کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 188
الأحاديث في ذلك و ضعفها قال السخاوي الذي ندين اللّه به الكف عنهما و عن الخوض في أحوالهما و للسيوطي فيه تأليف مستقل فمن أراده فليراجعه و الكف عن الخوض فيهما أسلم الطرق و أحكمها فإن ذلك ليس من ضروريات الدين و مما يجب علينا الاعتقاد بأحوالهما باليقين و الإمام السيوطي ألف رسالة بيّن فيها إيمانهما و نجاتهما على ما نقل عنه و علي القاري ألف رسالة في ردّ السيوطي و اختار أنهما ماتا على الخذلان و بعض الفضلاء رده و شنع «1» عليه على ما حكي عنه و هذا مما يقضي منه العجب فإن هذا إنما يحسن أو يجب إذا كان معرفة إيمانهما أو كفرهما مما يجب علينا و من الأمور المعتقدات فنعم ما قاله السخاوي أسكنه اللّه تعالى في المقام العالي على أن من مات في زمن الفترة اختلف فيه و ذهب الشيخ الفاسي في شرح دلائل الخيرات إلى إيمانهم و اللّه أعلم بالصواب و إليه المرجع و المآب.
قوله: (أو تعظيم لعقوبة الكفار «2» ) عطف على نهي أي المقصود بيان عظم عقوبة الكفار لا النهي حقيقة و هذا المعنى مجازي له.
قوله: (كأنها لفظاعتها لا يقدر أن يخبر عنها) إشارة إلى وجه المجاز لا يقدر أن يخبر كلاهما مجهولان عنها أي عن العقوبة أي تلك العقوبة ليست مقدورا الإخبار و لقد راعى الأدب حسنه فوق الذهب حيث لم يقل لا يقدر المتكلم أن يخبر عنها.
قوله: (أو السامع لا يصبر على استماع خبرها) خبر تلك العقوبة كلمة أو لمنع الجمع كما هو الظاهر لكن لو اكتفى به لكان في الذروة العليا في رعاية الأدب الأعلى.
قوله: (فنهاه عن السؤال) لعدم فائدة السؤال إذ فائدة السؤال و صحته قدرة المسؤول على الاخبار و هي منتفية و لو ادعاء و لو كان له قدرة على الاخبار لا قدرة للسامع أن يصبر على استماع الخبر المذكور فالنهي عن السؤال هنا لتهويل الأمر المسؤول عنه.
قوله: (و الجحيم المتأجج من النار) بجيمين اسم فاعل من تأجج أي تلهب أي المتلهب من النار شديد الالتهاب على ما دل عليه صيغة التفعل و الجاجم المكان الشديد قوله: و الجحيم المتأجج من النار أي المتلهب منها و هو الاجيج و هو تلهب النار يقال أججت النار فتأججت أي ألهبتها فتلهبت.
- المشارق من قوله عليه السّلام إن أبي و أباك في النار بأن يقال إن هذا قبل إحيائهما و إيمانهما و الأخبار الدالة على إيمانهما بعد الإحياء.
(1) بأن يقول أثر البرد في رأس علي القاري و اختل عقله و اختار مسلك السيوطي.
(2) كما تقول كيف فلان سائلا عن الواقع في بلية فيقال لك لا تسأل عنه و وجه التعظيم أن المستخبر يجزع أن يجري على لسانه ما هو فيه لفظا عنه فلا تسأله و لا تكلفه ما يضجره أو أنت يا مستخبر لا تقدر على استماع خبره لإيحاشه السامع و إضجاره فلا تسأل كذا في الكشاف فح يقدر سؤال كأنه عليه السّلام سأل عن أصحاب الجحيم قائلا كيف أصحاب الجحيم فنهى عن السؤال و فيه تأمل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 189
الحر ثم عطف و لا تسأل على قراءة النفي على إِنَّا أَرْسَلْناكَ و على قراءة النهي عطف على مقدر أي فبلغ أو فبشر و انذر أو عطف على إِنَّا أَرْسَلْناكَ أيضا لأنه خبر معنى إذ المراد لست مكلفا بجبرهم الآن إذ هو قبل الأمر بالقتال و هذا تكلف و الأولى هو جملة معترضة على القراءتين وجه الاعتراض تسلية لرسول اللّه عليه السّلام.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 120]
قوله: (مبالغة في إقناط الرسول عن إسلامهم) أي عن إسلام مجموعهم من حيث المجموع فلا ينافي إسلام بعض منهم أو المراد بهم قوم بأعيانهم علم اللّه تعالى أنهم لا يؤمنون وجه المبالغة في إقناطه عليه السّلام إيراد لن المفيدة لتأكيد النفي و التعليق بالمحال و هو اتباعه عليه السّلام بملتهم «1» الباطلة و زيادة لا النافية بين المتعاطفين لتأكيد النفي و تقديم اليهود لتقدمهم زمانا أو هم أشد عدواة للذين آمنوا.
قوله: (فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته عليه السّلام) و لو ترك على دينهم و خلاهم و شؤونهم حتى يتبع ملتهم فكيف يتبعون ملته عليه السّلام إنكار لكيفية اتباعهم و المراد إنكار اتباعهم إنكار الوقوع كناية قيل كان عليه السّلام يلاطف كل فريق رجاء أن يسلموا فنزلت و من هذا التقرير اتضح ارتباطه بما قبله حيث كان فيه بيان لكمال شدة شكيمتهم إثر بيان بعض معايبهم و مثالبهم مع اشتراك المشركين فيها و المعنى و لن ترضى عنك اليهود حتى تتبع ملتهم و لن ترضى عنك النصارى حتى تتبع ملتهم فأوجز النظم ثقة على فهم السامع و إنما قدم عنك على الفاعل لأن المهم عدم رضائهم عنه عليه السّلام.
قوله: (و لعلهم قالوا مثل ذلك فحكى اللّه عنهم و لذلك قال) يعني ليس قوله تعالى:
وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ الآية ابتداء إخبار من اللّه تعالى بعدم رضائهم قطعا بل يحتمل أن يكون قوله: مبالغة في اقناط الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم عن إسلامهم معنى المبالغة مستفاد من تعليق رضاهم عنه بالمحال الذي هو اتباعه عليه الصلاة و السّلام لملتهم.
قوله: و لذلك قال قيل تعليما للجواب يعني أن الأمر بالجواب قرينة دالة على أنهم قالوا أولا لن نرضى عنك يا محمد حتى تتبع ملتنا فحكى اللّه عنهم ذلك قال بعض الأفاضل فإن قلت ما وجه المطابقة بين كلامهم و الجواب فنقول وجهها أنهم قالوا لن نرضى عنك حتى تتبع ملتنا إلا و زعموا أن اتباع ملتهم هو الهدى لا دين الإسلام فأجيبوا على قصر القلب بأن دين الإسلام هو الهدى لا اتباع ملتهم و في الآية الكريمة مبالغات الأولى تصدره بأن و الثانية إضافة الهدى إلى اللّه و الثالثة إعادة الهدى في الخبر معرفا و الرابع تسمية الدين هدى و الخامسة توسيط ضمير الفعل و السادسة الاتيان بلام الجنس الدال على انحصار جنس الهدى في ملة الإسلام.
(1) و فيه تعليق بالمحال الآخر و هو اتباعه عليه السّلام بملة الطائفتين في وقت واحد و هو محال.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 190
حكاية عنهم أنهم قالوا ذلك لرسول اللّه عليه السّلام لا أنهم قالوا فيما بينهم ذلك لأنه لا يكون قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى جوابا إلا إذا قالوا ذلك له عليه السّلام فقوله:
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الآية يدل على أمرين الأول أنه حكاية عنهم أنهم قالوا ذلك و الثاني أنهم قالوا ذلك له عليه السّلام ليطابقه قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الآية و في الكشاف إنما حمله على الحكاية ليطابقه قوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ فإنه يقتضي سابقة قول ممن يذب عليه السّلام إلى حجاجهم مبني على تمادي لجاجهم و وجه كونه جوابا مع أن ظاهره ليس جوابا عنه أنهم كانوا ادعوا أن ملتهم هو الهدى لا هدى سواها و عن هذا قالوا ذلك فأجيب بأن الهدى هدى اللّه الذي هو الإسلام فقلبت عليهم القضية و للذهول عن هذه الدقيقة الأنيقة قال مولانا أبو السعود ما يتحير منه أولو الألباب فإنه جعل قوله تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ جوابا عما يستلزم مضمون «1» هذه العبارة لا جوابا عن عين تلك العبارة و ذهل عما ذكرنا من أن قولهم و لن نرضى عنك حتى تتبع ملتنا مبناه ادعاء أن الاهتداء فيهما لا في غير اليهودية و النصرانية فالجواب عن عين تلك العبارة بهدم مبناها أوقع في النفوس و أبلغ في ردهم كإيراد الشيء ببرهانه و لا يظن أن أحدا ينكر حسنه مع أن فيه إيجاز نظمه و جزالة معناه و صيغة الترجي «2» لأن من عادة العظماء الترجي و التوقع في مقام الجزم و عليه يحمل قول الكشاف كأنهم قالوا لَنْ تَرْضى عَنْكَ [البقرة: 120] و إن أبلغت في طلب رضانا حتى تتبع ملتنا أو يحتمل أن يكون ابتداء إخبار من اللّه تعالى بعدم رضائهم فح يكون قوله تعالى: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ الآية جوابا عن ادعائهم أن الدين اليهودية و النصرانية لا جوابا عن تلك العبارة بإبطال مبناها و مثل هذا شائع في كلام البلغاء لا سيما في كلام اللّه الملك الأعلى و عدم تصريح الحكاية مثل قوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ [البقرة: 111] الآية يؤيد هذا بنوع تأييد (تعليما للجواب).
قوله: (أي هدى اللّه الذي هو الإسلام) فالهدى بمعنى المهدي.
قوله: (هو الهدى إلى الحق) إلى الأمور الواقعة في نفس الأمر و بعد تسمية الإسلام هدى مبالغة كرجل عدل جعله هدى أي هداية أو هاديا إلى الحق لكن الإسلام هو الحق قوله: من الدين معلوم صحته صرف معنى العلم إلى المعلوم لأن الذي أوحي إليه هو المعلوم لا نفس العلم.
(1) و هذا حاصل المعنى لأن هدى اللّه هو الهدى ما له أن الهدى هدى اللّه كما جاء كذلك في سورة آل عمران.
(2) قال المص في سورة الأنبياء في قوله تعالى قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ [الأنبياء: 53] فقلدناهم و هو جواب عما يلزم الاستفهام من السؤال عما اقتضى عبادتها و قد اعترف به مولانا أبو السعود هناك حيث قال أجابوا بذلك لما أن مآل سؤاله عليه السّلام الاستفسار عن سبب عبادتهم لها فكيف ينكر هنا كون قوله قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى جوابا لقولهم و لن نرضى عنك حتى تتبع ملتنا باعتبار استلزامه أن الهدى ملتنا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 191
نفسه و ما الحق الذي يهدي الإسلام إليه و هو مثل الأنظار الصحيحة الموصلة إلى المطالب اليقينية و مثل أداء العبادات البدنية و المالية فإن أداءها غير العبادات فالحق عام و الإسلام خاص و قد مرّ في سورة الفاتحة في تفسير اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] ما ينفعك في هذا المقام.
قوله: (لا ما تدعون إليه) من اليهودية و النصرانية قوله لا ما تدعون بناء على أن قوله وَ لَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ [البقرة: 120] الآية حكاية عنهم كما مرّ توضيحه و إن القصر المستفاد من تعريف الخبر باللام و ضمير الفصل المؤيد لذلك القصر قصر القلب فإنهم لما قالوا الهداية و الحقية مقصورة على ملتنا لا تتعدى إلى ما سواها فرد عليهم بطريق قصر القلب بقوله: قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى فالخبر مقصور على المبتدأ و أما في قوله تعالى في سورة آل عمران قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ فالمسند إليه مقصور على المسند فالمآل متحد و لما بين سبحانه و تعالى أن الهدى مقصور على هدى اللّه تعالى و أن ما يدعون إليه ليس بهدى بل هوى متبع كما قال تعالى وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [البقرة: 120] «1» .
قوله: (آراءهم الزائغة) أي الباطلة و الزيغ الميل عن الحق و حاصله البطلان.
قوله: (و الملة ما شرع اللّه لعباده على لسان أنبيائه) أي ما بينه اللّه تعالى لعباده لمصلحة عباده على لسان أنبيائه عليهم السّلام و الشرع عبارة عن البيان و الإظهار قال اللّه تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ [الشورى: 13] أي بين و أظهر و كذا الدين و الشريعة عبارة عما شرعه اللّه لعباده على لسانه و ما وقع في التعريف الشرع اللغوي فلا دور فالدين و الشرع و الملة متحدات بالذات و مختلفات بالاعتبار فإن ما جاء به الأنبياء عليهم السّلام من حيث إنها تطاع دين و من حيث إنها تملي و تكتب ملة و قيل من حيث إنها تجمع عليها ملة و من حيث إنها طريقة إلى سعادة الدارين شريعة و هي في الأصل هي الطريقة إلى الماء «2» شبه بها الدين لأنه طريق إلى ما هو سبب الحياة الأبدية و المراد بما شرعه اللّه عام للأصول و الفروع و قد يطلق الشريعة على الفروع فقط و هي المراد في قوله قوله: آراءهم الزائغة قيل في بعض شروح الكشاف قوله أهواءهم مظهر وضع موضع المضمر و ذلك أن الأصل و لئن اتبعتها برجوع الضمير إلى ملتهم لسيق ذكر الملة في قوله حتى تتبع ملتهم ثم و لئن اتبعت ملتهم و لما كانت ملتهم زيغا و ضلالة وضع أهواءهم موضع ذلك في الدرجة الثانية.
(1) قيل و ما يدعون إلى اتباعه ليس هدى بل هوى على ابلغ وجه لإضافة الهدى إليه تعالى و تأكيده بأن و إعادة الهدى في الخبر على حد شعري شعري و جعله نفس الهدى المصدري و توسيط ضمير الفصل و تعريف الخبر انتهى و كون هذا على حد شعري شعري محل تأمل و الظاهر أن الحمل في بابه.
(2) قيل إن المتفق عليه كون الشريعة بمعنى الطريقة الواضحة في الأصل و كونها بمعنى شريعة الماء قول البعض ثم جعل اسما للطريقة الإلهية من الدين و اختار المص لقول الثاني و إن سلم أنه قول البعض لأن مناسبة المعنى الشرعي له أتم و أقوى من المعنى الأول و لذا اختاره البعض أيضا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 192
تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً [المائدة: 48] و كذا الدين عام لهما و الملة أيضا و قد يطلق الملة على العقائد فقط و هو المراد في قوله: اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ [النحل: 123] و قد يطلق الدين على الفروع خاصة.
قوله: (من أمللت الكتاب إذا أمليته) يعني أن الملة من الإملال مضاعفا بمعنى الإملاء ناقصا فمعنى أمليته كتبته قيل و لا يختلف الأنبياء عليهم السّلام و قد يطلق على الباطل كالكفر ملة واحدة و لا تضاف إلى اللّه تعالى فلا يقال ملة اللّه و لا إلى آحاد الأمة انتهى. و النص الكريم حيث أضيفت الملة إلى اليهود و النصارى شاهد عليه ورد له إلا أن يقال إن مراده أنها لا تضاف إلى آحاد الأمة كأن يقال ملة زيد و عمرو و أما الإضافة إلى جميع الأمة كأن يقال ملة اليهود و ملة النصارى فلا مساغ لإنكارها قوله و لا تضاف إلى آحاد الأمة إشارة إليه حيث لم يقل و لا تضاف إلى الأمة بل إلى آحاد الأمة و أما الدين فهو يضاف إلى اللّه تعالى لصدوره عنه تعالى و إلى النبي عليه السّلام لظهوره فيه و إلى الأمة لتدينهم و انقيادهم به و لم يتعرضوا لإضافة الشريعة و الظاهر من كلامهم أنها تضاف إلى اللّه تعالى يقال شرع اللّه و شريعته تعالى و إلى النبي عليه السّلام و إلى الأمة و التردد في إضافتها إلى الآحاد كأن يقال شريعة زيد و عمرو كما يقال شريعة أمة محمد عليه السّلام و الظاهر المنع كالملة و أما الدين فلا مساغ لإنكار إضافته إليه كأن يقال دين زيد و عمرو لا يخفى عليك أن أمثال هذا بناء على العرف و لا فساد في الإضافة إلى الجميع في الكل.
قوله: (و الهوى رأي يتبع للشهوة) أي للشهوة الغير المستقيمة و أما الاتباع للشهوة المستقيمة «1» كاتباع المرأة بالنكاح أو ملك اليمين و كتناول الأطعمة النفيسة الطيبة فهو غير مذموم بل ممدوح فلا يقال في مثل هذا الاتباع هوى و إنما أطلق الشهوة لأن المتبادر منها الشهوة المخالفة للشرع و الرأي الفكر و النظر و قد يطلق على ما يحصل بالنظر ثم اتسع فأطلق على خواطر النفوس مطلقا و هي المراد هنا و لما كان الهوى بهذا المعنى مقابلا للملة اخر تفسير الملة إلى هنا لقصد ذكرها في جنب مقابلها لينكشف انكشافا تاما و إنما جمع الهوى لأن طرق الضلالة متعددة و طريق الهداية واحدة كما صرح به في تفسير قوله تعالى:
اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [البقرة: 257] الآية على أن المراد هنا أهواء الطائفتين و إذا اعتبر افرادهما كان إيراد الجمع أحسن المسلكين.
قوله: (أي من الوحي أو الدين) هذا ترديد في العبارة إذ المراد بالوحي الموحى به إما مجازا أو حقيقة عرفية و إنما فسره به إذ مجيء العلم بلا ملاحظة المعلوم و تعلقه به غير متصور لكون العلم عند المتكلمين إما صفة حقيقية ذات إضافة أو نفس الإضافة و على التقديرين يحتاج إلى المتعلق فيراد مجيء المعلوم مجازا مرسلا لكون المعلوم شرطا للعلم لما عرفت من أنه يحتاج إلى المعلوم فذكر المشروط و أريد الشرط و كون ذلك المعلوم و حيا أو دينا معلوم بمعونة المقام.
(1) إذ الاتباع في العقائد فقط و أما الفروع فلا اتباع.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 193
قوله: (المعلوم صحته) صفة لهما على سبيل التنازع قوله صحته نائب الفاعل له فيكون صفة جرت على غير ما هي له و فيه تنبيه على أن المراد بالمعلوم ليس نفسه بل صحته و افراد الضمير في صحته لكون العطف بلفظة أو على أن المراد بهما واحد و ما قيل إن قوله أي من الوحي أو الدين رد على العلامة حيث أطلق اللفظ على المعنى الحقيقي أولا ثم ذكر المجازي بطريق الاحتمال و لم يقطع بالمجازي كالزمخشري فإن قلت الوحي ليس بعلم بل إعلام قلت العلم و الاعلام متحدان بالذات و إن تغايرا باعتبار كما ذكروا في التعليم و التعلم و التحريك و التحرك دغدغة عظيمة و دسيسة جسيمة و بعد تسليم جميع ما ذكره لا معنى لمجيء العلم بلا تعلق المعلوم و الوحي بمعنى إعلام اللّه تعالى نبيه حكما من الأحكام الشرعية مثلا فالاعلام أيضا لا يتصور مجيئه إلا بالموحى به ففي الحقيقة المراد مجيء الموحى به.
قوله: (ما لك من اللّه) من جهته العزيزة فمن ابتدائية.
قوله: (من ولي) يلي أمرك عموما.
قوله: (و لا نصير يدفع عنك عقابه) و حاصله أن اللّه تعالى ليس ينصب من عنده ولي لك و لا نصير و معلوم أيضا أن اللّه تعالى ولي المؤمنين فقط و قد عرفت أن بينهما عموما من وجه فلا يلزم من نفي الولي نفي النصير و بالعكس و عن هذا وسط بينهما حرف النفي للتأكيد مع التعرض لنفيه و قدم الولي لأنه أقرب من النصير و إنما قال يدفع عنك عقابه لأن النصرة لدفع المضرة و لم يتعرض لتفسير الولي اكتفاء بما سبق حيث قال و إنما هو الذي يملك أموركم و يجريها على ما يصلحكم ففهم منه أن الولي من يملك أمور من يتولاه و جعل قوله يدفع الخ. تفسيرا لهما بعيد و إن كان له وجه سديد «1» .
قوله: (و هو جواب لئن) أي جواب القسم الدال عليه اللام فإن هذه اللام موطئة القسم سيصرح به في تفسير قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ [البقرة: 145] الآية أو جواب الشرط الدال عليه أن فحينئذ يأول ما لك بجملة فعلية ماضوية أي ما كان لك أو ما استقر لك فلا يضره عدم إتيان الفاء «2» أو يأول بجملة فعلية استقبالية أي ما يكون لك أو ما يستقر لك و للّه دره حيث أشار بلفظ و جيز إلى احتمالين كما عرفت و ليس نصا في أحدهما و القول بأن كونه جوابا للقسم راجح لكونه طالبا له أولا و لا يضير جواز كونه جوابا للشرط على أنه يمكن أن يقال إن كونه جوابا
(1) لما عرفت أن بينهما عموما من وجه فيجوز اعتبار الجمع بينهما هنا.
(2) نقل عن الرضي أنه قال و يجب الفاء في الماضي مصدرا بما أولا نحو إن زرتني فما اهنتك و إن زرتني فلا ضربتك و لا شتمتك و في المضارع مصدرا بلن و سوف و السين و ما انتهى فينبغي حمل قوله جواب لئن على أنه جواب القسم و قيل إن قوله لئن إشارة إلى أنه جواب الشرط و ذلك إنما يجوز إذا قدر القسم بعد الشرط و قدر ما لك جملة ماضوية أي ما استقر و إلا تعين كونه جواب القسم لوجوب الفاء فالأولى أن يقدر جملة ماضوية و ما نقل عن الرضي غير متعارف.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 194
للشرط راجح لقربه و استوضح ببحث التنازع و رجح كل من البصريين و الكوفيين بكونه طالبا أولا بقربه فلا حاجة إلى أن يقال إن القسم يقدر مؤخرا لأنه مع أنه لا حاجة إليه قول لم يقل به أحد من الثقات من النحاة و لذلك ترى الشيخين يقولان في مثل هذا أنه جواب القسم مرة و جواب القسم و الشرط أخرى اعلم أن الظاهر أن الخطاب له عليه السّلام فحينئذ من قبيل لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65] أي من قبيل التعريض أو المراد أمته أو من باب التهييج كما قيل و هذا شائع في النهي مثل قوله: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [البقرة: 147] و سيجيء بيانه على وجه اليقين و إلا فأنى يتوهم إمكان اتباعه عليه السّلام لملتهم كما هو مقتضى كلمة الشك فالحمل على التعريض وجه عريض.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 121]
قوله: (يريد به مؤمني أهل الكتاب) كعبد اللّه بن سلام و أضرابه فتعريف الموصول للعهد بقرينة يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ .
قوله: (بمراعاة اللفظ عن التحريف و التدبر في معناه و العمل بمقتضاه) و فيه إشارة إلى أن المراد بالكتاب المتلو أي المقروء كتابهم التورية و الإنجيل و التدبر في معناه فحينئذ يكون المراد علماؤهم المنقادون لا مؤمني أهل الكتاب مطلقا كما هو الظاهر من كلامه أولا إلا أن يقال إن المراد التدبر في الجملة و العمل بمقتضاه أي قبل النسخ وعد العمل بمقتضاه من حق التلاوة بناء على أن المراد من حق التلاوة قراءة يتأثر بها القلوب و ذلك لا يكون إلا إذا كانت مؤدية إلى العمل بمقتضاه و العمل و إن كان مقابلا لمطلق القراءة قال عليه السّلام من قرأ القرآن و عمل الحديث لكنه مندرج في تحت حق القراءة لما ذكرناه من العناية و أما ما قاله صاحب الكشاف يتلونه حق تلاوته لا يحرفون و لا يغيرون ما فيه من نعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فبناء على ظاهر منطوقه إذ لا كلام في أن العمل بمقتضاه خارج عن مفهومه و لكل وجهة هو موليها و الاكتفاء بتحريف نعت رسول عليه السّلام لكونه أشنع التحريف و المصنف لم يقيده به للتعميم و هو أحسن البيان مع التتميم.
قوله: (و هو حال مقدرة و الخبر ما بعده) لأنهم لم يكونوا وقت الإيتاء كذلك بل بعده و لو جعل مستأنفا لاستغنى عن هذا التمحل و كذا إذ جعل خبرا قيل و هذه الحال مخصصة لأنه ليس كل من أوتي يتلونه و لو قيل إن المراد بأهل الكتاب علماؤهم كما قال في تفسير قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ [البقرة: 146] الآية يكون الحال للمدح و كونه خبرا أولى و الخبر ما بعده و هو قوله: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ [البقرة: 121].