کتابخانه تفاسیر
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 256
و قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ... الآية: تقول العرب: زعم فلان كذا؛ في الأمر الذي يضعف فيه التحقيق، و غاية درجة الزّعم إذا قوي:
أن يكون مظنونا، و إذا قال سيبويه: زعم الخليل، فإنما يستعملها فيما انفرد الخليل به؛ و كأنّ أقوى رتب «زعم» أن تبقى معها عهدة الخبر على المخبر.
قال عامر الشّعبيّ:/ نزلت الآية في منافق اسمه بشر، خاصم رجلا من اليهود، فدعاه اليهوديّ إلى المسلمين؛ لعلمه أنهم لا يرتشون، و كان المنافق يدعو اليهوديّ إلى اليهود؛ لعلمه أنّهم يرتشون، فاتّفقا بعد ذلك على أن أتيا كاهنا كان بالمدينة، فرضياه، فنزلت هذه الآية فيهما، و في صنفيهما «1» ، فالذين يزعمون أنّهم آمنوا بما أنزل على محمّد- عليه السلام- هم المنافقون، و الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قبله هم اليهود، و كلّ قد أمر في كتابه بالكفر بالطّاغوت، و الطّاغوت هنا الكاهن المذكور، فهذا تأنيب للصّنفين.
و قال ابن عبّاس: الطّاغوت هنا هو كعب بن الأشرف، و هو الذي تراضيا به «2» ، و قيل غير هذا.
و قوله: رَأَيْتَ ، هي رؤية عين لمن صدّ من المنافقين مجاهرة و تصريحا، و هي رؤية قلب لمن صدّ منهم مكرا و تخابثا و مسارقة حتى لا يعلم ذلك منه إلا بالقرائن الصّادرة عنه.
و قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ، قالت فرقة: هي في المنافقين الّذين احتكموا؛ حسبما تقدّم، فالمعنى: فكيف بهم إذا عاقبهم اللّه بهذه الذّنوب بنقمة منه، ثم حلفوا، إن أردنا بالاحتكام إلى الطّاغوت إلّا توفيق الحكم و تقريبه.
(1) أخرجه الطبري (4/ 155- 156) برقم (9896- 9898)، و ذكره البغوي (1/ 446)، و ابن عطية (2/ 72)، و السيوطي (2/ 319)، و عزاه لابن جرير، و ابن المنذر.
(2) أخرجه الطبري (4/ 157) برقم (9902)، و ذكره ابن عطية (2/ 72)، و السيوطي (2/ 320)، و عزاه لابن جرير، و ابن أبي حاتم من طريق العوفي.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 257
و قوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ : تكذيب لهم و توعّد، أي:
فهو سبحانه مجازيهم، فأعرض عنهم، و عظهم بالتّخويف من عذاب اللّه و غيره من المواعظ.
و قوله سبحانه: وَ قُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ .
قال ص: أي: قل لهم خاليا بهم؛ لأنّ النّصح، إذا كان في السّرّ، كان أنجح، أو: قل لهم في حال أنفسهم النّجسة المنطوية على النّفاق قولا يبلغ منهم الزّجر عن العود إلى ما فعلوا. انتهى.
و اختلف في «القول البليغ»، فقيل: هو الزجر و الردع و الكفّ بالبلاغة من القول، و قيل: هو التوعّد بالقتل، إن استداموا حالة النّفاق؛ قاله الحسن «1» ، و هذا أبلغ ما يكون في نفوسهم، و البلاغة مأخوذة من بلوغ المراد بالقول.
[سورة النساء (4): آية 64]
و قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ : تنبيه على جلالة الرّسل، أي: فأنت، يا محمّد، منهم تجب طاعتك، و تتعيّن إجابة الدعوة إليك، و بِإِذْنِ اللَّهِ :
معناه: بأمر اللّه، و ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ : أي: بالمعصية، و النّفاق، و عن العتبيّ، قال: كنت جالسا عند قبر النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فجاء أعرابيّ، فقال: السّلام عليك، يا رسول اللّه، سمعت اللّه تعالى يقول: وَ لَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً ، و قد جئتك مستعفيا من ذنوبي، مستغفرا إلى ربّي، ثمّ أنشأ يقول: [البسيط]
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه
فطاب من طيبهنّ القاع و الأكم
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه
فيه العفاف، و فيه الجود و الكرم
قال: ثمّ انصرف، فحملتني عيناي، فرأيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في النّوم، فقال لي: «يا عتبيّ:
الحق الأعرابيّ، فبشّره أنّ اللّه تعالى قد غفر له». انتهى من «حلية النوويّ»، و «سنن الصّالحين»؛ للباجيّ، و فيه: مستغفرا من ذنوبي، مستشفعا بك إلى ربّي.
(1) ذكره البغوي (1/ 448)، و ابن عطية (2/ 73)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 258
[سورة النساء (4): الآيات 65 الى 68]
و قوله تعالى: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ... الآية:
قال الطبريّ «1» : قوله: «فلا»: ردّ على ما تقدّم، تقديره: فليس الأمر كما يزعمون/ أنهم آمنوا بما أنزل إليك، ثم استأنف القسم، و قال غيره: إنما قدّم «لا» على القسم؛ اهتماما بالنهي، و إظهارا لقوته، قال ابن عطاء اللّه في «التنوير»: و في قوله سبحانه: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ : دلالة على أنّ الإيمان الحقيقيّ لا يحصل إلا لمن حكّم اللّه و رسوله على نفسه، قولا و فعلا، و أخذا و تركا، و حبّا و بغضا؛ فتبيّن لك من هذا أنه لا تحصل لك حقيقة الإيمان باللّه إلّا بأمرين: الامتثال لأمره، و الاستسلام لقهره سبحانه. انتهى.
و شَجَرَ : معناه اختلط و التفّ من أمورهم، و هو من الشّجر، شبه بالتفاف الأغصان، و الحرج: الضّيق و التكلّف و المشقّة، قال مجاهد: حرجا: شكّا «2» .
و قوله: تَسْلِيماً . مصدر مؤكّد منبىء عن التحقيق في التّسليم؛ لأنّ العرب إنّما تردف الفعل بالمصدر، إذا أرادت أنّ الفعل وقع حقيقة؛ كما قال تعالى: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: 164] قال مجاهد و غيره: المراد بهذه الآية من تقدّم ذكره ممّن أراد التحاكم إلى الطاغوت، و فيهم نزلت «3» ، و رجّح «4» الطبريّ هذا؛ لأنه أشبه بنسق الآية، و قالت طائفة: نزلت في رجل خاصم الزّبير بن العوّام في السّقي بماء «5» الحرّة؛ كما هو مذكور في البخاريّ و غيره، و أنّ الزّبير قال: فما أحسب أنّ هذه الآية نزلت إلّا في ذلك.
و كَتَبْنا : معناه: فرضنا، أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ : معناه: يقتل بعضكم بعضا، و قد
(1) ينظر: «تفسير الطبري» (4/ 160)
(2) أخرجه الطبري (4/ 161) برقم (9913- 9914)، و ذكره البغوي (1/ 449)، و ابن عطية (2/ 74)، و السيوطي (2/ 343)، و عزاه لعبد بن حميد، و ابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم.
(3) أخرجه الطبري (4/ 162) برقم (9920)، و ذكره ابن عطية (2/ 75)
(4) ينظر: «تفسير الطبري» (4/ 162)
(5) حديث شراج الحرة، حديث مشهور تقدم تخريجه.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 259
تقدّم نظيره في «البقرة»، و سبب الآية، على ما حكي: أنّ اليهود قالوا؛ لمّا لم يرض المنافق بحكم النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: ما رأينا أسخف من هؤلاء يؤمنون بمحمّد، ثم لا يرضون بحكمه، و نحن قد أمرنا بقتل أنفسنا، ففعلنا، و بلغ القتل فينا سبعين ألفا، فقال ثابت بن قيس: لو كتب ذلك علينا، لفعلناه، فنزلت الآية معلمة بحال أولئك المنافقين، و أنه لو كتب ذلك على الأمّة، لم يفعلوه، و ما كان يفعله إلا قليل مؤمنون محقّقون؛ كثابت، قلت: و في «العتبية»، عن مالك، عن أبي بكر (رضي اللّه عنه) نحو مقالة ثابت بن قيس، قال ابن رشد: و لا شكّ أنّ أبا بكر من القليل الذي استثنى اللّه تعالى في الآية، فلا أحد أحقّ بهذه الصّفة منه. انتهى.
قال ص: إِلَّا قَلِيلٌ : الجمهور بالرفع، على البدل من واو «فعلوه»؛ عند البصريّين «1» . انتهى.
وَ لَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ : لو أنّ هؤلاء المنافقين اتّعظوا و أنابوا، لكان خيرا لهم و تَثْبِيتاً ، معناه: يقينا و تصديقا، و نحو هذا، أي: يثبّتهم اللّه.
ثمّ ذكر تعالى ما كان يمنّ به عليهم من تفضّله بالأجر، و وصفه إياه بالعظيم مقتض ما لا يحصيه بشر من النعيم المقيم، و الصّراط المستقيم: الإيمان المؤدّي إلى الجنّة، و المقصود تعديد ما كان ينعم به عليهم سبحانه.
[سورة النساء (4): الآيات 69 الى 70]
و قوله (جلّت عظمته): وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... الآية: لما ذكر اللّه سبحانه الأمر الذي لو فعلوه، لأنعم عليهم، ذكر بعد ذلك ثواب من يفعله، و هذه الآية تفسّر قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، و قالت طائفة: إنما نزلت هذه الآية لمّا قال عبد اللّه بن زيد الأنصاريّ
(1) و قرأ ابن عامر و جماعة: «إلا قليلا» نصبا و فيه و جهان:
أشهرهما: أنه نصب على الاستثناء، و إن كان الاختيار الرفع؛ لأن المعنى موجود معه كما هو موجود مع النصب، و يزيد عليه بموافقة اللفظ.
و الثاني: أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: «إلا فعلا قليلا»، قاله الزمخشري، و فيه نظر؛ إذ الظاهر: أنّ «منهم» صفة ل «قليلا»، و متى حمل القليل على غير الأشخاص يقلق هذا التركيب؛ إذ لا فائدة حينئذ في ذكر «منهم».
ينظر: «حجة القراءات» (206، 207)، «الدر المصون» (2/ 384)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 260
- الذي أري الأذان-: يا رسول اللّه، إذا متّ، و متنا، كنت في علّيّين، فلا نراك، و لا نجتمع بك، و ذكر حزنه على ذلك، فنزلت هذه الآية «1» .
قال ع «2» : و معنى أنهم معهم: في دار واحدة، و متنعّم واحد، و كلّ من فيها قد رزق الرّضا بحاله، و ذهب عنه أن يعتقد أنه/ مفضول، و إن كنا نحن قد علمنا من الشريعة أنّ أهل الجنّة تختلف مراتبهم على قدر أعمالهم، و على قدر فضل اللّه على من يشاء، و الصّدّيق: فعّيل من الصّدق، و قيل: من الصّدقة، و روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «الصّدّيقون المتصدّقون». و لفظ الشهداء في هذه الآية: يعمّ أنواع الشهداء.
قال ص: وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فيه معنى التعجّب؛ كأنّه قال: و ما أحسن أولئك رفيقا، و قد قدّمنا في كلام ابن الحاجّ ما يدلّ على أنّ التعجّب لازم ل «فعل» المستعمل للمدح و الذمّ، على كلّ حال، سواء استعملت استعمال نعم أو لا. انتهى.
و قوله تعالى: ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ : الإشارة ب «ذلك» إلى كون المطيعين مع المنعم عليهم.
[سورة النساء (4): الآيات 71 الى 73]
و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ ... الآية: هذا خطاب للمخلصين من أمّة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم، و أمر لهم بجهاد الكفّار، و الخروج في سبيل اللّه، و حماية الإسلام، و خُذُوا حِذْرَكُمْ : أي: احزموا و استعدّوا بأنواع الاستعداد، و انْفِرُوا :
معناه: اخرجوا، و ثُباتٍ : معناه جماعات متفرّقات، و هي السّرايا، و الثّبة: حكي أنها فوق العشرة، و جَمِيعاً : معناه: الجيش الكثير مع النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛ هكذا قال ابن عبّاس و غيره «3» .
و قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْكُمْ إيجاب، و الخطاب لجماعة المؤمنين، و المراد ب «من»:
(1) أخرجه الطبري (4/ 166) برقم (9929)، و ذكره ابن عطية (2/ 76)، و ابن كثير (1/ 522)، و السيوطي (2/ 325)، و عزاه لابن جرير عن سعيد بن جبير.
(2) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 76)
(3) أخرجه الطبري (4/ 168) برقم (9934)، و ذكره ابن عطية (2/ 77)، و ابن كثير (1/ 524)، و السيوطي (2/ 326)، و عزاه لابن جرير، و ابن المنذر، و ابن أبي حاتم من طريق عن ابن عباس.
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 261
المنافقون، و عبّر عنهم ب مِنْكُمْ إذ في الظاهر في عداد المؤمنين، و اللام الدّاخلة على «من»: لام التأكيد، و الداخلة على: «يبطّئنّ»: لام القسم؛ عند الجمهور، و تقديره: و إنّ منكم لمن، و اللّه، ليبطّئنّ، و يبطّئنّ: معناه: يبطّىء غيره، أي: يثبّطه،. و يحمله على التخلّف عن مغازي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و مُصِيبَةٌ يعني: من قتال، و استشهاد، و إنما هي مصيبة بحسب اعتقاد المنافقين و نظرهم الفاسد، و إنّما الشهادة في الحقيقة نعمة من اللّه سبحانه؛ لحسن مآلها، و شَهِيداً : معناه: مشاهدا.
و قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ ، أي: ظفرتم و غنمتم، ندم المنافق، و قال: يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً متمنّيا شيئا قد كان عاهد أن يفعله، ثم غدر في عهده.
و قوله تعالى: كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ : التفاتة بليغة، و اعتراض بين القائل و المقول بلفظ يظهر زيادة في قبح فعلهم، و قال الزّجّاج «1» : قوله: «كأن لم يكن بينكم و بينه مودة» مؤخّر، و إنما موضعه: «فإن أصابتكم مصيبة».
قال ع «2» : و هذا ضعيف؛ لأنه يفسد فصاحة الكلام.
قال ص: و قوله: فَأَفُوزَ بالنصب: هو جواب التمنّي. انتهى.
[سورة النساء (4): الآيات 74 الى 76]
و قوله تعالى: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ ... الآية:
هذا أمر من اللّه سبحانه للمؤمنين بالجهاد، و يشرون هنا: معناه: يبيعون، ثم وصف سبحانه ثواب المقاتلين، و الأجر العظيم: الجنّة.
و قوله تعالى: وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... الآية: «ما»: استفهام، وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ : عطف على اسم اللّه عزّ و جلّ، أي: و في سبيل المستضعفين؛
(1) ينظر: «معاني القرآن» (2/ 76)
(2) ينظر: «المحرر الوجيز» (2/ 77)
جواهر الحسان فى تفسير القرآن، ج2، ص: 262
لاستنقاذهم، و يعني ب «المستضعفين»: من كان بمكّة تحت إذلال كفرة قريش، و فيهم كان صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «اللّهمّ أنج المستضعفين من المؤمنين» «1» ، وَ الْوِلْدانِ : عبارة عن الصبيان، و الْقَرْيَةِ هنا: مكّة بإجماع، و الآية تتناول/ المؤمنين و الأسرى في حواضر الشّرك إلى يوم القيامة.
قال ابن العربيّ «2» في «أحكامه»: قال علماؤنا (رحمهم اللّه): أوجب اللّه تعالى في هذه الآية القتال؛ لاستنقاذ الأسرى من يد العدوّ، و قد روى الأئمّة أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:
«أطعموا الجائع، و عودوا المريض، و فكّوا العاني» «3» . يعني: الأسير، قال مالك (رحمه اللّه): على النّاس أن يفكّوا الأسرى بجميع أموالهم؛ و كذلك قالوا: عليهم أن يواسوهم.
انتهى.
و قوله تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ... الآية: هذه الآية تقتضي تقوية قلوب المؤمنين و تحريضهم، و قرينة ذكر الشيطان بعد تدلّ على أنّ المراد بالطّاغوت هنا الشيطان، و إعلامه تعالى بضعف كيد الشيطان فيه تقوية لقلوب المؤمنين، و تجرئة لهم على مقارعة الكيد الضعيف؛ فإنّ العزم و الحزم الذي يكون على حقائق الإيمان يكسره و يهدّه.
[سورة النساء (4): الآيات 77 الى 78]
(1) أخرجه البخاري (2/ 572)، كتاب «الاستسقاء»، باب دعاء النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف»، حديث (1006)، و مسلم (1/ 446- 447)، كتاب «المساجد»، باب استحباب القنوت، حديث (275/ 295) من حديث أبي هريرة.
(2) ينظر: «أحكام القرآن» (1/ 459)