کتابخانه تفاسیر
تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج1، ص: 1
الجزء الأول
[مقدمة المؤلف]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
هو الملهم للصّواب، و المتجلّى في كلّ خطاب، و هو حسبي و نعم الوكيل الحمد للّه الّذى أنزل على عبده الكتاب و لم يجعل له عوجا، قيّما لينذر بأسا شديدا من لدنه و يبشّر المؤمنين، الّذين يعملون الصّالحات انّ لهم أجرا حسنا، الّذى تجلّى بذاته على ذاته فتنزّه عن مجانسة مخلوقاته، و تجلّى بأسمائه و صفاته على سائر مصنوعاته فصار بذلك التّجلّى حقائق متجلّياته، بعد فلا يرى و قرب فشهد النّجوى، تبارك و تعالى، و الصّلوة و السّلام على ملائكته و أنبيائه و رسله خصوصا على من أنزل عليه القرآن، الّذى هو مجمع البحرين للوجوب و الإمكان، و مجمع البيان لكلّ ذكر و كتاب و تبيان، الصّافى عن كلّ مين و خلف و ارتياب، و الوافي بكلّ وعد في خير و صواب، و الشّافى لكلّ مرض و عناء في النّفوس و الأجسام، و الكافي للبصير عن كلّ كتاب و خطاب و كلام، و على خلفائه الرّاشدين و أصحابه المهديّين و أهل بيته الطّاهرين لا سيّما ابن عمّه و وارث علمه و أولاده المعصومين.
و بعد فيقول الفقير الى ربّه الغنىّ سلطان محمّد بن حيدر محمّد الجنابذي عفى اللّه عنهما انّى اشهد اللّه و اشهد ملائكته و أنبيائه و رسله (ع) و جميع خلقه انّى اشهد ان لا اله الّا اللّه الّذى هو الواحد الأحد الحىّ القدير العليم السّميع البصير المدرك المريد المتكلّم الرّحمن الرّحيم القيّوم المدبّر للأمور المرسل للرسل (ع) المنزل للكتب، و انّ أنبيائه (ع) و رسله (ع) و أوليائه (ع) و حججه (ع) في أرضه كلّهم حقّ لا افرّق بين أحد من رسله، و انّ ما جاؤا به من عند ربّهم حقّ و صدق آمنت بهم و بجميع ما جاؤا به، و انّ محمّدا (ص) خاتم الأنبياء و المرسلين (ع) و أشرف الخلائق أجمعين، و انّ عترته (ع) بعده أشرف الخلق، و انّ عليّا (ع) اوّل العترة و وارث علم محمّد (ص) و بعده الأحد عشر من ولده (ع)، و انّ الحادي عشر منهم غائب قائم منتظر لو لم يبق من الدّنيا الّا يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتّى يخرج و يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا، و انّ
تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج1، ص: 2
هؤلاء ائمّتى و شفعائي ليوم فقري و فاقتي، بهم اتوسّل إلى اللّه و بهم أرجو نجاتي يوم ميعادي، و انّ شريعة محمّد (ص) ناسخة لجميع الشرائع، و انّ جميع ما جاء به محمّد (ص) من السّنن و الفرائض و السّياسات و العقائد و الأخلاق حقّ و صدق، آمنت بها كلّها مفصّلها و مجملها، و انّ الموت و سؤال القبر و الصّراط و الميزان و بعث الخلائق و تطائر الكتب و الحساب و الجنّة و النّار و المعاد جسمانيّة و روحانية كلّها حقّ و صدق آمنت بها و ايقنتها، و انّ هذه ديني الّذى أدين به؛ عليها أحيى و عليها أموت و عليها ابعث إنشاء اللّه، و انّ القرآن الّذى بين أظهرنا هو الكتاب المنزل على محمّد (ص) حرّف فيه أو لم يحرّف، و هو دليل رسالته و إجمال شريعته و هو الحبل الممدود من اللّه لانّه صورة الولاية التّكوينيّة الّتى هي الحبل من اللّه حقيقة كما انّ العترة و ولايتهم هي الحبل من النّاس، و انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليه الحوض، و انّ القرآن دليل العترة كما قالوا فيه حجّتنا أهل البيت، كما انّ العترة مبيّنو- القرآن فالقرآن امام صامت و العترة قرآن ناطق، و كما انّ محبّة العالم من العترة و تعظيمه و النّظر اليه و الجلوس عنده و استماع قوله و سماعه و التدبّر في أفعاله و أحواله و أخلاقه و التفكر في شؤنه و التّسليم له و لمتشابهات ما منه و تخلية بيت القلب لنزوله بملكوته فيه بملاحظة انّه حبل اللّه الممدود الى النّاس أو من غير عناد معه من أعظم- العبادات كذلك تعظيم القرآن و النّظر في سطوره و استماع كلماته و سماعها و التدبّر في عباراته و التفكّر في إشاراته و لطائفه و تخلية بيت القلب لتجلّى حقائقه و اتّباع احكامه و تسليم متشابهاته من أعظم العبادات إذا كان بلحاظ كونه حبلا ممدودا من اللّه.
و قد ورد في الآيات و الاخبار الأمر بالاستماع و الإنصات له عند قراءته و التدبّر في آياته و استنباط إشاراته و لطائفه و التّفكر فيها كما ورد ذمّ من أعرض عنه و اتّخذه مهجورا و نبذه وراء ظهره، و ذمّ من لا كه بين لحييه و لم يتدبّر ما فيه و ذمّ من حفظه و قرأه و لم يعمل بما فيه كمثل الحمار يحمل أسفارا فأولى الأشياء بالخدمة بعد علماء العترة و احقّ الأمور بالنّظر و الفكرة هو القرآن.
و قد كنت نشيطا منذ أوان اكتسابى للعلوم و عنفوان شبابي بمطالعة كتب التّفاسير و الاخبار و مدارستها و وفّقني اللّه تعالى لذلك و قد كان يظهر لي بعض الأحيان من إشارات الكتاب و تلويحات الاخبار لطائف ما كنت أجدها في كتاب و لا أسمعها من خطاب فأردت ان اثبتها في وريقات و اجعلها نحو تفسير للكتاب لتكون تذكرة لي و لإخوانى المؤمنين و تنبيها لنفسي و لجملة الغافلين، راجيا من اللّه ان يجعلها لي ذخيرة ليوم الدّين و لسان صدق في الآخرين و هو جدير بان يسمّى ببيان السّعادة في مقامات العبادة و المسؤل من النّاظر ان ينظر اليه بنظر الإنصاف لا بعين العناد و الاعتساف و الحمد للّه اوّلا و آخرا و الصّلوة على محمّد و آله و لنذكر قبل الشّروع في المقصود حقيقة العلم و الفرق بينه و بين الجهل المشابه للعلم و شرافة العلم و خساسة هذا الجهل و انّ العلم كلّما ازداد ضعفت الانانيّة، و الجهل كلّما ازداد زاد في الانانيّة، و انّ العلم لا ينفكّ عن الحيرة و الخشية و اقتضاء الوحدة و العزلة، و انّه يلازم العمل و لا ينفكّ منه، و انّ الإدراك المنفكّ عن العمل هو الجهل المشابه للعلم و استحباب قراءة القرآن و الاستماع له و كيفيّة قراءته و مراتب قرّائه و جواز تفسيره و بيان الظّهر و البطن و التنّزيل و التّأويل و المحكم و المتشابه و النّاسخ و المنسوخ و العامّ و الخاصّ من القرآن و انّ التّفسير بالرأى الّذى ورد ذمّه هو التّفسير بالإدراكات الجهليّة و انّ التّفسير بالعلم من الحكمة الّتى من أوتيها فقد اوتى خيرا كثيرا، و انّه مأمور به مندوب اليه، و انّ تفسير القرآن بتمام مقاماته مختصّ بأهله الّذين نزل عليهم، و انّ القرآن ذو وجوه و هو مراد بكلّ وجوهه كما انّه ذو بطون و مراد بكلّ بطونه، و انّه يجوز ان يكون نزوله بالقراءات المختلفة كما يجوز ان يكون اختلافات القراءات من القراء، و انّ القرآن الّذى
تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج1، ص: 3
في أيدي النّاس ان لم يكن منقوصا منه بحسب ألفاظه و عباراته كما قيل فهو منقوص منه بحسب وجوهه و إشاراته و بطونه و مقاماته، و انّ القرآن نزل في الائمّة و في أعدائهم أو أثلاثا أو أرباعا و لنذكر ذلك في فصول.
الفصل الاول في حقيقة العلم و الجهل المشابه للعلم
اعلم انّ الإنسان بحسب مقام بشريّته واقع بين مدينتي العلم و الجهل و عالمي النّور و الظّلمة و كلّ ادراك أو شهود يقع له أو حال يطرو عليه من حيث توجّهه الى دار العلم أو بحيث يجعله متوجّها إليها فهو علم.
و كلّ ادراك أو شهود أو حال يحصل له من حيث توجّهه الى دار الجهل أو بحيث يجعله متوجّها إليها فهو جهل مشابه للعلم لمشابهته للعلم في أصل الإدراك، و يسمّى جهلا مركّبا في مقابل الجهل الساذج الّذى هو عدم الإدراك ممّن شأنه الإدراك لتركّبه من الإدراك، و عدم ادراك الجهة العلميّة من المدرك، أو لتركّبه من عدم ادراك الجهة العلميّة و عدم ادراك عدم ذلك الإدراك و يسمّى داء عياء أيضا لعجز اطبّاء النفوس عن علاجها، لانّ المعالج يعالج من يجد أو يظنّ بنفسه المرض و يسلّم نفسه للطّبيب و ينقاد لأمره و هذا المريض يظنّ بنفسه الصّحة و يتأنّف عن الطّبيب و لا ينقاد لأمره و لمكان هذا الجهل المشابه للعلم صحّ إثبات العلم و نفيه من موضوع واحد كما سيجيء في سورة البقرة عند قوله لَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ و سيجيء تحقيق تامّ للعلم و الجهل عند تلك الاية إنشاء اللّه. و علامة العلم انّه كلّما ازداد نقص من الانانيّة حتّى يفنيها بالكلّية، و علامة هذا الجهل انّه كلّما ازداد زاد في الانانيّة و رؤية النّفس و الاعجاب بها حتّى لا يبقى في الإنسان من التّسليم الّذى هو من صفات الإنسان شيء، و انّ العلم لا يجتمع مع الأغراض الدّنيويّة بل يفنيها، و انّ الجهل كلّما زاد زاد الأغراض و كلّما ازداد الأغراض ازداد الإنسان في طلبه حتّى انّه يتحمّل المتاعب طول اللّيل و النّهار بإدامة المدارسة و التّكرار و قطع الفيافي و البحار و مقاساة المكاره في الاسفار و إلقاء النّفس في المهالك و الاخطار كلّ ذلك بتوهّم التوسّل بتلك الجهالات الى المناصب الدّانيّة و الاعراض الفانية و التّصرّف في الأوقاف و اموال الغيّاب و الأيتام و التّقرّب الى السّلاطين و الحكّام و التبسّط في البلاد و التسلّط على العباد و هذا العلم المسمّى بالجهل لا يزيد صاحبه الا البعد من اللّه و القرب من الشّيطان و قوله تعالى يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ . اشارة الى هذا الجهل و الغفلة عن هذا العلم يعنى يعلمون من كلّ مدرك جهته الدّنيويّة الجهليّة لكونهم واقعين في طرف الجهل و لا يعلمون منه جهته العلميّة الاخرويّة لعدم و صولهم الى باب مدينة العلم حتّى يصير ادراكهم علميّا اخرويّا أو يدركون المدركات الدّنيويّة و لا يدركون المدركات الاخرويّة، و ما لم يطهّر القلب من هذه الإدراكات الدّنيويّة لم يظهر على القلب نور العلم فانّه نور يقذفه اللّه في قلب من يشاء، و في المرتبة الاولى من ظهور هذا النّور يحصل للإنسان الحيرة و السّكوت و الاعراض عن المدركات الدّنيويّة، و في المرتبة الثّانية يحصل له حال الاستماع و الانقياد و ترك العلم الّذى يجعله مستبدّا معجبا بنفسه كما
عن الصّادق (ع) انّه قيل لرسول اللّه (ص): يا رسول اللّه ما العلم؟- قال: الإنصات قال: ثمّ مه يا رسول اللّه؟- قال: الاستماع،
و نعم ما قيل:
دل ز دانشها بشستند اين فريق
زانكه اين دانش نداند اين طريق
دانشى بايد كه اصلش زان سر است
زانكه هر فرعى به اصلش رهبر است
پس چرا علمي بياموزى بمرد
كش ببايد سينه را زان پاك كرد
تفسير بيان السعادة فى مقامات العبادة، ج1، ص: 4
فالإنسان ما لم يخرج من دار الجهل لم يجز له طلب الإدراكات العلميّة حكمة كانت أو فقها أو غيرهما لتضرّره بها و اشتداد جهله منها كما قيل:
بد گهر را علم و فن آموختن
دادن تيغ است دست راهزن
جمله صحرا مار و كژدم پر شود
چونكه جاهل شاه حكم مر شود
چون ملايك گوى لا علم لنا
تا بگيرد دست تو علّمتنا
گر در اين مكتب ندانى تو هجى
همچو احمد پرّى از نور حجى
الفصل الثّانى في شرافة هذا العلم و خساسة الجهل
قد علم ممّا ذكر شرافة العلم و كفى في شرافته انّه المايز بين الإنسان و ساير الحيوان و انّ الإنسان أشرف من كلّ حيوان بل من كلّ موجود سوى الرّحمن؛ و قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ اشارة الى شرافته لذكره الامتنان بتعليم البيان بعد خلق الإنسان و قوله هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يبيّن شرافته بل نقول شرافته فطريّة لتقديم كلّ ذي صنعة الا علم في صنعته على نفسه لشهادة فطرته بتقدّمه و شرافته و لشرافة هذا العلم يكرم من لا خبرة له صاحبي الجهل المشابه للعلم لظنّهم انّ جهلهم علم و يقبلون منهم و يقبلون عليهم، و لو لا هذه الشّرافة للعلم و تلك المشابهة لكانوا يفرّون منهم فرار الضّأن من السّرحان، و لشرافته
ورد بطرق مختلفة و ألفاظ متوافقة و متخالفة انّ: طلب العلم فريضة على كلّ مسلم و مسلمة
و
ورد: انّ اللّه يحبّ بغاة العلم، و انّ من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك اللّه به طريقا الى الجنّة، و انّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به، و انّه ليستغفر لطالب العلم من في السّماء و من في الأرض حتّى الحوت في البحر، و انّ من خرج من بيته يلتمس بابا من العلم و ينتفع قلبه و يعلّمه غيره كتب اللّه له بكلّ خطوة عبادة الف سنة صيامها و قيامها و حفّته الملائكة بأجنحتها و صلّى عليه طيور السّماء و حيتان البحر و دواب البرّ و أنزله اللّه بمنزلة سبعين صدّيقا، و انّ العلماء ورثة الأنبياء، و انّ من تعلّم العلم و عمل به و علّم للّه دعا في ملكوت السّماء عظيما، و انّ محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابيّ، و انّ النّاس عالم و متعلّم و غثاء،
و ورد اغد عالما أو متعلّما أو احبّ أهل العلم و لا تكن رابعا فتهلك ببغضهم، و انّه لا خير في العيش الّا لرجلين عالم مطاع أو مستمع واع، و انّ عالما ينتفع بعلمه أفضل من سبعين الف عابد،