کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 240
بها من الضروريات إلى النظريات و بعبارة أخرى هي القوة التي يدرك بها النفس الأمور الكلية و بها يمتاز الإنسان عن سائر الحيوان و لذا قدمها و أما الحواس فمشتركة بين الحيوانات و إنما قال كالقوة العقلية و لم يقل كالعقل تصريحا لما هو المختار عندنا إذ العقل فيه مقالات كثيرة و المختار منها كونه قوة عقلية (و الحواس الباطنة) قدمها مع الاختلاف في وجودها لقربها من القوة العقلية إذ نهاية درك الحواس هو بداية الإدراك العقلي و التفصيل في التوضيح و الحواس الباطنة مما اشتبه بعض المتكلمين و المصنف منهم و كتب الأصول مشحونة بيانها و توضيحها (و المشاعر الظاهرة) و اختار هنا المشاعر تنبيها على أن الإدراك بهذه الحواس يسمى شعورا و هل يسمى علما أم لا ففيه اختلاف.
قوله: (و الثاني نصب الدلائل) و النصب نفسه هداية كما أن الإفاضة المذكورة نفسها هداية و صحة قولنا أرشده و أراه الطريق بإفاضة و بنصب الدلائل لا ينافي ذلك فإن الباء في مثله باء الطرق كقولنا اكرمته بإعطاء الدينار و ليس مثل قولك ادبته بالضرب كما زعم «1» فإن الباء فيه للآلة.
قوله: (الفارقة بين الحق و الباطل و الصلاح و الفساد) إشارة إلى وجه كونها ما به الهداية و لا يخفى أن المرتبة الأولى بهذا الوصف أحق و أحرى و أن المراد بالدلائل العقلية بقرينة الآيات و المقابلة الآفاقية و كونها فارقة بين الحق و الباطل على إطلاقه بلا نظر إلى الشرع محل بحث لا سيما على مسلك الأشاعرة و المصنف من كبارهم المختار و التعميم إلى الأدلة الشرعية يدفع ذلك لكن يفوت حسن المقابلة فالوجه حمل الكلام على الجزئية قيل أي في الاعتقادات إشارة إلى الكمال بحسب القوة العلمية كما أن قوله و الصلاح أي في الأعمال و الأخلاق إشارة إلى الكمال بحسب القوة العملية انتهى و يظهر ضعفه مما ذكرناه آنفا (و إليه) أي إلى المعنى الثاني فقط لا إلى غيره (أشار) بقوله تعالى: (حيث قال:
وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10]) أي طريقي الخير و الشر بنصب الدلائل الفارقة بينهما و يؤيده قول الإمام و نظير هذه الآية قوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً [الإنسان: 3] و قد فسر المصنف هذه الآية بنصب الدلائل و إنزال الآيات لكن الحصر منظور فيه إذ الهداية المذكورة يمكن أن يراد بها الدلالة بإنزال الكتب و إرسال الرسل فيما يمكن ذلك إذ بعضها يتوقف على الشرع كما مر و لا وصول إليه بمجرد الدليل العقلي و النجد في الأصل المكان المرتفع فاستعير هنا الطريقين المذكورين وجه الشبه الوضوح حسا في المشبه به عقلا في المشبه فإراءة طريق الخير ليتمسك بها و الدلالة إلى طريق الشر قوله: حيث قال: وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10] أي نصبنا له دليلي الخير و الشر و طريقي الحق و الباطل.
(1) صدر الدين الشيرازي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 241
للتوقي عنها و بهذا الاعتبار عد من الدلالة بلطف إذ فرق بين الشيء و بين طريقه فلا ينافي ما سبق من اختصاص الهداية بالخير حقيقة و لا يحتاج إلى ارتكاب المجاز أيضا (و قال:
وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17]) اختار المصنف هنا كون هدايتهم بنصب الدلائل العقلية فعد من الثاني و تفسيره بقوله فهديناهم الحق بنصب الحجج و ارسال الرسل احتمال آخر و كثيرا ما يختار المصنف الوجه لبيان المعاني في موضع و الوجه الآخر في موضع آخر فلا اشكال فيه لكن الحصر مختل لما ذكرنا و على مسلك المصنف في الآيتين حذف و إيصال و الإيصال ليس بمعتبر في مفهوم الهداية فالهداية في الآيتين عدم كونها بمعنى الإيصال لا يضره فلا وجه لما قيل و المصنف تبع فيه الزمخشري و الهداية فيه أي قوله فهديناه متعدية بنفسها و ليست بمعنى الإيصال بل بمعنى الإراءة انتهى و المصنف لم يثبت كونها متعدية بنفسها بل حمل الهداية في مثله على الحذف و الإيصال.
قوله: (و الثالث الهداية بإرسال الرسل و إنزال الكتب) الباء باء الطرقية كما مر بيانه فنفس الارسال هداية مخصوصة آخره لأن الدليل العقلي مقدم على الدليل النقلي إذ لولاه لما ثبت الدليل النقلي و أعاد الهداية تذكيرا للمقصود لنوع بعده من المقسم بخلاف الأولين قيل الظاهر أن المراد بالرسل ما يعم الملائكة لتناول هذا الجنس من الهداية الأنبياء عليهم السلام انتهى و هذا بناء على أن المراد بالرسول ليس إنسانا بعثه اللّه تعالى بل المعنى اللغوي الشامل له و للملائكة و لا يخفى بعده.
قوله: (و إياها عنى بقوله تعالى: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [الأنبياء: 73]) الآية و هذا الجعل فعل اللّه تعالى و هو المراد بهداية اللّه تعالى إذ إرسال الرسل أي الأنبياء عبارة عن جعل المذكور لا الهداية المدلول عليها بقوله يهدون فإنها فعل الأنبياء عليهم السلام حقيقة إذ المراد إراءة الطريق و هي فعلهم كسبا و إسناد الفعل إلى الكاسب حقيقة و لا حاجة إلى التمحل الذي ارتكبه البعض و مراده بقوله: (و قوله: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9]) الآية أي إنزال هذا القرآن الذي هو هدى و شفاء لكل أمراض و داء و القرينة عليها قوله إنزال الكتب فإنه لو لم يكن هذا مرادا هنا لاختل الارتباط و الانتظام و لا يوجد بين الكلام التئام و أيضا ليس بيان انزال القرآن المجيد فقط بل بيان انزال الكتب السماوية لقوله بإرسال الرسل و إنزال الكتب بصيغة الجمع و الآية الأولى أيضا قوله: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17] أي نصبنا لهم دلائل الصلاح و الفساد و هي وجود العالم و إمكانه و حدوث الحوادث الدالة على وجود الصانع الحي العليم القادر المريد الخالق و على وحدانيته فإن من نظر في هذه الأشياء نظر التأمل و توسل بها إلى تلك المقاصد و صدق بها نال كل سعادة و خير و من أهمل النظر في هذه و تكاسل و لم يصدق بتلك المقاصد أصاب كل شقاوة و شر.
قوله: و قوله إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء: 9] أي يهدي إلى الخصلة أو الملة التي هي خصلة أو ملة أقوم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 242
عامة لجميع الأنبياء عليهم السلام و كذا هنا و تخصيص القرآن لكونه مصدقا لما بين يديه فذكره كذكره و لا حاجة إلى أن يقال بأن إسناد الهداية إلى القرآن مجاز و في الحقيقة فعل اللّه تعالى فإنه مع ما فيه من التكلف لا يلائم لقوله انزال الكتب و بالجملة القسم الثالث عبارة عن إرسال الرسل و إنزال الكتب و هما فعل اللّه بلا واسطة كإخوانه و ما ذكر في توضيحه واجب التطبيق له فالأقسام الأربعة بحذافيرها على نسق واحد.
قوله: (و الرابع أن يكشف على قلوبهم السرائر) أي الأمور الخفية التي لا ينالها الحس و لا تقتضيه بديهة العقل و لا ينصب لها دليل على قلوبهم التي هي محل العلم و المعرفة عند أكثر المتكلمين (و يريهم الأشياء) كالتفسير لما قبله إذ المراد الإراءة القلبية و الأشياء الغائبة بالمعنى الذي ذكرناه (كما هي) أي مطابقة لما في نفس الأمر.
قوله: (بالوحي) قال صاحب التوضيح الوحي ظاهر و باطن أما الظاهر فثلاثة أما الأول فما ثبت بلسان الملك فوقع في سمعه بعد علمه بالمبلغ بآية قاطعة و القرآن من هذا القبيل و الثاني ما وضح له بإشارة الملك من غير بيان بالكلام و يسمى خاطر الملك و الثالث ما يبدو لقلبه بإلهام اللّه تعالى بأن أراه بنور من عنده انتهى و هذا الأخير مراد هنا و قول المصنف أن يكشف على قلوبهم و يريهم قرينة قوية عليه و لا شك في حسن مقابلته بإنزال الكتب و الظاهر عدم دخول القسم الثاني فلا يضر إذ الاستيعاب ليس بمقصود و يمكن الإدخال بالعناية.
قوله: (أو الإلهام أو المنامات الصادقة و هذا قسم يختص بنيله الأنبياء) الإلهام و هو القذف في القلب من غير نظر و استدلال و قيل ما يخلق اللّه تعالى في قلب العاقل من العلم الضروري الداعي للعمل المرغوب إليه كذا في الرهاوي لم يقيد بالخير لأنه عام للشر إذ المراد الافهام و الاعلام و اعلام الشر للتوقي من افراد الهداية و أما الوسوسة فإغراء و تحريض على فعله فافترقا و تقييد الإلهام بإلقاء الخير احتراز عن الوسوسة ضعيف قد عرفت أن الإلهام من أقسام الوحي فالأولى العطف بالواو و لو أراد به إلهام الأولياء فهو ليس من أسباب المعرفة لغير الأنبياء عليهم السلام بحيث يكون حجة على الغير إلا أن يراد مطلق العلم و المنامات الصادقة و هي جزء من أجزاء النبوة فهي مختصة بالأنبياء عليهم السلام بحيث يكون حجة على الغير و من الهداية بهذا المعنى كشف الحقائق باجتهاد الأنبياء عليهم السلام كما هو المختار عند العلماء الأخيار لكن لم يتعرض له لاختلاف فيه بين الأئمة الأبرار (و الأولياء) لكنهم يعملون به و لا يحتجون به على غيرهم كما مر بيانه.
قوله: (و إياه عنى بقوله) و إنما قال في الموضعين و اياه عنى و في الثاني و إليه أشار لنكتة لطيفة كأنه تفنن في البيان أو في الآية المذكورة في توضيح الثاني ليس نصب الدلائل بصريح فيها بل مشار إليه بخلاف ما ذكر في توضيح الثالث و الرابع فإن الإرسال و الإنزال مصرحان في الثالث و الكشف و الإراءة كالصريح في الرابع.
قوله: (أولئك الذين هدى اللّه فبهديهم اقتده) و المراد الهداية الأولى و المراد بهديهم
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 243
ما توافقوا عليه من التوحيد و أصول الدين دون الفروع المختلف فيها و سيجيء تحقيقه في سورة الأنعام و هذا ظاهر في المعنى الرابع و الحمل على المعنى الثالث و إن أمكن لكنه بعيد إذ الأنبياء المتقدم ذكرهم كلهم ليسوا بصاحب كتاب فلا يناسب إرادة المعنى الثالث.
قوله: ( وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا [العنكبوت: 69]) أي في حقنا و طلب مرضاتنا لا في غرض آخر دنيويا كان أو أخرويا ( لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69]) سبل السير إلينا و الوصول إلى لقائنا أو لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير و تسهيلا لسلوكها و الآية الأولى مختصة بالأنبياء عليهم السلام و هذه عامة لهم و للأولياء و هذا مقتضى كلام المصنف حيث قال و هذا قسم يختص بالأنبياء و الأولياء و يجب أن يراد بالأولياء المؤمنون الكاملون إذ إرادة الولي المصطلح عليه مشكلة إذ الآية الكريمة عامة لكل المجاهدين من المؤمنين الكاملين و وجه كون المراد في هذه الآية القسم الرابع أن المتبادر من هداية سبل السير إلى مرضاته كشف السرائر على قلوبهم و إراءة الأشياء كما هي و الحمل على التبادر واجب و أيضا الهداية رتب على المجاهدة فتفيد العلية و الهداية المسببة عن الجهاد لا تكون إلا الكشف المذكور و مثل هذا من قبيل الخطابيات لا يرام فيها اليقين بل الظن الغالب كاف في ذلك و التعميق و التفحص فيه ليس من دأب أرباب اليقين.
قوله: (فالمطلوب) الفاء جزائية أي إذا أظهر لك مما قررنا أن الهداية تنقسم إلى أجناس مترتبة و أكثرها حاصل للحامدين فالمطلوب هنا (إما زيادة ما منحوه) على البناء للمفعول و المراد بالوصول ما تحقق في الحامد الطالب و يتفاوت بحسب تفاوت الحامدين في الأعمال و الأخلاق فكل يطلب زيادة ما نالوه و إنما قال ما منحوه إشارة إلى أنه تفضل و عطاء منه تعالى و إن كان للتكسب مدخل فيه قال قدس سره إن من خص الحمد به تعالى و أجريت عليه تلك الصفات فهو مهتد فكيف يطلب الهداية فالمطلوب الزيادة أو الثبات أو ثمرة ذلك من سعادة الدارين ثم إن حمل لفظ الهداية على التثبيت كان مجازا و إن حمل على الزيادة فإن كان مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه كان مجازا أيضا و إن جعل خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن كان حقيقة لأن الهداية الزائدة هداية كما أن العبادة الزائدة عبادة و لا يخفى عليك أنه يعد حمل الهداية على طلب الزيادة فلا وجه لهذا الترديد إذ المطلوب بقوله: اهْدِنَا [الفاتحة: 6] زيادة ما منحوه و هو مستعمل فيه و هو مجاز قطعا كما في الثبات و لو جعل خارجا عنه كان اهدنا مستعملا في طلب الهداية و مثل هذا لا يقال إنه من قبيل طلب الزيادة فلا يلائم كلام المص غايته أنه في الخارج موصوف بالزيادة قوله: فالمطلوب إما زيادة ما منحوه من الهدى الخ و إنما أول اهدنا بهذا التأويل لأن أصل الهداية حاصل لمن حمد اللّه تعالى و وصفه بما يليق به من الصفات العالية و خصه بالعبادة و الاستعانة فإذا حمل على طلب أصل الهداية كان استحصالا للحاصل فلا بد أن يحمل على الزيادة في الهدى أو الثبات عليه فالظاهر أنه في معنى الثبات مجاز لكن معنى الزيادة أن اعتبر معنى الزيادة داخلا في مفهوم الهداية كان مجازا أيضا و إن اعتبر خارجا كان حقيقة لأن زيادة الهدى هو الهدى.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 244
فلا اعتبار له بالنظر إلى المعنى المستعمل فيه إذ الاعتبار ما يقصد باللفظ لا ما يقع عليه في الخارج ألا يرى أنه إذا قلت رأيت إنسانا و أردت به معناه كان حقيقة لأنه لم يستعمل إلا فيما وضع له لكنه وقع في الخارج على زيد كما في المطول على أنه يمكن مثل هذا في الثبات بأن يقال إن مفهوم الثبات إن كان داخلا في المعنى المستعمل فيه كان مجازا و إن كان خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن كان حقيقة إذ الثبات على الهداية هداية فإن كل ما له دوام و بقاء «1» فله حكم الابتداء كما قرر في الأصول و التفرقة بين الزيادة و الثبات «2» ليس له وجه و ثبات فهو مجاز على كلا التقديرين قطعا و في بعض النسخ وقع الواو في عطف الثبات فالصواب نسخة أو لأنه نكتة أخرى مغايرة للزيادة يصلح أن يكون وجها مستقلا مثل الزيادة و جعلهما وجها واحدا لا يلائم مذاق الكلام و لأنه يلزم الجمع بين المعنيين المجازيين و هو مختلف فيه.
قوله: (من الهدى) أي الاهتداء فإن هدى جاء لازما بمعنى الاهتداء و متعديا بمعنى الدلالة كقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] و اللازم كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] و المراد هنا اللازم لأنه بيان ما منحوا و المراد بالزيادة زيادة اللّه تعالى على أن الزيادة مصدر مضاف إلى المفعول و فاعله هو اللّه تعالى إذ الزيادة كالنقصان تجيء لازما و متعديا و هذا يدل اقتضاء على أن المطلوب زيادة اللّه تعالى هدايته و عنايته و عبر بالأثر المترتب عليه إما لظهوره بالنسبة إلينا أو لأنه النعمة التي يتنافس فيها المتنافسون و إلا فسياق الكلام يقتضي أن يقال فالمطلوب زيادة الهداية و العناية و التثبيت عليها قال اللّه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم: 27] الآية كأنه قيل ثبتنا كما روي عن علي رضي اللّه تعالى عنه أو زدنا الهداية و يرشدك إليه قوله الآتي أرشدنا طريق السير الخ. لكنه عدل عنه لنكتة دعت إليه كما مرت الإشارة إليه (أو الثبات عليه).
قوله: (أو حصول المراتب المترتبة عليه) هذه نكتة لم يتعرض لها في الكشاف و أخرها المصنف لما فيه من التمحل فيه و فيما بعده و المراد بالمراتب المترتبة عليه أي على ما منحوا المراتب الأخروية من الفوز باللقاء و سائر المطالب العلية بحيث لا يعد و لا يحصى و كون المراد مراتب أخر من جنسها من الاتصال و الانفصال و الفناء و البقاء ضعيف لأن تلك المراتب إن لم تكن داخلة في الأجناس المذكورة يختل الحصر و إن كانت داخلة فندرج في زيادة ما منحوا إذ المراد الزيادة على ما أعطوا سواء كان من جنس ما أعطوا أو لا فما من مرتبة من مراتب الهداية إلا مندرجة في هذا البيان فلا تصح المقابلة و تخصيص الزيادة على ما منحوا بجنسه تصحيحا للمقابلة اشتغال بما لا طائل تحته و هذا غاية التوجيه في كون المراد المراتب الدنيوية لكنه ليس بوجيه و هذا القول من المصنف يؤيد كون المراد بقوله فالمطلوب دفع
(1) فيه بحث إذ ما منحوه من قبيل الإعراض و لا بقاء له فلا زيادة له كذا أفاده المحقق التفتازاني في شرح العقائد في بحث زيادة الإيمان فتأمل في جوابه و سيأتي الإشارة.
(2) على أن الثبات على الشيء زيادة عليه في كل ساعة من جهة الإعداد كما قال بعض أهل العرفان في توجيه زيادة الإيمان و قيد من جهة الإعداد جواب عن اشكال المحقق التفتازاني و مقتبس من كلام الفاضل الخيالي فحينئذ ظهر ضعف التفرقة بينهما كل الظهور فعلى هذا الثبات يستلزم الزيادة دون العكس.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 245
إشكال منشأه تفسير الهداية بالدلالة و تقسيمها إلى أجناس مترتبة لا مجرد بيان هداية ما وصل الحامد إليها و هذا المعنى أيضا مجاز بإرادة المسبب من السبب و اتصاله.
قوله: (فإذا قاله العارف الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا و تميط غواشي أبداننا) الظاهر أنه تفريع على قوله فالمطلوب إما الزيادة أو الثبات للتنبيه على أن طلب الزيادة يختلف باختلاف الأشخاص بل باختلاف الأوقات و إلى هذا أشار سيد العارفين و سند الواصلين نبينا عليه السلام لأنه وصل إلى غاية مبتغاه و نهاية مناه في خبر لطيف أخرجه مسلم عن الأغر المزني «إنه ليغان على قلبي و إني لأستغفر اللّه في كل يوم مائة مرة» و كان عليه السلام في نهاية الكمال في الارتقاء إلى درجات الجلال و كان إذا ارتقى في كل ساعة إلى حالة و لاحظ ما في حالته الأولى من النقيصة بالنسبة إلى ما فوقها استغفر عنه و هذا الوجه أحسن الوجوه التي ذكرت في حل الحديث الشريف فعلم منه أن الحالات و السير فيها غير متناهية فالعارف الواصل يطلب في كل ساعة الإرشاد إلى حالة هي فوق الحالة الأولى فيترقى في كل ساعة إلى المقامات العلى كما أن غير العارف يطلب الوصول إلى مبدأ تلك الحالات و المقامات العاليات و المراد بالعارف الواصل إلى المرتبة العليا من التقوى و هو التنزه عما يشغل سره عن الحق و التبتل إليه بشراشره بحيث لا يخطر بباله شيء سواه و لو خطر ما سواه لشاهده مع اللّه أو شاهد اللّه قبله و الأول مرتبة حبيب اللّه نبينا عليه السلام حيث قال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] و الثانية مرتبة موسى كليم اللّه عليه السلام حيث قال: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62] و كم بين المرتبتين فرق عظيم كما أن بينهما من جهة القرب فرقا جسيما و المراد بالواصل الواصل إلى مرتبة السير في طريق اللّه تعالى و بهذا البيان يندفع الإشكال بأنه كيف يصح للعارف طلب المحو و الإماطة مع أنه مرتبة السالك وجه الاندفاع هو أن المطلوب ما لم يحصل بعد من تلك المراتب السنية إذ قد عرفت أن الحالات غير متناهية بالنسبة إلى رسولنا عليه السلام فما ظنك بغيره من سائر الأنام فما لم تحصل تلك الحالة بعد فهو كالظلمة في عدم الانكشاف فيطلب العارف وصولها حتى لا تبقى آثار الظلمة و مراسم الكدرة و هكذا إلى غير «1» النهاية فلا ينتهي هذا السير إلا بفناء السائر و طلب إماطة الغواشي أي كأنه الغواشي
(1) و من هذا ظهر ضعف ما قاله ابن العربي محيي الدين العربي و من شهد الخلق عين العدم فقد وصل و هذا مرتبة عين اليقين و عند هذا يتم السير إلى اللّه تعالى و هو المسمى بالتزكية و التحلية إلا أن يقال إن العارف الواصل إنما يطلب محو ظلمات تعرض في السير في اللّه قال مولانا خسرو و لعله الذي أشار إليه سيد الرسل و هادي السبل عليه أفضل الصلوات و أكمل التحيات بما أخرجه المسلم في صحيحه من قوله عليه السلام: «أنه ليغان على قلبي» الحديث ثم قال و ثانيا إن الوصول لا يقتضي الدوام عليه و لا المحو و الإماطة المذكورين بالكلية لأن السالك ما دام في دار الابتلاء لا يتخلص بالمرة عن درك الشقاء انتهى فحينئذ يتم ما ذكره ابن العربي لكن ما ذكره منلا خسرو و إن سلم صحته في العارف الغير الأنبياء لا يسلم إمكانه في شأن الرسل لا سيما في شأن رسولنا عليه السلام بل المعنى الصحيح ما نقلناه من شراح الحديث فإن قوله لا يتخلص بالمرة في شأنه عليه السلام هفوة من طغيان القلم و اللّه تعالى اعلم و الحاصل أن السير إلى اللّه يتم و الاستغفار المذكور و طلب المحو للدوام عليه و إن بين السير إلى اللّه و السير في اللّه فرق و الأول يتم دون الثاني و قد عرفت ضعفه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 246
العارضة و الحجب الطارئة من جهة البشرية المانعة من الوصول إلى تلك الحالة السنية و المنازل المرضية.
قوله: (لنستضيء) أي الغاية العظمى و الفائدة القصوى من طلب المحو و الإماطة المذكورين كونا مستضيئا (بنور قدسك) أي بنورك المقدس المعرى عن شائبة الكدر المانع عن الصفوة (فنراك بنورك) لا بنور أبصارنا فإنه غير واقع لأحد في دنيانا سوى نبينا عليه السلام مع اختلاف فيه فنعبدك كأنا نراك فنترقى في مرتبة الإحسان في كل حين و آن و إذا أحرز العبد هذا المقام و تخطى خطط هذا المرام حصل له حلاوة العبادات و ذاق لذة المناجاة بحيث ينسى في جنبها جميع المكروهات كما روي أنه عليه السلام: «إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة» و روي أيضا: «أنه جعلت قرة عيني في الصلاة» و قيل الظاهر إنه تفريع على قوله حصول المراتب المترتبة عليه و إن هذا من جملتها و لذا قالوا إن العارف لا يزال مسافرا فكلما ألقى عصاه بدا له سفر فهو من معاني الهداية المترتبة على أحد الأربعة و قيل الحصر فيها بالنسبة إلى السالك و هذا متفرع عليها فلا يرد عليه ما قيل لا يخفى أن الإرشاد المذكور جنس خامس من الهداية فإن الرابع هو هداية السير إلى اللّه كما سبق و الحصر في الأجناس الأربعة غير مستقيم انتهى. و لا يخفى ضعفه أما أولا فلأن قول المصنف و هداية اللّه تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عد لكن تنحصر الخ يأبى عنه إذ الأنواع الغير المتناهية لما كانت منحصرة في أجناس أربعة مرتبة فلا مجال لإثبات جنس خامس خارج عن تلك الأجناس إذ لو تحقق ذلك لزم تحقق بعض تلك الأنواع في ضمنه و قد نص المصنف بأن تلك الأنواع لا تخلو عنها و تخصيص الكلام بالسالك لا يفيد بالنظر إليه و أما ثانيا فلأن القسم الرابع مختص بالأنبياء و الأولياء و التزام كون الأنبياء عليهم السلام من السالكين دون الواصلين العارفين و لو في أول حالهم و ابتداء وحيهم هفوة من طغيان القلم و أما الترقي في طريق اللّه تعالى فما أثبته لنفسه النفيسة صلّى اللّه عليه و سلّم فلا محذور و أما ثالثا فلأن التقييد بالسالك فمما لا يلتفت إليه في التقسيمات كما لا يلتفت إليه في التعريفات صرح به الفاضل الخيالي في مقام تفسير الغيرية و التقسيم الخ. التعريف و إلا فيمكن تخصيص كل تقسيم أعم و تعميم كل تقسيم بالأخص أو التقييد بقيد يندفع به إشكال التقسيم بالمباين و نحوه و فيه من الفساد ما لا يخفى أو برفع الأمان في عموم البيان و القرينة منتفية هنا قوله فإذا قال العارف لا يكون قرينة لما عرفت و أيضا قوله الظاهر إنه تفريع على قوله حصول المراتب مبني على أن المراد به حصول مراتب أخر من جنس الهداية و قد بان ضعفه فيما سبق و أشير إليه هنا أيضا.