کتابخانه تفاسیر
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 127
[سورة النمل (27): الآيات 83 الى 85]
و النملة، و عفريت الجن، و هاهنا دابة تتكلم.
[84] وَ اذكر يا رسول الله لهؤلاء يَوْمَ نَحْشُرُ أي نجمع مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا ، و إذ تقدم بعض علائم القيامة من خروج دابة الأرض، جاء السياق ليتم مشهد القيامة، و جاء ذكر المكذبين فقط لأنهم محل الكلام و محور البحث في تكذيب المعاد، فلننظر ماذا يكون مصيرهم؟ و قوله «ممن» بيان «فوجا» أي نجمع من كل أمة فوجا هم من الذين يكذبون بالآيات فَهُمْ يُوزَعُونَ أي يحبسون، حتى يجتمعوا جميعا من «وزع» بمعنى «حبس» فإن أول الفوج يحبسون لآخر الفوج، حتى يجتمع الجميع.
[85] حَتَّى إِذا جاؤُ إلى موقف الحساب قالَ الله تعالى لهم أَ كَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَ الحال أنكم لَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً ؟ أي كيف كذبتم و ليس لكم علم بكذبها؟ و حيث إن المقام مقام أن يكذب الكفار قائلين لم نكذب بها، يأتي السياق ليقول لهم ثانيا- سادّا عليهم طريق الإنكار- أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟ إن لم تكونوا كذبتم بالآيات فما ذا كان عملكم؟ لكنهم لا يقدرون أن يقولوا كنا نعمل صالحا، و بهذا ينقطعوا عن الجواب، و لا يتمكنون من الإنكار.
[86] وَ وَقَعَ الْقَوْلُ أي ثبت القول الذي قلنا: إنهم يعذبون جزاء كفرهم عَلَيْهِمْ فالعذاب يأخذهم بعد ذلك الحوار
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 128
[سورة النمل (27): الآيات 86 الى 87]
بِما ظَلَمُوا أي بسبب ظلمهم فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ في هذا الموقف، و إن نطقوا في المواقف الأخر، و في جملة من الأحاديث تفسير «يوم نحشر»- إلى آخره- بزمان ظهور المهدي عليه السّلام، و ذلك من باب المصداق، فإن اللفظ عام مستعمل في الأمرين، القيامة، و ظهور الإمام عليه السّلام و إن لم نقل بالعموم و المصداق، نقول إنه من باب البطن، أو من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى و ذلك جائز لدى وجود القرينة، و القرينة هي الروايات المفسرة.
[87] أَ لَمْ يَرَوْا هؤلاء المنكرون للمبدأ و المعاد، آياتنا الدالة على وجودنا، و التي تدل على إله عليم حكيم، و تدل على القدرة الكاملة، التي لا يمتنع لديها إحياء الأموات؟ أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ أي أوجدناه لِيَسْكُنُوا فِيهِ عن الحركة و التعب وَ جعلنا النَّهارَ مُبْصِراً أي موجبا لبصر الإنسان، و هو من المجاز بنسبة ما للحال إلى الزمان، نحو «يا سارق الليلة»، كما أن جري النهر، من نسبة ما للحال إلى المكان إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكر لَآياتٍ دلالات لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ فإنهم يستدلون منها على وجود الله العليم القدير، و الاختصاص بهم لأنهم هم الذي يستدلون، أما غيرهم، فإنهم معرضون غافلون.
[88] وَ اذكر يا رسول الله يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ هو البوق الذي يشبه قرن الحيوان ينفخ فيه إسرافيل عليه السّلام لإحياء الأموات
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 129
[سورة النمل (27): الآيات 88 الى 89]
فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أي خافوا جميعا من هول قيام الساعة إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ أن لا يفزع و هم بعض الأنبياء و بعض الملائكة وَ كُلٌ من الأموات الذين أحيوا من النفخ أَتَوْهُ أي يأتون المحشر، أو يأتون الله سبحانه- و المراد من إتيان الله الإتيان إلى الموضع المعد لهم، نحو إني ذاهب إلى ربي- داخِرِينَ أي أذلاء صاغرين، من دخر بمعنى ذل.
[89] وَ تَرَى الْجِبالَ أيها الرائي، في ذلك اليوم، في حال كونك تَحْسَبُها و تظنها جامِدَةً في مكانها، كالسابق، واقفة غير متحركة، و الحال أنها وَ هِيَ تَمُرُّ و تسير مَرَّ السَّحابِ أي مثل مرور السحاب سيرا حثيثا سريعا، و قد صار الكل كالقطن المندوف، إن قلع الجبال و تسييرها إنما هو صُنْعَ اللَّهِ منصوب على المصدر أي صنع الله ذلك صنعا الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ فأتقن أهوال المعاد بقلع الجبال و تسييرها، كما أحيى الأموات و جعلهم هائمين يسيرون في فزع و خوف إِنَّهُ خَبِيرٌ أي عالم بِما تَفْعَلُونَ فيجازيكم عليها.
[90] مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ المراد بها الجنس و هو الإيمان و العمل الصالح، نحو «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً» فإن المراد بهما الجنس أيضا فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها أي يضاعف ثوابها عشرة أضعاف أو أكثر
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 130
[سورة النمل (27): الآيات 90 الى 92]
وَ هُمْ أي الذين جاءوا بالحسنة مِنْ فَزَعٍ و خوف يَوْمَئِذٍ أي يوم القيامة آمِنُونَ فلا يفزع المؤمن حيث يفزع الناس.
[91] وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ و المراد السيئة الكاملة التي لا حسنة معها، و هي الكفر و المعاصي، حتى صحّ أن يقال: إنه جاء بالسيئة فَكُبَّتْ الكب هو الإلقاء منكوسا وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ أي ألقوا على وجوههم في النار، و يقال لهم هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ؟ استفهام في معنى النفي، أي ليس هذا إلا جزاء أعمالكم من الكفر و العصيان.
[92] قل يا رسول الله لهؤلاء الكفار بعد تهديدهم بالعذاب إِنَّما أُمِرْتُ أنا بأمر الله سبحانه أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ أي رب مكة، لا الأصنام التي نحتّموها بأيديكم الَّذِي حَرَّمَها أي الله الذي حرم هذه البلدة بأن جعلها محترمة لا يحل فيها القتال، أو الدخول بدون الإحرام، أو الإتيان ببعض الأعمال كتنفير الصيد و قلع الشجر و نحوهما وَ لَهُ أي لله كُلُّ شَيْءٍ بيده وَ أُمِرْتُ من قبله سبحانه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ و هذا لا يدل على عدم كونه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مسلما فيما قبل، إذ الأمر قد يكون للابتداء، و قد يكون للاستدامة نحو:
«اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ» .
[93] وَ أمرت أَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ أقرأه على مسامعكم و أدعوكم لما فيه
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 131
[سورة النمل (27): آية 93]
فَمَنِ اهْتَدى إلى الحق و عمل بما فيه فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ فإن فائدة هدايته تعود إلى نفسه حيث تسعد في الدنيا و الآخرة وَ مَنْ ضَلَ عن القرآن و انحرف عن أحكامه و أوامره فَقُلْ له يا رسول الله إن ضلالك لا يعود إليّ ف إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ الذين يخوّفون من عذاب الله، و قد خوفتك، فعدم عملك إنما يعود سيئه عليك.
[94] وَ قُلِ يا رسول الله الْحَمْدُ لِلَّهِ الذي هداني و جعلني منذرا سَيُرِيكُمْ أيها الناس آياتِهِ بإلفاتكم إليها، أو إيجادها لترونها فَتَعْرِفُونَها بأنها آيات الله و الأدلة على وجوده و سائر شؤونه وَ ما رَبُّكَ يا رسول الله بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ أيها الناس، و في هذا التفات من المخاطب إلى غيره من سائر الناس لأن «كاف» تعود إلى الرسول و «تعملون» إلى الناس.
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 132
28 سورة القصص مكيّة/ آياتها (89)
سميت السورة بهذا لاسم لاشتمالها على قصص موسى عليه السّلام مع فرعون، و شعيب عليه السّلام و قارون و هي كسائر السور المكية تعالج قضايا العقيدة و لما ختمت سورة النمل بتلاوة الرسول للقرآن، جاءت هذه السورة مفتتحة بتلاوة بعض قصص القرآن، و هي قصة موسى و فرعون.
[1] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ نستعين باسم الإله الذي يستعان به في كل حاجة، و هو الرحمن المتفضل بالرحم، الرحيم الذي يرحم العباد، بل كل شيء، كما قال سبحانه ( وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) «1» فإن الرحم هو التفضل، و قد تفضل سبحانه على الأشياء حيث خلقها من غير استحقاق و إن كان فضله على الإنسان أكثر حيث إنه كلما زيدت النعم زيد الفضل.
(1) الأعراف: 157.
تقريب القرآن إلى الأذهان، ج4، ص: 133
[سورة القصص (28): الآيات 1 الى 4]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[2] طسم «طاء» و «سين» و «ميم».
[3] تِلْكَ أي من هذه الحروف الهجائية التي تركبون منها كلماتكم أيها العرب العاجزون عن الإتيان بمثل القرآن آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ أي الظاهر الواضح الذي لا غموض فيه، فإن الكتاب قد يكون سريا، غير واضح، و قد يكون غامضا غير ظاهر المعنى و المراد، و قد يكون غير معلوم الانتساب، و كل ذلك مفقود في القرآن الحكيم، و في مقطعات السور، و إعرابها أقوال أخر تقدم بعضها.
[4] نَتْلُوا أي نقرأ عَلَيْكَ يا رسول الله مِنْ نَبَإِ أي خبر مُوسى وَ فِرْعَوْنَ أي بعض أطراف خبرهما، و لذا دخلت «من» بِالْحَقِ أي بالصدق، فإن خبر الله سبحانه عنهما حق لا كذب فيه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي أن ما نتلو عليك إنما هو لقوم مؤمنين أما غيرهم فلا يعتبرون بالقرآن، و لا يصدقون ما فيه من القصص و الأحكام.