کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين

المجلد الرابع

سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة القتال سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة ن سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة التساؤل سورة و النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة التطفيف سورة الأنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة و الفجر سورة البلد سورة و الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة ألم نشرح سورة و التين سورة اقرأ(العلق) سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة و العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة و العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة تبت سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس سورة الفاتحة

الفهرس

تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة المسد تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس تفسير سورة الفاتحة

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين


صفحه قبل

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 484

نسيانا فهو حلال قاله ابن عباس و عليه الشافعي‏ وَ إِنَّهُ‏ أي الأكل منه‏ لَفِسْقٌ‏ خروج عما يحل‏ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ‏ يوسوسون‏ إِلى‏ أَوْلِيائِهِمْ‏ الكفار لِيُجادِلُوكُمْ‏ في تحليل الميتة وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ‏ فيه‏ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏ (121) و نزل في أبي جهل و غيره‏ أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً بالكفر فَأَحْيَيْناهُ‏ بالهدى‏ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ‏ يتبصر به الحق من غيره و هو الإيمان‏ كَمَنْ مَثَلُهُ‏ مثل زائدة أي كمن هو فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها و هو الكافر لا كَذلِكَ‏

و إن لم يذكر اسم غير اللّه، و أما الكتابي إذا لم يذكر اسم اللّه و لم يهل به لغيره، فإنها تؤكل، فإن جمع الكتابي بين اسم اللّه و اسم غيره أكلت ذبيحته عند مالك، لأن اسم اللّه يعلو و لا يعلى عليه، و أما المسلم إن جمع بينهما على وجه التشريك في العبودية، فهو مرتد لا تؤكل ذبيحته. قوله: (و عليه الشافعي) أي فالتسمية عنده سنة. قوله: (أي الأكل منه) أي المفهوم من لا تأكلوا على حد (أعدلوا هو الأقرب للتقوى) أي العدل المفهوم من اعدلوا.

قوله: وَ إِنَّ الشَّياطِينَ‏ أي إبليس و جنوده من الجن. قوله: (الكفار) أي و هم شياطين الإنس.

قوله: لِيُجادِلُوكُمْ‏ تعليل‏ لَيُوحُونَ‏ و ذلك أن المشركين قالوا يا محمد أخبرنا عن الشاة إذا ماتت من قتلها؟ فقال: اللّه قتلها، قال: أتزعم أن ما قتلت أنت و أصحابك حلال، و ما قتله اللّه حرام فنزلت.

قوله: إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ‏ أي لأن من أحل شيئا مما حرم اللّه، أو حرم شيئا مما أحل اللّه فهو مشرك، لأنه أثبت حاكما غير اللّه، و لا شك أنه إشراك. قوله: (و غيره) أي كعمر بن الخطاب أو حمزة أو عمار بن ياسر أو النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و لكن العبرة بعموم اللفظ فهذا المثل للكافر و المسلم، و سبب نزولها على القول بأنها في أبي جهل و حمزة، أن أبا جهل رمى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم بفرث؛ فأخبر حمزة بما فعل أبو جهل، و كان حمزة قد رجع من صيد و بيده قوس، و حمزة لم يكن مؤمنا إذ ذاك، فأقبل حمزة غضبان حتى علا أبا جهل و جعل يضربه بالقوس، و جعل أبو جهل يتضرع إلى حمزة و يقول: يا أبا يعلى ألا ترى ما جاء به؟ سفه عقولنا، و سب آلهتنا، و خالف أباءنا، فقال حمزة: و من أسفه منكم عقولا تعبدون الحجارة من دون اللّه، أشهد أن لا إله إلا اللّه و أشهد أن محمدا رسول اللّه، فأسلم حمزة يومئذ فنزلت الآية.

قوله: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً الهمزة داخلة على محذوف، و الواو عاطفة على ذلك المحذوف تقديره أيستويان، و من كان ميتا الخ، و من اسم شرط مبتدأ، و كان فعل الشرط و اسمها مستتر، و ميتا خبرها و قوله: فَأَحْيَيْناهُ‏ جواب الشرط، و قوله: كَمَنْ مَثَلُهُ‏ خبر المبتدأ. قوله: (بالهدى) أي الإيمان.

قوله: (مثل زائدة) أي لأن المثل هو الصفة، و المستقر في الظلمات ذواتهم لا صفاتهم. قوله: لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها هذا إخبار من اللّه بعدم إيمان أبي جهل رأسا، و لكن تقدم أن العبرة بعموم اللفظ. قوله:

(لا) أي لا يستويان، و أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله: (كما زين للمؤمنين الإيمان) أي لقوله تعالى: وَ لكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ‏ . قوله: زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ أي و المزين لهم حقيقة هو اللّه، و يصح نسبة التزيين إلى الشياطين من حيث الإغواء و الوسوسة.

قوله: وَ كَذلِكَ‏ الكاف اسم بمعنى مثل، و المعنى و مثل ما جعلنا في مكة كبراءها و عظماءها المجرمين، جعلنا في كل قرية كبراءها و عظماءها مجرميها، فذلك سنة اللّه أنه جعل أول من يقتدي بالرسل‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 485

كما زين للمؤمنين الإيمان‏ زُيِّنَ لِلْكافِرِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (122) من الكفر و المعاصي‏ وَ كَذلِكَ‏ كما جعلنا فساق مكة أكابرها جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها بالصد عن الإيمان‏ وَ ما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ‏ لأن و باله عليهم‏ وَ ما يَشْعُرُونَ‏ (123) بذلك‏ وَ إِذا جاءَتْهُمْ‏ أي أهل مكة آيَةٌ على صدق النبي صلّى اللّه عليه و سلّم‏ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ‏ به‏ حَتَّى نُؤْتى‏ مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ‏ من الرسالة و الوحي إلينا لأنا أكثر مالا و أكبر سنا قال تعالى‏ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ‏

الضعفاء و المعارضين المنكرين الكبراء، ليكون عز الرسل بربهم ظاهرا و باطنا، و كل آية وردت في ذم الكفار تجر بذيلها على عصاة المؤمنين، فإن المباشر للظلم و الفجور أكابر كل قرية و مدينة كما هو مشاهد.

قوله: (فساق مكة) هو معنى مجرميها، و حل المفسر يفيد أن مجرميها مفعول أول مؤخر، و أكابر مفعول ثان مقدم، و في كل قرية ظرف لغو متعلق بجعلنا، و هو أحد أعاريب أربعة، الثاني: أن قوله في كل قرية مفعول ثان مقدم، و أكابر مفعول أول مؤخر و هو مضاف لمجرميها، و أخر المفعول الأول لأن فيه ضميرا يعود على المفعول الثاني، فلو قدم لعاد الضمير على متأخر لفظا و رتبة، و قد أشار ابن مالك لذلك بقوله:

كذا إذا عاد عليه مضمر

مما به عنه مبينا يخبر

فيصير المعنى و كذلك جعلنا عظماء المجرمين كائنين في كل قرية. الثالث: أن في كل مفعول ثان، و أكابر مفعول أول، و مجرميها بدل من أكابر، و لم يضف لئلا يلزم عليه إضافة الصفة للموصوف و هو لا يجوز عند البصريين. الرابع: أن أكابر مفعول أول مضاف لمجرميها، و في كل قرية ظرف لغو متعلق بجعلنا، و المفعول الثاني محذوف تقديره فساقا، ورد بأن هذا التقدير لا فائدة فيه و لا محوج له، فالأحسن الثلاثة الأول.

قوله: لِيَمْكُرُوا فِيها اللام إما لام العاقبة و الصيرورة نظير فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً ، أو لام العلة بمعنى الحكمة، و أما قولهم تنزه اللّه عن العلة، فمعناه العلة الباعثة على الفعل ليتكمل به، و أما الحكم فلا تخلو أفعال اللّه عنها، (سبحانك ما خلقت هذا عبثا) و المكر و الخديعة و الحيلة و الغدر و الفجور و ترويج الباطل، و هذه الأشياء لا تقبل عادة إلا من الكبراء. قوله: (بالصد عن الإيمان) أي لما ورد أن كل طريق من طرق مكة كان يجلس عليه أربعة، يصرفون الناس عن الإيمان بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و يقولون هو كذاب ساحر كاهن. قوله: (لأن و باله عليهم) أي و بال مكرهم لاحق بهم، قال تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ‏ و قال أيضا: سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ‏ الآية.

قوله: وَ ما يَشْعُرُونَ‏ (بذلك) أي لم يعلموا بأن و باله عليهم.

قوله: إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ نزلت في الوليد بن المغيرة حيث قال للنبي: لو كانت النبوة حقا لكنت أنا أولى بها منك، لأني أكبر سنا و أكثر منك مالا، و قيل في أبي جهل حيث قال: زاحمنا بنو عبد مناف في الشرف، حتى صرنا كفرسي رهان، قالوا منا نبي يوحى إليه، و اللّه لا نؤمن به و لا نتبعه أبدا، إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه. قوله: آيَةٌ أي معجزة، كانشقاق القمر، و حنين الجذع، و نبع الماء. قوله: لَنْ نُؤْمِنَ‏ أي نصدق برسالته. قوله: مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ‏ قال بعضهم: يسن الوقف عليه هنا، و يستجاب الدعاء بين هاتين الجلالتين، و ذكر بعضهم له دعاء مخصوصا و هو: اللهم من الذي دعاك فلم تجبه، و من الذي استجارك فلم تجره، و من الذي سألك فلم تعطه، و من الذي استعان بك فلم تعنه،

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 486

رِسالَتَهُ‏ بالجمع و الإفراد و حيث مفعول به لفعل دل عليه أعلم أي يعلم الموضع الصالح لوضعها فيه فيضعها و هؤلاء ليسوا أهلا لها سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا بقولهم ذلك‏ صَغارٌ ذل‏ عِنْدَ اللَّهِ وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ‏ (124) أي بسبب مكرهم‏ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ‏ بأن يقذف في قلبه نورا فينفسح له و يقبله كما ورد في حديث‏ وَ مَنْ يُرِدْ اللّه‏

و من الذي توكل عليك فلم تكفه، يا غوثاه يا غوثاه يا غوثاه، بك أستغيث، أغثني يا مغيث، و اهدني هداية من عندك، و اقض حوائجنا، و اشف مرضانا، و اقض ديوننا، و اغفر لنا و لآبائنا و لأمهاتنا، بحق القرآن العظيم، و الرسول الكريم، برحمتك يا أرحم الراحمين اه. قوله: (قال تعالى) أي ردا عليهم. قوله:

(لفعل دل عليه أعلم) دفع بذلك ما يقال من أن حيث مفعول به و ليست ظرفا، لأنها كناية عن الذات التي قامت بها الرسالة، و اسم التفضيل لا ينصب المفعول به، فأجاب بما ذكر. و أجيب أيضا: بأن اسم التفضيل ليس على بابه بل هو مؤول باسم الفاعل و هذا أولى، لأن ما لا تقدير فيه خير مما فيه تقدير، و أيضا يدفع توهم المشاركة بين علم القديم و الحادث، و الحاصل أن اسم التفضيل في أسماء اللّه و صفاته، كأكرم و أعلم و أعظم و أجل ليس على بابه. قوله: (و الموضع الصالح لوضعها فيه) أي الذات تستحق الرسالة و هو محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. قوله: الَّذِينَ أَجْرَمُوا أي و ماتوا على الكفر.

قوله: صَغارٌ كسحاب مصدر صغر كتعب، معناه الذل و الهوان، و أما الصغر ضد الكبر، فيقال فيه صغر بالضم فهو صغير. قوله: عِنْدَ اللَّهِ‏ إما ظرف ليصيب أو لصغار، و العندية مجازية كناية عن الحشر، و الوقوف بين يديه، و الحساب و الجزاء. قوله: (أي بسبب مكرهم) أشار بذلك إلى أن الياء سببية و ما مصدرية.

قوله: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ‏ أعلم أن اللّه سبحانه و تعالى جعل خلقه في الأزل قسمين: شقي و سعيد، و جعل لكل أمة علامة تدل عليه، فعلامة السعادة شرح الصدر للإسلام، و قبوله لما يرد عليه من النور و الأحكام، و علامة الشقاوة ضيق الصدر، و علامة قبوله لذلك، و جعل لكل قسم في الآخرة دار يسكنونها، فلأهل السعادة الجنة و نعيمها، و لأهل الشقاوة النار و عذابها، لما في الحديث «إن اللّه خلق خلقا و قال هؤلاء للجنة و لا أبالي، و خلق خلقا و قال هؤلاء للنار و لا أبالي» فذكر في هذه الآية علامة كل قسم، فإذا رزق اللّه العبد شرح الصدر و أسكنه حلاوة الإيمان، فليعلم أن اللّه أعظم عليه النعمة.

و بضدها تتميز الأشياء. و من اسم شرط، و يرد فعل الشرط، و يشرح جوابه. قوله: يَهْدِيَهُ‏ أي يوصله للمقصود، و ليس المراد الدلالة لأنها هي شرح الصدر.

قوله: يَشْرَحْ صَدْرَهُ‏ الشرح في الأصل التوسيع، و المراد هنا لازمه، و هو أن يقذف اللّه في قلب الشخص النور، حتى تكون أحواله مرضية للّه، لأنه يلزم من الوسع قبول ما يحل فيه. قوله: (كما ورد في حديث) أي و هو أنه لما نزلت هذه الآية، سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن شرح الصدر فقال: هو نور يقذفه اللّه في قلب المؤمن، فينشرح له و ينفتح، قيل فهو لذلك أمارة؟ قال نعم الإنابة إلى دار الخلود، و التجافي عن دار الغرور، و الاستعداد للموت قبل نزول الموت، و في رواية قبل لقى الموت.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 487

أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً بالتخفيف و التشديد عن قبوله‏ حَرَجاً شديد الضيق بكسر الراء صفة و فتحها مصدر وصف به مبالغة كَأَنَّما يَصَّعَّدُ و في قراءة يصاعد و فيهما إدغام التاء في الأصل في الصاد في أخرى بسكونها فِي السَّماءِ إذا كلف الإيمان لشدته عليه‏ كَذلِكَ‏ الجعل‏ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ‏ العذاب أو الشيطان أي يسلطه‏ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ‏ (125) وَ هذا الذي أنت عليه يا محمد صِراطُ طريق‏ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً لا عوج فيه و نصبه على الحال المؤكدة للجملة و العامل فيها معنى الإشارة قَدْ فَصَّلْنَا بينا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ‏ (126) فيه إدغام‏

قوله: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ‏ أي يمنعه عن الوصول، و يسكنه دار العقاب، و يطرده عن رحمته و من اسم شرط، و يرد فعل الشرط، و يجعل جوابه، و جعل بمعنى صير، فصدره مفعول أول، و ضيقا مفعول ثان، و حرجا صفته. و المعنى: أن من أراد اللّه شقاوته، و طرده عن رحمته، ضيق قلبه، فلا يقبل شيئا من أصول الإسلام و لا من فروعه، و لو قطع إربا إربا، و علامة ذلك إذا ذكر التوحيد نفر قلبه و اشمأز، و إن نطق بلسانه كأهل النفاق، قال تعالى: وَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ الآية. قوله: (بالتخفيف و التشديد) أي كميت و ميت قراءتان سبعيتان. قوله: (شديد الضيق) أي زائدة، فلا يقبل شيئا من الهدى أصلا. قوله: (بكسر الراء صفة) أي اسم فاعل كفرح فهو فرح. قوله:

(وصف به مبالغة) أي أو على حذف مضاف، أي ذا حرج على حد زيد عدل.

قوله: كَأَنَّما يَصَّعَّدُ أي يتكلف الصعود فلا يستطيعه. قوله: (و فيهما إدغام التاء في الأصل) أي بعد قلبها صادا فأصل الأولى يتصعد، و أصل الثانية يتصاعد، و هاتان القراءتان مع تشديد ضيقا، و كسر راء حرجا أو فتحها. و أما قوله: (و في أخرى بسكونها) فهي قراءة من خفف ضيقا و يفتح حرجا فالمخفف للمخفف، و المشدد للمشددة. قوله: (لشدته عليه) أي لتعسر الإيمان عليه، فإن القلب بيد اللّه يسكن فيه أي الأمرين شاء، و ليس مملوكا لصاحبه، و حينئذ فلا ينبغي له أن يأمن لما هو في قلبه من الإيمان و محبة اللّه و رسوله، و من هنا علمنا اللّه طلب الهداية على سبيل الدوام مع كونها حاصلة بقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ ) و بقوله: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا الآية، و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «اللهم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك». و لذا خاف العارفون و لم يسكنوا إلى علم و لا عمل، لما علموا أن القلوب بيد اللّه يقلبها كيف يشاء، و لا يأمنون حتى تقبض أرواحهم على الإيمان، و لكن شأن الكريم، أن من تمم له نعمة الإيمان لا يسلبها منه، لأنه وعد منه و هو لا يخلف. قوله: (أي يسلطه) أي الشيطان و هو تفسير للجعل على التفسير الثاني، و أما تفسيره على الأول فمعناه يلقى و يصيب. قوله: (الذي أنت عليه) أي و هو الإسلام.

قوله: صِراطُ رَبِّكَ‏ شبه دين الإسلام بالصراط المستقيم لا اعوجاج فيه، و استعار اسم المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة التصريحية الأصلية. قوله: (و نصبه على الحال المؤكدة للجملة) المناسب أن يقول المؤكدة لصراط، لأن الحال المؤكدة للجملة عاملها مضمر، قال ابن مالك:

و إن تؤكد جملة فمضمر

عاملها و لفظها يؤخر

فينافيه قوله: (و العامل فيها معنى الإشارة). قوله: (معنى الإشارة) المناسب أن يقول: و العامل‏

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 488

التاء في الأصل في الذال أي يتعظون و خصوا بالذكر لأنهم هم المنتفعون‏ لَهُمْ دارُ السَّلامِ‏ أي السلامة و هي الجنة عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ (127) وَ اذكر يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ‏ بالنون و الياء أي اللّه الخلق‏ جَمِيعاً و يقال لهم‏ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏

فيها اسم الإشارة، باعتبار ما فيه من معنى الفعل و هو أسير. قوله: (فيه إدغام التاء في الأصل) أي بعد قلبها ذالا. قوله: (و خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون) أي المؤتمرون بأمره، المنتهون بنهيه، و هم الصالحون المتقون، فبقاء القرآن دليل على بقاء جماعة على قدم النبي بدليل هذه الآية اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً و لا عبرة بمن يقول عدمت الصالحون، و ربما قال أنا لم أر أحدا منهم. فقد قال ابن عطاء اللّه:

أولياء اللّه عرائس مخدرة، و لا يرى العرائس المجرمون.

قوله: لَهُمْ دارُ السَّلامِ‏ الجار و المجرور خبر مقدم، و دار السّلام مبتدأ مؤخر، و الجملة يحتمل أن تكون مستأنفة واقعة في جواب سؤال مقدر تقديره و ما جزاء من ينتفع بالذكرى، فأجاب بقوله لهم دار السّلام، و يحتمل أن يكون حالا من القوم أو صفة لهم، و التقدير قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون، حال كونهم لهم دار السّلام، أو موصوفين بكونهم لهم دار السّلام. قوله: (أي السلامة) أي من جميع المخاوف و المكاره، لأن بدخولها يحصل الأمن التام من جميع المكاره حتى الموت و يصح المراد بالسلام التحية الواقعة من اللّه و الملائكة، قال تعالى: تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ* و قال: وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ‏ و قال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً . قوله: (و هي الجنة) أشار بذلك إلى أن المراد بدار السّلام ما يعمل باقي الجنان، و ليس المراد خصوص الدار المسماة بدار السّلام.

قوله: عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ العندية عندية شرف، بمعنى أنها منسوبة للّه خاصة و ليس لأحد فيها منة، أو المعنى أن من دخلها كان في حضرة ربه، لا يشهد شيئا سواه، و لا يحجب بنعيمها عن مولاه، بل كلما ازداد من الجنة نعيما، ازداد قربا من اللّه، و زالت الحجب عن قلبه بخلاف الدنيا، إذا اشتغل بشي‏ء من زينتها بعد عن اللّه، فلكما ازداد فيها شغلا، ازداد فيها بعدا عن اللّه، فلا يخلص منها إلا من جاهد نفسه و خرج عن هواه. قوله: وَ هُوَ وَلِيُّهُمْ‏ الجملة حالية، و المعنى ناصرهم و متولي أمورهم، و قوله: بِما كانُوا يَعْمَلُونَ‏ الباء سببية و ما مصدرية، و التقدير بسبب عملهم السابق، تولاهم و أدخلهم حضرة قربه.

قوله: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ‏ يوم ظرف معمول لمحذوف قدره المفسر بقوله اذكر. قوله: (بالنون و الياء) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي اللّه) تفسير للضمير على قراءة الياء و النون على القراءة الأخرى. قوله:

(الخلق) أي جميع الحيوانات عقلاء و غيرهم. قوله: جَمِيعاً توكيد للضمير أو حال منه.

قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِ‏ معمول المحذوف قدره المفسر بقوله: (و يقال لهم) و ليس معمولا لنحشرهم بل هما جملتان، و هذا الخطاب بعد جمع الخلائق في الموقف، و تصيير غير العاقل ترابا، و قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِ‏ المعشر الجماعة و الجمع معاشر، و المراد بالجن الشياطين. قوله: قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ‏ السين و التاء لتأكيد الكثرة. قوله: (باغوائكم) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف، و التقدير قد استكثرتم من إغواء الإنس.

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 489

باغوائكم‏ وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ‏ الذين أطاعوهم‏ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ‏ انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات و الجن بطاعة الإنس لهم‏ وَ بَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا و هو يوم القيامة و هذا تحسر منهم‏ قالَ‏ تعالى لهم على لسان الملائكة النَّارُ مَثْواكُمْ‏ مأواكم‏ خالِدِينَ فِيها إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ‏ من الأوقات التي يخرجون فيها لشرب الحميم فإنه خارجها كما قال ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم و عن ابن عباس أنه فيمن علم اللّه أنهم يؤمنون فما بمعنى من‏ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ‏ في صنعه‏ عَلِيمٌ‏ (128) بخلقه‏ وَ كَذلِكَ‏ كما متعنا عصاة الإنس و الجن بعضهم ببعض‏ نُوَلِّي‏ من الولاية بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً أي على بعض‏ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ (129) من‏

قوله: وَ قالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏ لعل وجه الاقتصار على كلام الإنس، الإشارة إلى أن الجن بهتوا فلم يردوا جوابا، و قوله من الإنس في محل نصب على الحال. قوله: رَبَّنَا منادى حذف منه حرف النداء.

قوله: (انتفع الإنس بتزيين الجن لهم الشهوات) أي التي تنوعت فيها الإنس من سحر و كهانة، و دعوى ألوهية، و دعوى نبوة، و سائر الأديان و العقائد الباطلة، و من ذلك كان الرجل في الجاهلية، إذا سافر فنزل بأرض قفراء، خاف على نفسه من الجن فقال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوارهم. قوله: (بطاعة الإنس لهم) أي في هذه الأمور المزينة، فاستمتاع الجن بالإنس بالسلطنة التي تولوها عليهم حيث امتثلوا أوامرهم، و كانوا من حزبهم و دخلوا في جاههم. قوله: الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا أي الذي قدرته لنا. قوله: (و هذا تحسر منهم) أي ما وقع منهم من تلك المقالة تحسر و تحزن على ما سلف منهم، من طاعة الشيطان و اتباع الهوى قوله: (على لسان الملائكة) مرور على القول بأن اللّه لا يكلمهم يوم القيامة أصلا.

قوله: خالِدِينَ فِيها حال من الكاف في مثواكم. قوله: (من الأوقات التي يخرجون فيها) تبع المفسر في ذلك شيخه الجلال المحلي في تفسير سورة الصافات، و هو مخالف لظاهر قوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها و الأحسن أن يقال إلا ما شاء اللّه من الأوقات التي ينقلون في فيها من النار إلى الزمهرير، فينقلون من عذاب النار، و يدخلون واديا فيه الزمهرير، و هو شدة البرد، ما يقطع بعضهم من بعض، فيطلبون الرد إلى الجحيم، كما ذكر في حواشي البيضاوي. قوله: (لشرب الحميم) أي و هو ماء شديد الحرارة يقطع الأمعاء، و ذلك حين يستغيثون من شر النار، يطلبون الماء ليبرد عنهم تلك الحرارة، قال تعالى: وَ إِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ‏ . و قوله: (و عن ابن عباس الخ) أي فيحمل على من مات مؤمنا و هو مصر على المعاصي، و نفذ فيه الوعيد، و يكون المراد من النار دار العذاب، و إن لم تكن دار خلود كجهنم لعصاة المؤمنين. قوله: حَكِيمٌ‏ (في صنعه) أي يضع الشي‏ء في محله. قوله: عَلِيمٌ‏ (بخلقه) أي فيجازي كلا على عمله.

قوله: نُوَلِّي‏ أي نسلط و نؤمر. قوله: بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏ الباء سببية، و ما مصدرية، و المعنى كما متعنا الإنس و الجن بعضهم ببعض، نسلط بعض الظالمين على بعض، بسبب كسبهم من المعاصي، فيؤخذ الظالم بالظالم، لما في الحديث «ينتقم اللّه من الظالم بالظالم ثم ينتقم من كليهما» و لما في الحديث أيضا «كما تكونوا يولى عليكم» و من هذا المعنى قول الشاعر:

حاشية الصاوى على تفسير الجلالين، ج‏1، ص: 490

المعاصي‏ يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏ أي من مجموعكم أي بعضكم الصادق بالإنس أو رسل الجن نذرهم، الذين يستمعون كلام الرسل فيبلغون قومهم‏

يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا شَهِدْنا عَلى‏ أَنْفُسِنا أن قد بلغنا قال تعالى: وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فلم يؤمنوا وَ شَهِدُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ‏ (130) ذلِكَ‏ أي إرسال الرسل‏ أَنْ‏ اللام مقدره و هي مخففة أي لأنه‏ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى‏

و ما من يد إلا يد اللّه فوقها

و ما ظالم إلا سيبلى بظالم‏

قوله: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ‏ هذا زيادة في التوبيخ عليهم، لأن اللّه سبحانه و تعالى أولا وبخ الفريقين بتوجيه الخطاب للجن، و ثانيا خاطبهم جميعا و وبخهم. قوله: (أي من مجموعكم) دفع بذلك ما يقال إن ظاهر الآية يقتضي أن من الجن رسلا، مع أن الرسالة مختصة بالإنس، فليس من الجن بل و لا من الملائكة رسل، فأجاب: بأن المراد من مجموعكم الصادق بالإنس، و نظير ذلك قوله تعالى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ‏ أي من أحدهما و هو الملح، و قوله تعالى: وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً أي في إحداهن و هي سماء الدنيا. قوله: (أو رسل الجن نذرهم) أشار بذلك إلى جواب آخر، و هو تسليم أن هناك رسلا من الجن، لكنهم رسل الرسل الذين يسمعون من النبي المواعظ و الأحكام، و يبلغون قومهم ذلك، قال تعالى: وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى‏ قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ‏ الآية، و قال تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ الآيات، فيكون المعنى على ذلك: ألم يأتكم رسل منكم، أي من الإنس يبلغونكم عن اللّه، و من الجن يبلغونكم عن الرسل؟ و المراد جنس الرسل الصادق بالواحد، و هو سيدنا محمد صلّى اللّه عليه و سلّم لأنه لم يرسل لهم غيره، و أما حكم سليمان فيهم، فحكم سلطنة و ملك لا حكم رسالة، و أما قوله تعالى حكاية عن الجن:

يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى‏ فلا يلزم من علمهم بموسى و سماعهم لكتابه، أن يكونوا مكلفين به.

قوله: يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي‏ القص معناه الحديث، أي يحدثونكم بآياتي على وجه البيان.

قوله: وَ يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا أي يخوفونكم يوم القيامة، و المعنى يحذرونكم من مخالفة اللّه توجب الخوف يوم القيامة. قوله: (أن قد بلغنا) يصح بناؤه للفاعل و المفعول. قوله: وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا عطف سبب على مسبب، أو علة على معلول.

قوله: وَ شَهِدُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ‏ كرر شهادتهم على أنفسهم لاختلاف المشهود به، فأولا شهدوا بتبليغ الرسل لهم، و ثانيا شهدوا بكفرهم زيادة في التقبيح عليهم، و المقصود من ذكر ذلك الاتعاظ به، و التحذير من فعل مثل ذلك. إن قلت: إن شهادتهم بكفرهم تدل على أنهم أقروا به، و هو مناف لقوله تعالى: وَ اللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ‏ أجيب: بأن مواقف القيامة مختلفة فأولا حين يرون المؤمنين توزن أعمالهم، و يمشون على الصراط لدخول الجنة، ينكرون الاشراك، طمعا في دخولهم في زمرة المؤمنين، فحينئذ يختم على أفواههم، و تنطق أعضاؤهم قهرا عليهم و تقر بالكفر.

صفحه بعد