کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 350
(و التأكيد بما يفيد العموم كقوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: 30]) وجه دلالة التوكيد على العموم هو أنه لو لم يكن تأكيدا لكان ذلك العام تأسيسا و إجماع النحاة على تأكيديته (و استدلال الصحابة بعمومها شائعا و ذائعا) هذا إثبات المدعي بالإجماع و في التوضيح و لتمسكهم بقوله عليه السّلام الأئمة من قريش لما وقع الاختلاف بعد رسول اللّه عليه السّلام في الخلافة و قال الأنصار منا أمير و منكم أمير تمسك أبو بكر رضي اللّه تعالى عنه بقوله عليه السّلام الأئمة من قريش و لم ينكره أحد انتهى. فكان إجماعا على ذلك.
قوله: (فالناس) تفريع لما قرره من اسم الجمع المعرف باللام للعموم حيث لا عهد و المعنى فالناس في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] لكونه اسم جمع محلى باللام و لا قرينة على العهد مطلقا (يعم الموجودين وقت النزول لفظا) تمييز عن النسبة في قوله يعمه أي يعم لفظه جميع الموجودين و جميعهم يكونون مأمورين بالعبادة و لا كلام في العموم و إنما الكلام في عموم الغائبين عن مهبط الوحي فالظاهر أنه تغليب في الخطاب.
قوله: (و من سيوجد) أي يعم الناس من سيوجد أيضا لكن لا لفظا بل (لما تواتر من دينه عليه الصلاة و السّلام أن مقتضى خطابه و أحكامه شامل للقبيلين ثابت إلى قيام الساعة) أي عموم الناس للمعدومين الذين سيوجدون ليس لفظا بل لدليل و هو ما تواتر الخ. و لم يرد المصنف أن شمول الخطاب للمعدومين بعبارة النص و هو ظاهر حيث جعله مقابلا لقوله لفظا و لا بطريق دلالة النص لقوله لما تواتر الخ. فلا وجه للاعتراض بأنه مخالف لما تقرر في أصولنا و أصول الشافعية من أن ما وضع لخطاب المشافهة نحو يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] ليس خطابا لمن بعدهم و إنما يثبت حكمه بدليل آخر من إجماع أو نص أو قياس و إما بمجرد الصيغة فلا فالقول بعموم الخطاب للمعدومين عبارة أو دلالة ليس مذهبنا و مذهب الشافعي و إن ما تواتر من دينه عليه السّلام من شمول مقتضى خطابه و أحكامه لهم لا يدل على ذلك اعلم أن الإيجاب قديم و هو حكمه تعالى في الأزل أنه إذا بلغ زيد يجب عليه ذا كذا في التوضيح فخطاب المعدوم واقع و تكليفه مقرر عند الأشاعرة لا بمعنى أن التكليف و الطلب وقت الإيجاب بل بمعنى أنه طلب وقت وجود المأمور فلا ريب في كونه ممكنا ألا يرى أن خطاب التكوين بالكلام الأزلي القائم بذاته تعالى تعلقه بالمعدوم قد اختاره بعض أئمة الأصول منهم الإمام فخر الإسلام فما المانع من جوازه في الخطاب التكليفي ثم الأوامر اللفظية الدالة على وجوب الأداء فالظاهر أنها تعم الموجودين و المعدومين إما حقيقة كما ذهب إليه البعض حيث قال و الظاهر أنه حقيقة و ألا يكون جميع ما في القرآن من الخطاب مجازا و لا يخفى بعده عن ساحة التنزيل انتهى. أو مجاز كما هو الحق إذ لفظ الخطاب موضوع لمعين فضلا لموجود كما صرحوا به في عامة كتبهم فاستعماله في الغير المعين مجاز فما ظنك في استعماله في المعدوم الصرف و لا بعد في اعتباره في ساحة التنزيل لمحافظة قواعد العربية التي نزل القرآن عليها ألا يرى أن الاستفهام
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 351
و غيره مما يستحيل في شأنه تعالى محمول على المجاز في عامة المواضع إذا لم يحك عن غيره تعالى للمحافظة المذكورة و القول بأنه ليس خطابا لمن بعدهم و إنما يثبت حكمه بدليل آخر من إجماع أو نص أو قياس لا يخلو عن كدر أما أولا فلأنه يلزم منه أن لا يكفر جاحد الوجوب مثلا على المعدومين لعدم القاطع أما في القياس فظاهر و أما في الإجماع فشرطية كونه قطعيا في كل موضع إثباته مشكل و كذا المراد بالنص و لا محيص عن هذا الريب إلا بالقول بالعموم إما عبارة أو بدلالة النص و أما ثانيا فلأنه يوهم أن الرسول عليه السّلام لم يكن مرسلا إليهم و إن أمكن دفعه بأن التبليغ لا يتعين أن يكون مشافهة فيكفي أن يحصل للبعض شفاها و لمن بعدهم بأدلة تدل على أن حكمهم حكمهم لكنه تكلف و يؤيد ما ذكرنا قول المحقق التفتازاني القول بعموم الشفاهي و إن نسب إلى الحنابلة ليس ببعيد و نقل عن الشارح العلامة الشيرازي أنه المشهور حتى قالوا إن الحق أن العموم علم بالضرورة من الدين المحمدي و هو الأقرب و قول العضد إن إنكار عدم قول يا أيها الناس للمعدومين مكابرة حق لو كان الخطاب للمعدومين خاصة أما إذا كان للموجودين و المعدومين على طريق التغليب فلا و مثله فصيح شائع و كل ما استدل به على خلافه ضعيف انتهى. و يرد على العضدية أنه لو تم ما ذكره لكان إنكار عدم قول يا أيها الناس للغائبين من الموجودين مكابرة و لم يقل به أحد بل اتفقوا على عموم يا أيها الناس للغائبين تغليبا فما المانع من عمومه للمعدومين على التغليب و لو قيل إنهم لم يصلحوا أن يطلبوا بطلب أشياء منهم لعدم فهم الخطاب أجبنا بما مر توضيحه من أن الطلب وقت وجوده لا وقت التكليف و قد صرح في المواقف كون المعدوم مأمورا بالكلام الأزلي فبين كلاميه منافاة ظاهرة و الحق ما في المواقف و إن ناقش فيه قدس سره في شرح المواقف و قد أجبنا عنها بعونه تعالى في بعض تعليقاتنا فعلم مما ذكرنا أن الخطاب للمعدوم الصرف جائز بل واقع بلا تغليب فضلا بالتغليب قوله و لما تواتر بكسر اللام و تخفيف الميم الموصولة أو الموصوفة قوله إن مقتضى خطابه بيان لما بتقدير الجار قوله من دينه متعلقا بتواتر و الظاهر أنه بمعنى في.
قوله: (إلا ما خصه الدليل) كالصبي و المجنون فإنهما لم يصلحا لمثل هذا الخطاب الآمر بالعبادة و أما صلاحية المعدوم للخطاب لاعتبار البلوغ و العقل كما أشار إليه صاحب التوضيح فالقول بأن الصبي و المجنون لما لم يصلحا لمثل هذا الخطاب فالمعدوم أولى ضعيف.
قوله: (و ما روي عن علقمة و الحسن) مبتدأ خبره جملة إن صح رفعه و الواو استئناف إشارة إلى سؤال يرد على قوله فالناس يعم الخ أو إلى سؤال يرد على الاستثناء كما قيل (إن كل شيء) أي إن كل حكم و خطاب بقرينة أن الكلام في الأحكام فيخصص الشيء العام بالخطاب و الأحكام (نزل فيه يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] فمكي و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] فمدني) «1» قوله (إن صح رفعه) أي لاءم رفعه إلى النبي عليه السّلام فلا
(1) قيل أخرج الحاكم في مستدركه و البيهقي في دلائله و البزار في مسنده من طريق الأعمش عن إبراهيم عن-
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 352
يقوم قول التابعي حجة علينا و لو سلم رفعه إلى النبي عليه السّلام غايته أنهما لم يسندا إليه عليه السّلام إما لحسن الظن بهما أو لأن ذلك المروي مما يعلم بالوحي و لا يتعلق بالرأي فلظهور الرفع إليه عليه السّلام لم يتعرضا له (فلا يوجب تخصيصه بالكفار) بل يعمهم و المؤمنين فإن أهل مكة ليسوا كلهم كافرين حينئذ فلا ينافي هذه الرواية قولنا فالناس يعم الخ أو الاستثناء (و لا أمرهم) عطف على تخصيصه أي و لا يوجب أيضا أمر الكفار (بالعبادة) حال كفرهم إذ عنوان الكفار يدل على ذلك حتى يقال إنه باطل بالاتفاق لأنه لا قضاء عليهم بعد الإيمان و إنما يؤاخذون بترك اعتقاد فرضيته و وجوبه و إنما الخلاف في أنهم هل يعذبون بترك الفروع كما يعذبون بترك الأصول أم لا فذهب مشايخنا العراقيون «1» و الأئمة الشافعية إلى أن أداء العبادات واجب عليهم بشرط تقديم الإيمان و يعاقبون بتركها و عند أكثر مشايخنا لا يجب عليهم أداء الفروع و التفصيل في علم الأصول و في قوله فلا يوجب تخصيصه الخ. رد على الكشاف حيث قال مفرعا على ما نقله عن علقمة و الحسن فقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] اعبدوا خطاب لمشركي مكة انتهى. فاستدل بهذا المروي على اختصاص هذه الآية بالكفار فدفعه المصنف بما ذكره قيل و المراد بالرفع في قوله إن صح رفعه اتصال سنده بمن ذكره لأن الناقل لا يلزمه غير تصحيح نقله فالرفع بمعناه اللغوي أو تجوز انتهى. و المعنى الاصطلاحي هو المراد هنا لما بينا من أن ذلك المروي مما يعلم بالوحي الخ نقل عن القرطبي ما حاصله أن المكي ما وقع خطابه لأهل مكة و إن قوله: إن صح رفعه أي رفعه إلى النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يوجب تخصيصه أي تخصيص الناس بالكفار لأن كونه مكيا لا يوجب كون الخطاب موجها إلى من في مكة من الناس دون غيرهم و إن سلم فلا يوجب التخصيص أيضا لأن منهم من هو مؤمن خالص و لا يوجب أيضا أمر الكفار بالعبادة لأن المأمور به أي الذي أمر به ليس إحداث العبادة فقط بل هو أمر عام لزيادتها و إدامتها فإن اعبدوا على ما مر أمر للكفار بإحداث العبادة ابتداء و للمؤمن أمر بالمحافظة و الدوام عليها أو ازديادها و للمنافق بالاخلاص في الإيمان فمعنى خطاب الكفار باعبدوا آمنوا و اعبدوا فإن الأمر بالشيء يتضمن الأمر بما يتوقف هو عليه أيضا كما إذا أمر المحدث بالصلاة كان في ضمنه أمر بالتوضي أيضا و لعل كلامه هذا جواب عما يرد على ظاهر الآية من أنه يلزم منه أن يكون الكفار مكلفين بالفروع و هو خلاف المذهب الأصح و هذه مسألة أصولية و هي أن وجوب الشيء مطلقا يوجب وجوب ما لا يتم إلا به و كان مقدورا قيل فيه خلاف فمن قال المعارف ضرورية قال الأمر بالعبادة للكافر جائز و من قال إنها غير ضرورية قال الأمر للكافر بالعبادة أمر بما هو متمماتها فيستلزم الأمر بالمعرفة فاسترجح المص رحمه اللّه القول الثاني و أشار إليه بقوله فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم إلا به.
- علقمة عن عبد اللّه قال ما كان يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] أنزل بالمدينة و ما كان يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] أنزل بمكة أخرجه أبو عبيد في الفضائل عن علقمة مرسلا كذا في الاتقان.
(1) و من هذا البيان يعلم ما في بيان مولانا خسرو من القصور.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 353
كان نفسه نازلا بالمدينة و المدني بالعكس و هذا أحسن ما قيل هنا و قيل هذا الكلام أكثري لا كلي و هو تكلف فيندفع الإشكال بأن هذه السورة مدنية و فيها يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 20] و سورة الحج مكية و فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ [البقرة: 104] و من السور ما فيه يا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة: 21] و يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 104] و ادعاء تكرير النزول تعسف و لعل لهذا الاضطراب من ذوي الألباب لم يرض المصنف بهذه الرواية أولا ثم أشار إلى أنه إن صح ذلك فمحمول على تأويل مثل ما قرره القرطبي لا أن المراد بالمكي ما هو المشهور في اصطلاحهم و كذا المدني فلا تغفل «1» .
قوله: (فإن المأمور به هو المشترك بين بدء العبادة و الزيادة فيها) على العبادة عبادة أيضا فما وجه المقابلة و لعل وجهه أن مفهوم الزيادة داخل في المعنى المستعمل فيه مثلا صلاة اليوم عبادة مع ملاحظة كونها زائدة على صلاة الأمس و إلا فهي صلاة على حالها و كذا الصوم اللاحق و الزكاة اللاحقة فإنهما مفهوم الزيادة داخل فيهما فح يكون استعمال العبادة فيها مجازا فيلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز و هو جائز عند المص و إن لم يعتبر مفهوم الزيادة داخلا فيها فهي حقيقة لما بينا من أنها عبادة على حيالها و هذا الاعتبار هو المناسب للأئمة الحنفية «2» و لعل اعتبار المص الزيادة ليحسن التقابل بينه و بين قوله بدء العبادة أي لإنشاء العبادة غير مسبوقة بعبادة أخرى كما في الكفار و أما في المؤمنين فالمطلوب الثبات و الزيادة على عبادة تعبد بها قبل هذه العبادة مع أنها عبادة أخرى حسب تكرر أسبابها و قد تقدم في سورة الفاتحة في قوله اهْدِنَا [الفاتحة: 6] مزيد تفصيل لهذا المرام بعون اللّه الملك العلام فإذا تقرر ذلك ظهر أن السؤال بأن توجيه الخطاب إلى المؤمنين العابدين غير صحيح لما فيه من تحصيل الحاصل سخيف جدا و أغرب منه ما قيل في جوابه من أنه المطلوب من المؤمنين ليس إيقاع أصل العبادة في المستقبل بل ازديادها و ثباتها إذ قد عرفت أن العبادات تتكرر بتكرر أسبابها فالمطلوب إيقاع العبادات في كل حين بتكرر الأسباب غايتها أنها زائدة على العبادات المتقدمة و قيل و ليس شيء من مفهوم الابتداء و الزيادة و المواظبة داخلا في مفهوم اعبدوا بل خارج يفهم من القرائن فلا جمع بين الحقيقة و المجاز بل اللفظ مستعمل في القدر المشترك انتهى. و يرده تعرض المصنف
(1) أحدها أن ما نزل قبل الهجرة فمكية و ما نزل بعدها فمدنية و ثانيها أن ما نزل بمكة فمكية و ما نزل بمدينة فمدنية و حينئذ يثبت الواسطة بينهما و ثالثها ما هو خطاب لأهل مكة فمكية و ما هو خطاب لأهل مدينة فمدني كذا قيل و عدم تمشي الأولين ظاهر الثالث فلأن الحكم أيضا ليس بمختص لأنه يحمل على أنه جل المقصود به أهل مكة في الأول و أهل المدينة في الثاني ط.
ط قيل إن للمكي و المدني ثلاثة معان و لا يتمشى واحد منها هنا انتهى و جوابه ما ذكر في أصل الحاشية و قال هشام بن عروة عن أبيه كل سورة فيها قصص الأنبياء عليهم السّلام و الأمم الخالية و العذاب فهي مكية و كل سورة فيها فريضة أوحد مدنية انتهى و الظاهر أنه مأول و إلا فعدم اطراده ظاهر.
(2) فيه تعريض لمولانا أبي السعود حيث تعرض للزيادة مع أنه من الأئمة الحنفية المنكرين جواز الجمع بين الحقيقة و المجاز.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 354
للزيادة فيها و المتبادر كون مفهوم الزيادة داخلا فيكون مجازا نعم لما ذكره وجه في الجملة كما أوضحناه قوله في القدر المشترك إشارة إلى أن العبادة و هي غاية الخشوع و التذلل مشترك بينهما اشتراكا معنويا لا لفظيا و هو كذلك لكن إذا اعتبر في مفهومها الزيادة داخلا كان مجازا.
قوله: (و المواظبة) أي الثبات (عليها) و الثبات على الشيء زيادة عليه في كل ساعة من جهة الاعداد كما صرح به الفاضل الخيالي في تحقيق زيادة الإيمان فيكون عطف تفسير لكن الزيادة لا تستلزم الثبات «1» و لو عكس في العطف لكان أشمل.
قوله: (فالمطلوب من الكفار هو الشروع فيها) تفريع على كون المأمور به مشتركا بينهما هو الشروع فيها أي في العبادات و هو الذي أراد بقوله بدء العبادة قوله (بعد الإتيان بما يجب تقديمه) تنبيه على أن المراد بالعبادة المأمور بها أعمال الجوارح بنية التقرب و الداعي لهذا التخصيص هو أن الإيمان ثبت وجوبه بالأوامر الواردة في حق الإيمان خاصة فالأولى حمل مثل اعبدوا على الأمر بأعمال الجوارح و في كلامه بما يجب تقديمه من المعرفة إشارة إليه فإنه يومي إلى أن الأمر بالإيمان مقدم على الأمر بالعبادات لأنه في نفسه يجب تقديمه عليها قوله فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب الخ. لم يرد به أن وجوب الإيمان ثبت في ضمن وجوب الفرع بل أراد ما ذكرناه من أن وجوب الإيمان ثابت بالأوامر الواردة فيه فلا يراد أن الإيمان أصل العبادات فكيف يثبت تبعا لوجوب الفرع و في التلويح إشارة إلى بعض ما ذكرناه و قول الشريف قدس سره في جواب اعتراض بأن الإيمان أصل العبادات كلها فلو وجب بوجوبها لا نقلب الأصل تبعا أن الأصالة بحسب الصحة لا تنافي التبعية في الوجوب على أنه قد أوجب أيضا استقلالا بدلائل أخر و الجمع بينهما آكد في إيجابه ليس بشيء إذ التبعية في الوجوب يقتضي أن لا يجب استقلالا و إلا فما معنى التبعية في وجوب ما يجب أصالة و استقلالا و التأكيد حاصل بدلائل مستقلة فلا وجه للجمع بينهما للتأكيد و أيضا يوهم كلامه أن الفروع تجب أولا ثم الإيمان ثانيا كما هو مقتضى التبعية و لم يقل به أحد بل أول ما يجب المعرفة أو النظر كما هو مقرر في محله فالصواب ما ذكره في حيز العبادة مع إسقاط قوله و الجمع بينما آكد و لم يتعرض لذكر المنافقين صريحا لأن الكفار إذا ذكرت بدون مقابلة المنافقين تعم المنافقين في استعمال الشرع.
قوله: (من المعرفة و الإقرار بالصانع) أي التصديق اليقيني المعبر عنه بكر و يدن فلا يفيد مطلق المعرفة بدون إذعان و لا يفيد أيضا إذا قارنت أمارة الإنكار و الإقرار بالصانع و المختار عند المص كون الإقرار باللسان ركنا من الإيمان كما أفاده في قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3] الآية. و عن هذا تعرضه قوله بالصانع متعلق بالمعرفة و الإقرار تنازعا و التخصيص لأنه أصل المؤمن به فيدخل فيه سائر المؤمن به جميعا فإن تلك المعرفة و ذلك
(1) مثلا الحج زيادة على العبادة للأغنياء و لا يلزم الثبات.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 355
الإقرار إنما يعتد بهما حين تحقق التصديق بسائره لأن من آمن ببعض و كفر ببعض فهو كافر حقا فلا وجه لاعتراضه قدس سره بأن مجرد معرفة اللّه تعالى و الإقرار به ليس كافيا في صحة العبادة (فإن من لوازم وجوب الشيء وجوب ما لا يتم الآية).
قوله: (و كما أن الحدث) و لو أكبر غير الحيض و النفاس (لا يمنع وجوب الصلاة) بل يمنع صحة أدائها (فالكفر) مطلقا و لو منافقا (لا يمنع وجوب العبادة) بل يمنع نفس العبادة و أراد المص بهذا نقضا على من ذهب إلى أن الكفار ليسوا مخاطبين بالفروع من بعض الحنفية بأنه لا فرق بين المحدث و الكافر فكما أن الحدث الذي يمنع صحة الأداء لا ينافي وجوب أدائه لأنه مشروط بإزالته فكذا الكفر يجب أن لا يمنع وجوب أدائها بشرط إزالته و جوابهم في الفرق بينهما بأن الإيمان أصل و أساس فكيف يثبت شرطا و تبعا لغيره ليس بشيء لأنك قد عرفت أن الإيمان ثبت وجوبه بدليل آخر استقلالا و ثمرة هذا النزاع في حق المؤاخذة في الآخرة فالشافعية يقولون إنهم مؤاخذون بترك العبادات كما يؤاخذون بترك اعتقاد وجوبها و نحن نقول إنهم يعاقبون على ترك اعتقاد وجوبها دون ترك أدائها و أما في الدنيا فيظهر في الزكاة فإنها تجب على غنى أسلم و قد حال عليه الحول بعد مضي الحول و كذا الحج على من استطاع إليه سبيلا ثم أسلم عاجزا عند الفريق الأول دون الثاني كذا قاله البعض من محشيي الأصول (بل يجب رفعه).
قوله: (و الاشتغال بها عقيبه) أي بالعبادات المطلقة لا العبادات الواجبة حال الكفر لما مر مرارا من أنه لا يجب عليهم قضاء العبادات بعد الإيمان بالاتفاق فلو كان المراد العبادات الواجبة حال الكفر لكان القضاء واجبا عليهم و لم يقل به أحد و بعد ظهور المراد المناقشة في العبارة ليس من شأن العلماء المنصفين.
قوله: (و من المؤمنين) أي المطلوب من المؤمنين عطف على الكفار (ازديادهم و ثباتهم عليها) فيه تأييد لما ذكرنا من أن مفهوم الزيادة معتبر في العبادات الواجبة على قوله: و من المؤمنين عطف على من الكفار أي و المطلوب من المؤمنين ازديادها و ثباتهم عليها قال صاحب الكشاف المراد بعبادة المؤمنين ازديادهم منها و اقبالهم عليها و أما عبادة الكفار فمشروط فيها ما لا بد لها منه و هو الإقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة شرائطها من الوضوء و النية و غيرهما و ما لا بد منه و هو الاقرار كما يشترط على المأمور بالصلاة الخ للفعل منه فهو مندرج تحت الأمر و إن لم يذكر حيث لم ينفعل إلا به و كان من لوازمه على أن مشركي مكة كانوا يعرفون اللّه و يعترفون به وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزخرف: 87] ثم قال فإن قلت فقد جعلت قوله اعبدوا متناولا شيئين معا الأمر بالعبادة و الأمر بازديادها قلت الازدياد من العبادة عبادة و ليس شيئا آخر قال الطيبي و ههنا بحث و هو أن اللفظ إذا أطلق و هو محتمل المعنيين فلا يخلوا إما أن يطلق على حقيقتين مختلفتين كاللفظ المشترك أو على إفراد حقيقة واحدة كالجنس أو على حقيقة و مجاز أما في القسم الأول و الثالث فلا يجوز إرادتهما معا فبقي الثاني و هو المراد بقوله الازدياد من العبادة عبادة و ليس شيئا آخر لأن تلك الزيادة أيضا عبادة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج2، ص: 356
المؤمنين كما أوضحناه آنفا فإن قيل المؤمن غير متلبس بجميع العبادات فيصح منه طلب العبادات في الجملة قلنا إن المص أشار إلى أن العبادة المأمور بها العبادة التي أمر المكلف بها بخصوصها كالصلاة و الصوم و الزكاة فإنها وجبت بأمر مستقل على التعيين مثل قوله تعالى: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ [البقرة: 43] الآية و قوله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة: 185] الآية فأمر اللّه تعالى في هذه الآية على الإجمال بأداء العبادات المعينة المفروضة قبل نزول هذه الآية تقريرا و تأكيدا لها فالمطلوب من المؤمنين أداء ما وجب عليهم و هم متلبسون به فيكون ذلك الأداء زيادة على ما تعبدوا به قبله و إن كان عبادة على حالها كما عرفت و أما ما لم يتلبس المؤمن به بعد فلا يشمل هذا النظم الجليل فإن العبادة بخصوصها ليست بواجبة بهذا النظم الشريف لعدم التصريح به و لو قيل إنها واجبة به لكان تكليفا بالمحال فالعبادة إنما تجب بأمر متعلق بها بخصوصها فالتي لم تجب بعد لا يتناوله هذا النظم الكريم فلا يصح طلبه منهم بهذا النظم الجليل و بهذا البيان اتضح أن هذه الآية لا تدل على فرع و حكم مخصوص يعينه و لا على وجوبه فضلا عن وجوب الإيمان تبعا له و بهذا التحقيق لم يتعرض أرباب الحواشي برمتهم لما عرفت و إنما أخر المؤمنين و قدم الكافرين لأن الأهم بدء العبادة و الكفار غافلون عنها و المؤمنون عارفون بها و هم بالأمر و التأديب أحق من المؤمنين.