کتابخانه تفاسیر
تفسير الصافى، ج1، ص: 7
الجزء الأول
[ديباجة الكتاب]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
نحمدك يا من تجلى لعباده في كتابه بل في كل شيء، و أراهم نفسه في خطابه بل في كل نور و فيء، دل على ذاته بذاته، و تنزّه عن مجانسة مخلوقاته، كيف يستدل عليه بما هو في وجوده مفتقر إليه، بل متى غاب حتّى يحتاج إلى دليل يدلّ عليه، و متى بَعد حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليه، عميت عين لا تراه و لا يزال عليها رقيباً، و خسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبّه نصيباً، تعرّف لكلّ موجود فما جهله موجود، و تعرّف إلينا بكلّ شاهد لنشاهده في كل مشهود، نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً و أودع اسراره أهل البيت فأذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيراً، أبلج عن هدى نبيه المرسل، بنور كتابه المنزل، و كشف عن سرّ كتابه المنزل بعترة نبيه المرسل، جعل الكتاب و العترة حبلين ممدودين بينه و بيننا، ليخرجنا بتمسكنا بهما من مهوى ضلالتنا و يذهب عنا شيننا، لم يزل أقامهما فينا طرف منهما بيده و طرف بأيدينا، منَّ بهما علينا و حببهما بفضله إلينا، و هما الثقلان اللذان تركهما النبيّ فينا، و خلّفهما لدينا،
و قال: ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي و إنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ حوضي،.
فأخبرنا بأنهما صاحبان مصطحبان، و اخوان مؤتلفان، و ان العترة تراجمة للقرآن، فَمن الكشّاف عن وجوه عرائس اسراره و دقائقه و هم قد خوطبوا به، و مَن لتبيان مشكلاته و لديه مجمع بيان معضلاته و منبع بحر حقائقه و هم: أبو حسنه، و مَن لشرح آيات اللَّه و تيسير تفسيرها بالرموز و الصراح الا من شرح اللَّه صدره بنوره، و مثّله بالمشكاة و المصباح و من عسى يبلغ علمه بمعالم التّنزيل
تفسير الصافى، ج1، ص: 8
و التأويل و في بيوتهم كان ينزل جبرائيل، و هي البيوت التي أذن اللَّه أن ترفع، فعنهم يؤخذ و منهم يسمع، إذ أهل البيت بما في البيت ادرى و المخاطبون لما خوطبوا به أوعى، فأين نذهب عن بابهم، و إلى من نصير لا و اللَّه وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ، سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ ، اللّهمّ فكما هديتنا للتمسك بحبل الثقلين و جعلت لنا المودة في القربى قرّة عين، فاشرح صدورنا لأسرار كتابك لنرتقي من العلم إلى العين، و نوّر أفئدتنا بأنوار العترة لنخرج من ظلمات الغين و الرين و صلّ اللّهمّ على محمّد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و على التسعة من ولد الحسين عليهم السلام و صن بياننا عن الشين و لساننا عن المين.
أما بعد: فيقول خادم علوم الدين، و راصد اسرار كتاب اللَّه المبين، الفقير إلى اللَّه في كل موقف و موطن (محمّد بن مرتضى) المدعو (بمحسن) حشره اللَّه مع النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين هذا يا اخواني ما سألتموني من تفسير القرآن بما وصل إلينا من أئمتنا المعصومين من البيان، أتيتكم به مع قلّة البضاعة، و قصور يدي عن هذه الصناعة، على قدر مقدور فان المأمور معذور، و الميسور لا يترك بالمعسور، و لا سيما كنت أراه امراً مهماً، و بدونه أرى الخطب مدلهماً، فان المفسرين و ان أكثروا القول في معاني القرآن، إلّا أنّه لم يأت أحد منهم فيه بسلطان و ذلك لأن في القرآن ناسخاً و منسوخاً و محكماً و متشابهاً و خاصاً و عاماً و مبيّناً و مبهماً و مقطوعاً و موصولًا و فرائض و أحكاماً و سنناً و آداباً و حلالًا و حراماً و عزيمة و رخصة و ظاهراً و باطناً و حداً و مطلعاً، و لا يعلم تمييز ذلك كله إلّا من نزل في بيته، و ذلك هو النبيّ و أهل بيته، فكل ما لا يخرج من بيتهم فلا تعويل عليه.
و لهذا ورد
عن النبيّ صلّى اللَّه عليه و آله: من فسّر القرآن برأيه فأصاب الحق فقد أخطأ،.
و قد جاءت عن أهل البيت في تفسير القرآن و تأويله أخبار كثيرة إلا أنها خرجت متفرقة عند أسئلة السائلين و على قدر افهام المخاطبين، و بموجب إرشادهم إلى مناهج الدين و بقيت بعد خبايا في زوايا خوفاً من الأعداء و تقيّة من
تفسير الصافى، ج1، ص: 9
البعداء و لعله ممّا برز و ظهر لم يصل إلينا الأكثر، لأنّ رواته كانوا في محنة من التقية و شدة من الخطر و ذلك بأنّه لما جرى في الصحابة ما جرى، و ضل بهم عامة الورى، أعرض الناس عن الثقلين و تاهوا في بيداء ضلالتهم عن النجدين الا شرذمة من المؤمنين فمكث العامّة بذلك سنين و عمهوا في غمرتهم حتّى حين، فآل الحال
إلى: أن: نبذ الكتاب حَمَلته و تناساه حفظته،.
فكان الكتاب و اهله في الناس و ليسا في الناس و معهم و ليسا معهم،
: لأن الضلالة لا توافق الهدى و إن اجتمعا،.
و كان العلم مكتوماً و اهله مظلوماً لا سبيل لهم إلى إبرازه إلا بتعميته و إلغازه، ثمّ خلف من بعدهم خلف غير عارفين و لا ناصبين لم يدروا ما صنعوا بالقرآن، و عمن أخذوا التفسير و البيان، فعمدوا إلى طائفة يزعمون انهم من العلماء، فكانوا يفسرونه لهم بالآراء و يروون تفسيره عمّن يحسبونه من كبرائهم، مثل: أبي هريرة و أنس و ابن عمر و نظرائهم. و كانوا يعدّون أمير المؤمنين عليه السلام من جملتهم و يجعلونه كواحد من الناس، و كان خير من يستندون إليه بعده ابن مسعود و ابن عبّاس ممن ليس على قوله كثير تعويل و لا له إلى لباب الحق سبيل، و كان هؤلاء الكبراء ربما يتقوّلونه من تلقاء أنفسهم غير خائفين من مآله و ربما يسندونه إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله، و من الآخذين عنهم من لم يكن له معرفة بحقيقة أحوالهم لما تقرر عنهم أن الصحابة كلهم عدول و لم يكن لأحد منهم عن الحق عدول، و لم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق و يجترون على اللَّه و يفترون على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه و آله و سلم في عزة و شقاق، هكذا كان حال الناس قرناً بعد قرن فكان لهم في كل قرن رؤساء ضلالة، عنهم يأخذون و إليهم يرجعون، هم بآرائهم يجيبون و إلى كبرائهم يستندون و ربما يروون عن بعض أئمة الحق في جملة ما يروون عن رجالهم و لكن يحسبونه من أمثالهم. فتبّاً لهم و لأدب الرواية، إذ ما رعوها حق الرعاية، نعوذ باللَّه من قوم حذفوا محكمات الكتاب و نسوا اللَّه ربّ الأرباب راموا غير باب اللَّه أبواباً، و اتخذوا من دون اللَّه أرباباً، و فيهم أهل بيت نبيهم و هم أزمة الحق و ألسنة الصدق و شجرة النبوّة و موضع الرسالة و مختلف الملائكة و مهبط
تفسير الصافى، ج1، ص: 10
الوحي و عيبة العلم و منار الهدى و الحجج على أهل الدنيا خزائن اسرار الوحي و التنزيل، و معادن جواهر العلم و التأويل، الأمناء على الحقائق، و الخلفاء على الخلائق، أولوا الأمر الذين أُمروا بطاعتهم و أهل الذكر الذين أُمروا بمسألتهم و أهل البيت الذين أذهب اللَّه عنهم الرجس و طهرهم تطهيراً، و الراسخون في العلم الذين عندهم علم القرآن كله تأويلًا و تفسيراً و مع ذلك كله يحسبون أنهم مهتدون إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ .