کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
وَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ أَخَا مُحَمَّدٍ لِأُمِّهِ وَ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لَهُ إِمْرَةٌ وَ سُلْطَانٌ فَاسْتَعْمَلَ عَلِيٌّ ع مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى مِصْرَ لِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَ لِهَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَخِيهِ فِيهِ وَ كَتَبَ مَعَهُ كِتَاباً إِلَى أَهْلِ مِصْرَ فَسَارَ حَتَّى قَدِمَهَا فَقَالَ لَهُ قَيْسٌ مَا بَالُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع مَا غَيَّرَهُ فَغَضِبَ وَ خَرَجَ عَنْهَا مُقْبِلًا إِلَى الْمَدِينَةِ وَ لَمْ يَمْضِ إِلَى عَلِيٍّ ع بِالْكُوفَةِ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ جَاءَهُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ شَامِتاً بِهِ وَ كَانَ عُثْمَانِيّاً فَقَالَ لَهُ نَزَعَكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَ قَدْ قَتَلْتَ عُثْمَانَ فَبَقِيَ عَلَيْكَ الْإِثْمُ وَ لَمْ يُحْسِنْ لَكَ الشُّكْرَ فَزَجَرَهُ قَيْسٌ وَ قَالَ يَا أَعْمَى الْقَلْبِ يَا أَعْمَى الْبَصَرِ وَ اللَّهِ لَوْ لَا أَنْ أُلْقِيَ بَيْنِي وَ بَيْنَ رَهْطِكَ حَرْباً لَضَرَبْتُ عُنُقَكَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ إِنَّ قَيْساً وَ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ خَرَجَا حَتَّى قَدِمَا عَلَى عَلِيٍّ ع الْكُوفَةَ فَخَبَّرَهُ قَيْسٌ الْخَبَرَ وَ مَا كَانَ بِمِصْرَ فَصَدَّقَهُ وَ شَهِدَ مَعَ عَلِيٍّ ع بِصِفِّينَ هُوَ وَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَ كَانَ قَيْسٌ طُوَالًا أَطْوَلَ النَّاسِ وَ أَمَدَّهُمْ قَامَةً وَ كَانَ سِنَاطاً 5375 أَصْلَعَ شُجَاعاً مُجَرَّباً مُنَاصِحاً لِعَلِيٍّ ع وَ لِوُلْدِهِ وَ لَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أَنْ مَاتَ أَقُولُ هَذِهِ الْأَخْبَارُ مُخْتَصَرٌ مِمَّا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ الْغَارَاتِ وَ قَالَ فِيهِ وَ كَانَ قَيْسٌ عَامِلًا لِعَلِيٍّ ع عَلَى مِصْرَ فَجَعَلَ مُعَاوِيَةُ يَقُولُ لَا تَسُبُّوا قَيْساً فَإِنَّهُ مَعَنَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيّاً فَعَزَلَهُ وَ أَتَى الْمَدِينَةَ فَجَعَلَ النَّاسُ يُغْرُونَهُ وَ يَقُولُونَ لَهُ نَصَحْتَ فَعَزَلَكَ فَلَحِقَ بِعَلِيٍّ ع وَ بَايَعَهُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً عَلَى الْمَوْتِ بَعْدَ مَا أُصِيبَ عَلِيٌّ ع وَ صَالَحَ الْحَسَنُ مُعَاوِيَةَ 5376 فَقَالَ لَهُمْ قَيْسٌ إِنْ شِئْتُمْ دَخَلْتُمْ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النَّاسُ فَبَايَعَهُ مَنْ مَعَهُ إِلَّا خثيمة [خَيْثَمَةَ] الضَّبِّيَ
- وَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ- كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع عَلَى مُقَدِّمَتِهِ وَ مَعَهُ خَمْسَةُ آلَافٍ قَدْ حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ.
أَقُولُ وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّ عَزْلَ قَيْسٍ عَنْ مِصْرَ مِمَّا غَلَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ع أَصْحَابُهُ وَ اضْطَرُّوهُ إِلَى ذَلِكَ وَ لَمْ يَكُنْ هَذَا رَأْيَهُ كَالتَّحْكِيمِ وَ لَعَلَّهُ أَظْهَرُ وَ أَصْوَبُ 5377 .
720- ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَ كَانَ عَهْدُ عَلِيٍّ ع إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا مَا عَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ عَلِيٌّ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ وَ خَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَغِيبِ وَ الْمَشْهَدِ وَ أَمَرَهُ بِاللِّينِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَ الْغِلْظَةِ عَلَى الْفَاجِرِ وَ بِالْعَدْلِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَ بِالْإِنْصَافِ لِلْمَظْلُومِ وَ بِالشِّدَّةِ عَلَى الظَّالِمِ وَ بِالْعَفْوِ عَنِ النَّاسِ وَ بِالْإِحْسَانِ مَا اسْتَطَاعَ وَ اللَّهُ يَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ يُعَذِّبُ الْمُجْرِمِينَ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ قِبَلَهُ إِلَى الطَّاعَةِ وَ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فِي الْعَافِيَةِ وَ عِظَمِ الْمَثُوبَةِ مَا لَا يُقْدَرُ قَدَرُهُ وَ لَا يُعْرَفُ كُنْهُهُ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَجْبِيَ خَرَاجَ الْأَرْضِ عَلَى مَا كَانَتْ تُجْبَى عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ لَا يُنْتَقَصُ وَ لَا يُبْتَدَعُ ثُمَّ يَقْسِمَهُ بَيْنَ أَهْلِهِ كَمَا كَانُوا يَقْسِمُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَ إِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ وَ أَمَرَهُ أَنْ يُلِينَ لَهُمْ جَنَاحَهُ وَ أَنْ يُوَاسِيَ بَيْنَهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَ وَجْهِهِ لِيَكُونَ الْقَرِيبُ وَ الْبَعِيدُ عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً وَ أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَ أَنْ يَقُومَ بِالْقِسْطِ وَ أَنْ لَا يَتَّبِعَ الْهَوَى وَ أَنْ لَا يَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ مَنِ
اتَّقَاهُ وَ آثَرَ طَاعَتَهُ وَ أَمَرَهُ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَ كَتَبَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ص بِغُرَّةِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتٍّ وَ ثَلَاثِينَ- أَقُولُ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شُعْبَةَ فِي تُحَفِ الْعُقُولِ هَذَا الْعَهْدَ نَحْواً مِمَّا ذُكِرَ 5378 ثُمَّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ قَامَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ خَطِيباً فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ وَ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا وَ إِيَّاكُمْ لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ وَ بَصَّرَنَا وَ إِيَّاكُمْ كَثِيراً مِمَّا عَمِيَ عَنْهُ الْجَاهِلُونَ أَلَا وَ إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَّانِي أُمُورَكُمْ وَ عَهِدَ إِلَيَّ بِمَا سَمِعْتُمْ وَ أَوْصَانِي بِكَثِيرٍ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَ لَنْ آلُوكُمْ جُهْداً مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ فَإِنْ يَكُنْ مَا تَرَوْنَ مِنْ آثَارِي وَ أَعْمَالِي طَاعَةً لِلَّهِ وَ تَقْوًى فَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ هُوَ الْهَادِي إِلَيْهِ وَ إِنْ رَأَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ عَمَلًا بِغَيْرِ الْحَقِّ فَارْفَعُوهُ إِلَيَّ وَ عَاتِبُونِي عَلَيْهِ فَإِنِّي بِذَلِكَ أَسْعَدُ وَ أَنْتُمْ بِذَلِكَ مَأْجُورُونَ وَفَّقَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ لِصَالِحِ الْعَمَلِ قَالَ وَ كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع وَ هُوَ إِذْ ذَاكَ بِمِصْرَ عَامِلُهَا يَسْأَلُهُ جَوَامِعَ مِنَ الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ وَ السُّنَنِ وَ الْمَوَاعِظِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ لِعَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ سَلَامٌ عَلَيْكَ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَرَانَا اللَّهُ وَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ أَفْضَلَ سُرُورِنَا وَ أَمَلَنَا فِيهِ أَنْ يَكْتُبَ لَنَا كِتَاباً فِيهِ فَرَائِضُ وَ أَشْيَاءُ مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ مِثْلِي مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ فَعَلَ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْظِمُ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْأَجْرَ وَ يُحْسِنُ لَهُ الذُّخْرَ
فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ ع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَ أَهْلِ مِصْرَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَصَلَ إِلَيَّ كِتَابُكَ فَقَرَأْتُهُ وَ فَهِمْتُ مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ فَأَعْجَبَنِي اهْتِمَامُكَ بِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَ مَا لَا يُصْلِحُ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُهُ وَ ظَنَنْتُ أَنَّ الَّذِي دَعَاكَ إِلَيْهِ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ وَ رَأْيٌ غَيْرُ مَدْخُولٍ وَ لَا خَسِيسٍ وَ قَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكَ أَبْوَابَ الْأَقْضِيَةِ جَامِعاً لَكَ وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ بِمَا سَأَلَهُ عَنْهُ مِنَ الْقَضَاءِ وَ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَ الْحِسَابِ وَ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ كَتَبَ فِي الْإِمَامَةِ وَ كَتَبَ فِي الْوُضُوءِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الْأَدَبِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الِاعْتِكَافِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي الزَّنَادِقَةِ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي نَصْرَانِيٍّ فَجَرَ بِمُسْلِمَةٍ وَ كَتَبَ إِلَيْهِ فِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَمْ نَحْفَظْ مِنْهَا غَيْرَ هَذِهِ الْخِصَالِ وَ حَدَّثَنَا بِبَعْضِ مَا كَتَبَ إِلَيْهِ.
قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَسَدِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبَايَةَ قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِ مِصْرَ لَمَّا بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ إِلَيْهِمْ كِتَاباً يُخَاطِبُهُمْ بِهِ وَ يُخَاطِبُ مُحَمَّداً أَيْضاً فِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي سِرِّ أَمْرِكُمْ وَ عَلَانِيَتِهِ وَ عَلَى أَيِّ حَالٍ كُنْتُمْ عَلَيْهَا وَ لِيَعْلَمَ الْمَرْءُ مِنْكُمْ أَنَّ الدُّنْيَا دَارُ بَلَاءٍ وَ فَنَاءٍ وَ الْآخِرَةُ دَارُ جَزَاءٍ وَ بَقَاءٍ فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُؤْثِرَ مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى فَلْيَفْعَلْ فَإِنَّ الْآخِرَةَ تَبْقَى وَ الدُّنْيَا تَفْنَى رَزَقَنَا اللَّهُ وَ إِيَّاكُمْ تَبَصُّراً بَصَراً لِمَا بَصَّرَنَا وَ فَهْماً لِمَا فَهَّمَنَا حَتَّى لَا نُقَصِّرَ فِيمَا أَمَرَنَا وَ لَا نَتَعَدَّى إِلَى مَا نَهَانَا وَ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ أَنَّكَ وَ إِنْ كُنْتَ مُحْتَاجاً إِلَى نَصِيبِكَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا أَنَّكَ إِلَى نَصِيبِكَ مِنَ الْآخِرَةِ أَحْوَجُ فَإِنْ عَرَضَ لَكَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا لِلْآخِرَةِ وَ الْآخَرُ لِلدُّنْيَا فَابْدَأْ بِأَمْرِ الْآخِرَةِ وَ لْتَعْظُمْ رَغْبَتُكَ فِي الْخَيْرِ وَ لْتَحْسُنْ فِيهِ نِيَّتُكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يُعْطِي الْعَبْدَ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ وَ إِذَا أَحَبَّ الْخَيْرَ وَ أَهْلَهُ وَ لَمْ يَعْمَلْهُ كَانَ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ كَمَنْ عَمِلَهُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ حِينَ رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَاماً مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَ لَا هَبَطْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ مَا حَبَسَهُمْ إِلَّا الْمَرَضُ يَقُولُ كَانَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ ثُمَّ اعْلَمْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي وَلَّيْتُكَ أَعْظَمَ أَجْنَادِي أَهْلَ مِصْرَ وَ إِذْ وَلَّيْتُكَ مَا وَلَّيْتُكَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ فَإِنَّكَ مَحْقُوقٌ أَنْ تَخَافَ فِيهِ عَلَى نَفْسِكَ وَ تَحْذَرَ فِيهِ عَلَى دِينِكَ وَ لَوْ كَانَ سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُسْخِطَ رَبَّكَ لِرِضَا أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَافْعَلْ فَإِنَّ فِي اللَّهِ خَلَفاً مِنْ غَيْرِهِ وَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ غَيْرِهِ خَلَفٌ مِنْهُ فَاشْتَدَّ عَلَى الظَّالِمِ وَ لِنْ لِأَهْلِ الْخَيْرِ وَ قَرِّبْهُمْ إِلَيْكَ وَ اجْعَلْهُمْ بِطَانَتَكَ وَ إِخْوَانَكَ وَ السَّلَامُ.
وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ قَالَ كَتَبَ عَلِيٌّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ مِصْرَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ الْعَمَلِ بِمَا أَنْتُمْ عَنْهُ مَسْئُولُونَ فَأَنْتُمْ بِهِ رَهْنٌ وَ أَنْتُمْ إِلَيْهِ صَائِرُونَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ وَ قَالَ وَ يُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ وَ قَالَ فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ فَاعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ اللَّهَ سَائِلُكُمْ عَنِ الصَّغِيرِ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَ الْكَبِيرِ فَإِنْ يُعَذِّبْ فَنَحْنُ الظَّالِمُونَ وَ إِنْ يَغْفِرْ وَ يَرْحَمْ فَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ أَقْرَبَ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ إِلَى الرَّحْمَةِ وَ الْمَغْفِرَةِ حِينَ مَا يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ مُنَاصَحَتِهِ فِي التَّوْبَةِ فَعَلَيْكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَإِنَّهَا تَجْمَعُ مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يَجْمَعُ غَيْرُهَا وَ يُدْرَكُ بِهَا مِنَ الْخَيْرِ مَا لَا يُدْرَكُ بِغَيْرِهَا خَيْرُ الدُّنْيَا وَ خَيْرُ الْآخِرَةِ يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَعْمَلُ لِثَلَاثٍ إِمَّا لِخَيْرِ الدُّنْيَا فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُهُ بِعَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ اللَّهُ وَ آتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ فَمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ تَعَالَى
أَعْطَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ كَفَاهُ الْمُهِمَّ فِيهِمَا وَ قَدْ قَالَ تَعَالَى يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ فَمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُحَاسِبْهُمْ بِهِ فِي الْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ فَالْحُسْنَى الْجَنَّةُ وَ الزِّيَادَةُ الدُّنْيَا وَ إِمَّا لِخَيْرِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ اللَّهَ يُكَفِّرُ عَنْهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئَةً يَقُولُ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُسِبَتْ لَهُمْ حَسَنَاتُهُمْ وَ أُعْطُوا بِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ فَهُوَ الَّذِي يَقُولُ جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً وَ يَقُولُ عَزَّ وَ جَلَ فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ فَارْغَبُوا فِيهِ وَ اعْمَلُوا بِهِ وَ تَحَاضُّوا عَلَيْهِ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ قَدْ ذَهَبُوا بِعَاجِلِ الْخَيْرِ وَ آجِلِهِ شَرِكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ وَ لَمْ يُشَارِكْهُمْ أَهْلُ الدُّنْيَا فِي آخِرَتِهِمْ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ سَكَنُوا الدُّنْيَا بِأَفْضَلِ مَا سُكِنَتْ وَ أَكَلُوهَا بِأَفْضَلِ مَا أُكِلَتْ شَارَكُوا أَهْلَ الدُّنْيَا فِي دُنْيَاهُمْ فَأَكَلُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا يَأْكُلُونَ وَ شَرِبُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا يَشْرَبُونَ وَ لَبِسُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا يَلْبَسُونَ وَ سَكَنُوا بِأَفْضَلِ مَا يَسْكُنُونَ وَ تَزَوَّجُوا بِأَفْضَلِ مَا يَتَزَوَّجُونَ وَ رَكِبُوا مِنْ أَفْضَلِ مَا يَرْكَبُونَ أَصَابُوا لَذَّةَ الدُّنْيَا مَعَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَ تَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ غَداً مِنْ جِيرَانِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ يَتَمَنَّوْنَ عَلَيْهِ مَا يُرَدُّ لَهُمْ دَعْوَةٌ وَ لَا يُنْقَصُ لَهُمْ لَذَّةٌ أَمَا فِي هَذَا مَا يَشْتَاقُ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ لَهُ عَقْلٌ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَ اعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّكُمْ إِنِ اتَّقَيْتُمْ رَبَّكُمُ وَ حَفِظْتُمْ نَبِيَّكُمْ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ فَقَدْ عَبَدْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا عُبِدَ وَ ذَكَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا ذُكِرَ وَ شَكَرْتُمُوهُ بِأَفْضَلِ مَا شُكِرَ وَ أَخَذْتُمْ بِأَفْضَلِ الصَّبْرِ وَ جَاهَدْتُمْ بِأَفْضَلِ الْجِهَادِ وَ إِنْ كَانَ غَيْرُكُمْ أَطْوَلَ صَلَاةً