کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 412
قوله: (و اعمل مخرج لأنه حكاية مستقبل كما أعمل باسط ذراعيه) و هي وقت التدارء (لأنه) كما جاء (حكاية الحال الماضية) جاء حكاية الحال المستقبلة «1» و إن كان الأول أشهر و في الكشاف فإن قلت كيف أعمل مخرج و هو في معنى المضي قلت قد حكي ما كان مستقبلا في وقت التدارء كما حكى الحاضر في قوله تعالى: باسِطٌ ذِراعَيْهِ [الكهف: 18] قيل و فيه نظر لأنه لا داعي هنا إلى اعتبار الحكاية في الاستقبال و الحال لا يراعى فيه حال التكلم بل حال الحكم الذي قبله و هو التدارؤ و هو بالنسبة إليه مستقبل فانظر وجهه لعل وجهه أن التدارء و الإخراج كلاهما ماضيان في وقت النزول فينبغي أن لا يعمل مخرج لكونه ماضيا كما في الكشاف أو نقول إنه في مثل هذا يراعى حال المتكلم و الإخراج وقع بعد التكلم و بعد التدارء.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 73]
قوله: (عطف على ادارأتم) و العطف بالفاء لإفادة التسبب و أما التعقيب فلا يظهر إلا بعناية و جملة القول خبرية و إن كان المقول إنشائية.
قوله: (و ما بينهما اعتراض) و فائدته التنبيه على أن كتمان القاتل لا ينفعه أو تقريعهم على الاختصام الباطل لأنه لا فائدة فيه و اللّه مخرج لا محالة أو تعجيل المسرة إليهم بأن اللّه تعالى يرفع التخاصم بينهم بإخراجه (و الضمير للنفس و التذكير على تأويل الشخص أو القتيل).
قوله: (أي بعض كان) حمل الإضافة على الجنس إذ لا قرينة على عهدية و أيضا فيه إظهار القدرة على الوجه الأكمل و أيضا فيه تنبيه على أنه لا مدخل لخصوصية العضو في ذلك.
قوله: (و قيل بأصغريها) أي القلب و اللسان لأنهما أشرف الأعضاء (و قيل بلسانها و قيل بفخذها اليمنى و قيل بالأذن و قيل بالعجب) بالفتح و الضم ثم السكون أصل الذنب مرض الوجوه الباقية إذ لم يرد به نقل صحيح مع أن النظم الجليل لا يدل عليه و أن رواية الآحاد في مثل هذا غير مفيدة غاية الأمر أن الترجيح بالدراية فقد عرفت رجحان الأصغرين و وجه رجحان العجب و هو العظم بين الإليتين أنه أول ما يخلق و آخر ما يبلى.
قوله: و أعمل مخرج الخ يعني أن كل واحد من مخرج و باسط اسما فاعل قد اعملا عمل النصب لكن مخرج حكاية لما كان مستقبلا في وقت و باسط حكاية للماضي الحاضر وقت بسط الكلب ذراعيه فقد اشتركا في أن كلا منهما ماض و حكاية وقت النزول و فائدتهما استحضار الصورة العجيبة الشأن في مسامع السامعين تعجيبا فمعنى قوله حكاية مستقبل وقت التدراء و إلا فهو ماض عند نزول الآية.
قوله: و قيل بالعجب بالفتح و سكون الجيم و هو العظم بين الإليتين و هو أصل الذنب قيل العجب أمره عجب و هو أول ما يخلق و آخر ما يخلق.
(1) أي حكاية حال مستقبل بالنسبة إلى التدارء فقوله و هو وقت التدارء فيه مسامحة أي في وقت التدارء.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 413
قوله: (يدل على ما حذف) و فيه إشارة إلى أن ما ذكر دليل على لفظ ما حذف و ذلك اللفظ المحذوف يدل على معناه بإحدى الدلالات الأربع كما صرح به في التوضيح في أواخر بحث اقتضاء النص.
قوله: (و هو فضربوه فحيي) فإن قوله أضربوه أمر بالضرب و قوله كذلك إشارة إلى الحياة الحاصلة للقتيل بواسطة الضرب فينبغي أن الضرب و الحياة مرتبان على الأمر بالضرب ليصح أن يشار إليهما بقوله كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] و هذا مراد المحقق التفتازاني بقوله يعني أن حذف ضربوه المعطوف على قلنا شائع مقرر في الفاء الفصيحة في فحيي و هنا قد حذف الفاء الفصيحة مع المعطوف بها بدلالة قوله: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] يعني أن فحيي في حكم المذكور لقوة دلالة قوله كذلك عليه حيث جعل الاحياء فيه في حكم المحسوس الذي تصح الإشارة إليه الحسية فعومل معاملة المذكور و جعل فاؤه فصيحة و به يظهر ضعف ما قيل إن ذلك على تقدير أن يكون فحيي مذكورا و ضربوه محذوفا و أما إذا حذفا معا فالفاء سببية محضة و فيه إشارة إلى أنه كأنه وقع الامتثال بمجرد الأمر من غير أن يكون للضرب تأثير في حياة القتيل لأنها كانت بمحض خلق اللّه تعالى و بقدرته الباهرة فإنها من الخوارق فلا يكون للضرب تأثير و لو كسبا كما أشار إليه بقوله و إنما لم يحيه ابتداء الخ.
قوله: (و الخطاب مع من حضر حياة القتيل) و كثيرا ما يستعمل الخطاب بلفظة مع و حقه اللام لتضمنه معنى التكلم فالمعنى أن التكلم بقوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] مع من حضر حياة القتيل من بني إسرائيل أي يكون الكلام خطابا لهم و ضمير يريكم و لعلكم لهم و أما حرف الخطاب في ذلك فخطاب «1» لمن يتلقى الكلام قوله: و هو فضربوه فحيى يعني أن فحذف ضربوه المعطوف على قلنا أشائع مقرر في الفاء الفصيحة مع المعطوف بها الذي هو ضربوه فجيء بدلالة قوله كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة:
73] مع الإشارة إلى أن حياة القتيل بمحض خلق اللّه و لا تأثير فيها للسبب الذي هو الضرب ببعض البقرة كما قيل بالعجمى:
أو مسبب محدر سدهر خير سر
نيست أسباب وسائط را اثر
على ما قال رحمه اللّه و إن المؤثر في الحقيقة هو اللّه تعالى أو أسباب أمارات لا أثر لها.
قوله: و الخطاب مع من حضر حياة القتل أو نزول الآية فعلى الأول تكون هذه الآية داخلة في حيز القول و على الثاني لا.
(1) قيل و مقتضى كلام المصنف أن المخاطب في الآية مطلقا إما من حضر حياة القتيل أو من حضر نزول الآية من غير تفرقة بين الخطابين و الأولى أن يقال إن ذلك بمعنى ذلكم و المخاطب بقوله تعالى:
كَذلِكَ و بقوله: وَ يُرِيكُمْ و لعلكم واحد قال الرضي قد يستعمل ذلك بمعنى ذلكم كقوله تعالى:
ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ انتهى كأنه لم يطلع على ما نقل عن المصنف في بعض منهواته.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 414
و لكل من يصلح أن يخاطب و يسمع هذا الكلام لأن أمر الإحياء عظيم يقتضي الاعتناء بشأنه أن يخاطب به كل من يسمع منه الاستماع فيدخل هؤلاء دخولا أوليا و يدل عليه قوله وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ [البقرة: 73] و على التقدير الأول لا بدّ من تقدير القول قبل ذلك ليرتبط الكلام بما قبله أي قلنا لهم كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] بخلاف ما إذا كان الخطاب لمن حضر نزول الآية في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم فإنه ينتظم بدونه بل معه يخرج الكلام من الانتظام و هذا حاصل ما نقل عن المصنف في منهواته كما قيل فعلى هذا لا يرد الإشكال بأن الأنسب ذكره بعد يعقلون لما عرفت من أن بني إسرائيل يدخلون فيه دخولا أوليا و حاصل المعنى قلنا لهم كما أحيى اللّه تعالى عاميل يحيي اللّه الموتى يوم القيامة على أن يكون استئنافا جوابا عما يقال ماذا قال اللّه تعالى عند رؤيتهم هذه الآية و فيه دلالة على أن موسى عليه السّلام أخبر قومه بحشر الأجساد في يوم الميعاد و أن الموتى يبعثون من قبورهم فما ذكره الشارح الأصفهاني للطوالع من قوله و أما الأنبياء الذين سبقوا على نبينا محمد عليه السّلام فالظاهر من كلام أممهم أن موسى عليه السّلام لم يذكر المعاد البدني و لا أنزل عليه في التورية لكن جاء ذلك في كتب الأنبياء الذين جاؤوا بعده حزقيل و قيل شعيا عليهما السّلام و لذلك أقر اليهود به انتهى فسهو عظيم أما أولا فلما عرفت من هذه الآية من خلافه و ما عداها من الآية الدالة على أن موسى ذكر المعاد البدني لهم كثيرا جدا و أما ثانيا فلأن الأنبياء عليهم السّلام كلهم متفقون على أصول الدين فيلزم منه أنهم ذكروا لقومهم المعاد البدني الذي هو أهم المعتقدات فكيف يقال إن صاحب التورية لم يذكر ذلك فإن هذا القول يوهم اختلافهم في باب الاعتقاديات و لا ريب في بطلانه.
قوله: (أو نزول الآية) عطف على حياة القتيل أي و التكلم مع من حضر نزول الآية «1» من منكري البعث في زمن الرسول عليه السّلام فحينئذ لا يقدر القول كما عرفت و هذا الاحتمال لا يلائم قوله تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ الآية و لعل لهذا أخره و ضعفه بل لا يلائم قوله وَ يُرِيكُمْ آياتِهِ [البقرة: 73] إذ الظاهر أنه من الإراءة و هي مختصة بمن حضر حياة.
قوله: (دلائله على كمال قدرته) أي على إحياء الموتى خصوصا و على كمال «2» علمه فالتخصيص بكمال قدرته من مقتضيات المقام روي أنه لما ضرب قام بإذن اللّه تعالى و أوداجه تشخب دما فقال قتلني ابنا عمي فلان و فلان فسقط ميتا فأخذا و قتلا و لم يورثا قاتل بعد ذلك كذا في الكشاف قيل فعلى قول من قال إنهم مكثوا أربعين سنة ثم ذبحوا أن اللّه تعالى حفظ القتيل عن البلاء و الفناء أو أعاد اللّه تعالى هكذا بعد البلاء
(1) فإن قلت فعلى هذا لا دلالة على أن موسى ذكر المعاد البدني قلنا هذا احتمال ضعيف على أن الاحتمال الأول يدل عليه و هو كاف لنا و الإمام الرازي و صاحب اللباب تعرضا للاحتمال الأول على أن لنا دليلا على ذلك في مواضع شتى بحيث لا يحتمل غيره أصلا.
(2) بل على وجوب وجود الصانع و على صدق موسى عليه السّلام فهي و إن كانت آية واحدة لكنها في حكم آيات فلذا جمعت.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 415
و هذا الأخير هو الملائم لقوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73].
قوله: (لكي يكمل عقلكم) أوله به لأن أصل العقل موجود محقق لا يترتب على رؤية الآيات بل رؤية الآيات على وجه يؤدي إلى العلم بها مترتبة على أصل العقل و كماله متفرع على معرفته فبهذه القرينة أوله به فهو منزل منزلة اللازم قوله (و تعلموا أن من قدر على إحياء نفس قادر على إحياء الأنفس كلها) لتفرعه على كمال العقل و هذا إذا أريد بالعقل القوة المدركة بالأمور الكلية و المراد به العقل بمعنى الإدراك فحينئذ إما منزل منزلة اللازم كناية عنه متعلقا بمفعول مخصوص دلت عليه قرينة كقول البحتري:
شجو حساده و غيظ عداه
أن يرى مبصر و يسمع
و قد بين في المطول و الحاصل أن تعقلون نزل منزلة اللازم أي تعقلون يصدر منكم الإدراك بلا تعلق بمفعول مخصوص ثم جعل كناية عن الإدراك المتعلق بمفعول مخصوص و هو أن من قدر على إحياء نفس الخ بادعاء الملازمة بين مطلق الإدراك و إدراك أن من قدر الخ فذكر الملزوم و أريد اللازم على طريق الكناية و فيه مبالغة جدا حيث أشعر ذلك أن من قدر على إحياء نفس قادر على إحياء الأنفس كلها قد بلغ في الظهور إلى حيث يكفي فيه مجرد أن يكون ذو إدراك و لا يخفى أن هذا يفوت عند ذكر المفعول أو تقديره أو يقدر له مفعول كما قال و تعلمون أن من قدر الخ و أنت تعلم أن الأول هو المعول عليه.
قوله: (أو تعملون على قضية) أي تعملون بمعنى تعلمون مجاز عما تعملون إذ العلم سبب للعمل و الداعي إلى التعبير عنه به التنبيه على أن العلم بلا عمل كلا علم و التعبير بكي لا لأن لعل بمعنى كي لأنه غير مرضي عنه بل لأن الكلام على الاستعارة التمثيلية و حاصله ما ذكره و قد مرّ مرارا تحقيقه.
قوله: (و لعله إنما لم يحيه ابتداء و شرط فيه ما شرط لما فيه) صيغة الترجي لتعذر الاطلاع على اليقين على حكمة فعله تعالى التين هذا وجه عدم إحيائه ابتداء و أما وجه جعل البقرة قوله: لكي يكمل عقلكم و إنما فسر به لأن القوم كانوا عقلاء و لا معنى لتعلق الرجاء بأصل العقل لأنه حاصل لهم بالفعل فالمرجو منهم كمال العقل و إمعان النظر في هذه المعجزة ليعلموا أن من قدر على إحياء نفس واحدة قادر على إحياء النفوس كلها و هذا التأويل مبني على أن يراد تعلق فعل العقل بمفعوله و لا ينافيه التجوز بكمال العقل كفعل الهداية في اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] على وجه و قوله (أو تعلمون) على قضيته أي على مقتضى العقل مبني على أن يجري الفعل اللازم ثم يتجوز في معنى العمل تجوزا مبنيا على الكناية بناء على أن حقيقة العقل غير مرادة كان يقال لعديم النجاد كناية عن طول قامته أو يكنى به عنه بناء على أن العلم من لوازم العمل فيكون من باب ذكر اللازم و إرادة الملزوم مع جواز إرادة الملزوم لكن لا على أنه أصل المقصود ليرد عليه أن ليس المرجو حصول أصل العقل لأنه حاصل بالفعل لكن هذا وجه كونه مجازا في العمل لا في الكناية عنه فلكل وجه اعتبار معنى يتبنى هو عليه.
قوله: لما فيه من التقرب أي التقرب بالقربان.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 416
مذبوحة دون غيرها من البهائم هو أنهم قبل ذلك كانوا يعبدون العجل ثم تابوا و عادوا إلى عبادة اللّه تعالى فأراد اللّه تعالى أن يمتحنهم بذبح ما حبب إليهم ليظهر حقيقة التوبة قوله الآتي (من التقرب و أداء الواجب و نفع اليتيم) إشارة إلى وجه اختيار البقرة و أيضا يظهر وجه اختيار البقرة الموصوفة بتلك الصفة العجيبة فإنها ما وجدت إلا في اليتيم و لعل الوجه الظاهر في اختيار البقرة التنبيه على خطئهم و التذكير لهم بأن ما عبدوه من جنس المذبوحة المقهورة كي يشكرون أكمل شكر على قبول توبتهم و العود إلى عبادة خالقهم لما فيه أي لأجل حكمة و علة كائنة في ذلك الشرط من التقرب إلى اللّه تعالى بالقربان و أداء الواجب و هو الذبح إشارة إلى أن الأمر للتكليف و للوجوب لا للتكوين كما فهم من كلام البعض.
قوله: (و التنبيه على بركة التوكل) من أبيه كما مرّ و بركته ظاهرة حيث اشتروا بملء جلدها ذهبا ما اشترى حينئذ بثلاثة دنانير و كذا فيه التنبيه على بركة بر الوالدين (و الشفقة على الأولاد و إن من حق الطالب أن يقدم قربة و المتقرب أن يتحرى الأحسن و يغالي بثمنه).
قوله: (كما روي عن عمر رضي اللّه عنه أنه ضحى بنجيبة) هي الجيدة من الإبل قيل و قصته مذكورة في سنن أبي داود (اشتراها بثلاثمائة دينار و أن المؤثر في الحقيقة هو اللّه تعالى).
قوله: (و الأسباب أمارات) أراد أن المؤثر في الحقيقة في وجود الأشياء هو اللّه تعالى و الأسباب حين تحققت أمارات أي علامة لخلق اللّه تعالى المسببات بناء على جري العادة على ربط المسببات بالأسباب و أما ههنا فلا سبب لأن مس عضو ميت بآخر مثله كيف يكون سببا عاديا للحياة بين الموتتين فيكون من قبيل خرق العادة فمراد المصنف الاستدلال بمثل هذا على أن الأسباب (لا أثر لها) لا أن ههنا سببا عاديا لا أثر له و يؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73].
قوله: (و إن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الساعي في اماتته الموت الحقيقي) عطف قوله: و الشفقة يجوز أن تكون عطفا على التوكل إشعارا بأن الشفقة على الأولاد تجلب البركة و السعة في الرزق و الراحمون يرحمهم الرحمن و أن يكون عطفا على البركة فيكون المراد التخصيص على الشفقة على الأولاد و على التقرب فيكون من جملة علل الاشتراط بالشرط.
قوله: و إن من أراد أن يعرف أعدى عدوه الخ فعلى هذا تكون قصة البقرة من باب التمثيل المبني على تشبيه المركب بالمركب المتضمن لتشبيه كل من مفردات طرفي التشبيه بآخر من مفردات الطرف الآخر فقوله حين زال عنها سره الصبي أي شدة الحرص على الشهوات زمان الصبي و لم يلحقها ضعف الكبر ناظر إلى قوله عز و جل: لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ [البقرة: 68] و قوله و كانت معجبة إلى قوله فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ و قوله غير مذللة في طلب الدنيا إلى قوله: لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ [البقرة: 71] و قوله: (لا سمة فيها) إلى قوله: لا شِيَةَ فِيها [البقرة: 71] و قوله: بحيث يصل أثره إلى نفسه فيحيي بها إلى قوله:
اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] و قوله يعرب عما به ينكشف الحال إلى قوله: وَ اللَّهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة: 72].
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 417
على قوله و إن المؤثر و المراد بأعدى عدوه النفس الأمارة بالسوء قال عليه السّلام أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك و المراد بالمعرفة مع أنه معروف بالخبر الصادق معرفة يحصل بسببها الحياة الطيبة فتصير نفسا مطمئنة بعد ما كانت نفسا أمارة و لوامة و لذا قال فتحيى حياة طيبة فحينئذ يعرف ربه كما في الحديث من عرف نفسه فقد عرف ربه.
قوله: (فطريقه) أي طريق العرفان (أن يذبح بقرة نفسه التي هي القوة الشهوية) أي أن يذبح ذبحا معنويا بالرياضات و كثرة المجاهدات حتى ترغب عن الشهوات و تميل إلى الطاعات و هذا معنى ذبحها فإن حياتها الفانية باستيفاء اللذات و ذبحها الذب عن المشتبهات و إضافة البقرة من قبيل إضافة المشبه به إلى المشبه و مشابهتها بالبقرة في كثرة الأكل و تناول ما لا نفع فيه بل فيه ضرر و الحاصل أشير بذبح البقرة إلى كسر القوة الشهوية.
قوله: (حين زال عنها شره الصبي) بكسر الشين و الراء خباثته و حمله على ما لا ينبغي أو بفتح الشين و الراء المخففة بمعنى الحرص و هذا إلى قوله الكبر مأخوذ من قوله تعالى:
لا فارِضٌ وَ لا بِكْرٌ [البقرة: 68] (و لم يلحقها ضعف الكبر).
قوله: (و كانت معجبة رائعة) المنظر أشير إلى ذلك بقوله تعالى: صَفْراءُ فاقِعٌ [البقرة: 69].
قوله: (غير مذللة في طلب الدنيا مسلمة عن دنسها لا سمة بها من مقابحها) مأخوذ من قوله تعالى: لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ [البقرة: 71] مسلمة عن دنسها مشار إليه بقوله تعالى:
لا شِيَةَ فِيها [البقرة: 71] (بحيث يصل أثرها إلى نفسه فتحيى حياة طيبة) تأويل قوله:
كَذلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتى [البقرة: 73] و المراد بالحياة الطيبة هي التحلي بالمعارف الإلهية و المبرات السبحانية كما أن المراد بالموت الحقيقي الجهل بما ينبغي أن يعرفه.
قوله: (و تعرب) أي تظهر (عما به تنكشف الحال) أي حال الأشياء على ما هي في نفس الأمر فإذا انكشفت حال الأشياء مطابقة للواقع (و يرتفع ما بين العقل و الوهم من التدارء) كما ارتفع التدارؤ و الاختصام بين بني إسرائيل بظهور القاتل في نفس الأمر بإخبار المقتول بعد كونه حيا أشار به إلى أن للوهم تسلطا على مدركات العقل فينازعها فيها و يحكم عليه بخلاف أحكامه فمن أحيى نفسه بذبح بقرتها بحيث يصل أثره إلى نفسه أخبره نفسه بأن ما حكم الوهم باطل و ما حكم العقل صحيح ثابت و هذا معنى تعرب و عند ذلك يرتفع ما بينهما من التدارء (و النزاع) كما أن قتيل بني إسرائيل أخبر بقاتله و ارتفع به نزاعهم بسبب ذبح البقرة بحيث يصل أثره إليه بضرب بعضها فكان حيا مخبرا بقاتله فتفطن جزالة هذا المعنى و لطافته و استخراج رد مواقعه إلى محله و اللّه ولي دينه و كتابه قال المصنف في أواخر تفسير قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة: 22] الآية و لعل سبحانه و تعالى أراد من الآية الأخيرة مع ما دل عليه الظاهر و سبق فيه الكلام الإشارة إلى تفصيل خلق الإنسان إلى قوله فإن لكل آية ظهرا و بطنا وحدا و مطلعا كما أوضحناه هناك و هذا هو المراد ههنا و لا يريد به تأويل الآية بهذه المعاني حتى يقال إن ظاهر الآية لا يقتضي ذلك لكن مثله إذا حكي
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج3، ص: 418
فتصحيحه مفوض إلى فكر قارئها و هذا عجب كأنه ذهل عن تحقيق المصنف في الآية المذكورة و الحاصل أن هذا المعنى لباطن القرآن و ما ذكر أولا لظاهر الآية فلا تغفل.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 74]
قوله: (القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة كما في الحجر) أي أن معناها الحقيقي الغلظة مع الصلابة نقل عن القرطبي و الواحدي أنها عبارة عن الصلابة و الشدة و اليبس انتهى. و المص لم يذكر الشدة لأنها عين الصلابة أو لازمة لها و ذكر الغلظة بدل اليبس إما أخذا بالحاصل أو بناء على اختلاف اللغة و إدخال مع في الصلابة إشارة إلى أصالته.
قوله: (و قساوة القلب مثل في نبوه عن الاعتبار) أي أنها استعارة تمثيلية شبهت الهيئة المنتزعة من أمور عديدة و هي القلب و حاله و هو عدم الاعتبار و الاتعاظ بالآيات و النذر بالهيئة المأخوذة من الأمور العديدة و هي الحجر و صلابته و يبسه و عدم التأثر بالمؤثر فاستعمل اللفظ المركب الموضوع للهيئة المشبه بها في الهيئة المشبهة لكن القسوة لما كانت هي العمدة في الصورة المشبه بها اقتصر على القسوة فأطلق على الحالة المشبهة كما مرّ توضيحه في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة: 7] و لو حمل الكلام على الاستعارة التبعية في قست فقط من غير اعتبار تشبيه صورة بصورة أخرى كما أشار إليه المص في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [البقرة: 7] لم يبعد و لم يحتج إلى ذلك الاعتذار لكنه اختار الاستعارة التمثيلية لكونها أبلغ فمهما أمكنت لا يحسن أن يصار إلى غيرها و لا ندعي أن مراده الجمع بين الاستعارة التمثيلية و التبعية حتى قيل إن اجتماعهما غير ثابت بل المراد إما استعارة تمثيلية فقط أو استعارة تبعية فقط على أن عدم اجتماعهما غير ثابت أيضا و قد مرّ الكلام فيه في قوله: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة: 5] فليطلب من هناك قيل و لاعتبار هذه الاستعارة حسن التفريع و التعقيب بقوله فَهِيَ كَالْحِجارَةِ [البقرة: 74] بخلاف ما إذا جعلت القلوب استعارة بالكناية و القسوة قرينة فإنه لا يحسن بل لا يصلح أن يقال يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ [البقرة: 27] فهو كالحبل إذا وثق بناء على أن استعمال العهد أصل و النقض تبع بخلاف قوله:
تقري الرياح رياض الحزن مزهرة
إذا سرى النوم في الأجفان إيقاظا