع و عشرين و أربعمائة- مائتان و اثنتان و سبعون سنة.
و لسنا نرى الأعمار تتناهى إلى أكثر من مائة و عشرين سنة بل لا نرى أحدا يلحق عمره هذا القدر اليوم و يزعمون أن هذه الزيادة على المائة و العشرين دلالة على بطلان ما نذهب إليه و سألت في إيراد كلام عليهم يوهي عمدتهم و يبطل شبهتهم و يكون أصلا في يدك يتمسك به المستند إليك و أنا مجيبك إلى ما سألت و أبلغك منها ما طلبت بعون الله و حسن توفيقه اعلم أولا أنه إذا وجبت الإمامة و وضحت الأدلة على اختصاصها بأئمتنا الاثني عشر ع دون جميع الأمة فلا منصرف عن القول بطول عمر إمامنا و صاحب زماننا ص لأن الزمان لا يخلو من إمام و قد مضى آباء صاحب الزمان بلا خلاف و لم يبق من يستحق الإمامة سواه. فإن لم يكن عمره ممتدا من وقت أبيه إلى أن يظهره الله سبحانه حصل الزمان خاليا من إمام و هذا دليل مبني على ما قدمناه و بعد ذلك فإنه لا يصلح أن يكلمك في طول عمره من لا يقر بشريعته فأما من أقر بها و أنكر تراخي الأعمار و طولها فإن القرآن يخصمه بما تضمنه من الخبر عن طول عمر نوح ع قال الله تعالى فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً و لا طريق إلى الانصراف عن ظاهر القرآن إلا ببرهان و قد أجمع المسلمون على بقاء الخضر ع من قبل زمان موسى ع إلى الآن و أن حياته متصلة إلى آخر الزمان و ما أجمع عليه المسلمون فلا سبيل إلى دفعه بحال من الأحوال. فإن قال الخصم هذان نبيان و يجوز أن يكون طول أعمارهما معجزا لهما و كرامة يميزان بها عن الأنام و لا يصح أن يكون هذا العجز و الإكرام إلا للأنبياء ع
فقل له يفسد هذا عليك بما استقر عليه الاتفاق من بقاء إبليس اللعين من عهد آدم ع و قبل ذاك إلى الآن و أنه سيبقى إلى الوقت المعلوم كما نطق به القرآن و ليس ذلك معجزا له و لا على سبيل الإكرام و إذا اشترك الولي و العدو في طول العمر علم أن السبب في ذلك غير ما ذكرت و أنه لمصلحة لا يعلمها إلا الله تعالى دون العباد. فإن أنكر الخصم إبليس و بقاءه خرج عن ظاهر الشريعة و دفع إجماع الأمة و إن تأول ذلك طولب على صحة تأويله بالحجة. و لو سلمت له طول العمر معجزا للمعمر و إكراما و لم يذكر له إبليس و طول عمره على ممر الأزمان كان لك أن تقول إن حكم الإمام عندنا كحكم النبي في الاحتجاج و جواز ظهور العجز و الإكرام بما يتميز به عن الأنام فليس بمنكر أن يطيل الله تعالى عمره على سبيل المعجز و الإكرام و اعلم أيدك الله أن المخالفين لك في جواز امتداد الأعمار ممن يقر بالإسلام لا يكلمونك إلا بكلام مستعاد فمنهم من ينطق بلسان الفلاسفة فيقول إن طول العمر من المستحيل في العقول الذي لم يثبت على جوازه دليل و منهم من ينطق بلسان المنجمين فيقول إن الكواكب لا تعطي أحدا من العمر أكثر من مائة و عشرين سنة و لهم هذيان طويل. و منهم من ينطق بلسان الأطباء و أصحاب الطبائع فيقول إن العمر الطبيعي هو مائة و عشرون سنة فإذا انتهى الحي إليها فقد بلغ غاية ما يمكن فيه صحة الطباع و سلامتها و ليس بعد بلوغ غاية السلامة إلا ضدها. و ليس على يد أحد منهم إلا الدعوى و لا يستند إلا إلى العصبية و الهوى فإذا عضهم الحجاج رجعوا أجمعين إلى الشاهد المعتاد فقالوا إنا لم نر أحدا تجاوز في العمر إلى هذا القدر و لا طريق لنا إلى إثبات ما لم نر و هذا الذي جرت به العادة و العادة أصح دلالة و جميعهم خارجون عن حكم الملة مخالفون لما اتفقت عليه الأمة و لما سلف