کتابخانه روایات شیعه
بحار الأنوار (ط - بيروت) - ج 1تا15
الْحُسَيْنُ خَيْراً وَ قَالَ لَهُمْ أَ وَ مَا قَرَأْتُمْ كِتَابَ اللَّهِ الْمُنْزَلَ عَلَى جَدِّي رَسُولِ اللَّهِ أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ 21803 وَ قَالَ سُبْحَانَهُ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ 21804 وَ إِذَا أَقَمْتُ بِمَكَانِي فَبِمَا ذَا يُبْتَلَى هَذَا الْخَلْقُ الْمَتْعُوسُ وَ بِمَا ذَا يُخْتَبَرُونَ وَ مَنْ ذَا يَكُونُ سَاكِنَ حُفْرَتِي بِكَرْبَلَاءَ وَ قَدِ اخْتَارَهَا اللَّهُ يَوْمَ دَحَا الْأَرْضَ وَ جَعَلَهَا مَعْقِلًا لِشِيعَتِنَا وَ يَكُونُ لَهُمْ أَمَاناً فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ وَ لَكِنْ تَحْضُرُونَ يَوْمَ السَّبْتِ وَ هُوَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ الَّذِي فِي آخِرِهِ أُقْتَلُ وَ لَا يَبْقَى بَعْدِي مَطْلُوبٌ مِنْ أَهْلِي وَ نَسَبِي وَ إِخْوَتِي وَ أَهْلِ بَيْتِي وَ يُسَارُ بِرَأْسِي إِلَى يَزِيدَ لَعَنَهُ اللَّهُ.
فَقَالَتِ الْجِنُّ نَحْنُ وَ اللَّهِ يَا حَبِيبَ اللَّهِ وَ ابْنَ حَبِيبِهِ لَوْ لَا أَنَّ أَمْرَكَ طَاعَةٌ وَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَنَا مُخَالَفَتُكَ قَتَلْنَا جَمِيعَ أَعْدَائِكَ قَبْلَ أَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَهُمْ نَحْنُ وَ اللَّهِ أَقْدَرُ عَلَيْهِمْ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب.
وَ وَجَدْتُ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ ع لَمَّا عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَتَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ لَا تَحْزَنِي بِخُرُوجِكَ إِلَى الْعِرَاقِ فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ يَقُولُ يُقْتَلُ وَلَدِيَ الْحُسَيْنُ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ فِي أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا كَرْبَلَاءُ فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهْ وَ أَنَا وَ اللَّهِ أَعْلَمُ ذَلِكَ وَ إِنِّي مَقْتُولٌ لَا مَحَالَةَ وَ لَيْسَ لِي مِنْ هَذَا بُدٌّ وَ إِنِّي وَ اللَّهِ لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ الَّذِي أُقْتَلُ فِيهِ وَ أَعْرِفُ مَنْ يَقْتُلُنِي وَ أَعْرِفُ الْبُقْعَةَ الَّتِي أُدْفَنُ فِيهَا وَ إِنِّي أَعْرِفُ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَ قَرَابَتِي وَ شِيعَتِي وَ إِنْ أَرَدْتِ يَا أُمَّاهْ أُرِيكِ حُفْرَتِي وَ مَضْجَعِي.
ثُمَّ أَشَارَ ع إِلَى جِهَةِ كَرْبَلَاءِ فَانْخَفَضَتِ الْأَرْضُ حَتَّى أَرَاهَا مَضْجَعَهُ وَ مَدْفَنَهُ وَ مَوْضِعَ عَسْكَرِهِ وَ مَوْقِفَهُ وَ مَشْهَدَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ بَكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ بُكَاءً شَدِيداً وَ سَلَّمَتْ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ فَقَالَ لَهَا يَا أُمَّاهْ قَدْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنْ يَرَانِي مَقْتُولًا مَذْبُوحاً ظُلْماً وَ عُدْوَاناً وَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَى حَرَمِي وَ رَهْطِي وَ نِسَائِي مُشَرَّدِينَ وَ أَطْفَالِي
مَذْبُوحِينَ مَظْلُومِينَ مَأْسُورِينَ مُقَيَّدِينَ وَ هُمْ يَسْتَغِيثُونَ فَلَا يَجِدُونَ نَاصِراً وَ لَا مُعِيناً وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَ عِنْدِي تُرْبَةٌ دَفَعَهَا إِلَيَّ جَدُّكَ فِي قَارُورَةٍ فَقَالَ وَ اللَّهِ إِنِّي مَقْتُولٌ كَذَلِكَ وَ إِنْ لَمْ أَخْرُجْ إِلَى الْعِرَاقِ يَقْتُلُونِّي أَيْضاً ثُمَّ أَخَذَ تُرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي قَارُورَةٍ وَ أَعْطَاهَا إِيَّاهَا وَ قَالَ اجْعَلْهَا مَعَ قَارُورَةِ جَدِّي فَإِذَا فَاضَتَا دَماً فَاعْلَمِي أَنِّي قَدْ قُتِلْتُ.
ثُمَّ قَالَ الْمُفِيدُ فَسَارَ الْحُسَيْنُ إِلَى مَكَّةَ وَ هُوَ يَقْرَأُ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ 21805 وَ لَزِمَ الطَّرِيقَ الْأَعْظَمَ فَقَالَ لَهُ أَهْلُ بَيْتِهِ لَوْ تَنَكَّبْتَ عَنِ الطَّرِيقِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ كَيْلَا يَلْحَقَكَ الطَّلَبُ فَقَالَ لَا وَ اللَّهِ لَا أُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ مَا هُوَ قَاضٍ وَ لَمَّا دَخَلَ الْحُسَيْنُ ع مَكَّةَ كَانَ دُخُولُهُ إِيَّاهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثٍ مَضَيْنَ مِنْ شَعْبَانَ دَخَلَهَا وَ هُوَ يَقْرَأُ وَ لَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ 21806 .
ثم نزلها و أقبل أهلها يختلفون إليه و من كان بها من المعتمرين و أهل الآفاق و ابن الزبير بها قد لزم جانب الكعبة و هو قائم يصلي عندها و يطوف و يأتي الحسين ع فيمن يأتيه فيأتيه اليومين المتواليين و يأتيه بين كل يومين مرة و هو ع أثقل خلق الله على ابن الزبير لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه ما دام الحسين في البلد و إن الحسين أطوع في الناس منه و أجل.
و بلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد و عرفوا خبر الحسين و امتناعه من بيعته و ما كان من أمر ابن الزبير في ذلك و خروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله و أثنوا عليه فقال سليمان إن معاوية قد هلك و إن حسينا قد نقض 21807 على القوم
ببيعته و قد خرج إلى مكة و أنتم شيعته و شيعة أبيه فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدو عدوه فاكتبوا إليه فإن خفتم الفشل و الوهن فلا تغروا الرجل في نفسه قالوا لا بل نقاتل عدوه و نقتل أنفسنا دونه فاكتبوا إليه. فكتبوا إليه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد و المسيب بن نجبة 21808 و رفاعة بن شداد البجلي و حبيب بن مظاهر 21809 و شيعته المؤمنين و المسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد الله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها و غصبها فيئها و تأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها و استبقى شرارها و جعل مال الله دولة بين جبابرتها و أغنيائها فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق و النعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة و لا نخرج معه إلى عيد و لو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله.
ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني و عبد الله بن وأل و أمروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان.
ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب و أنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي و عبد الله و عبد الرحمن ابني عبد الله بن زياد الأرحبي 21810 و عمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين ع و معهم نحو مائة و خمسين صحيفة من الرجل
و الاثنين و الأربعة.
و قال السيد و هو مع ذلك يتأبى و لا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب و تواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.
و قَالَ الْمُفِيدُ ثُمَّ لَبِثُوا يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَ سَرَّحُوا إِلَيْهِ هَانِئَ بْنَ هَانِئٍ السَّبِيعِيَّ وَ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَفِيَّ وَ كَتَبُوا إِلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِلَى الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ شِيعَتِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا بَعْدُ فَحَيَّهَلَا فَإِنَّ النَّاسَ يَنْتَظِرُونَكَ لَا رَأْيَ لَهُمْ غَيْرُكَ فَالْعَجَلَ الْعَجَلَ ثُمَّ الْعَجَلَ الْعَجَلَ وَ السَّلَامُ.
ثُمَّ كَتَبَ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَ حَجَّارُ بْنُ أَبْجَرَ وَ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ رُوَيْمٍ وَ عُرْوَةُ بْنُ قَيْسٍ وَ عمر [عَمْرُو] بْنُ حَجَّاجٍ الزُّبَيْدِيُّ وَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو التَّيْمِيُّ أَمَّا بَعْدُ فَقَدِ اخْضَرَّ الْجَنَّاتُ وَ أَيْنَعَتِ الثِّمَارُ وَ أَعْشَبَتِ الْأَرْضُ وَ أَوْرَقَتِ الْأَشْجَارُ فَإِذَا شِئْتَ فَأَقْبِلْ عَلَى جُنْدٍ لَكَ مُجَنَّدَةٍ وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى أَبِيكَ مِنْ قَبْلِكَ.
وَ تَلَاقَتِ الرُّسُلُ كُلُّهَا عِنْدَهُ فَقَرَأَ الْكُتُبَ وَ سَأَلَ الرُّسُلَ عَنِ النَّاسِ ثُمَّ كَتَبَ مَعَ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ وَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ كَانَا آخِرَ الرُّسُلِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ إِلَى الْمَلَإِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ هَانِئاً وَ سَعِيداً قَدَّمَا عَلَيَّ بِكُتُبِكُمْ وَ كَانَا آخِرَ مَنْ قَدِمَ عَلَيَّ مِنْ رُسُلِكُمْ وَ قَدْ فَهِمْتُ كُلَّ الَّذِي اقْتَصَصْتُمْ وَ ذَكَرْتُمْ وَ مَقَالَةُ جُلِّكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْنَا إِمَامٌ فَأَقْبِلْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الْحَقِّ وَ الْهُدَى وَ أَنَا بَاعِثٌ إِلَيْكُمْ أَخِي وَ ابْنَ عَمِّي وَ ثِقَتِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فَإِنْ كَتَبَ إِلَيَّ بِأَنَّهُ قَدِ اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ وَ ذَوِي الْحِجَى وَ الْفَضْلِ مِنْكُمْ عَلَى مِثْلِ مَا قَدَّمَتْ بِهِ رُسُلُكُمْ وَ قَرَأْتُ فِي كُتُبِكُمْ فَإِنِّي أَقْدَمُ إِلَيْكُمْ وَشِيكاً إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَلَعَمْرِي مَا الْإِمَامُ إِلَّا الْحَاكِمُ بِالْكِتَابِ
الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ الدَّائِنُ بِدِينِ الْحَقِّ الْحَابِسُ نَفْسَهُ عَلَى ذَلِكَ لِلَّهِ وَ السَّلَامُ. وَ دَعَا الْحُسَيْنُ ع مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ فَسَرَّحَهُ مَعَ قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ الصَّيْدَاوِيِّ وَ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السَّلُولِيِّ وَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ وَ أَمَرَهُ بِالتَّقْوَى وَ كِتْمَانِ أَمْرِهِ وَ اللُّطْفِ فَإِنْ رَأَى النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ مُسْتَوْسِقِينَ 21811 عَجَّلَ إِلَيْهِ بِذَلِكَ.
فَأَقْبَلَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ فَصَلَّى فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ وَدَّعَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِهِ وَ اسْتَأْجَرَ دَلِيلَيْنِ مِنْ قَيْسٍ فَأَقْبَلَا بِهِ يَتَنَكَّبَانِ الطَّرِيقَ فَضَلَّا عَنِ الطَّرِيقِ وَ أَصَابَهُمَا عَطَشٌ شَدِيدٌ فَعَجَزَا عَنِ السَّيْرِ فَأَوْمَئَا لَهُ إِلَى سَنَنِ الطَّرِيقِ بَعْدَ أَنْ لَاحَ لهم [لَهُمَا] ذَلِكَ فَسَلَكَ مُسْلِمٌ ذَلِكَ السَّنَنَ وَ مَاتَ الدَّلِيلَانِ عَطَشاً فَكَتَبَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْمَوْضِعِ الْمَعْرُوفِ بِالْمَضِيقِ مَعَ قَيْسِ بْنِ مُسْهِرٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ مَعَ دَلِيلَيْنِ لِي فَحَازَا عَنِ الطَّرِيقِ فَضَلَّا وَ اشْتَدَّ عَلَيْنَا الْعَطَشُ فَلَمْ يَلْبَثَا أَنْ مَاتَا وَ أَقْبَلْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الْمَاءِ فَلَمْ نَنْجُ إِلَّا بِحُشَاشَةِ أَنْفُسِنَا وَ ذَلِكَ الْمَاءُ بِمَكَانٍ يُدْعَى الْمَضِيقُ مِنْ بَطْنِ الْخَبْتِ وَ قَدْ تَطَيَّرْتُ مِنْ تَوَجُّهِي هَذَا فَإِنْ رَأَيْتَ أَعْفَيْتَنِي عَنْهُ وَ بَعَثْتَ غَيْرِي وَ السَّلَامُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحُسَيْنُ ع أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ حَسِبْتُ 21812 أَنْ لَا يَكُونَ حَمَلَكَ عَلَى الْكِتَابِ إِلَيَّ فِي الِاسْتِعْفَاءِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي وَجَّهْتُكَ لَهُ إِلَّا الْجُبْنُ فَامْضِ لِوَجْهِكَ الَّذِي وَجَّهْتُكَ فِيهِ وَ السَّلَامُ.
فَلَمَّا قَرَأَ مُسْلِمٌ الْكِتَابَ قَالَ أَمَّا هَذَا فَلَسْتُ أَتَخَوَّفُهُ عَلَى نَفْسِي فَأَقْبَلَ حَتَّى مَرَّ بِمَاءٍ لِطَيِّئٍ فَنَزَلَ بِهِ ثُمَّ ارْتَحَلَ عَنْهُ فَإِذَا رَجُلٌ يَرْمِي الصَّيْدَ فَنَظَرَ إِلَيْهِ قَدْ رَمَى ظَبْياً حِينَ أَشْرَفَ لَهُ فَصَرَعَهُ فَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ نَقْتُلُ عَدُوَّنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ فَنَزَلَ فِي دَارِ الْمُخْتَارِ بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَ هِيَ الَّتِي تُدْعَى الْيَوْمَ دَارُ مُسْلِمِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَ أَقْبَلَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَيْهِ فَكُلَّمَا اجْتَمَعَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ قَرَأَ عَلَيْهِمْ كِتَابَ الْحُسَيْنِ ع وَ هُمْ يَبْكُونَ وَ بَايَعَهُ النَّاسُ حَتَّى بَايَعَهُ
مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً فَكَتَبَ مُسْلِمٌ إِلَى الْحُسَيْنِ ع يُخْبِرُهُ بِبَيْعَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفاً وَ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ وَ جَعَلَتِ الشِّيعَةُ تَخْتَلِفُ إِلَى مُسْلِمِ بْنِ عَقِيلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى عُلِمَ بِمَكَانِهِ.
فَبَلَغَ النُّعْمَانَ [بْنَ] بَشِيرٍ ذَلِكَ وَ كَانَ وَالِياً عَلَى الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ فَأَقَرَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهَا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ لَا تُسَارِعُوا إِلَى الْفِتْنَةِ وَ الْفُرْقَةِ فَإِنَّ فِيهَا تَهْلِكُ الرِّجَالُ وَ تُسْفَكُ الدِّمَاءُ وَ تُغْصَبُ الْأَمْوَالُ إِنِّي لَا أُقَاتِلُ مَنْ لَا يُقَاتِلُنِي وَ لَا آتِي عَلَى مَنْ لَمْ يَأْتِ عَلَيَّ وَ لَا أُنَبِّهُ نَائِمَكُمْ وَ لَا أَتَحَرَّشُ بِكُمْ وَ لَا آخُذُ بِالْقَرَفِ وَ لَا الظِّنَّةِ وَ لَا التُّهَمَةِ وَ لَكِنَّكُمْ إِنْ أَبْدَيْتُمْ صَفْحَتَكُمْ لِي وَ نَكَثْتُمْ بَيْعَتَكُمْ وَ خَالَفْتُمْ إِمَامَكُمْ فَوَ اللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَأَضْرِبَنَّكُمْ بِسَيْفِي مَا ثَبَتَ قَائِمُهُ فِي يَدِي وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِي مِنْكُمْ نَاصِرٌ أَمَا إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَنْ يَعْرِفُ الْحَقَّ مِنْكُمْ أَكْثَرَ مِمَّنْ يُرْدِيهِ الْبَاطِلُ.
فَقَامَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ رَبِيعَةَ الْحَضْرَمِيُّ حَلِيفُ بَنِي أُمَيَّةَ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ لَا يُصْلِحُ مَا تَرَى إِلَّا الْغَشْمُ وَ هَذَا الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ عَدُوِّكَ رَأْيُ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْأَعَزِّينَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ ثُمَّ نَزَلَ.
وَ خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ وَ كَتَبَ إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ كِتَاباً أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ قَدْ قَدِمَ الْكُوفَةَ وَ بَايَعَهُ الشِّيعَةُ لِلْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ يَكُنْ لَكَ فِي الْكُوفَةِ حَاجَةٌ فَابْعَثْ إِلَيْهَا رَجُلًا قَوِيّاً يُنْفِذُ أَمْرَكَ وَ يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِكَ فِي عَدُوِّكَ فَإِنَّ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَجُلٌ ضَعِيفٌ أَوْ هُوَ يَتَضَعَّفُ.
ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بِنَحْوٍ مِنْ كِتَابِهِ 21813 ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا وَصَلَتِ الْكُتُبُ إِلَى يَزِيدَ دَعَا سِرْحُونَ مَوْلَى
مُعَاوِيَةَ فَقَالَ مَا رَأْيُكَ إِنَّ الْحُسَيْنَ قَدْ نَفَّذَ إِلَى الْكُوفَةِ مُسْلِمَ بْنَ عَقِيلٍ يُبَايَعُ لَهُ وَ قَدْ بَلَغَنِي عَنِ النُّعْمَانِ ضَعْفٌ وَ قَوْلٌ سَيِّئٌ فَمَنْ تَرَى أَنْ أَسْتَعْمِلَ عَلَى الْكُوفَةِ وَ كَانَ يَزِيدُ عَاتِباً عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ سِرْحُونُ أَ رَأَيْتَ لَوْ نَشَرَ لَكَ مُعَاوِيَةُ حَيّاً مَا كُنْتَ آخِذاً بِرَأْيِهِ قَالَ بَلَى قَالَ فَأَخْرَجَ سِرْحُونُ عَهْدَ عُبَيْدِ اللَّهِ عَلَى الْكُوفَةِ وَ قَالَ هَذَا رَأْيُ مُعَاوِيَةَ مَاتَ وَ قَدْ أَمَرَ بِهَذَا الْكِتَابِ فَضُمَّ الْمِصْرَيْنِ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ يَزِيدُ أَفْعَلُ ابْعَثْ بِعَهْدِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ إِلَيْهِ.
ثُمَّ دَعَا مُسْلِمَ بْنَ عَمْرٍو الْبَاهِلِيَّ وَ كَتَبَ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ مَعَهُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَيَّ شِيعَتِي مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَ يُخْبِرُونَنِي أَنَّ ابْنَ عَقِيلٍ فِيهَا يَجْمَعُ الْجُمُوعَ لِيَشُقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ فَسِرْ حِينَ تَقْرَأُ كِتَابِي هَذَا حَتَّى تَأْتِيَ الْكُوفَةَ فَتَطْلُبَ ابْنَ عَقِيلٍ طَلَبَ الْخُرْزَةِ حَتَّى تَثْقَفَهُ فَتُوثِقَهُ أَوْ تَقْتُلَهُ أَوْ تَنْفِيَهُ وَ السَّلَامُ وَ سَلَّمَ إِلَيْهِ عَهْدَهُ عَلَى الْكُوفَةِ فَخَرَجَ مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى قَدِمَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَصْرَةَ وَ أَوْصَلَ إِلَيْهِ الْعَهْدَ وَ الْكِتَابَ فَأَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالْجِهَازِ مِنْ وَقْتِهِ وَ الْمَسِيرِ وَ التَّهَيُّؤِ إِلَى الْكُوفَةِ مِنَ الْغَدِ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَاسْتَخْلَفَ أَخَاهُ عُثْمَانَ 21814 .
و قال ابن نما ره رويت إلى حصين بن عبد الرحمن أن أهل الكوفة كتبوا إليه أنا معك مائة ألف و عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال بايع الحسين ع أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب و يسالموا من سالم فعند ذلك رد جواب كتبهم يمنيهم بالقبول و يعدهم بسرعة الوصول و بعث مسلم بن عقيل.