کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 244
فلا اعتبار له بالنظر إلى المعنى المستعمل فيه إذ الاعتبار ما يقصد باللفظ لا ما يقع عليه في الخارج ألا يرى أنه إذا قلت رأيت إنسانا و أردت به معناه كان حقيقة لأنه لم يستعمل إلا فيما وضع له لكنه وقع في الخارج على زيد كما في المطول على أنه يمكن مثل هذا في الثبات بأن يقال إن مفهوم الثبات إن كان داخلا في المعنى المستعمل فيه كان مجازا و إن كان خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن كان حقيقة إذ الثبات على الهداية هداية فإن كل ما له دوام و بقاء «1» فله حكم الابتداء كما قرر في الأصول و التفرقة بين الزيادة و الثبات «2» ليس له وجه و ثبات فهو مجاز على كلا التقديرين قطعا و في بعض النسخ وقع الواو في عطف الثبات فالصواب نسخة أو لأنه نكتة أخرى مغايرة للزيادة يصلح أن يكون وجها مستقلا مثل الزيادة و جعلهما وجها واحدا لا يلائم مذاق الكلام و لأنه يلزم الجمع بين المعنيين المجازيين و هو مختلف فيه.
قوله: (من الهدى) أي الاهتداء فإن هدى جاء لازما بمعنى الاهتداء و متعديا بمعنى الدلالة كقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] و اللازم كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً [محمد: 17] و المراد هنا اللازم لأنه بيان ما منحوا و المراد بالزيادة زيادة اللّه تعالى على أن الزيادة مصدر مضاف إلى المفعول و فاعله هو اللّه تعالى إذ الزيادة كالنقصان تجيء لازما و متعديا و هذا يدل اقتضاء على أن المطلوب زيادة اللّه تعالى هدايته و عنايته و عبر بالأثر المترتب عليه إما لظهوره بالنسبة إلينا أو لأنه النعمة التي يتنافس فيها المتنافسون و إلا فسياق الكلام يقتضي أن يقال فالمطلوب زيادة الهداية و العناية و التثبيت عليها قال اللّه تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم: 27] الآية كأنه قيل ثبتنا كما روي عن علي رضي اللّه تعالى عنه أو زدنا الهداية و يرشدك إليه قوله الآتي أرشدنا طريق السير الخ. لكنه عدل عنه لنكتة دعت إليه كما مرت الإشارة إليه (أو الثبات عليه).
قوله: (أو حصول المراتب المترتبة عليه) هذه نكتة لم يتعرض لها في الكشاف و أخرها المصنف لما فيه من التمحل فيه و فيما بعده و المراد بالمراتب المترتبة عليه أي على ما منحوا المراتب الأخروية من الفوز باللقاء و سائر المطالب العلية بحيث لا يعد و لا يحصى و كون المراد مراتب أخر من جنسها من الاتصال و الانفصال و الفناء و البقاء ضعيف لأن تلك المراتب إن لم تكن داخلة في الأجناس المذكورة يختل الحصر و إن كانت داخلة فندرج في زيادة ما منحوا إذ المراد الزيادة على ما أعطوا سواء كان من جنس ما أعطوا أو لا فما من مرتبة من مراتب الهداية إلا مندرجة في هذا البيان فلا تصح المقابلة و تخصيص الزيادة على ما منحوا بجنسه تصحيحا للمقابلة اشتغال بما لا طائل تحته و هذا غاية التوجيه في كون المراد المراتب الدنيوية لكنه ليس بوجيه و هذا القول من المصنف يؤيد كون المراد بقوله فالمطلوب دفع
(1) فيه بحث إذ ما منحوه من قبيل الإعراض و لا بقاء له فلا زيادة له كذا أفاده المحقق التفتازاني في شرح العقائد في بحث زيادة الإيمان فتأمل في جوابه و سيأتي الإشارة.
(2) على أن الثبات على الشيء زيادة عليه في كل ساعة من جهة الإعداد كما قال بعض أهل العرفان في توجيه زيادة الإيمان و قيد من جهة الإعداد جواب عن اشكال المحقق التفتازاني و مقتبس من كلام الفاضل الخيالي فحينئذ ظهر ضعف التفرقة بينهما كل الظهور فعلى هذا الثبات يستلزم الزيادة دون العكس.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 245
إشكال منشأه تفسير الهداية بالدلالة و تقسيمها إلى أجناس مترتبة لا مجرد بيان هداية ما وصل الحامد إليها و هذا المعنى أيضا مجاز بإرادة المسبب من السبب و اتصاله.
قوله: (فإذا قاله العارف الواصل عنى به أرشدنا طريق السير فيك لتمحو عنا ظلمات أحوالنا و تميط غواشي أبداننا) الظاهر أنه تفريع على قوله فالمطلوب إما الزيادة أو الثبات للتنبيه على أن طلب الزيادة يختلف باختلاف الأشخاص بل باختلاف الأوقات و إلى هذا أشار سيد العارفين و سند الواصلين نبينا عليه السلام لأنه وصل إلى غاية مبتغاه و نهاية مناه في خبر لطيف أخرجه مسلم عن الأغر المزني «إنه ليغان على قلبي و إني لأستغفر اللّه في كل يوم مائة مرة» و كان عليه السلام في نهاية الكمال في الارتقاء إلى درجات الجلال و كان إذا ارتقى في كل ساعة إلى حالة و لاحظ ما في حالته الأولى من النقيصة بالنسبة إلى ما فوقها استغفر عنه و هذا الوجه أحسن الوجوه التي ذكرت في حل الحديث الشريف فعلم منه أن الحالات و السير فيها غير متناهية فالعارف الواصل يطلب في كل ساعة الإرشاد إلى حالة هي فوق الحالة الأولى فيترقى في كل ساعة إلى المقامات العلى كما أن غير العارف يطلب الوصول إلى مبدأ تلك الحالات و المقامات العاليات و المراد بالعارف الواصل إلى المرتبة العليا من التقوى و هو التنزه عما يشغل سره عن الحق و التبتل إليه بشراشره بحيث لا يخطر بباله شيء سواه و لو خطر ما سواه لشاهده مع اللّه أو شاهد اللّه قبله و الأول مرتبة حبيب اللّه نبينا عليه السلام حيث قال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا [التوبة: 40] و الثانية مرتبة موسى كليم اللّه عليه السلام حيث قال: إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء: 62] و كم بين المرتبتين فرق عظيم كما أن بينهما من جهة القرب فرقا جسيما و المراد بالواصل الواصل إلى مرتبة السير في طريق اللّه تعالى و بهذا البيان يندفع الإشكال بأنه كيف يصح للعارف طلب المحو و الإماطة مع أنه مرتبة السالك وجه الاندفاع هو أن المطلوب ما لم يحصل بعد من تلك المراتب السنية إذ قد عرفت أن الحالات غير متناهية بالنسبة إلى رسولنا عليه السلام فما ظنك بغيره من سائر الأنام فما لم تحصل تلك الحالة بعد فهو كالظلمة في عدم الانكشاف فيطلب العارف وصولها حتى لا تبقى آثار الظلمة و مراسم الكدرة و هكذا إلى غير «1» النهاية فلا ينتهي هذا السير إلا بفناء السائر و طلب إماطة الغواشي أي كأنه الغواشي
(1) و من هذا ظهر ضعف ما قاله ابن العربي محيي الدين العربي و من شهد الخلق عين العدم فقد وصل و هذا مرتبة عين اليقين و عند هذا يتم السير إلى اللّه تعالى و هو المسمى بالتزكية و التحلية إلا أن يقال إن العارف الواصل إنما يطلب محو ظلمات تعرض في السير في اللّه قال مولانا خسرو و لعله الذي أشار إليه سيد الرسل و هادي السبل عليه أفضل الصلوات و أكمل التحيات بما أخرجه المسلم في صحيحه من قوله عليه السلام: «أنه ليغان على قلبي» الحديث ثم قال و ثانيا إن الوصول لا يقتضي الدوام عليه و لا المحو و الإماطة المذكورين بالكلية لأن السالك ما دام في دار الابتلاء لا يتخلص بالمرة عن درك الشقاء انتهى فحينئذ يتم ما ذكره ابن العربي لكن ما ذكره منلا خسرو و إن سلم صحته في العارف الغير الأنبياء لا يسلم إمكانه في شأن الرسل لا سيما في شأن رسولنا عليه السلام بل المعنى الصحيح ما نقلناه من شراح الحديث فإن قوله لا يتخلص بالمرة في شأنه عليه السلام هفوة من طغيان القلم و اللّه تعالى اعلم و الحاصل أن السير إلى اللّه يتم و الاستغفار المذكور و طلب المحو للدوام عليه و إن بين السير إلى اللّه و السير في اللّه فرق و الأول يتم دون الثاني و قد عرفت ضعفه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 246
العارضة و الحجب الطارئة من جهة البشرية المانعة من الوصول إلى تلك الحالة السنية و المنازل المرضية.
قوله: (لنستضيء) أي الغاية العظمى و الفائدة القصوى من طلب المحو و الإماطة المذكورين كونا مستضيئا (بنور قدسك) أي بنورك المقدس المعرى عن شائبة الكدر المانع عن الصفوة (فنراك بنورك) لا بنور أبصارنا فإنه غير واقع لأحد في دنيانا سوى نبينا عليه السلام مع اختلاف فيه فنعبدك كأنا نراك فنترقى في مرتبة الإحسان في كل حين و آن و إذا أحرز العبد هذا المقام و تخطى خطط هذا المرام حصل له حلاوة العبادات و ذاق لذة المناجاة بحيث ينسى في جنبها جميع المكروهات كما روي أنه عليه السلام: «إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة» و روي أيضا: «أنه جعلت قرة عيني في الصلاة» و قيل الظاهر إنه تفريع على قوله حصول المراتب المترتبة عليه و إن هذا من جملتها و لذا قالوا إن العارف لا يزال مسافرا فكلما ألقى عصاه بدا له سفر فهو من معاني الهداية المترتبة على أحد الأربعة و قيل الحصر فيها بالنسبة إلى السالك و هذا متفرع عليها فلا يرد عليه ما قيل لا يخفى أن الإرشاد المذكور جنس خامس من الهداية فإن الرابع هو هداية السير إلى اللّه كما سبق و الحصر في الأجناس الأربعة غير مستقيم انتهى. و لا يخفى ضعفه أما أولا فلأن قول المصنف و هداية اللّه تعالى تتنوع أنواعا لا يحصيها عد لكن تنحصر الخ يأبى عنه إذ الأنواع الغير المتناهية لما كانت منحصرة في أجناس أربعة مرتبة فلا مجال لإثبات جنس خامس خارج عن تلك الأجناس إذ لو تحقق ذلك لزم تحقق بعض تلك الأنواع في ضمنه و قد نص المصنف بأن تلك الأنواع لا تخلو عنها و تخصيص الكلام بالسالك لا يفيد بالنظر إليه و أما ثانيا فلأن القسم الرابع مختص بالأنبياء و الأولياء و التزام كون الأنبياء عليهم السلام من السالكين دون الواصلين العارفين و لو في أول حالهم و ابتداء وحيهم هفوة من طغيان القلم و أما الترقي في طريق اللّه تعالى فما أثبته لنفسه النفيسة صلّى اللّه عليه و سلّم فلا محذور و أما ثالثا فلأن التقييد بالسالك فمما لا يلتفت إليه في التقسيمات كما لا يلتفت إليه في التعريفات صرح به الفاضل الخيالي في مقام تفسير الغيرية و التقسيم الخ. التعريف و إلا فيمكن تخصيص كل تقسيم أعم و تعميم كل تقسيم بالأخص أو التقييد بقيد يندفع به إشكال التقسيم بالمباين و نحوه و فيه من الفساد ما لا يخفى أو برفع الأمان في عموم البيان و القرينة منتفية هنا قوله فإذا قال العارف لا يكون قرينة لما عرفت و أيضا قوله الظاهر إنه تفريع على قوله حصول المراتب مبني على أن المراد به حصول مراتب أخر من جنس الهداية و قد بان ضعفه فيما سبق و أشير إليه هنا أيضا.
قوله: (و الأمر و الدعاء يتشاركان لفظا و معنى و يتفاوتان بالاستعلاء و التسفل و قيل قوله: يتشاركان لفظا و معنى إما لفظا فظاهر و إما معنى فلأن معنى كل منهما طلب الفعل و يتفاوتان بالاستعلاء و التسفل يريد أنه لا يشترط في الأمر العلو الحقيقي في الأمر و في الدعاء و السفالة الحقيقية في الداعي بل إذا قال العالي لمن دونه أفعل كذا متسفلا و متواضعا له يسمى قوله هذا دعاء و إذا قال الأدنى للأعلى منه مستعليا و مستكبرا يكون قوله هذا أمر و قيل يشترط في الأمر أن يكون الأمر ممن يتصف بالعلو حقيقة و في الدعاء أن يكون الداعي ممن نبعت بالسفالة في نفس الأمر.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 247
بالرتبة) و الأمر ما صدق عليه من نحو صل و صم و إرادة المفهوم لا يناسب هنا و كذا الدعاء من نحو اغفر لنا و ارزقنا و منه قوله: اهْدِنَا [الفاتحة: 6] أما اشتراكهما لفظا فلأن صيغتهما متحدة و أما معنى فلأنهما للطلب و لم يذكر الالتماس مع أنهما يتشاركهما لفظا و معنى و تفاوته باعتبار التساوي لأن المراد هنا بيان الفرق بين الدعاء و الأمر حتى ينكشف أن اهدنا دعاء ثم المراد بالأمر الصيغة لما طلب فعل غير الكف على جهة الاستعلاء كما هو المشهور و اختار كونه عبارة عن الصيغة لأنها ملائمة لاصطلاح الأصول نبه عليه صاحب المرآة و معتبرة في اصطلاح الشرع و الظاهر أنه أراد هنا اصطلاح أهل العربية فإنهم يسمون الكل أمرا إن كان المطلوب الفعل و نهيا إن كان المطلوب الكف و الاختلاف في أن صيغة الأمر هل هو حقيقة في الوجوب و ما سواه مجاز أو لا اصطلاح لأهل الأصول أو المراد بيان اشتراكهما لفظا و معنى و تفاوتهما بالاستعلاء و التسفل سواء كان حقيقة أو مجازا و إطلاق الاشتراك بالنظر إلى الاستعمال لا إلى الوضع و تفصيل الكلام في فن الأصول بالتمام و لو قيل صيغة الأمر في الدعاء مجاز لكان الجامع بينهما الطلب المطلق فيكون من قبيل استعمال المقيد في المطلق ثم في المقيد الآخر و لو جعل الاستعارة لا يحتاج إلى هذا التمحل و إنما قال بالاستعلاء و لم يقل بالعلو إذ العلو في نفس الأمر ليس بشرط و إنما الشرط الاستعلاء أي عد الطالب نفسه عاليا و إن لم يكن في الواقع كذلك و لهذا ينسب قول الأدنى للأعلى على سبيل الاستعلاء أفعل إلى إساءة الأدب فلو لم يكن أمرا لما كان كذلك و كذا الكلام في التسفل لكن ينسب قائله الأعلى إلى التواضع تارة و إلى التملق تارة أخرى و لهذا قال و قيل بالرتبة إشارة إلى وهنه و هو مذهب المعتزلة كما اختاره صاحب الكشاف فإنهم يشترطون العلو في نفس الأمر في الأمر و السفالة في الدعاء.
قوله: (و السراط من سرط الطعام) كفرح أو نصر (إذا ابتلعه) و يسمى الطريق السهل أو الواضح أو المستقيم سرطا لأنه يسرط السابلة أي يبتلعه توهما نقل عن الراغب يسمى بالسراط على توهم أنه يبتلع سالكه أو يبتلعه سالكه إذ السابلة أي أبناء السبيل لما غابت عن العيون فكأنه ابتلعهم و لهذا الوجه أيضا سمي لقما بفتحتين فكأنهم يلتقمهم و أما عكسه فلا يظهر سره فإن ابتلاع السالك الطريق مما خفي معناه و لعل لهذا لم يتعرض له المصنف.
قوله: (فكأنه بسرط السابلة) الفاء للتعليل قوله (تلتقمهم) إشارة إلى أنه بمعنى فاعل و يحتمل أن يكون بمعنى المفعول بيان وجه أخذه منه إذ أدنى المناسبة يكفي في الأخذ و السابلة يطلق على الطريق و سالكها و هو المراد هنا كما أشرنا إليه و في نسخة و لذلك سمي قوله: و كأنه يسرط السابلة في الأساس مرت السابلة و السوابل و هم المختلفون في الطرقات لحوائجهم و في الصحاح السابلة أبناء السبيل المختلفة في الطرقات قال صاحب الكشف و الأولى في التعليل أن يقال لأنهم يشترطون السبيل و هي تشترطهم و كذا اللقم لأنه يلتقمهم أو هم يلتقمونه كما يقال أكلته المفازة أي أضمرته أو أهلكته و أكل هو المفازة إذا قطعها.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 248
لقما فحينئذ قوله لأنه يلتقمهم بدل من «1» و لذلك و في نسخة و كذلك سمي لقما فقوله لأنه يلتقمهم يكون حينئذ تعليلا.
قوله: (و الصراط من قلب السين صادا) و ليس في اللغة ثابتا قوله (ليطابق الطاء) أي إنما قلب السين صادا لمناسبة الصاد طاء (في الإطباق) أي في كونها من الحروف المطبقة التي هي الصاد و الضاد و الطاء و الظاء و سميت مطبقة لانطباق اللسان معها على الحنك و أما السين فلكونها من المنفتحة «2» لا يخلو الجمع بينها و بين الطاء نوع ثقل غير واصل إلى حد التنافر فبالقلب صار أفصح و إن كان بدون القلب فصيحا لتداوله بين العرب العرباء و هذا معنى الفصاحة و هذه العلة علة مصححة لا موجبة فلا يوجب الاطراد فلا يقال إن هذا يقتضي قلب الحرف الذي يخالف الحرف الذي جمع معه في الصفات بل في المخرج حرفا يوافقه فيها.
قوله: (و قد يشم الصاد صوت الزاء) الإشمام في عرف أرباب القراءة خلط حرف بآخر و المراد به هنا خلط الصاد بالزاي و حاصله أن يتلفظ بالعبارة على نحو يشم السامع منه صوت الزاي المعجمة و له معان أخر لا تناسب هنا و بعض التفصيل سيأتي في يوسف في قوله تعالى: لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ [يوسف: 11] الآية.
قوله: (ليكون أقرب إلى المبدل منه) الذي هو السين لأن الصاد و السين و الزاي مشتركة في الرخوة و الصفار إلا أن السين و الزاء من المنخفضة المنفتحة و الصاد من المستعلية المطبقة فبالشم المذكور يكتسي الصاد نوع انفتاح و انخفاض فيكون أقرب إلى السين بعد ما كان قريبة منها في كونها من المهموسة و لذا قال أقرب الخ.
قوله: (و قرأ ابن كثير) و هو من الأئمة القراء (برواية قنبل عنه و رويس عن يعقوب بالأصل و حمزة بالإشمام) أي المذكور آنفا (و الباقون بالصاد و هو لغة قريش) أي على وفق استعمالهم و لا ينافي هذا كون الأصل السين كذا قالوا و التعبير بلغة قريش يأبى عنه ظاهرا و حمل الأصالة على أكثر اللغات غير بعيد قيل و قول الجمهور السراط لغة في الصراط لا يقتضي أصالتها و لذا رسمت صادا لما روي عن عثمان رضي اللّه تعالى عنه أنه قال إذا اختلفتم في شيء فاكتبوه بلغة قريش فإن القرآن نزل بها انتهى. أي القرآن أنزل على لغات و لغة قريش أشهرها أخرج الشيخان عن عمر رضي اللّه تعالى عنه أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه و ذهب قوله: ليطابق الطاء في الإطلاق فإن الطاء مستعلية مجهورة و السين منخفضة مهموسة فبينهما تباين و تنافر فأبدل السين صادا ليوافق الطاء في الاستعلاء و يتجانس الصوت و بعضهم أبدلها زاء ليوافقه في الجهر و منهم من أبدلها صادا و يشمها صوت الزاء روما للمجانسة في الاستعلاء و الجهر معا.
(1) أي من قوله و لذلك.
(2) و تفصيل صفات الحروف و مخارجها في علم التجويد و سيأتي بنبذة منه في أوائل سورة البقرة فانتظره أو فارجعه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 249
الأكثرون أنها ألفاظ و هي اللغات المشهورة بالفصاحة من لغات قريش و هذيل و هوازن و اليمن و بني تميم و طيء و ثقيف لكنها غير مجتمعة في كلمة بل متفرقة لكل منهم أن يقرأ بما هو موافق لغته بشرط السماع من النبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو عليه السلام سمع قراءة كل منهم من جبرائيل لأن صدر الحديث الذي رواه الإمام الصغاني هكذا قال عمر رضي اللّه تعالى عنه سمعت واحدا يقرأ سورة الفرقان غير ما قرأته فجئت به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأقرأه فقال عليه السلام: «هكذا أنزلت ثم اقرأني» فقال هكذا أنزلت فقال عليه السلام: «إن هذا القرآن الحديث» كذا قال ابن ملك في شرح المشارق لكن قول عثمان رضي اللّه تعالى عنه للرهط القريشيين الثلاث إذا اختلفتم أنتم و زيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ففعلوه لا يلائم هذا التوجيه فيحتاج إلى التلفيق.
قوله: (و الثابت في الإمام) و هو لقب المصحف أمير المؤمنين عثمان رضي اللّه تعالى عنه عند المفسرين و القراء و غيرهم فإن الإمام لغة ما يؤتم به و يقتدى به و إن لم يكن من العقلاء و لهذا أطلق على اللوح و الكتاب و معنى الثبوت في ذلك المصحف أن يكون هو أو بدله مرسوما فيه و لما رسم في الإمام صدق على الصراط أنه ثابت فكان قرآنا و لو كان في رسمه السراط بالسين لم يكن الصراط بالصاد ثابتا فيه فلم يكن قرآنا و كذا الكلام في المصيطر و لو رسم بالسين لم يكن قرآنا المصيطر فلا يرد ما قيل هذا يدل على أن جميع السبعة بل العشرة غير ثابت فيه وقد صرحوا أنه لا بدّ من أمور ثلاثة صحة السند و الثبوت في الإمام و موافقة العربية وجه الاندفاع تعميم الثبوت قال في النشر بعد قوله و الثبوت في الإمام و لو احتمالا قولنا و لو احتمالا نعني به ما يوافق الرسم و لو تقديرا إذ موافقة الرسم قد تكون تحقيقا و هي الموافقة الصريحة و قد تكون تقديرا و هي الموافقة احتمالا انتهى و الموافقة احتمالا كموافقة السراط و المسيطر و قس عليهما ما عداهما ثم قال إشارة إلى ما ذكرنا فانظر كيف كتبوا الصراط و المصيطر بالصاد المبدلة من السين و عدلوا عن السين التي هي الأصل لتكون قراءة السين و إن خالفت الرسم من وجه قد أتت على الأصل فتعتد لا و يكون الإشمام محتملة و لو كتب ذلك بالسين على الأصل لغات و عدت قراءة غير السين مخالفة للرسم و الأصل انتهى. و بمثل هذا الاعتبار يكون قراءة السبعة بل العشرة ثابتة في الإمام فلا إشكال أصلا «1» .
قوله: (و جمعه سرط ككتب و هو) سواء اعتبر مذكرا أو مؤنثا كما هو الظاهر و قيل إنه إن ذكر جمع على أفعلة من القلة و على فعل في الكثرة كحمار و حمر و أحمرة و إن أنث فقياسه أن يجمع على أفعل كذراع و أذرع و فيه نظر «2» و في بعض النسخ و جمعه صراط و هو
(1) و لا يخفى أن مثل ثبوت سراط تقديرا في ثبوت صراط صريحا لا يجري في كل موضع يتعدد فيه الوجوه إذ السبب كما صرح به أصالة سراط و لا ريب في عدم جريانه في كل موضع و لم يبين سبب آخر يعرف به الثبوت تقديرا و لو قيل المصاحف متعددة ثبت قراءة السبعة فيها على سبيل البدل اندفع الاشكال.
(2) وجهه هو أن قول المصنف و جمعه سرط إشارة إلى أن جمعه سرط فقط سواء استعمل مذكرا أو مؤنثا و لو كان له جمع آخر لقال و يجمع سراط كذا و أيضا الجمع سماعي و لو سمع فلينقل و القياس لا يجري فيه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 250
الموافق لما ثبت في الإمام و بيان جمع السراط لكونه أصلا و يعرف به جمع الصراط لأنه مبدل منه (كالطريق في التذكير و التأنيث) فيه إشارة إلى أنه ليس كالطريق في المعنى لما فرقوا بين الطريق و السبيل و الصراط في المعنى و قالوا الطريق كل ما يطرقه طارق معتادا أو غيره و السبيل ما هو معتاد السلوك و السراط ما لا اعوجاج فيه يمنة و يسرة بل يكون على سمت المقصد فهو أخصها فحينئذ فائدة و صفه بالمستقيم لأن الصراط يطلق على ما فيه صعود و هبوط (و المستقيم المستوي) ما لا ميل فيه إلى شيء من الجوانب الأربعة و أصل الاستقامة في الشخص القائم لكن كونه مثل الطريق و السبيل معنى هو الظاهر من كلام الشيخين و التقييد بقوله في التذكير و التأنيث لكونه أهم بيانا و الاستعمال يؤيد ذلك قال اللّه تعالى: وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام: 153] الآية و قال اللّه تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23] و لا كلام في اعوجاجه و عدم كونه معتادا و عن هذا قال بعض المحشين هو أي الصراط مثله معنى.
قوله: (و المراد به طريق الحق) أي طريق معنوي يوصل إلى الحق أو طريق هو الحق الثابت في نفس الأمر فمن تمسك به فقد فاز فوزا عظيما و هذا يعم ملة الإسلام و غيرها إذ الطريق الحق شامل للأنظار الصحيحة الموصلة إلى المطالب اليقينية و عام للحق الذي في المهمات أو في أداء العبادات «1» البدنية و المالية فإن أداءها غير العبادات و يلائم هذا و يؤيده قوله فيما سبق و المراد طلب المعونة في المهمات كلها أو في أداء العبادات «2» فلا ريب في عموم طريق الحق عن ملة الإسلام التي عبارة عن الأصول و الفروع و لذا مرض تخصيصه بملة الإسلام فقال (و قيل هو ملة الإسلام) إذ العموم هو المناسب للمقام فيدخل ملة الإسلام دخولا أوليا مع الاهتمام.
قوله: (بدل من الأول بدل الكل من الكل) فلذا استغني عن الضمير بدل الكل اسم للبدل الذي يتحد مع المبدل ذاتا و يتغايران مفهوما فهذا لا يقتضي الانقسام و التجزي بحسب الاصطلاح قيل ط و قد عاب ابن مالك في بعض كتبه هذه العبارة على النحويين لأن الكلية لا تصح في مثل صراط العزيز الحميد اللّه الذي فإنها إنما يقال فيما ينقسم و يتجزأ و اللّه تعالى منزه عن ذلك فالأولى أن يقال البدل الموافق أو المطابق انتهى. و هذا بناء على اعتبار معنى اللغوي فيه و قد عرفت أنه معنى اصطلاحي لا يقتضي الانقسام و وجود معنى اللغوي في أكثر معنى الاصطلاحي كاف مع أنه ليس بشرط فيه عند بعض كالعلة التامة فإنها عبارة عن جميع ما يتوقف عليه المعلول بمعنى أن المعلول لا يتوقف على ما سواه فيتناول العلة البسيطة بهذا المعنى مع أن الجميع يقتضي التعدد و التكثر و لو وجب اعتبار المعنى اللغوي في جميع افراد المعنى الاصطلاحي لا ختل أكثر القواعد و ضاع أكثر الفوائد كإطلاق
(1) و لا تنس ما ذكرناه سابقا من أنه إذا كان المراد به شاملا للحق في أداء العبادات كان اهدنا حقيقة بالنظر إليه و إلى الأعمال الصالحة التي لم تحصل له بعد فيلزم عموم المجاز فليتأمل.