کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ وَ السَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى وَ خَشِيَ عَوَاقِبَ الرَّدَى ثُمَّ طَوَى الْكِتَابَ وَ خَتَمَهُ وَ دَعَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ الطِّرِمَّاحُ بْنُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ وَ كَانَ رَجُلًا جَسِيماً طَوِيلًا أَدِيباً لَبِيباً فَصِيحاً لَسِناً مُتَكَلِّماً لَا يَكِلُّ لِسَانُهُ وَ لَا يَعْيَا عَنِ الْجَوَابِ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَتِهِ وَ دَعَا لَهُ بِجَمَلٍ بَازِلٍ وَثِيقٍ فَائِقٍ أَحْمَرَ فَسَوَّى رَاحِلَتَهُ وَ وَجَّهَهُ إِلَى دِمَشْقَ فَقَالَ لَهُ يَا طِرِمَّاحُ انْطَلِقْ بِكِتَابِي هَذَا إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَ خُذِ الْجَوَابَ فَأَخَذَ الطِّرِمَّاحُ الْكِتَابَ وَ كَوَّرَ بِعِمَامَتِهِ وَ رَكِبَ مَطِيَّتَهُ وَ انْطَلَقَ حَتَّى دَخَلَ دِمَشْقَ فَسَأَلَ عَنْ دَارِ الْإِمَارَةِ فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الْبَابِ قَالَ لَهُ الْحُجَّابُ مَنْ بُغْيَتُكَ قَالَ أُرِيدُ أَصْحَابَ الْأَمِيرِ أَوَّلًا ثُمَّ الْأَمِيرَ ثَانِياً فَقَالُوا لَهُ مَنْ تُرِيدُ مِنْهُمْ قَالَ أُرِيدُ جَعْشَماً وَ جَرْوَلًا وَ مُجَاشِعاً وَ بَاقِعاً وَ كَانَ أَرَادَ أَبَا الْأَعْوَرِ السُّلَمِيَّ وَ أَبَا هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيَّ وَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ فَقَالُوا هُمْ بِبَابِ الْخَضْرَاءِ يَتَنَزَّهُونَ فِي بُسْتَانٍ فَانْطَلَقَ وَ سَارَ حَتَّى أَشْرَفَ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا قَوْمٌ بِبَابِهِ فَقَالُوا جَاءَنَا أَعْرَابِيٌّ بَدَوِيٌّ دُوَيْنٌ إِلَى السَّمَاءِ تَعَالَوْا نَسْتَهْزِئُ بِهِ فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَعْرَابِيُّ هَلْ عِنْدَكَ مِنَ السَّمَاءِ خَبَرٌ فَقَالَ بَلَى اللَّهُ تَعَالَى فِي السَّمَاءِ وَ مَلَكُ الْمَوْتِ فِي الْهَوَاءِ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي الْقَفَاءِ فَاسْتَعِدُّوا لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْبَلَاءِ يَا أَهْلَ الشَّقَاوَةِ وَ الشَّقَاءِ قَالُوا مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ قَالَ مِنْ عِنْدَ حُرٍّ تَقِيٍّ نَقِيٍّ زَكِيٍّ مُؤْمِنٍ رَضِيٍّ مَرْضِيٍّ فَقَالُوا وَ أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ فَقَالَ أُرِيدُ هَذَا الدَّعِيَّ الرَّدِيَّ الْمُنَافِقَ الْمُرْدِيَ الَّذِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ أَمِيرُكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّهُ رَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ ع إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقَالُوا هُوَ فِي هَذَا الْوَقْتِ مَشْغُولٌ قَالَ بِمَا ذَا بِوَعْدٍ أَوْ وَعِيدٍ قَالُوا لَا وَ لَكِنَّهُ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ فِيمَا يُلْقِيهِ غَداً قَالَ فَسُحْقاً لَهُ وَ بُعْداً فَكَتَبُوا إِلَى مُعَاوِيَةَ بِخَبَرِهِ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَرَدَ مِنْ عِنْدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ بَدَوِيٌّ فَصِيحٌ لَسِنٌ طَلِقٌ ذَلِقٌ يَتَكَلَّمُ فَلَا يَكِلُّ وَ يُطِيلُ فَلَا يَمَلُّ فَأَعِدَّ لِكَلَامِهِ جَوَاباً بَالِغاً وَ لَا تَكُنْ عَنْهُ غَافِلًا وَ لَا سَاهِياً وَ السَّلَامُ
فَلَمَّا عَلِمَ الطِّرِمَّاحُ بِذَلِكَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَ نَزَلَ عَنْهَا وَ عَقَلَهَا وَ جَلَسَ مَعَ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَتَحَدَّثُونَ فَلَمَّا بَلَغَ الْخَبَرُ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَمَرَ ابْنَهُ يَزِيدَ أَنْ يَخْرُجَ وَ يَضْرِبَ الْمَصَافَّ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَخَرَجَ يَزِيدُ وَ كَانَ عَلَى وَجْهِهِ أَثَرُ ضَرْبَةٍ فَإِذَا تَكَلَّمَ كَانَ جَهِيرَ الصَّوْتِ فَأَمَرَ بِضَرْبِ الْمَصَافِّ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَ قَالُوا لِلطِّرِمَّاحِ هَلْ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى بَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لِهَذَا جِئْتُ وَ بِهِ أُمِرْتُ فَقَامَ إِلَيْهِ وَ مَشَى فَلَمَّا رَأَى أَصْحَابَ الْمَصَافِّ وَ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ سُودٌ فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ كَأَنَّهُمْ زَبَانِيَةٌ لِمَالِكٍ عَلَى ضِيقِ الْمَسَالِكِ فَلَمَّا دَنَا مِنْ يَزِيدَ نَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ مَنْ هَذَا الْمَيْشُومُ بْنُ الْمَيْشُومِ الْوَاسِعُ الْحُلْقُومِ الْمَضْرُوبُ عَلَى الْخُرْطُومِ فَقَالُوا مَهْ يَا أَعْرَابِيُّ ابْنُ الْمَلِكِ يَزِيدُ فَقَالَ وَ مَنْ يَزِيدُ لَا زَادَ اللَّهُ مُزَادَهُ وَ لَا بَلَغَهُ مُرَادَهُ وَ مَنْ أَبُوهُ كَانَا قُدُماً غَائِصَيْنِ فِي بَحْرِ الْجَلَافَةِ وَ الْيَوْمَ اسْتَوَيَا عَلَى سَرِيرِ الْخِلَافَةِ فَسَمِعَ يَزِيدُ ذَلِكَ وَ اسْتَشَاطَ وَ هَمَّ بِقَتْلِهِ غَضَباً ثُمَّ كَرِهَ أَنْ يُحْدِثَ دُونَ إِذْنِ أَبِيهِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ خَوْفاً مِنْهُ وَ كَظَمَ غَيْظَهُ وَ خَبَّأَ نَارَهُ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا أَعْرَابِيُّ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ فَقَالَ سَلَامُهُ مَعِي مِنَ الْكُوفَةِ فَقَالَ يَزِيدُ سَلْنِي عَمَّا شِئْتَ فَقَدْ أَمَرَنِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بِقَضَاءِ حَاجَتِكَ فَقَالَ حَاجَتِي إِلَيْهِ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَقَامِهِ حَتَّى يَجْلِسَ مَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِهَذَا الْأَمْرِ قَالَ فَمَا ذَا تُرِيدُ آنِفاً قَالَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِرَفْعِ الْحِجَابِ وَ أَدْخَلَهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَ صَوَاحِبِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الطِّرِمَّاحُ وَ هُوَ مُتَنَعِّلٌ قَالُوا لَهُ اخْلَعْ نَعْلَيْكَ فَالْتَفَتَ يَمِيناً وَ شِمَالًا ثُمَّ قَالَ هَذَا رَبُّ الْوَادِ الْمُقَدَّسِ فَأَخْلَعَ نَعْلَيَّ فَنَظَرَ فَإِذَا هُوَ مُعَاوِيَةُ قَاعِدٌ عَلَى السَّرِيرِ مَعَ قَوَاعِدِهِ وَ خَاصَّتِهِ وَ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ خَدَمُهُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ الْعَاصِي فَقَرُبَ إِلَيْهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَقَالَ وَيْحَكَ يَا أَعْرَابِيُّ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْعُوَهُ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا أَحْمَقُ نَحْنُ الْمُؤْمِنُونَ فَمَنْ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا بِالْخِلَافَةِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ مَا مَعَكَ يَا أَعْرَابِيُّ فَقَالَ كِتَابٌ مَخْتُومٌ مِنْ إِمَامٍ مَعْصُومٍ فَقَالَ نَاوِلْنِيهِ قَالَ أَكْرَهُ أَنْ أَطَأَ بِسَاطَكَ قَالَ نَاوِلْهُ وَزِيرِي هَذَا وَ أَشَارَ إِلَى
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ظَلَمَ الْأَمِيرُ وَ خَانَ الْوَزِيرُ فَقَالَ نَاوِلْهُ وَلَدِي هَذَا وَ أَشَارَ إِلَى يَزِيدَ فَقَالَ مَا نَرْضَى بِإِبْلِيسَ فَكَيْفَ بِأَوْلَادهِ فَقَالَ نَاوِلْهُ مَمْلُوكِي هَذَا وَ أَشَارَ إِلَى غُلَامٍ لَهُ قَائِمٍ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ مَمْلُوكٌ اشْتَرَيْتَهُ مِنْ غَيْرِ حِلٍّ وَ تَسْتَعْمِلُهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَالَ وَيْحَكَ يَا أَعْرَابِيُّ فَمَا الْحِيلَةُ وَ كَيْفَ نَأْخُذُ الْكِتَابَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَ تَأْخُذَهُ بِيَدِكَ عَلَى غَيْرِ كُرْهٍ مِنْكَ فَإِنَّهُ كِتَابُ رَجُلٍ كَرِيمٍ وَ سَيِّدٍ عَلِيمٍ وَ حِبْرٍ حَلِيمٍ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَلَمَّا سَمِعَ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ وَثَبَ مِنْ مَكَانِهِ وَ أَخَذَ مِنْهُ الْكِتَابَ بِغَضَبٍ وَ فَكَّهَ وَ قَرَأَهُ وَ وَضَعَهُ تَحْتَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ خَلَّفْتَ أَبَا الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ قَالَ خَلَّفْتُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ كَالْبَدْرِ الطَّالِعِ حَوَالَيْهِ أَصْحَابُهُ كَالنُّجُومِ الثَّوَاقِبِ اللَّوَامِعِ إِذَا أَمَرَهُمْ بِأَمْرٍ ابْتَدَرُوا إِلَيْهِ وَ إِذَا نَهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِ وَ هُوَ مِنْ بَأْسِهِ يَا مُعَاوِيَةُ فِي تَجَلُّدِ بَطَلٍ شُجَاعٍ سَيِّدٍ سَمَيْدَعٍ إِنْ لَقِيَ جَيْشاً هَزَمَهُ وَ أَرْدَاهُ وَ إِنْ لَقِيَ قَرْناً سَلَبَهُ وَ أَفْنَاهُ وَ إِنْ لَقِيَ عَدُوّاً قَتَلَهُ وَ جَزَاهُ قَالَ مُعَاوِيَةُ كَيْفَ خَلَّفْتَ الْحَسَنَ وَ الْحُسَيْنَ قَالَ خَلَّفْتُهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ شَابَّيْنِ نَقِيَّيْنِ تَقِيَّيْنِ زَكِيَّيْنِ عَفِيفَيْنِ صَحِيحَيْنِ سَيِّدَيْنِ طَيِّبَيْنِ فَاضِلَيْنِ عَاقِلَيْنِ عَالِمَيْنِ مُصْلِحَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ فَسَكَتَ مُعَاوِيَةُ سَاعَةً فَقَالَ مَا أَفْصَحَكَ يَا أَعْرَابِيُّ قَالَ لَوْ بَلَغْتَ بَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع لَوَجَدْتَ الْأُدَبَاءَ الْفُصَحَاءَ الْبُلَغَاءَ الْفُقَهَاءَ النُّجَبَاءَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَصْفِيَاءَ وَ لَرَأَيْتَ رِجَالًا سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ حَتَّى إِذَا اسْتَعَرْتَ نَارَ الْوَغَى قَذَفُوا بِأَنْفُسِهِمْ فِي تِلْكَ الشُّعَلِ لَابِسِينَ الْقُلُوبَ عَلَى مَدَارِعِهِمْ قَائِمِينَ لَيْلَهُمْ صَائِمِينَ نَهَارَهُمْ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللَّهِ وَ لَا فِي وَلِيِّ اللَّهِ عَلِيٍّ لَوْمَةُ لَائِمٍ فَإِذَا أَنْتَ يَا مُعَاوِيَةُ رَأَيْتَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ غَرِقْتَ فِي بَحْرٍ عَمِيقٍ لَا تَنْجُو مِنْ لُجَّتِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ سِرّاً هَذَا رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ بَدَوِيٌّ لَوْ أَرْضَيْتَهُ بِالْمَالِ لَتَكَلَّمَ فِيكَ بِخَيْرٍ
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ يَا أَعْرَابِيُّ مَا تَقُولُ فِي الْجَائِزَةِ أَ تَأْخُذُهَا مِنِّي أَمْ لَا قَالَ بَلْ آخُذُهَا فَوَ اللَّهِ أَنَا أُرِيدُ اسْتِقْبَاضَ رُوحِكَ مِنْ جَسَدِكَ فَكَيْفَ بِاسْتِقْبَاضِ مَالِكَ مِنْ خِزَانَتِكَ فَأَمَرَ لَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ أَ تُحِبُّ أَنْ أَزِيدَكَ قَالَ زِدْ فَإِنَّكَ لَا تُعْطِيهِ مِنْ مَالِ أَبِيكَ وَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَلِيُّ مَنْ يَزِيدُ قَالَ أَعْطُوهُ عِشْرِينَ أَلْفاً قَالَ الطِّرِمَّاحُ اجْعَلْهَا وَتْراً فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْوَتْرُ وَ يُحِبُّ الْوَتْرَ قَالَ أَعْطُوهُ ثَلَاثِينَ أَلْفاً فَمَدَّ الطِّرِمَّاحُ بَصَرَهُ إِلَى إِيرَادِهِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ سَاعَةً فَقَالَ يَا مَلِكُ تَسْتَهْزِئُ بِي عَلَى فِرَاشِكَ فَقَالَ لِمَا ذَا يَا أَعْرَابِيُّ قَالَ إِنَّكَ أَمَرْتَ لِي بِجَائِزَةٍ لَا أَرَاهَا وَ لَا تَرَاهَا فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ مِنْ قُلَلِ الْجِبَالِ فَأُحْضِرَ الْمَالُ وَ وُضِعَ بَيْنَ يَدَيِ الطِّرِمَّاحِ فَلَمَّا قَبَضَ الْمَالَ سَكَتَ وَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا أَعْرَابِيُّ كَيْفَ تَرَى جَائِزَةَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ هَذَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ خِزَانَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَخَذَهُ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَالْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى كَاتِبِهِ وَ قَالَ اكْتُبْ جَوَابَهُ فَوَ اللَّهِ لَقَدْ أَظْلَمَتِ الدُّنْيَا عَلَيَّ وَ مَا لِي طَاقَةٌ فَأَخَذَ الْكَاتِبُ الْقِرْطَاسَ فَكَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَ ابْنِ عَبْدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوَجِّهُ إِلَيْكَ جُنْداً مِنْ جُنُودِ الشَّامِ مُقَدِّمَتُهُ بِالْكُوفَةِ وَ سَاقَتُهُ بِسَاحِلِ الْبَحْرِ وَ لَأَرْمِيَنَّكَ بِأَلْفِ حِمْلٍ مِنْ خَرْدَلٍ تَحْتَ كُلِّ خَرْدَلٍ أَلْفُ مُقَاتِلٍ فَإِنْ أَطْفَأْتَ نَارَ الْفِتْنَةِ وَ سَلَّمْتَ إِلَيْنَا قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَ إِلَّا فَلَا تَقُلْ غَالَ ابْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَ لَا يَغُرَّنَّكَ شَجَاعَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَ اتِّفَاقُهُمْ فَإِنَّ اتِّفَاقَهُمْ نِفَاقٌ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْحِمَارِ النَّاهِقِ يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ نَاعِقٍ وَ السَّلَامُ فَلَمَّا نَظَرَ الطِّرِمَّاحُ إِلَى مَا يَخْرُجُ تَحْتَ قَلَمِهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَدْرِي أَيُّكُمَا أَكْذَبُ أَنْتَ بِادِّعَائِكَ أَمْ كَاتِبُكَ فِيمَا كَتَبَ لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ الشَّرْقِ وَ الْغَرْبِ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَمْ يَقْدِرُوا بِهِ عَلَى ذَلِكَ فَنَظَرَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ وَ اللَّهِ لَقَدْ كَتَبَ مِنْ غَيْرِ أَمْرِي فَقَالَ إِنْ كُنْتَ لَمْ تَأْمُرْهُ فَقَدِ اسْتَضْعَفَكَ وَ إِنْ كُنْتَ أَمَرْتَهُ فَقَدِ اسْتَفْضَحَكَ
أَوْ قَالَ إِنْ كَتَبَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَقَدْ خَانَكَ وَ إِنْ أَمَرْتَهُ بِذَلِكَ فَأَنْتُمَا خَائِنَانِ كَاذِبَانِ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ثُمَّ قَالَ الطِّرِمَّاحُ يَا مُعَاوِيَةُ أَظُنُّكَ تُهَدِّدُ الْبَطَّ بِالشَّطِّ فَدَعِ الْوَعِيدَ فَمَا وَعِيدُكَ ضَائِرٌ أَ طَنِينُ أَجْنِحَةِ الذُّبَابِ يَضِيرُ وَ اللَّهِ إِنَّ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع لَدِيكاً عَلِيَّ الصَّوْتِ عَظِيمَ الْمِنْقَارِ يَلْتَقِطُ الْجَيْشَ بِخَيْشُومِهِ وَ يَصْرِفُهُ إِلَى قَانِصَتِهِ وَ يَحُطُّهُ إِلَى حَوْصَلَتِهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَ اللَّهِ كَذَلِكَ هُوَ مَالِكُ بْنُ [الْحَارِثِ] الْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ بِسَلَامٍ مِنِّي وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى خُذِ الْمَالَ وَ الْكِتَابَ وَ انْصَرِفْ فَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ صَاحِبِكَ خَيْراً فَأَخَذَ الطِّرِمَّاحُ الْكِتَابَ وَ حَمَلَ الْمَالَ وَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَ رَكِبَ مَطِيَّتَهُ وَ سَارَ ثُمَّ الْتَفَتَ مُعَاوِيَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ أَعْطَيْتُ جَمِيعَ مَا أَمْلِكُ لِرَجُلٍ مِنْكُمْ لَمْ يُؤَدِّ عَنِّي عُشْرَ عَشِيرِ مَا أَدَّى هَذَا الْأَعْرَابِيُّ عَنْ صَاحِبِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَوْ أَنَّ لَكَ قَرَابَةً كَقَرَابَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ كَانَ مَعَكَ الْحَقُّ كَمَا هُوَ مَعَهُ لَأَدَّيْنَا عَنْكَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً فَقَالَ مُعَاوِيَةُ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ وَ قَطَعَ شَفَتَيْكَ وَ اللَّهِ لَكَلَامُكَ عَلَيَّ أَشَدُّ مِنْ كَلَامِ الْأَعْرَابِيِّ وَ لَقَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا.
توضيح الزعزعة تحريك الرياح لشجرة و نحوها ذكره الفيروزآبادي و قال وقب الظلام دخل و الشمس وقبا و وقوبا غابت و الوثيق المحكم و المصاف جمع المصف و هو موضع الصف و السميدع بفتح السين و الميم بعدها مثناة تحتانية السيد الكريم الشريف السخي الموطأ الأكتاف و الشجاع و في الصحاح ضاره يضوره و يضيره ضورا و ضيرا أي ضره.
552 5157 - أَقُولُ نُقِلَ مِنْ خَطِّ الشَّهِيدِ قُدِّسَ سِرُّهُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ
مُعَاوِيَةُ لِأَبِي الْمُرَقِّعِ الْهَمْدَانِيِّ اشْتِمْ عَلِيّاً قَالَ بَلْ أَشْتِمُ شَاتِمَهُ وَ ظَالِمَهُ قَالَ أَ هُوَ مَوْلَاكَ قَالَ وَ مَوْلَاكَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ فَادْعُ عَلَيْهِ قَالَ بَلْ أَدْعُو عَلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ قَالَ مَا تَقُولُ فِي قَاتِلِهِ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ مَعَ مَنْ سَرَّهُ ذَلِكَ قَالَ مَنْ قَوْمُكَ قَالَ الزُّرْقُ مِنْ هَمْدَانَ الَّذِينَ أَسْحَبُوكَ يَوْمَ صِفِّينَ.
552 5158 - وَ مِنْ خَطِّهِ أَيْضاً قَالَ رَوَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي كِتَابِ فَائِتِ الْجَمْهَرَةِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ مُعَاوِيَةَ يَوْمَ صِفِّينَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَهُ سَلْ عَلِيّاً فَإِنَّهُ أَعْلَمُ مِنِّي قَالَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ جَوَابُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَوَابِهِ فَقَالَ لَهُ لَقَدْ كَرِهْتَ رَجُلًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ص يَغُرُّهُ بِالْعِلْمِ غَرّاً وَ لَقَدْ رَأَيْتُ عُمَرَ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ قَالَ أَ هَاهُنَا أَبُو الْحَسَنِ قُمْ لَا أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَيْكَ وَ مَحَا اسْمَهُ مِنَ الدِّيوَانِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَكُنْتُ جَالِساً عِنْدَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع فَجَاءَنَا الرَّجُلُ وَ قَدْ سَبَقَهُ خَبَرُهُ إِلَيْنَا فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ جِئْتُكَ مُسْتَأْمِناً فَقَالَ لَهُ أَنْتَ صَاحِبُ الْكَلَامِ أَنْتَ تُعَرِّفُ مُعَاوِيَةَ مَنْ أَنَا فَكَيْفَ رَأَيْتَ جَوَابَ الْمُنَافِقِ قُمْ لَا أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَيْكَ فَبَقِيَ مُذَبْذَباً.