کتابخانه تفاسیر
التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص: 5
الجزء الأول
[مقدمة التحقيق]
مقدمة المحقق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه و كفى و سلام على عباده الذين اصطفى.
و بعد:
فقد صحبت كتاب «التسهيل في علوم التنزيل» للعلامة الأندلسي المرحوم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي المتوفي عام 741 ه- منذ أكثر من ثلاثين سنة و أعجبت به لقوة عبارته و سهولة بيانه، و غزارة فوائده، و لكن الطبعة الأولى لهذا الكتاب قد مضى عليها أكثر من خمسين سنة و هي مملوءة بالأخطاء، و خاصة و أن المؤلف يعتمد على قراءة الإمام نافع المدني رحمه اللّه، و رواية ورش و هي القراءة المعتمدة في شمال أفريقيا عموما، و كأني بمن صححوا الكتاب في طبعته الأولى لم يلاحظوا الفروق بين قراءة ورش و بين قراءة عاصم المعتمدة في معظم بلاد المسلمين، في آسيا و مصر و الحجاز و الشام و العراق و سائر بلاد المشرق، يضاف إلى ذلك أن مستوى الطباعة و الإخراج قد تطور كثيرا خلال السنوات الماضية، و قد عمدت بعض دور النشر إلى تصوير الطبعة الأولى بدون أي تصحيح أو تحقيق و توزيعها في السوق، فكنت أتمنى لو تقيض لهذا الكتاب الجليل دار كريمة تتولى تنقيحه و تصويب الأخطاء الشائعة، خدمة لكتاب اللّه من جهة و تقديرا لهذا التفسير الجليل الذي أستطيع الجزم بأنه يفيد العالم و المثقف و طالب المعرفة، فهو قد اطلع و لخص المؤلفات الضخمة في التفسير كالتفسير الإمام «جامع البيان» للإمام الطبري الذي هو أعظم التفاسير على الإطلاق، و كل من كتب في هذا الموضوع فلا بدّ له من مطالعة الطبري، و استفاد من الكشاف للزمخشري و هناك تفسير ابن عطية و غيره ثم إنه قدّم له بمقدمة ضافية عن علوم القرآن. كل ذلك باختصار غير مخل.
و شاء اللّه أن ألتقي بالأخ الحاج أحمد أكرم الطباع صاحب دار القلم العامرة و صارحته بأمنيتي الغالية، فلبّى و وافق على القيام بكل ما يلزم لإخراج هذا السفر النفيس، بأحسن صورة ممكنة، و عهد إلى هذا الفقير بتخريج الأحاديث الواردة خلال التفسير، و إصلاح ما بدا لي من أخطاء، فقمت بهذه المهمة و أنا في غاية السرور لهذا التوفيق الذي جاء على قدر و قد أعانني اللّه فأنجزت هذه المهمة و وضعت تراجم مختصرة لأهم الأعلام الواردة أسماؤهم ضمن جدول ألفبائي في آخر الكتاب، كما اقتبست من كتاب أستاذي الشيخ سعيد الأفغاني شيئا مما كتبه في مقدم كتاب حجة القراءات للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجله من رجال القرن الرابع الهجري و أوائل الخامس، و فيها بيان موجز لأئمة
التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص: 6
القراء: رواتهم و تواريخ حياتهم بما يفيد القارئ العادي المثقف الذي يحتاج إلى معرفة هؤلاء الأعلام.
و في الختام لا أرى أني قد وفيت الكتاب حقه كما يجب، و لكني بذلت جهدي حسب الوقت المتاح لي، و الكمال للّه وحده، رحم اللّه المؤلف و أجزل مثوبته و جعل مقامه في عليين. آمين.
و آخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.
بيروت في 1/ رجب/ 1416 ه الموافق 24/ 11/ 1995 م.
خادم أهل العلم عبد اللّه الخالدي
التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص: 7
شرح حال المؤلف ابن جزي
رحمه اللّه هو محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي الأندلسي.
وردت ترجمته في الإحاطة للسان الدين بن الخطيب. كما ذكره صاحب نفح الطيب في ج/ 3/ 272 و قال عنه: فقد و هو يحرض الناس يوم معركة طريف 741 رحمه اللّه تعالى.
نزل أجداده و قائدهم أبو الخطار الكلبي و هو الحسام بن ضرار في «بوله» أحد حصون الأندلس في «شنت مرية» مددا لأقاربهم من اليمنية حوالي عام 125/ ه.
و كان أحد أجداده قاضيا في جيّان و يدعى يحيى.
و قد عكف الإمام محمد المذكور على طلب العلم و اكتساب القوت الحلال، و كان عالما حافظا لكتاب اللّه، و له مشاركة قوية في علوم العربية و الفقه، و الأصول و القراءات و الحديث و الأدب و الشعر، و قد كان واسع الإطلاع على التفاسير مستوعبا للأقوال جامعا للكتب، و كان في تدريسه ممتع المحاضرة، صحيح الإعتقاد، و خطب منذ نشأته بالجامع الأعظم في بلده، ثم استمر شأوه في ارتفاع، ماضيا على سنن الأصالة و النبالة، و أورث ذلك لابنه عبد اللّه كاتب رحلة ابن بطوطة.
مشايخه و تلاميذه.
قرأ ابن جزي على أبي جعفر بن الزبير و هو أجل أساتذته، و أخذ عنه العربية و الفقه و الحديث و القرآن. كما روى عن ابن عصفور، و روى أيضا القرآن عن القارئ المكثر أبي عبد اللّه بن الكمّاد و غيرهم كثير.
تلاميذه:
و أخذ عنه أبناؤه محمد و أبو بكر أحمد و عبد اللّه، و لسان الدين بن الخطيب و ابراهيم الخزرجي، و كان أشهر أولاده أبو عبد اللّه محمد الذي أخذ عن أبيه، و صار فيما بعد كاتبا مجيدا، و ذا رأي فقيها، عالما، بصيرا بالحديث و الأصول.
مؤلفاته:
ترك كثيرا من الآثار في مختلف فنون العلوم كالفقه و الحديث و التصوف و القراءات، و كان ينظم الشعر أيضا في التصوف.
التسهيل لعلوم التنزيل، ج1، ص: 8
و من أهم كتبه:
1- وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم.
2- الأنوار السنية في الكلمات السنية.
3- كتاب الدعوات و الأذكار المخرجة من صحيح الأخبار.
4- كتاب القوانين الفقهية المطبوع في بيروت، و هو من الكتب المعتبرة في الفقه، لأنه لخص آراء المذاهب الأربعة؛ مع المقارنة فيما بينها. و قد حققه الأستاذ الجليل عبد العزيز سيد الأهل و منه استفدنا هذه النبذة في ترجمة المؤلف.
5- و أخيرا كتاب التسهيل لعلوم التنزيل. و هو هذا الكتاب الذي بين أيدينا. و هو ربما كان أفضل آثاره. و قد ذكرت عنه في مقدمة التحقيق ما فيه الكفاية.