کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 405
و هذا كثير في القرآن لكن أكثرهم ذهبوا إليه «1» مع وضوح فساده فتدبر فإن العقل من ذلك يتحير (فائدة) اختلفوا في أن الهداية هل هي حقيقة في الدلالة المطلقة مجاز في غيرها أو بالعكس أو هي مشتركة بينهما اشتراكا لفظيا أو موضوعة للقدر المشترك ذهب إلى كل طائفة و يمكن التوفيق بينهم بمثل ما مر نقله عن بعض الأفاصل بأن مراد بعضهم بالنظر إلى اللغة و البعض الآخر بالنظر إلى العرف أو إلى استعمال الشارع فح يرتفع الاختلاف بينهم في الجملة و إن لم يرتفع بالجملة فتأمل بسليقة سليمة و كن على بصيرة و الظاهر أن المص اختار الاشتراك المعنوي حيث قال الهداية الدلالة و لم يقيد بالمطلقة فيشمل الدلالة المطلقة و الدلالة المقيدة و قيل اختار المص الأول و لما كانت الدلالة المطلقة شاملة لحصول الوصول فلا يخالف ما ذكره في سورة الفاتحة من أنها تتنوع إلى أنواع رابعها كشف الأمور بوحي و نحوه مما يختص بالأولياء و الأنبياء عليهم السلام و هي دلالة موصلة بلا ريب.
قوله: (و اختصاصه بالمتقين) الأولى و تخصيصه إذ لا اختصاص بهم قال تعالى:
هُدىً لِلنَّاسِ [البقرة: 185] بل التخصيص بالذكر و النكتة مسوقة له إلا أن يقال المراد و لكل وجهة هو موليها و القول الجامع فيه ما قال الراغب قال الهداية دلالة بلطف و منه الهدية و هوادي الوحش مقدماتها لكونها هادية لسائرها و خص ما كان من الدلالة بفعلت نحو هديته الطريق و ما كان من الإعطاء بافعلت نحو اهديت الهدية و أما نحو قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات: 23] فعلى التهكم و الهداية هي الإرشاد إلى الخيرات قولا و فعلا و هو من اللّه تعالى على منازل بعضها يترتب على بعض لا يصح حصول الثاني إلا بعد الأول و لا الثالث إلا بعد الثاني فأولها اعطاؤه العبد القوي التي بها يبتدىء إلى المصالح إما تسخيرا و إما طوعا كالحواس الخمس و القوة المفكرة و على ذلك قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه: 50] وَ الَّذِي قَدَّرَ فَهَدى [الأعلى: 3] و ثانيها الهداية بالدعاء و بعثة الأنبياء و إياها عنى بقوله: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا [السجدة: 24] و ثالثها هداية يوليها صالحي عباده بما اكتسبوا من الخيرات و هو المعنى بقوله: وَ هُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ [الحج: 24] من القول: وَ هُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ [الحج: 24] و قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69] قال بعض المحققين الهدى من اللّه كثير و لا يبصره إلا البصير و لا يعمل به إلا اليسير ألا ترى إلى نجوم السماء ما أكثرها و لا يهتدى بها إلا العلماء و رابعها التمكين مما يجاوز به في دار الخلد و إياها عنى بقوله: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍ [الأعراف: 43] تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: 43] فإذا ثبت ذلك فمن الهداية ما لا ينتفى عن أحد بوجه ما و منا ما ينتفي عن بعض و يثبت لبعض و من هذا الوجه قال تعالى: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ [القصص: 56] فإنه مبني على الهداية التي هي التوفيق و ادخال الجنة دون التي هي الدعاء كقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى: 52].
(1) حتى ذهب إليه الفاضل الخالي في حاشية شرح العقائد مع علو كعبه في تحقيق المقاصد.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 406
بالاختصاص التخصيص لكن المتبادر منه الانحصار و يؤيد ما ذكرنا ما قيل المراد بالاختصاص التعلق الخاص الذي يعبر عنه بالاختصاص لا الحصر حتى يرد أن اللام لا يفيد الحصر و حاصله أن المراد الاختصاص في الإثبات لا في الثبوت و المعنى و تخصيص الهدى المفسر بالدلالة المطلقة بالمتقين في الذكر لوجهين.
قوله: (لأنهم هم المهتدون به) و أكده بتأكيدات إيراده بالجملة الاسمية و إيراد كلمة التحقيق و ضمير الفصل و الخبر المعرف باللام للمبالغة في بيان ثبوت الابتداء لهم دون من ختم اللّه على قلوبهم قوله (و المنتفعون) عطف تفسير له و إشارة إلى أن اللام في للمتقين للانتفاع و إن كانت زائدة لتقوية العمل و هذا يؤيد ما ذكرنا من أن مراده بالاختصاص الاختصاص في الإثبات لا في الثبوت إذ اللام لا يفيد الحصر بل الانتفاع الذي هو تعلق خاص و لهذا عبر عنه بالاختصاص.
قوله: (بنصبه) مصدر أضيف إلى مفعوله أي بنصب اللّه تعالى إياه دليلا على ذلك لهم بشرح صدورهم له دون غيرهم ممن جعل على قلوبهم أكنة و إما نصبه تعالى الكتاب دليلا على إطلاقه فعام كما سيجيء و قيل هو بضمتين دون بفتح النون و سكون الصاد و هو كل ما جعل علامة منصوبة قيل قال القاموس كل ما جعل علامة كالنصيبة انتهى فهو بهذا المعنى ليس جمعا فالإضافة حينئذ بيانية و المنتفعون بعلامة هو الكتاب الكامل في العلامة و الدلالة و في بعض النسخ بنصيبه على أنه واحد النصوص أي بنص من نصوصه و آية من آياته كما فسره به بعضهم كأنه أشار به إلى أن آية من آياته تكفي في الهداية فما ظنك بمجموعه فح لا وجه للقول بأنه تحريف ثم المراد بالمتقين المشارفون للتقوى بكونهم مستعدين لها غير مطبوع القلوب سالمين عن آفات المشاعر و عن العيوب و أما من طبع اللّه على قلوبهم فبعيد عن التقوى لإصرارهم على الكفر و الأذى فتسميتهم المتقين مجاز أولي باعتبار ما يؤول إليه و المعتبر في المجاز باعتبار ما يؤول إليه حصول المعنى الحقيقي للمسمى المجازي في الزمان اللاحق بزمان وقوع النسبة و لا يمتنع حصوله له في حال الحكم أي زمان إيقاع النسبة و التكلم بالجملة للقطع بأن الاسم في مثل قتلت قتيلا و عصرت خمرا مجاز و إلا صار المسمى في زمان الإخبار قتيلا و خمرا حقيقة و كذا في مثل قوله تعالى: وَ آتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ [النساء: 2] كما في التلويح و ما نحن فيه المتقي ليس حصول التقوى عن الشرك ثابتا له في زمان وقوع النسبة أي نسبة الهداية و إن ثبتت له في زمان التكلم مثل قولك لصاحبك الكتاب يهديك فهو في وقت الهداية ليس بمؤمن متق مع أن وقت التكلم موصوف بالتقوى بل في أزمنة متطاولة قبله فإنه إذا عبر عن شيء بما فيه معنى الوصفية و علقت به معنى مصدريا فهم منه في عرف اللغة إن ذلك الشيء موصوف قوله: لأنهم المهتدون به أي الممتثلون بهذا الكتاب أو المنتفعون بنصه أي بنص من نصوصه و آية من آياته.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 407
بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه فإذا قلت أعطيت ألف دينار غنيا فهم منه أن ذلك الشخص موصوف بالغنى بأموال أخر حال تعلق إعطائك إياه لا بسبب إعطائك إياه فأخذت غناءه على أنه صفة ثابتة له و إن لم يكن غنيا فإذا أردت أنه غني بإعطائك يكون مجازا باعتبار ما يؤول إليه و معنى النظم الجليل أن الكتاب هاد للمتقين بهداية الكتاب لا بهداية غيره فهو في قوة إن هذا الكتاب هاد للضالين الصائرين إلى التقوى فهو مجاز أولي بطريق أخرى و بهذا التحقيق ظهر أن القتيل في قوله قتيلا مجاز أولي و قول من قال فيما نحن فيه غير محتاج إلى التأويل و ليس من المجاز إذ المتقي يهتدي بهذا الهدى حقيقة و هذا الذي جنح إليه المص لا يعرف له وجه و هداية الكتاب نوع ثالث من الأنواع الأربعة فلا يلاحظ هنا كون الهداية على مراتب أربعة نعم للتقوى ثلاث مراتب يمكن ملاحظتها هنا و يحصل احتمالات كثيرة بكون المتقي مجازا في بعضها دون بعضها و سيجيء التوضيح في آخر الدرس.
قوله: (و إن كانت دلالته) أي دلالته على ما يوصل إلى المطلوب و إن لم يحصل الإيصال بالفعل (عامة) شاملة (لكل ناظر) أي لكل من شأنه النظر الصحيح و إنما اعتبر النظر إذ الدلالة لا تحصل بدون النظر و أنت خبير بأن كونه دليلا بالنظر إلى ذاته و نفسه فلا حاجة إلى اعتبار النظر قوله (من مسلم) أشار به إلى أن المراد بالمتقي المسلم و هو المرتبة الأولى من التقوى و كأنها مختار المص و الظاهر أنه مسلم بالمشارفة (أو كافر) مختوم القلب و مؤلف المشاعر (و بهذا الاعتبار قال اللّه تعالى: هُدىً لِلنَّاسِ [البقرة: 185] فلا منافاة.
قوله: (أو لأنه لا ينتفع بالتأمل فيه إلا من صقل العقل و استعمله في تدبير الآيات و النظر في المعجزات و تعرف النبوات لأنه كالغذاء الصالح لحفظ الصحة فإنه لا يجلب نفعا ما لم تكن الصحة حاصلة) التأمل التفكر و التدبر يقال تأملته إذا تدبرته و في المصباح هو قوله: و إن كانت دلالته عامة لكل ناظر هذا على الوجه الأول من وجهي تفسير الهداية.
قوله: و بهذا الاعتبار أي باعتبار عموم الدلالة قال تعالى: هُدىً لِلنَّاسِ [البقرة: 185] حيث عبر المهدى لهم بلفظ عام.
قوله: أو لأنه لا ينتفع بالتأمل فيه إلا من صقل العقل الخ أقول هذا هو معنى الوجه الأول لأن معنى صقل العقل صوته عن طوارق الشبهات و الآراء الفاسدة و تجريده عن انتقاش الصور الباطلة الغاصبة للوجه عن ارتسام الصور الحقة و هذا هو عين التقوى لأن معنى التقوى الصيانة فالتعليل الثاني من مشمولات التعليل الأول فلا يحسن عطفه عليه بأو القاسمة و يمكن أن يجاب عنه بأن التعليل الثاني بحسب التقوى في القوة النظرية و الأول بحسبها في القوة العملية فالعطف بكلمة أو ناظر إلى تقاسم القوتين.
قوله: فإنه كالفداء الصالح أي فإن ذلك الكتاب الذي هو القرآن كالغذاء الصالح لحفظ الصحة فإن صحيح البدن هو المنتفع بالغداء الصالح و إلى هذا الإشارة بقوله عز و جل: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82] فإن كونه رحمة إنما هو للمؤمن كما أن كون
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 408
إعادتك النظر فيه مرة بعد أخرى حتى تعرفه انتهى كما قيل و هو من الأمل أي الرجاء إلا من صقل بالتخفيف بمعنى الجلاء من صقل السيف و المرآة و فيه استعارة مكنية و تخييلية شبه العقل بالمرآة و نحوها في قبول الجلاء بعد التدنس بالأوساخ في الذهن و إثبات الصقل له و الجلاء قرينة و منه ينكشف تشبيه الأخلاق الردية بالأوساخ قوله و استعمله في تدبر الآيات عطف تفسير و بيان للمراد بقوله صقل العقل التدبر أصله النظر في أدبار الشيء و المراد هنا التفكر التام الصحيح في معاني الآيات و هي الدلائل لاشتمالها على الآيات الأفاقية و الأنفسية فالمراد بالآيات آيات القرآن و المراد بالتدبر في الآيات القرآنية التدبر في الآيات الآفاقية و الأنفسية لتذكير الآيات إياها و المراد بالنظر في المعجزات التأمل في بلاغة القرآن و هي معجزة دالة على صدق مبلغه و به يعرف النبوات و الجمع في الموضعين لتعدد دلالتها على النبوة و على الإعجاز و هذا هو الموافق لما قبله من قوله و لا ينتفع بالتأمل فيه أي في الكتاب و أكثر المحشيين حملوا على الأدلة التي وضعها اللّه تعالى للاستدلال بها على وجوده تعالى و وحدانيته و ادعوا أنه لا وجه لحملها على آيات القرآن لفساد المعنى مع أنه لا يلائم قوله و النظر في المعجزات انتهى و لا يخفى أنه أراد به أن حمل الآيات على آيات القرآن مع قطع النظر عن اشتمالها و تذكيرها على الآيات الآفاقية و الأنفسية فلا يضرنا و إن أراد به أن الحمل المذكور غير صحيح فمع عدم ملائمة ما ذكروه لقول المص بالتأمل الغذاء نافعا إنما هو لصحيح البدن لا لسقيمه بل ربما يستحيل الغذاء الصالح في بدن المريض خلطا فاسدا مضارا لاعتدال المزاج كما قيل بلسان العجم ازقضا سر كنكبين صفر افزود روغن بادام خشكى مى نمود از هليله قبض شدا طلاق رفت اب اتش را مدد شد همجونفت و من ذلك ترى كثيرا من ذوي الأحلام الفاسدة من ملاحدة الفرق يصرفون بعضا من آيات القرآن لإفصاحه بخلاف ما هم عليه عما هو منطوق الظاهر و يؤولونه بتأويلات خارجة عن قانون النظم و تمحلوا فيه إلى أمور مستبعدة لضرورة تطبيقه لما ذهبوا إليه من مذاهبهم الزائغة عن الاستقامة و إلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى: وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً [الإسراء: 82] قال صاحب الكشاف فإن قلت فلم قيل هدى للمتقين و المتقون مهتدون قلت هو كقولك للعزيز المكرم اعزك اللّه و اكرمك تريد طلب الزيادة إلى ما هو ثابت فيه و استدامته كقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] و وجه آخر و هو أنه سماهم عند مشارفتهم لاكتساء لباس التقوى متقين كقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من قتل قتيلا فله سلبه ثم قال فإن قلت فهلا قيل هدى للضالين قلت لأن الضالين فريقان فريق علم بقاؤهم على الضلالة و هو المطبوع على قلوبهم و فريق علم أن مصيرهم إلى الهدى فلا يكون هدى للغريق الباقين على الضلالة فبقي أن يكون هدى لهولاء فلو جيء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة التي ذكرنا فقيل هدى للمتقين و أيضا فقد جعل ذلك سلما إلى تصدير السورة التي هي أولى الزهروين و سنام القرآن و أول المثاني بذكر أولياء اللّه و المرتضين من عباده أقول الفاآن في السؤالين للتفريع على الكلام السابق القائل في الأول إذا كان الاهتداء معتبرا في مفهوم الهدى كان المعنى هدى للمهتدين فلم قيل كذا و هو استحصال الحاصل و في الثاني إذا كان الكتاب هدى للمشارف للتقوى و هو ليس بمتق بل هو
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 409
ليس بمسلم لما ذكرنا من وجه صحة الحمل على آيات القرآن ثم الفرق بين الجوابين أن معنى الأول أن الهداية الدلالة مطلقا كما اختاره المصنف و هي عامة للمكلفين فذكر في وجه التخصيص أن المتقين لكونهم «1» منتفعين به و مهتدين بهدايته خصوا بالذكر كتخصيص الانذار بمن يخشيها مع أنه عام لكل و حاصل المعنى الثاني أن المراد بالهداية مطلق الدلالة أيضا و المراد بالمتقين الموصوفون بالتقوى «2» حقيقة بالمرتبة الأولى إذ التأمل في الكتاب لا يكون إلا بعد الإيمان به و ما فيه إجمالا و هذا ظاهر من تقريره حيث قال أو لأنه لا ينتفع بالتأمل فيه أي فالوجه الأول بالنسبة إلى المشارفين للتقوى بالمرتبة الأولى و الوجه الثاني بالنسبة إلى الموصوفين بالمرتبة الأولى منها و الهداية في كلا الوجهين بمعنى الدلالة و حقيقة فيهما و من فسر الهداية بالدلالة الموصلة فلا يتوجه عليه الإشكال لأن إيصال الكتاب إلى البغية ليس إلا للمتقين و لا يخفى ما فيه ثم إن الكتاب هاد في جميع المعتقدات بحسب الاعتداد و إن لم يكن هاديا بالنظر إلى ذاته كمعرفة اللّه تعالى و بعض صفاته مما يتوقف ثبوت الشرع عليه و هاد إلى جميع الأحكام العملية عن آخرها.
قوله: (لأنه) أي الكتاب لكونه مشتملا على أنواع المعارف الإلهية و سائر العلوم الاعتقادية و العملية التي هي الغذاء للروح كالغذاء للجسمانية و بهذا ظهر وجه حسن تشبيهه بالغذاء دون الدواء إذ الدواء ليس بغذاء كله فلا مناسبة بينهما الصالح لحفظ الصحة أي الصحة البدنية بحسب جري العادة بطريق السببية فإنه كما كان قوامه بالغذاء كذلك قوام الأرواح بالعلم المأخوذ من الكتاب لكن كون الغذاء سببا صالحا لحفظ الصحة ليس مطلقا بل إذا لم يكن في البدن انحراف عن الاعتدال فإن وجد ذلك الانحراف يضره ذلك الغذاء كما أشار إليه بقوله فإنه لا يجلب و هذا محسوس معروف و كذلك الغذاء الروحاني لا يجلب نفعا ما لم يكن النفس صحيحة سالمة عن العلل و الأمراض النفسانية فإذا كانت النفس مؤوفة بأوساخ الكفر مصرة عليها معرضة عن الأنظار الصحيحة يزداد ذلك الغذاء الكامل التام داء و خسرانا لفساد المحن كما أن الأطعمة النفسية النافعة تضر البدن ضال مصير امره إلى التقوى فكان المناسب أن يقال هدى للضالين فهلا قيل كذا فمحصل الجواب أنه لو قيل هدى للضالين لا و هم أنه هدى لجميع الضالين بفريقهم و ليس كذلك بل هو هدى للفريق الثاني فلئلا يوهم الكلام خلاف المقصود قيل هدى للمتقين على الاختصار الوارد على الطريقة المذكورة في الوجه الثاني من وجهي جواب السؤال الأول و هو أن يسمى المشارف للشيء باسم ذلك الشيء و على كل من الجوابين يكون لفظ المتقين مجازا إما باعتبار زيادة أو باعتبار ما يؤول إليه.
(1) و الحاصل أن تخصيصه باعتبار ثمرتها و أما بالنظر إلى نفسها فقام فلا إشكال.
(2) و عكس بعضهم فقال في الوجه الأول و مبنى هذا الوجه أن المراد بالمتقين الموصوفون بالتقوى و في الوجه الثاني و مبنى هذا الوجه تفسير المتقين بالمشارفين على التقوى انتهى و لا يخفى ضعفه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 410
لاختلال «1» مزاجه فعلم من ذلك التقريران قوله لأن الغذاء لتعليل لما تضمنه قوله أو لأنه لا ينتفع الخ و هو أن الانتفاع بهذا الكتاب يتوقف على الاتصاف بالمرتبة الأولى من التقوى و إلا فلا ينفع بل يضر نظيره في المشاهد الغذاء الخ فأوضح روح اللّه روحه المعقول بالمحسوس و للّه دره.
قوله: (و على هذا) ورد (قوله تعالى: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الإسراء: 82]) ما هو في استصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمريض «2» لكن لا للكل بل لمن له استعداد لذلك و هم المؤمنون و من للبيان فإن كل القرآن كذلك و كونه للتبعيض لا يلائم غرض المص و هذا ناظر إلى قوله ينتفع به من صقل العقل (و قوله تعالى:
وَ لا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ [الإسراء: 82]) أي الكافرين (إِلَّا خَساراً [الإسراء: 82]) لتكذيبهم و كفرهم يثبت قوله لا ينتفع به من كان في طبعه شقاوة و إصرار على التكذيب فالآية الكريمة تدل على شفي ما ادعاه لكن في النظم الجليل عبر بالشفاء بالنسبة إلى المسلمين و المص عبر بالغذاء لما ذكرنا في وجه اختياره فلا يضر ذلك إثبات ما ادعاه إذ الغذاء من قبل الشفاء و الدواء مع زيادة المنافع الكثيرة لمن له صحة.
قوله: (لما لم ينفك) أي لعدم انفكاكه (عن بيان تعين المراد) «3» و المعين إما العقل أو السمع هذا مذهب الشافعي فإنهم قائلون بأن المتشابهات يعلمها الراسخون في العلم و لا يلزم عندهم الوقف على قوله تعالى: إِلَّا اللَّهَ [البقرة: 83] في قوله تعالى: وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران: 7] فإذا وجد البيان الحق بالكتاب فيكون هدى فقول من قال إذا بين ذلك المراد منه لم يكن هدى في نفسه و إنما يكون كذلك لو أفاد ابتداء ما يفيده الكتاب ضعيف جدا بل مخالف لما في الأصول و أما عند الحنفية فلا يعلمها إلا اللّه تعالى و الوقف المذكور عندهم و لو في النية لازم فتوجيه الهداية أنها تهدي إلى أن اللّه تعالى أسرارا يستد بها و لا يعرفها أحد و هذا مما يجب الاعتقاد به فالآية المتشابهة تهدي إلى ذلك و قد مر في أوائل السور ما يتعلق به فارجع إليه و أما القول بأن هذا التوجيه غير صواب لأن ذلك الإيذان ليس من قبيل الهدى فبناء على الحرمان من الهدى و أجيب أيضا بأن كونه هدى يكفي فيه أنه هدى في بيان الشرائع و تأييد لما في العقول و لا يلزم أن يكون هدى كله و لا يخفى عليك أن كونه كذلك و إن سلم لكن لا حاجة إليه هنا لتحقق كونه هدى لما ذكرنا و أما المجمل فلا خفاء في عدم انفكاكه عن بيان تعيين المراد بل لو لم يتعرض له و اكتفى بالمتشابه لكان أسلم و أظهر.
(1) و بهذا التوضيح ظهر ضعف ما قيل و الأقرب تمثيل الهداية إلى المشير إلى الطريق فلا ينتفع بإشارته إلا من كان له عين انتهى إذ المشير إلى الطريق لا يكون مناسبته بهذه المثابة على أنه من قبيل الهادي فيحسن أن يشبه بما ذكر.
(2) فلا يحسن أن يقال إن القرآن بالنسبة إلى غير الأصحاء كالداء لأنه لا يلائم حسن الأدب.
(3) قوله: (و لا يقدح ما فيه من المجمل و المشابه في كونه هدى) القدح الطعن من قدح الزناد و هو ضرب بعضه ببعض و المراد به الاعتراض فإنه ضرب معنوي و هذا جواب سؤال مقدر و تقريرهما ظاهر.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج1، ص: 411
قوله: (و المتقي اسم فاعل) تمهيد لقوله (من قولهم وقاه) أشار إلى أن فاءه واو فتعرض لبيان ثلاثية مع أنه غير متعارف قال في الصحاح اتقى أصله أوتقى فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها و أبدلت منها التاء فأدغمت فلما كثر استعماله على لفظ الافتعال توهموا أن التاء من نفس الكلمة فأزال هذا الوهم بقوله (فاتقى) و نبه على أن فاءه ليس بتاء بل واو و أيضا إشارة إلى أن اتقى مطاوع وقاه و يتعدى إلى المفعولين قال اللّه تعالى: فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا [غافر: 45] الآية فيتعدى اتقى إلى مفعول واحد قال تعالى: فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ [البقرة: 24] الآية و ليس كون المطاوع لازما شرطا إذ معنى المطاوعة قبول الأثر سواء كان متعديا أو لازما فبين اللازم و المطاوع عموم و خصوص من وجه اجتمعا في نحو الانكسار و يتحقق اللازم في نحو ذهب دون المطاوع و بالعكس في نحو اتقى و المطاوع بكسر الواو في الحقيقة هو المفعول به الذي صار فاعلا لكنهم سموا فعله المسند إليه كالانكسار المسند إلى الزجاج الذي هو المطاوع حقيقة مطاوعا مجازا (و الوقاية فرط الصيانة و هو في عرف الشرع).
قوله: (اسم لمن يقي نفسه عما يضره في الآخرة) الأولى وصف لمن يقي نفسه مفعول أول له و قوله عما يضره مفعول ثان له و تعديته بعن لتضمينه معنى التبعيد و لا يبعد أن يكون إشارة إلى أن تعديته بنفسه إلى المفعول الثاني من قبيل الحذف و الإيصال إذ أصل معناه الحفظ و الصيانة كما ثبت في كتب اللغة و هما يتعديان إلى المفعول الثاني بحرف الجر نحو من و عن و هذا هو التحقيق و ما ذكر أولا مبني على الظاهر قوله يقي في بعض النسخ يتقي عما كما اختاره بعض المحشيين لكن مع قوله نفسه و المشهور بإسقاط لفظ نفسه و أشار بقوله في عرف الشرع إلى أنه من قيل نقل العام إلى الخاص كالصلاة و الزكاة.