کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنِّي دَعَوْتُكُمْ إِلَى الْحَقِّ فَتَوَلَّيْتُمْ عَنِّي وَ ضَرَبْتُكُمْ بِالدِّرَّةِ فَأَعْيَيْتُمُونِي. أَمَا إِنَّهُ سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ لَا يَرْضَوْنَ مِنْكُمْ بِذَلِكَ حَتَّى يُعَذِّبُونَكُمْ بِالسِّيَاطِ وَ الْحَدِيدِ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا أُعَذِّبُكُمْ بِهِمَا، إِنَّهُ مَنْ عَذَّبَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَذَّبَهُ اللَّهُ فِي الْآخِرَةِ، وَ آيَةُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَكُمْ صَاحِبُ الْيَمَنِ حَتَّى يَحُلَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، فَيَأْخُذَ الْعُمَّالَ وَ عُمَّالَ الْعُمَّالِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ، وَ يَقُومُ عِنْدَ ذَلِكَ رَجُلٌ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتَ فَانْصُرُوهُ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَى الْحَقِّ.
قَالَ: فَكَانَ النَّاسُ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ زَيْدٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] 5467 .
. بيان: أحمشته: أي أغضبته. و المستصرخ: المستنصر. و المتغوّث: القائل: وا غوثاه.
و الثار: الدّم و الطلب به، و قاتل حميمك. ذكره الفيروزآبادي.
و الجرجرة: صوت يردّده البعير في حنجرته، و أكثر ما يكون ذلك عند الإعياء و التّعب. و السرر: داء يأخذ البعير في سرّته، يقال منه: جمل أسرّ. و النضو:
البعير المهزول. و الأدبر: الذي به دبر و هي القروح في ظهره. و الجنيد: تصغير الجند.
و قال السّيّد الرضيّ رضي اللّه عنه: «متذائب»: أي مضطرب، من قولهم:
تذاءبت الريح أي: اضطرب هبوبها، و منه سمّي الذئب لاضطراب مشيه.
أقول: أورد السّيّد في النهج قوله عليه السلام: «ألا إني منيت إلى قوله- وَ هُمْ يَنْظُرُونَ » 5468 .
[906] 5469 - وَ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ نَقْلًا مِنْ كِتَابِ الْغَارَاتِ، لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الثَّقَفِيِّ وَ وَجَدْتُهُ فِي أَصْلِ كِتَابِهِ أَيْضاً رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا أَصَابَ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِمِصْرَ، بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيَّ إِلَى أَهْلِ الْبَصْرَةِ لِيَدْعُوَهُمْ إِلَى نَفْسِهِ، وَ إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ وَ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ مُعَاوِيَةَ اخْتَلَفُوا، فَبَعْضُهُمْ رَدُّوا، وَ أَكْثَرُهُمْ قَبِلُوا وَ أَطَاعُوا. وَ كَانَ الْأَمِيرُ يَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ، زِيَادَ بْنَ عُبَيْدٍ، قَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ، وَ ذَهَبَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُعَزِّيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا رَأَى زِيَادٌ إِقْبَالَ النَّاسِ عَلَى ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، اسْتَجَارَ مِنَ الْأَزْدِ وَ نَزَلَ فِيهِمْ، وَ كَتَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَ أَخْبَرَهُ بِمَا جَرَى؛ فَرَفَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَ شَاعَ فِي النَّاسِ بِالْكُوفَةِ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ، وَ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِيمَنْ يَبْعَثُهُ إِلَيْهِمْ حَمِيَّةً فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
تَنَاهَوْا أَيُّهَا النَّاسُ، وَ لْيَرْدَعْكُمُ الْإِسْلَامُ وَ وَقَارُهُ عَنِ التَّبَاغِي وَ التَّهَاوِي، وَ لْتَجْتَمِعْ كَلِمَتُكُمْ، وَ الْزَمُوا دِينَ اللَّهِ الَّذِي لَا يُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرُهُ، وَ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ الَّتِي هِيَ قِوَامُ الدِّينِ، وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ، وَ اذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا مُشْرِكِينَ مُتَبَاغِضِينَ مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَ بَيْنَكُمْ بِالْإِسْلَامِ، فَكَثُرْتُمْ وَ اجْتَمَعْتُمْ وَ تَحَابَبْتُمْ، فَلَا تَتَفَرَّقُوا بَعْدَ إِذِ اجْتَمَعْتُمْ، وَ لَا تَبَاغَضُوا بَعْدَ إِذْ تَحَابَبْتُمْ، وَ إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ وَ بَيْنَهُمُ النَّائِرَةُ وَ قَدْ تَدَاعَوْا إِلَى الْعَشَائِرِ وَ الْقَبَائِلِ فَاقْصِدُوا لِهَامِهِمْ وَ وُجُوهِهِمْ بِسُيُوفِكُمْ، حَتَّى يَفْزَعُوا إِلَى اللَّهِ وَ كِتَابِهِ وَ سُنَّةِ نَبِيِّهِ، فَأَمَّا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ فَإِنَّهَا مِنْ خُطُوَاتِ الشَّيَاطِينِ فَانْتَهُوا عَنْهَا لَا أَبَا لَكُمْ تُفْلِحُوا وَ تَنْجَحُوا.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي الْحَدِيدِ: وَ رَوَى الْوَاقِدِيُّ أَنَّ عَلِيّاً عَلَيْهِ السَّلَامُ اسْتَنْفَرَ بَنِي تَمِيمٍ أَيَّاماً، لِيَنْهَضَ مِنْهُمْ إِلَى الْبَصْرَةِ مَنْ يَكْفِيهِ أَمْرَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، وَ يَرُدُّ عَادِيَةَ بَنِي تَمِيمٍ الَّذِينَ أَجَارُوهُ بِهَا، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ فَخَطَبَهُمْ وَ قَالَ:
لَيْسَ مِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَنْصُرَنِي الْأَزْدُ وَ يَخْذُلَنِي مُضَرُ. وَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَقَاعُدُ تَمِيمِ الْكُوفَةِ بِي، وَ خِلَافُ تَمِيمِ الْبَصْرَةِ عَلَيَّ، وَ أَنْ أَسْتَنْجِدَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ مَا يَشْخَصُ إِلَيَّ أَحَدٌ مِنْهَا فَيَدْعُوَهُمْ إِلَى الرَّشَادِ، فَإِنْ أَجَابَتْ وَ إِلَّا فَالْمُنَابَذَةُ وَ الْحَرْبُ.
فَكَأَنِّي أُخَاطِبُ صُمّاً بُكْماً لَا يَفْقَهُونَ حِوَاراً، وَ لَا يُجِيبُونَ نِدَاءً، كُلُّ ذَلِكَ جُنُباً عَنِ الْبَأْسِ وَ حُبّاً لِلْحَيَاةِ.
[وَ] لَقَدْ كُنَّا 5470 مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ، نَقْتُلُ آبَاءَنَا وَ أَبْنَاءَنَا وَ إِخْوَانَنَا وَ أَعْمَامَنَا، مَا يَزِيدُنَا ذَلِكَ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً ، وَ مُضِيّاً عَلَى اللَّقَمِ، وَ صَبْراً عَلَى مَضَضِ الْأَلَمِ، وَ جِدّاً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ.
وَ لَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا وَ الْآخَرُ مِنْ عَدُوِّنَا يَتَصَاوَلَانِ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ، يَتَخَالَسَانِ أَنْفُسَهُمَا أَيُّهُمَا يَسْقِي صَاحِبَهُ كَأْسَ الْمَنُونِ، فَمَرَّةً لَنَا مِنْ عَدُوِّنَا وَ مَرَّةً لِعَدُوِّنَا مِنَّا. فَلَمَّا رَأَى اللَّهُ صِدْقَنَا، أَنْزَلَ بِعَدُوِّنَا الْكَبْتَ، وَ أَنْزَلَ عَلَيْنَا النَّصْرَ، حَتَّى اسْتَقَرَّ الْإِسْلَامُ مُلْقِياً جِرَانَهُ، وَ مُتَبَوِّئاً أَوْطَانَهُ. وَ لَعَمْرِي لَوْ كُنَّا نَأْتِي مَا أَتَيْتُمْ، مَا قَامَ لِلدِّينِ عَمُودٌ، وَ لَا اخْضَرَّ لِلْإِيمَانِ عُودٌ. وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَ لَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً.
قَالَ: فَقَامَ إِلَيْهِ أَعْيَنُ بْنُ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيُّ، فَقَالَ: أَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَكْفِيكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْخَطْبَ، فَأَتَكَفَّلُ لَكَ بِقَتْلِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، أَوْ إِخْرَاجِهِ عَنِ الْبَصْرَةِ.
فَأَمَرَهُ بِالتَّهَيُّؤِ لِلشُّخُوصِ، فَشَخَصَ حَتَّى قَدِمَ الْبَصْرَةَ.
رَجَعْنَا إِلَى رِوَايَةِ الثَّقَفِيِّ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ: فَلَمَّا قَدِمَهَا دَخَلَ عَلَى زِيَادٍ وَ هُوَ
بِالْأَهْوَازِ مُقِيمٌ، فَرَحَّبَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ لَهُ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَ إِنَّهُ لَيُكَلِّمُهُ إِذْ جَاءَهُ كِتَابٌ مِنْ عَلِيٍّ فِيهِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلِيٍّ إِلَى زِيَادِ بْنِ عُبَيْدٍ: سَلَامٌ عَلَيْكَ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ لِيُفَرِّقَ قَوْمَهُ عَنِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَارْقَبْ مَا يَكُونُ مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ وَ بَلَغَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُظَنُّ بِهِ، وَ كَانَ فِي ذَلِكَ تَفْرِيقُ تِلْكَ الْأَوْبَاشِ، فَهُوَ مَا نُحِبُّ، وَ إِنْ تَرَامَتِ الْأُمُورُ بِالْقَوْمِ إِلَى الشِّقَاقِ وَ الْعِصْيَانِ، فَانْهَدْ بِمَنْ أَطَاعَكَ إِلَى مَنْ عَصَاكَ فَجَاهِدْهُمْ، فَإِنْ ظَفِرْتَ فَهُوَ مَا ظَنَنْتُ، وَ إِلَّا فَطَاوِلْهُمْ وَ مَاطِلْهُمْ، فَكَأَنَّ كَتَائِبَ الْمُسْلِمِينَ قَدْ أَظَلَّتْ عَلَيْكَ، فَقَتَلَ اللَّهُ الظَّالِمِينَ الْمُفْسِدِينَ، وَ نَصَرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُحِقِّينَ وَ السَّلَامُ 5471 .
فَلَمَّا قَرَأَهُ زِيَادٌ، أَقْرَأَهُ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكْفِيَ هَذَا الْأَمْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَأَتَى رَحْلَهُ، فَجَمَعَ إِلَيْهِ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا قَوْمُ عَلَى مَا ذَا تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ، وَ تُهَرِيقُونَ دِمَاءَكُمْ عَلَى الْبَاطِلِ مَعَ السُّفَهَاءِ وَ الْأَشْرَارِ؟ وَ إِنِّي وَ اللَّهِ مَا جِئْتُكُمْ حَتَّى عَبَأْتُ إِلَيْكُمُ الْجُنُودَ، فَإِنْ تُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ نَقْبَلْ مِنْكُمْ، وَ نَكُفَّ عَنْكُمْ، وَ إِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ وَ اللَّهِ اسْتِيصَالُكُمْ وَ بَوَارُكُمْ.
فَقَالُوا: بَلْ نَسْمَعُ وَ نُطِيعُ فَقَالَ: انْهَضُوا الْيَوْمَ عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ، فَنَهَضَ بِهِمْ عَلَى جَمَاعَةِ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ، فَخَرَجُوا إِلَيْهِ فَصَافُّوهُ، وَ وَاقَفَهُمْ عَامَّةَ يَوْمِهِ يُنَاشِدُهُمُ اللَّهَ وَ يَقُولُ: يَا قَوْمُ لَا تَنْكُثُوا بَيْعَتَكُمْ، وَ لَا تُخَالِفُوا إِمَامَكُمْ، وَ لَا تَجْعَلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا، فَقَدْ رَأَيْتُمْ وَ جَرَّبْتُمْ كَيْفَ صَنَعَ اللَّهُ بِكُمْ عِنْدَ نَكْثِكُمْ بَيْعَتِكُمْ وَ خِلَافِكُمْ. فَكَفُّوا عَنْهُ، وَ هُمْ فِي ذَلِكَ يَشْتُمُونَهُ.
فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ وَ هُوَ مِنْهُمْ مُنْتَصِفٌ فَلَمَّا آوَى إِلَى رَحْلِهِ، تَبِعَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ يَظُنُّ النَّاسُ أَنَّهُمْ خَوَارِجُ، فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ وَ هُوَ عَلَى فِرَاشِهِ، لَا يَظُنُّ أَنَّ الَّذِي كَانَ يَكُونُ، فَخَرَجَ يَشْتَدُّ عُرْيَاناً فَلَحِقُوهُ فِي الطَّرِيقِ فَقَتَلُوهُ.
فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا وَقَعَ. وَ كَتَبَ: إِنِّي أَرَى أَنْ تَبْعَثَ إِلَيْهِمْ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ، فَإِنَّهُ نَافِذُ الْبَصِيرَةِ، وَ مُطَاعُ الْعَشِيرَةِ، شَدِيدٌ عَلَى عَدُوِّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمَّا قَرَأَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْكِتَابَ، دَعَا جَارِيَةَ فَقَالَ: يَا ابْنَ قُدَامَةَ تَمْنَعُ الْأَزْدَ عَنْ عَامِلِي وَ بَيْتِ مَالِي وَ تُشَاقُّنِي مُضَرَ وَ تُنَابِذُنِي، وَ بِنَا ابْتَدَأَهَا اللَّهُ بِالْكَرَامَةِ، وَ عَرَّفَهَا الْهُدَى، وَ تَدْعُو إِلَى الْمَعْشَرِ الَّذِينَ حَادُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ أَرَادُوا إِطْفَاءَ نُورِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ حَتَّى عَلَتْ كَلِمَتُهُ عَلَيْهِمْ وَ أَهْلَكَ الْكَافِرِينَ.
فَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ قُعَيْنٍ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ جَارِيَةَ مِنَ الْكُوفَةِ فِي خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَ مَا كَانَ فِيهِمْ يَمَانِيٌّ غَيْرِي، وَ كُنْتُ شَدِيدَ التَّشَيُّعِ، فَقُلْتُ لِجَارِيَةَ: إِنْ شِئْتَ كُنْتُ مَعَكَ، وَ إِنْ شِئْتَ مِلْتُ إِلَى قُومِي. فَقَالَ:
بَلْ سِرْ مَعِي، فَوَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ الطَّيْرَ وَ الْبَهَائِمَ تَنْصُرُنِي عَلَيْهِمْ فَضْلًا عَنِ الْإِنْسِ.
فَلَمَّا دَخَلْنَا الْبَصْرَةَ، بَدَأَ بِزِيَادٍ فَرَحَّبَ بِهِ وَ أَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ، وَ نَاجَاهُ سَاعَةً وَ سَاءَلَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَامَ فِي الْأَزْدِ فَقَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ مِنْ حَيٍّ خَيْراً، ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى غَيْرِهِمْ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا فِيهِ:
مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، إِلَى مَنْ قُرِئَ عَلَيْهِ كِتَابِي هَذَا مِنْ سَاكِنِي الْبَصْرَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ اللَّهَ حَلِيمٌ ذُو أَنَاةٍ لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ قَبْلَ الْبَيِّنَةِ، وَ لَا يَأْخُذُ الْمُذْنِبَ عِنْدَ أَوَّلِ وَهْلَةٍ، وَ لَكِنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ، وَ يَسْتَدِيمُ الْأَنَاةَ، وَ يَرْضَى بِالْإِنَابَةِ، لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِلْحُجَّةِ، وَ أَبْلَغَ فِي الْمَعْذِرَةِ.
وَ قَدْ كَانَ مِنْ شِقَاقِ جُلِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، مَا اسْتَحْقَقْتُمْ أَنْ تُعَاقَبُوا عَلَيْهِ، فَعَفَوْتُ عَنْ مُجْرِمِكُمْ، وَ رَفَعْتُ السَّيْفَ عَنْ مُدْبِرِكُمْ وَ قَبِلْتُ مِنْ مُقْبِلِكُمْ، وَ أَخَذْتُ
بَيْعَتَكُمْ، فَإِنْ تَفُوا بِبَيْعَتِي وَ تَقْبَلُوا نَصِيحَتِي وَ تَسْتَقِيمُوا عَلَى طَاعَتِي، أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالْكِتَابِ وَ قَصْدِ الْحَقِّ، وَ أُقِيمُ فِيكُمْ سَبِيلَ الْهُدَى؛ فَوَ اللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَنَّ وَالِياً بَعْدَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي، وَ لَا أَعْمَلُ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا صَادِقاً غَيْرَ ذَامٍّ لِمَنْ مَضَى، وَ لَا مُنْتَقِصاً لِأَعْمَالِهِمْ.
وَ إِنْ خَطَّتْ بِكُمُ الْأَهْوَاءُ الْمُرْدِيَةُ، وَ سَفَهُ الرَّأْيِ الْجَائِرِ إِلَى مُنَابَذَتِي تُرِيدُونَ خِلَافِي، فَهَا أَنَا ذَا قَرُبْتُ جِيَادِي، وَ رَحَلْتُ رِكَابِي. وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَلْجَأْتُمُونِي إِلَى الْمَسِيرِ إِلَيْكُمْ، لَأُوقِعَنَّ بِكُمْ وَقْعَةً لَا يَكُونُ يَوْمُ الْجَمَلِ عِنْدَهَا إِلَّا كَلَعْقَةِ لَاعِقٍ، وَ إِنِّي لَظَانٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا تَجْعَلُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلًا.
وَ قَدْ قَدَّمْتُ هَذَا الْكِتَابَ حُجَّةً عَلَيْكُمْ، وَ لَيْسَ أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِهِ كِتَاباً إِنْ أَنْتُمُ اسْتَغْشَشْتُمْ نَصِيحَتِي، وَ نَابَذْتُمْ رَسُولِي، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الشَّاخِصَ نَحْوَكُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَ السَّلَامُ.
فَلَمَّا قُرِئَ الْكِتَابُ عَلَى النَّاسِ، قَامَ صَبْرَةُ بْنُ شَيْمَانَ فَقَالَ: سَمِعْنَا وَ أَطَعْنَا وَ نَحْنُ لِمَنْ حَارَبَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَرْبٌ، وَ لِمَنْ سَالَمَ سِلْمٌ. إِنْ كَفَيْتَ يَا جَارِيَةُ قَوْمَكَ بِقَوْمِكَ فَذَاكَ، وَ إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَنْصُرَكَ نَصَرْنَاكَ.
وَ قَامَ وُجُوهُ النَّاسِ فَتَكَلَّمُوا بِمِثْلِ ذَلِكَ، فَلَمْ يَأْذَنْ [جَارِيَةُ] لِأَحَدٍ أَنْ يَسِيرَ مَعَهُ وَ مَضَى نَحْوَ بَنِي تَمِيمٍ وَ كَلَّمَهُمْ فَلَمْ يُجِيبُوهُ، وَ خَرَجَ مِنْهُمْ أَوْبَاشٌ فَنَاوَشُوهُ بَعْدَ أَنْ شَتَمُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى زِيَادٍ وَ الْأَزْدِ يَسْتَصْرِخُهُمْ [وَ] يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَيْهِ فَسَارَتْ الْأَزْدُ بِزِيَادٍ.
وَ خَرَجَ إِلَيْهِمُ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ فَاقْتَتَلُوا سَاعَةً، وَ اقْتَتَلَ شَرِيكُ بْنُ الْأَعْوَرِ الْحَارِثِيُّ، وَ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَ صَدِيقاً لِجَارِيَةَ [فَقَالَ لَهُ: أَ لَا أُقَاتِلُ مَعَكَ عَدُوَّكَ؟ فَقَالَ: بَلَى. فَقَاتَلَهُمْ.] فَمَا لَبِثَ بَنُو تَمِيمٍ أَنْ هَزَمُوهُمْ وَ اضْطَرُّوهُمْ إِلَى دَارِ سُنْبُلٍ السَّعْدِيِّ، فَحَصَرُوا ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ فِيهَا، وَ أَحَاطَ جَارِيَةُ وَ زِيَادٌ بِالدَّارِ وَ قَالَ جَارِيَةُ: عَلَيَّ بِالنَّارِ. فَقَالَتِ الْأَزْدُ: لَسْنَا مِنَ الْحَرِيقِ فِي شَيْءٍ، وَ هُمْ قَوْمُكَ
وَ أَنْتَ أَعْلَمُ. فَحَرَقَ جَارِيَةُ الدَّارَ عَلَيْهِمْ، فَهَلَكَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ فِي سَبْعِينَ رَجُلًا أَحَدُهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ الْقُرَشِيُّ. وَ سَارَتِ الْأَزْدُ بِزِيَادٍ حَتَّى أَوْطَئُوا قَصْرَ الْإِمَارَةِ وَ مَعَهُ بَيْتُ الْمَالِ، وَ قَالَتْ لَهُ: هَلْ بَقِيَ عَلَيْنَا مِنْ جِوَارِكَ شَيْءٌ. قَالَ: لَا.
فَانْصَرَفُوا عَنْهُ.
وَ كَتَبَ زِيَادٌ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ الْعَبْدَ الصَّالِحَ قَدِمَ مِنْ عِنْدِكَ فَنَاهَضَ جَمْعَ ابْنِ الْحَضْرَمِيِّ بِمَنْ نَصَرَهُ، وَ أَعَانَهُ مِنَ الْأَزْدِ فَفَضَّهُ وَ اضْطَرَّهُ إِلَى دَارٍ مِنْ دُورِ الْبَصْرَةِ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا، فَقَتَلَ ابْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَ أَصْحَابَهُ، مِنْهُمْ مَنْ أُحْرِقَ، وَ مِنْهُمْ مَنْ أُلْقِيَ عَلَيْهِ جِدَارٌ، وَ مِنْهُمْ مَنْ هُدِمَ عَلَيْهِ الْبَيْتُ مِنْ أَعْلَاهُ، وَ مِنْهُمْ مَنْ قُتِلَ بِالسَّيْفِ، وَ سَلِمَ مِنْهُمْ نَفَرٌ ثَابُوا وَ تَابُوا فَصَفَحَ عَنْهُمْ وَ بُعْداً لِمَنْ عَصَى وَ غَوَى، وَ السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ.
فَلَمَّا وَصَلَ الْكِتَابُ قَرَأَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ فَسُرَّ بِذَلِكَ وَ سُرَّ أَصْحَابُهُ وَ أَثْنَى عَلَى جَارِيَةَ وَ عَلَى الْأَزْدِ وَ ذَمَّ الْبَصْرَةَ فَقَالَ: إِنَّهَا أَوَّلُ الْقُرَى خَرَاباً، إِمَّا غَرَقاً وَ إِمَّا حَرَقاً، حَتَّى يَبْقَى مَسْجِدُهَا كَجُؤْجُؤَةِ سَفِينَةٍ 5472 ..