کتابخانه تفاسیر
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 163
* ت*: و نحو حديث أبيّ حديث أبي سعيد بن المعلّى «1» ؛ إذ قال له صلّى اللّه عليه و سلم: «ألا أعلّمك أعظم سورة في القرآن الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ؛ هي السّبع المثاني، و القرآن العظيم الّذي أوتيته». رواه البخاري، و أبو داود، و النسائيّ، و ابن ماجة. انتهى من «سلاح المؤمن» تأليف الشيخ المحدّث أبي الفتح تقي الدّين محمّد بن علي بن همام «2» - رحمه اللّه-.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
الحمد: معناه الثناء الكامل، و الألف و اللام فيه لاستغراق الجنس من المحامد، و هو أعم من الشكر؛ لأنّ الشكر إنما يكون على فعل جميل يسدى إلى الشاكر، و الحمد المجرّد هو ثناء بصفات المحمود.
قال* ص «3» *: و هل الحمد بمعنى الشكر أو الحمد أعمّ، أو الشكر ثناء على اللّه بأفعاله، و الحمد ثناء عليه بأوصافه؟ ثلاثة أقوال. انتهى.
قال الطبريّ «4» : الحمد للّه: ثناء أثنى به على نفسه تعالى، و في ضمنه أمر عباده أن يثنوا به عليه؛ فكأنه قال: قولوا: الحمد للّه/، و على هذا يجيء: قولوا: إِيَّاكَ ، و اهْدِنَا .
(1) أبو سعيد بن المعلّى بن لوذان بن حبيب بن عدي بن زيد بن ثعلبة بن مالك بن زيد مناة الأنصاري، اسمه رافع، له أحاديث، انفرد له البخاري بحديث. و عنه حفص بن عاصم. قال الزيادي: مات سنة ثلاث و سبعين.
ينظر: «الخلاصة» (3/ 219)، و «تهذيب التهذيب» (12/ 107)، و «التاريخ الكبير» (9/ 34)
(2) «سلاح المؤمن» لتقي الدين أبي الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام، المصري، الشافعي، المتوفى سنة خمس و أربعين و سبعمائة. اشتهر في حياته بالغرناطي. أوله: الحمد للّه المنعم على خلقه بجميع آلائه. إلخ، بوبه على واحد و عشرين بابا، و قد اختصره الذهبي محمد بن أحمد الحافظ المتوفى سنة ثمان و أربعين و سبعمائة. ينظر: «كشف الظنون» (2/ 994، 995)
(3) «المجيد» ص 50.
(4) «تفسير الطبري» (1/ 139- 140)، و قد استدل أبو جعفر على حذف ما تعرفه العرب في أحاديثها بقول الشاعر: [الوافر]
و اعلم أنني سأكون رمسا
إذا سار النواعج لا يسير
فقال السائلون لمن حفرتم؟
فقال المخبرون لهم: وزير
ثم قال: يريد بذلك، فقال المخبرون لهم: الميت وزير، فأسقط الميت؛ إذ كان قد أتى من الكلام بما دل على ذلك ...».
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 164
قال: و هذا من حذف العرب ما يدلّ ظاهر الكلام عليه، و هو كثير.
و الرب؛ في اللغة: المعبود، و السيد المالك، و القائم بالأمور المصلح لما يفسد منها، فالرب على الإطلاق هو ربّ الأرباب على كل جهة، و هو اللّه تعالى.
و العالمون: جمع عالم، و هو كل موجود سوى اللّه تعالى، يقال لجملته: عالم، و لأجزائه من الإنس و الجن و غير ذلك عالم، عالم، و بحسب ذلك يجمع على العالمين، و من حيث عالم الزمان متبدّل في زمان آخر، حسن جمعها، و لفظة العالم جمع لا واحد له من لفظه، و هو مأخوذ من العلم و العلامة؛ لأنه يدل على موجده؛ كذا قال الزّجّاج «1» ، قال أبو حيّان «2» : الألف و اللام في العالمين للاستغراق، و هو جمع سلامة، مفرده عالم، اسم جمع، و قياسه ألا يجمع، و شذّ جمعه أيضا جمع سلامة؛ لأنه ليس بعلم و لا صفة.
* م*: و ذهب ابن مالك «3» في «شرح التّسهيل» إلى أن «عالمين» اسم جمع لمن يعقل، و ليس جمع عالم؛ لأن العالم عامّ، و «عالمين» خاصّ، قلت: و فيه نظر. انتهى.
و قد تقدّم القول في الرحمن الرحيم.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 4 الى 5]
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ : الدّين في كلام العرب على أنحاء، و هو هنا الجزاء يوم الدين، أي: يوم الجزاء على الأعمال و الحساب بها؛ قاله ابن عباس «4» و غيره؛ مدينين:
محاسبين «5» ، و حكى أهل اللغة: دنته بفعله دينا؛ بفتح الدال، و دينا؛ بكسرها: جزيته؛
(1) «معاني القرآن و إعرابه» لأبي إسحاق الزجاج (1/ 46)
(2) «البحر المحيط» (1/ 132)، و ينظر «المجيد» ص (53)
(3) محمد بن عبد اللّه بن مالك الطائي الجيّاني، أبو عبد اللّه، جمال الدين، أحد الأئمة في علوم العربية.
ولد في حيان ب «الأندلس» سنة 600 ه. و انتقل إلى دمشق، فتوفي فيها سنة (672) ه. من كتبه:
«الألفية» و هو أشهرها في النحو، و «تسهيل الفوائد» في النحو أيضا، و كذلك «الكافية الشافية» أرجوزة في نحو ثلاثة آلاف بيت، و «إيجاز التعريف» في الصرف، و «العروض».
ينظر: «الأعلام» (6/ 233)، «بغية الوعاة» (53)، «آداب اللغة» (3/ 140)، و «طبقات السبكي» (5/ 28)
(4) أخرجه ابن جرير (9/ 292) (25889)، و ذكره السيوطي في «الدر» (5/ 65) عن ابن عباس، و القرطبي (1/ 125)
(5) أخرجه ابن جرير (10/ 491) برقم (29383)، عن قتادة، و (10/ 491) رقم (29384)، عن السدي.
و ذكره السيوطي في «الدر» (5/ 519)، و القرطبي (1/ 125)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 165
و منه قول الشاعر: [الكامل]
و اعلم يقينا أنّ ملكك زائل
و اعلم بأنّ كما تدين تدان «1»
إِيَّاكَ نَعْبُدُ : نطق المؤمن به إقرار بالربوبية، و تذلّل و تحقيق لعبادة اللّه؛ و قدّم «إيّاك» على الفعل اهتماما، و شأن العرب تقديم الأهمّ، و اختلف النحويّون في «إياك» «2» ، فقال الخليل «3» : «إيّا»: اسم مضمر أضيف إلى ما بعده؛ للبيان لا للتعريف، و حكى عن العرب: «إذا بلغ الرّجل السّتّين، فإيّاه و إيّا الشّوابّ»، و قال المبرّد: إيّا: اسم مبهم أضيف للتخصيص لا للتعريف، و حكى ابن كيسان «4» عن بعض الكوفيّين أنّ «إيّاك» بكماله اسم
(1) ينظر: «مجاز القرآن» (1/ 23)، «الكامل» (1/ 426)، «إعراب ثلاثين سورة» لابن خالويه (241)، «الجمهرة» (2/ 306)، «الخزانة» (4/ 230)، «جمهرة الأمثال» للعسكري (169)، «المخصص» (17/ 155)، «تفسير الطبري» (1/ 155)، «القرطبي» (1/ 101)، «الدر المصون» (1/ 72)، «اللسان و التاج» (دين)
(2) اختلف النحويون في «ايا» هل هو من قبيل الأسماء الظاهرة أو المضمرة؟ فالجمهور على أنه مضمر، و قال الزجاج: هو اسم ظاهر. و قال ابن درستويه. إنه بين الظاهر و المضمر. و قال الكوفيون: مجموع «ايا» و لواحقها هو الضمير. و القائلون بأنه ضمير اختلفوا فيه على أربعة أقوال:
أحدها: أنه كله ضمير.
و الثاني: أن «ايا» وحده ضميره، و ما بعده اسم مضاف إليه يبين ما يراد به من تكلم، و غيبة، و خطاب.
و الثالث: أن «ايا» عماد، و ما بعده هو الضمير، و شذت إضافته إلى الظاهر في قولهم: «إذا بلغ الرجل الستين، فإياه و ايا الشواب» بإضافة «ايا» إلى الشواب. و هذا يؤيد قول من جعل الكاف و الهاء و الياء في محل جر إذا قلت: إياك، إياه، إياي.
ينظر: «الدر المصون» (1/ 73)، و «همع الهوامع» (1/ 61)، و «الكتاب» (2/ 355)، و «شرح الكافية» (2/ 12)، و «سر صناعة الإعراب» (1/ 311)، و «شرح المفصل» (3/ 98)، و «الإنصاف» (2/ 695)
(3) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم، الفراهيدي، الأزدي، اليحمدي، أبو عبد الرحمن، ولد سنة (100) ه. في البصرة. من أئمة اللغة و الأدب، و واضع علم العروض، و هو أستاذ سيبويه النحوي، عاش فقيرا صابرا. قال النضر بن شميل: ما رأى الراءون مثل الخليل، و لا رأى الخليل مثل نفسه. فكر في ابتكار طريقة في الحساب تسهله على العامة؛ فدخل المسجد و هو يعمل فكره؛ فصدمته سارية و هو غافل، فكانت سبب موته سنة (170) ه. ب «البصرة». من كتبه «العين»، و «معاني الحروف»، و «العروض»، و «النغم».
ينظر: «وفيات الأعيان» (1/ 172)، «إنباه الرواة» (1/ 341)، «نزهة الجليس» (1/ 80)، «الأعلام» (2/ 314)
(4) محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن المعروف ب «ابن كيسان»: عالم بالعربية من أهل «بغداد»، أخذ عن المبرد و ثعلب، من كتبه «المهذب» في النحو، «غريب الحديث»، «معاني القرآن»، «المختار في علل النحو» توفي من (299) ه.
ينظر: «إرشاد الأريب» (6/ 280)، «معجم المطبوعات» (229). «نزهة الألباء» (301)، «شذرات الذهب» (2/ 232)، «كشف الظنون» (1703)، «مصابيح الكتاب»، «الأعلام» (5/ 308)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 166
مضمر، و لا يعرف اسم مضمر يتغيّر آخره غيره، و حكي عن بعضهم أنه قال: الكاف و الهاء و الياء هو الاسم المضمر، لكنها لا تقوم بأنفسها، و لا تكون إلا متصلات، فإذا تقدّمت الأفعال جعل «إيّا» عمادا لها، فيقال: إيّاك، و إيّاه، و إيّاي، فإذا تأخرت، اتصلت بالأفعال، و استغني عن «إيّا».
و نَعْبُدُ : معناه: نقيم الشرع و الأوامر مع تذلّل و استكانة، و الطريق المذلّل يقال له معبّد، و كذلك البعير.
و نَسْتَعِينُ ؛ معناه نطلب العون منك في جميع أمورنا، و هذا كله تبرّ من الأصنام.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 6 الى 7]
و قوله تعالى: اهْدِنَا : رغبة؛ لأنها من المربوب إلى الرب، و هكذا صيغ الأمر كلها، فإذا كانت من الأعلى، فهي أمر.
و الهداية؛ في اللغة: الإرشاد، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسّرون بغير لفظ الإرشاد و كلها إذا تأملت راجعة إلى الإرشاد، فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، و منه قوله تعالى: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 5] و يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ* [النور: 46]، و إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: 56] فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ [الأنعام: 125] الآية، قال أبو المعالي «1» : فهذه الآيات لا يتجه جلها إلا على خلق الإيمان في القلب، و هو محض الإرشاد «2» .
8 أ و قد جاء الهدى بمعنى الدعاء؛ كقوله تعالى: وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد: 7] أي: داع/ وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52].
(1) عبد الملك بن عبد اللّه بن يوسف بن عبد اللّه بن يوسف بن محمد، العلامة إمام الحرمين، أبو المعالي بن أبي محمد الجويني، ولد سنة (419)، و تفقه على والده، و قعد للتدريس بعده، و حصل أصول الدين و أصول الفقه على أبي القاسم الأسفراييني الإسكاف، و صار إماما، حضر درسه الأكابر، و تفقه به جماعة من الأئمة. قال السمعاني: كان إمام الأئمة على الإطلاق، و من تصانيفه: النهاية و الغياثي و الإرشاد، و غيرهما. مات سنة (478).
انظر: «طبقات ابن قاضي شهبة» (1/ 255)، «طبقات السبكي» (3/ 249)، «وفيات الأعيان» (2/ 341)، و «الأنساب» (3/ 430)، «شذرات الذهب» (3/ 358)، «النجوم الزاهرة» (5/ 121)، و «معجم البلدان» (2/ 193)
(2) ينظر: ص 486.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 167
و قد جاء الهدى بمعنى الإلهام؛ من ذلك قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50].
قال المفسّرون: ألهم الحيوانات كلّها إلى منافعها.
و قد جاء الهدى بمعنى البيان؛ من ذلك قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فصلت: 17] قال المفسّرون: معناه: بيّنّا لهم.
قال أبو المعالي «1» : معناه: دعوناهم، و قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى [الليل: 12]، أي: علينا أن نبيّن.
و في هذا كله معنى الإرشاد.
قال أبو المعالي: و قد ترد الهداية، و المراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان و الطرق المفضية إليها؛ كقوله تعالى في صفة المجاهدين: فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ* سَيَهْدِيهِمْ وَ يُصْلِحُ بالَهُمْ [محمد: 4- 5] و منه قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23]، معناه: فاسلكوهم إليها.
قال* ع «2» *: و هذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، و هي ضدّ الضلال، و هي الواقعة في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ ؛ على صحيح التأويلات، و ذلك بيّن من لفظ «الصّراط» و الصراط؛ في اللغة: الطريق الواضح؛ و من ذلك قول جرير «3» : [الوافر]
أمير المؤمنين على صراط
إذا اعوجّ الموارد مستقيم «4»
(1) ينظر: «الإرشاد» ص (190)، و «المحرر الوجيز» (1/ 73)
(2) ينظر: «المحرر الوجيز» (1/ 73)
(3) جرير بن عطية بن حذيفة الخطفى بن بدر الكلبي، اليربوعي، من تميم أشعر أهل عصره، ولد سنة (28) ه. و مات سنة 110 ه. في «اليمامة». و عاش عمره كله يناضل شعراء زمنه و يساجلهم، و كان هجاءا مرّا، فلم يثبت أمامه غير الفرزدق و الأخطل، و كان عفيفا، و هو من أغزل الناس شعرا.
ينظر: «الأعلام» (2/ 19)، «وفيات الأعيان» (1/ 102)، «الشعر و الشعراء» (179)، و «خزانة الأدب» (1/ 36)
(4) البيت في مدح هشام بن عبد الملك، ينظر: ديوانه (507)، «شرح الديوان» لمحمد بن حبيب (1/ 218)، «المحتسب» (1/ 43)، «مجاز القرآن» (1/ 24)، «تفسير الطبري» (1/ 56)، «تفسير القرطبي» (1/ 103)، «اللسان» (سرط)، «الجمهرة» (2/ 330)، «الدر المصون» (1/ 78).
و الموارد: الطرق، واحدها موردة.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 168
و اختلف المفسّرون في المعنى الذي استعير له «الصّراط» في هذا الموضع: فقال علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه: الصراط المستقيم هنا القرآن «1» ، و قال جابر: هو الإسلام، يعني الحنيفيّة «2» .
و قال محمّد بن الحنفيّة «3» : هو دين اللّه الذي لا يقبل من العباد غيره «4» .
و قال أبو العالية: هو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و صاحباه أبو بكر و عمر، أي: الصراط المستقيم طريق محمد صلّى اللّه عليه و سلم و أبي بكر و عمر «5» ، و هذا قويّ في المعنى، إلّا أنّ تسمية أشخاصهم طريقا فيه تجوّز، و يجتمع من هذه الأقوال كلّها أنّ الدعوة هي أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيّين و الصّدّيقين و الشهداء و الصالحين في معتقداته، و في التزامه لأحكام شرعه، و ذلك هو مقتضى القرآن و الإسلام؛ و هو حال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم و صاحبيه.
و هذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون، و عندهم المعتقدات، و عند كل واحد بعض الأعمال، فمعنى قوله: اهْدِنَا فيما هو حاصل عندهم: التثبيت و الدوام، و فيما ليس بحاصل، إما من جهة الجهل به، أو التقصير في المحافظة عليه: طلب الإرشاد إليه، فكلّ
(1) أخرجه ابن جرير (1/ 173) (176)، و ذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 59)، و البغوي في «تفسيره» (1/ 41)، عن علي مرفوعا، و ابن كثير (1/ 27)، عن علي موقوفا عليه.
و قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري: و الإسناد إلى علي بن أبي طالب فيه انهيار.
(2) أخرجه ابن جرير (178)، و صححه الحاكم (2/ 259)، و وافقه الذهبي. و ذكره الماوردي في تفسيره (1/ 59)، و البغوي (1/ 41)، و ابن كثير (1/ 27)، قال: صحيح، و ذكره السيوطي في «الدر» (1/ 40) و عزاه لوكيع، و عبد بن حميد، و ابن المنذر، و ابن جرير، و المحاملي في «أماليه»، و الحاكم. و قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
(3) محمد بن علي بن أبي طالب الهاشمي، أبو محمد، الإمام المعروف ب «ابن الحنفية» أمه خولة بنت جعفر الحنفية، نسب إليها. عن أبيه، و عثمان، و غيرهما. و عنه بنوه: إبراهيم، و عبد اللّه، و الحسن، و عمرو بن دينار، و خلق. قال إبراهيم بن الجنيد: لا نعلم أحدا أسند عن علي أكثر و لا أصح مما أسند محمد بن الحنفية. قال أبو نعيم: مات سنة ثمانين.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 440)، و «تهذيب التهذيب» (9/ 354)، و «الكاشف» (3/ 80)، و «الثقات» (5/ 347)
(4) ذكره الماوردي في «تفسيره» (ص 59)، و ابن كثير (ص 27)، و قال: صحيح.
(5) أخرجه ابن جرير (1/ 105) برقم (184)، و ذكره الماوردي في «تفسيره» (1/ 59)، و البغوي (1/ 41)، و ابن كثير (1/ ص 27، 28)، و قال: صحيح. و ذكره السيوطي في «الدر» (1/ 41)، و عزاه لعبد بن حميد، و ابن جريج، و ابن أبي حاتم، و ابن عدي، و ابن عساكر. و رواه الحاكم في «المستدرك»، عن ابن عباس، و قال: صحيح. و وافقه الذهبي.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج1، ص: 169
داع به إنما يريد الصراط بكماله في أقواله، و أفعاله، و معتقداته؛ و اختلف في المشار إليهم بأنه سبحانه أنعم عليهم، و قول ابن عبّاس، و جمهور من المفسّرين: أنه أراد صراط النبيّين و الصدّيقين و الشهداء و الصالحين، و انتزعوا ذلك من قوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ ... الآية [النساء: 66] إلى قوله: رَفِيقاً «1» .
و قوله تعالى: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ، اعلم أنّ حكم كل مضاف إلى معرفة أن يكون معرفة، و إنما تنكّرت «غير» و «مثل» «2» مع إضافتهما إلى المعارف من أجل معناهما، و ذلك إذا قلت: رأيت غيرك، فكلّ شيء سوى المخاطب، فهو غيره؛ و كذلك إن قلت: رأيت مثلك، فما هو مثله لا يحصى؛ لكثرة وجوه المماثلة.
و الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ : اليهود، و الضالّون: النصارى؛ قاله ابن مسعود، و ابن عبّاس، مجاهد، و السّدّيّ، و ابن زيد «3» .
و روى ذلك عديّ بن حاتم «4» عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلم «5» ، و ذلك بيّن من كتاب اللّه؛ لأنّ ذكر
(1) أخرجه ابن جرير (1/ 106) برقم (188)، و قال أحمد شاكر في تحقيقه للطبري (1/ 178) (188): في إسناده ضعف. و ذكره ابن عطية في «تفسيره» (1/ 75)، و السيوطي في «الدر» (1/ 42)
(2) هذا يكون في الإضافة المحضة المعنوية لا الإضافة غير المحضة اللفظية.
(3) أخرجه الطبري (1/ 111- 114) بأرقام (200- 201- 202- 205- 214- 219) عن ابن زيد، و مجاهد، عن ابن عباس، و ابن مسعود، و عن ناس من أصحاب النبي صلّى اللّه عليه و سلم. و ذكره ابن عطية الأندلسي في تفسيره (1/ 77)، و السيوطي في «الدر» (1/ 42- 43).
و ابن زيد هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم المدني روى عن أبيه، و عن وكيع و ابن وهب، و قتيبة، و خلق. ضعّفه أحمد، و ابن المديني، و النسائي، و غيرهم. توفي سنة (182) ه.
ينظر: «الخلاصة» (2/ 133) (4094)، «الجرح و التعديل» (2/ 232- 233)، و «المغني» (2/ 380)
(4) هو: عدي بن حاتم بن عبد اللّه بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أخزم بن أبي أخزم بن ربيعة بن جرول بن ثعلب بن عمرو بن عوث بن طيّ ... و قيل في نسبه غير ذلك، أبو الطريف. و قيل: أبو وهب، الطائي.
و هو ابن حاتم الطائي الذي يضرب بكرمه وجوده المثل، و كان هو أيضا كريما جوادا، و قد أسلم بعد أن كان نصرانيا. و روى عن النبي صلّى اللّه عليه و سلم أحاديث كثيرة، و ثبت هو و قومه بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و سلم وردت كثير من العرب، فجاء إلى أبي بكر بصدقة قومه. و أخباره في الكلام كثيرة، و سيرته بين الصحابة شهيرة. توفي سنة (67) و قيل غير ذلك.
ينظر ترجمته في: «أسد الغابة» (4/ 8)، «الإصابة» (4/ 228)، «الثقات» (1/ 316)، «الاستيعاب» (1057)، «تجريد أسماء الصحابة» (1/ 376)، «الطبقات الكبرى» (1/ 322)، «التاريخ الكبير» (7/ 43)، «التاريخ الصغير» (1/ 148)، «الجرح و التعديل» (7/ 2)