کتابخانه روایات شیعه
أبواب الدور ليتبرّك بها، و جرت بذلك السنّة عندهم حتّى صاروا يتعمّدون عمل نظيرها على أبواب دور أكثرهم.
و أمّا بنو سنان: فأولاد الذي حمل الرمح الذي على سنانه رأس الحسين عليه السّلام.
و أمّا بنو المكبّري: فأولاد الذي كان يكبّر خلف رأس الحسين عليه السّلام، و في ذلك يقول الشاعر 367 :
و يكبّرون بأن قتلت و إنّما
قتلوا بك التكبير و التهليلا
و أمّا بنو الطشتي: فأولاد الذي حمل الطشت الذي ترك فيه رأس الحسين عليه السّلام، و هم بدمشق مع بني الملحي معروفون.
و أمّا بنو القضيبي: فأولاد الذي أحضر القضيب إلى يزيد لعنه اللّه لنكت ثنايا الحسين عليه السّلام.
و أمّا بنو الدرجي: فأولاد الذي ترك الرأس في درج جيرون 368 ، و هذا لعمرك هو الفخر باب من أبواب دمشق إلى الواضح، لو لا أنّه فاضح.
و قد بلغنا أنّ رجلا قال لزين العابدين عليه السّلام: إنّا لنحبّكم أهل البيت، فقال عليه السّلام:
«
أنتم تحبّونا حبّ السنّورة 369
من شدّة حبّها لولدها تأكله »
.
أ ترى هذا عن محبّة و مصافاة، و خالص مودّة و موالاة؟ أ لم يروا ما فعل قبل ذلك من لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على المنابر ثمانين سنة ليس فيها مسلم ينكر حتّى أنّ أحد خطبائهم بمصر نسى أن يلعن أمير المؤمنين عليه السّلام على المنبر في خطبته و ذكر ذلك في الطريق عند منصرفه، فلعنه حيث ذكر قضاء لما نسيه، و قياما بما يرى أنّه فرض، و قد لزم و بنى في ذلك المكان مسجدا و هو باق إلى الآن بسوق وردان 370 يعرف بمسجد الذكر، و هدم في بعض السنين لأمر من الأمور فرأيت في موضعه سرجا كثيرة و آثار بخور لنذور، و قيل لي: إنّه يؤخذ من ترابه و يتشافى به، ثمّ بني بعد ذلك و عظم أمره.
و في مسجد الرمح أيضا خبر عجيب يعرفه من افتقد أسرار القوم، لهم الويل الطويل، و العذاب النكيل، لقد نبذوا قدسهم 371 ، و أطفأوا نيرانهم، و احتقبوا العظائم، و استفرهوا المخاصم،
و قد بلغنا أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «أنا أوّل من يجثو يوم القيامة للخصوم» 372 .
الفصل الرابع عشر في أغلاطهم في تفضيل أبي بكر بآية الغار
فمن عجيب الامور و طريفها: أن نزل في أمير المؤمنين عليه السّلام آيات من القرآن يجتمع المسلمون على اختصاصه بها، و فضيلته فيها:
منها: ما يشهد بأنّه بعد رسول اللّه و يوجب على الكافّة فرض طاعته، و هو قوله سبحانه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ 373 .
و منها: آية المباهلة الناطقة بأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام في النسبة نفس النبيّ، و المتضمّنة من تفضيله و تفضيل ولديه و زوجته صلوات اللّه عليهم ما لا يشركهم أحد فيه من العالمين، و هو قوله سبحانه: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ 374 .
و منها: سورة «هل أتى» المتضمّنة من فضل أمير المؤمنين و سبطيه و زوجته ما لا يختلف اثنان فيه، الشاهدة لهم بالرضوان، و الخلود بالجنان، و الثناء عليهم
في محكم القرآن.
و غير ذلك من الآيات النازلة فيه و في أهله عليهم السّلام بالفضائل الباهرات، التي لا يدّعيها غيرهم، و [لا] 375 يشاركهم فيها سواهم، و لا يشهر ذلك في الفضائل، و لا يعلن بذكر مستحقّه في المحافل، و يكون من أورد شيئا منه و أضافه إلى مستحقّه من الشرّيرين الروافض، ثمّ تنزل في أبي بكر آية تتضمّن أنّه كان مع النبيّ في الغار، و أنّه حزن فنهاه، فيكاد تقوم القيامة، و تزلزل الأرض بالأمّة، و يعتقد أنّها أشرف آي القرآن، و أنّها شاهدة لأبي بكر بفضل يتجاوز الأفهام، و لا يدرك كنهه الأوهام.
و من عجيب ما رأينا: مصحف قد كتب فيه آية الغار بذهب ليتميّز عن جميع ما يتضمّنه المصحف من كلام اللّه عزّ و جلّ، و نحن أبدا نحتجّ على من ينكر أن يكون بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* من أوّل كلّ سورة، و يدّعي أنّها للفرق بين السورتين، فنقول له: لو كانت وضعت للفرق فقط لكتب بخط مميّز عن خطّ المصحف، كما يكتب أبدا أسماء السور، و لكانت في أوّل سورة براءة، و في إثباتها بالخطّ الذي أثبت به القرآن، فليست للفرق، فقد طلب القوم بما فعلوه في آية الغار الفضل فوقعوا في الجهل، فيا عجباه! و يحقّ للعاقل أن يعجب كيف فعل ذلك بآية الغار و لم يفعل ب قل هو اللّه أحد التي هي سورة الإخلاص و نسبة الرحمن، و التي
روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: «من قرأها ثلاث دفعات فكأنّما قرأ جميع القرآن» 376 .
بل كيف لم يفعل ذلك بسورة الحمد التي هي: سبع المثاني، و امّ الكتاب، و فاتحة الكتاب، و كلّ صلاة بغيرها خداج 377 ؟ فكيف صارت آية الغار أحقّ بالتفضيل و التميّز من جميع ما نزل؟ و ما الذي شرّفت به على سورتي «الحمد» و «قل هو اللّه أحد» لو لا الهوى الذي يعبده، و العناد الذي يقصد، و قد رأيت نسخة التوراة مع بعض اليهود فاطّلعت فيها فرأيتهم قد ميّزوا العشر الكلمات عن جميعها فكتبوها بذهب، فأظنّ فاعل ذلك بآية الغار اقتدى باليهود في هذا الأمر.
و من العجب: اعتقادهم في آية الغار فضلا و هي شاهدة عليه بالنقص و استحقاق الذمّ، و ظنّهم أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخذه معه للانس به، و قد آنسه اللّه بالملائكة و وحيه، و تصحيح اعتقاده أنّه تعالى ينجز له ما وعده، و إنّما أخذه لأنّه لقيه في طريقه فخاف أن يظهر أمره من جهته فأخذه معه احتياطا في تمام شرّه، و توهّموا أنّ حصوله في الغار منقبة له، و في الغار ظهر خطاؤه و زلله، لأنّه حصل معه في الغار في حرز حريز، و مكان مصون، بحيث يأمن اللّه على نبيّه مع ما ظهر له من الآيات في تعشيش الطائر و نسج العنكبوت على بابه، لم يثق مع هذه الأمور بالسلامة، و لا صدّق بالآية، و أظهر الحزن و المخافة، حتى غلبه بكاؤه، و تزايد قلقه و انزعاجه، و بكى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في تلك الحال إلى مقاساته، و وقع إلى مداراته، فنهاه عن الحزن و زجره، و نهي النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يتوجّه في الحقيقة إلّا إلى الزجر عن القبيح، و لا سبيل إلى صرفه إلى المجاز بغير دليل، لا سيّما و قد ظهر من جزعه و بكائه ما يكون من مثله فساد الحال في الاختفاء، فهو إنّما نهى عن استدامة ما وقع منه، و لو سكنت نفسه إلى ما وعد اللّه تعالى نبيّه، و صدّقه فيما أخبر به من
نجاته لم يحزن حيث يجب أن يكون آمنه، و لا انزعج قلبه في الموضع الذي يقتضي سكونه، فأيّ فضيلة في آية الغار يفتخر بها لأبي بكر لو لا المكابرة و اللدد 378 ؟! و أعجب من هذا: قول اللّه تعالى: فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها 379 ، فيعلمون بهذا أنّ السكينة اختصّت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه المؤيّد بالجنود دون غيره، و لا يجوز أن يريد اللّه تعالى بجنوده أحدا من الأنام سوى نبيّه! و من عجيب جهلهم: قولهم: إنّ النبيّ مستغن بنبوّته عن السكينة، حتى كأنّهم لم يسمعوا في القرآن قول اللّه: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 380 ، و لو أنّهم يسمعون ذلك استماع من يعيه و يفهم لعلموا أنّ السكينة لا تنزل على أحد من أهل الإيمان و معه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلّا و تنزل على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قبله، و يذكر قبل ذكره، و تحقّقوا أنّ نزولها في الغار دليل على أنّه للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أنّه ليس معه مؤمن يستحقّها، و لو لا ذلك لقال: فأنزل سكينته على رسوله و عليه، أو قال:
و عليهما! و من عجيب أمرهم، و ظاهر عنادهم: افتخارهم لأبي بكر بآية الغار، و إكثارهم من ذكرها، و لا يذكرون مبيت أمير المؤمنين عليه السّلام تلك الليلة على فراش رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، حيث بذل مهجته دونه، و فداه بنفسه، و اضطجع في موضعه الذي يقصده إليه أعداؤه، حتى تعجّبت من ذلك الملائكة، و أنزل اللّه في مبيته:
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ 381 ، هنالك قالت الملائكة: هنيئا لك يا بن أبي طالب و أنت الحبيب المواسي 382 ، فما انصراف القوم عن هذه الفضيلة العظيمة، و لهجهم بذكر آية الغار، إلّا معاندة في الدين، و بغضة قد خالطت لحومهم لأمير المؤمنين عليه السّلام! و من العجب: أن يفتخر أمير المؤمنين عليه السّلام بمبيته على الفراش فلا يعدّونه له فخرا، و يعترف أبو بكر بأنّ حزنه في الغار معصية، و أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أخبره أنّ حزنه إثم و فتنة، فيخالفونه و يعدّونه فخرا، و قد نظم كلّ واحد منها في ذلك شعرا،
فروي أنّ أمير المؤمنين قال في مبيته:
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى
و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر
رسول إله الخلق أن مكروا به
فنجّاه ذو الطول الكريم من المكر
و بتّ أراعيهم و ما يثبتونني
و قد صبّرت نفسي على القتل و الأسر 383 .
و قال أبو بكر في أبيات له رواها ابن إسحاق 384 في السيرة، و هو عند القوم أمين، ثقة:
و لمّا ولجت الغار قال محمّد