کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 232
فاسأل اللّه أن يقعدك هو مصدر بحذف الزوائد في موقع المفعول المطلق لمحذوف على ما صرح به في المفصل لا في موقع المفعول به على ما ذهب إليه البعض و يشعر به عبارة الكتاب يعني الكشاف بل أن يقعدك تفسير لقعدك و المعنى قعدك اللّه تقعيدا أي سألته أن يحفظك فغرضه أن مراد صاحب الكشاف هذا المعنى لا أنه مفعول به على ما يشعر به قوله أسأل اللّه أن يقعدك فإنه صرح في المفصل بكونه مفعولا مطلقا و إلا لزم المنافاة بين كلاميه في كتابيه و لا يبعد أن يقال إنه أشار إلى الوجهين في كتابيه أو أشار إلى القولين في كتابيه و نظائره كثيرة و ما في المفصل اختاره و ما هنا جوزه أو ذهب البعض إليه و قيل معنى قعدك اللّه و إن لم يستعمل جعلتك قاعدا متمكنا بالسؤال من اللّه تعالى فلما ضمن قعد معنى السؤال تعدى إلى المفعول و الأوضح أن يكون معناه اسأل اللّه تثبيتك و دوام عمرك مثل قوله «1» عمرك اللّه تعالى و على تقدير كونه مفعولا به على ما ذهب إليه البعض ليس معنى القسم فيه ظاهرا مع أنه لا يستعمل إلا في القسم كما صرح به الراغب حيث قال و هو دعاء استعملته العرب في القسم و من الغرائب ما قيل إن قعدك اللّه معناه أسألك عن قعدك أي عن ملازمك العالم بأحوالك فهو اللّه تعالى فح اللّه عطف بيان لقعدك لأن القعد لم يرد إطلاقه عليه تعالى في الشرع.
قوله: (و رفعها البناء عليها) أي القواعد البناء عليها دفع لما يتوهم من أن الأساس لا يمكن رفعه فدفعه بوجوه ثلاثة الأول و هو مختاره أن رفعه مجاز عن رفع ما عليه من البناء للمجاورة و لأن رفع البناء إنما يعرف به و إنما أنث ضمير الأساس لكون المراد به القواعد.
قوله: (فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع) و رفعها أي البناء ينقلها أي الأساس عن هيئة الانخفاض الخ و فيه تسامح إذ البناء إنما ينقلها بنقل ما عليها لا نفس الأساس و الحاصل إيقاع الرفع على القواعد مجاز عقلي «2» للملابسة فإن المجاز العقلي يجري في الإيقاع كما يجري في الإسناد.
قوله: (و يحتمل أن يكون المراد بها سافات البناء فإن كل ساف قاعدة ما يوضع فوقه و برفعها بناؤها) المراد بها أي بالقواعد سافات البناء السفافات بالفاء كل صف لبن أو طين لكن إطلاق القواعد عليها إضافي لأن كون كل ساف قاعدة بالنسبة إلى ما فوقه فح المراد برفعها بناؤها أي وضع بعضها فوق بعض و إنما ضعفه لصرف لفظ القواعد عن معناه المتبادر إذ الشائع في اللغة و العرف أن القاعدة هي الأساس حتى كانت من الصفات الغالبة كما سلف و كل ساف و إن صح إطلاق القاعدة عليه بالنسبة إلى ما فوقه لكنه لا يصح
(1) معناه عمرك اللّه تعميرا بمعنى سألته أن يعمرك اللّه تعالى فلما ضمن السؤال عدي إلى مفعول آخر أعني اسم اللّه تعالى ثم أقيم المصدر مقام الفعل مضافا إلى المفعول مثل سبحان اللّه.
(2) و قيل إنه استعارة تبعية لأنه لما كان البناء على الأساس سببا لحصول هيئة الارتفاع كالرفع استعمل صفة الرفع في البناء عليها و اشتق منها يرفع بمعنى يبني عليها انتهى و لا يخفى أن البناء سبب لحصول الارتفاع لكن لا للأساس بل للتجدار فلا يتم ما ذكره.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 233
إطلاقها عليه بالنظر إلى ما تحته فالقاعدة على الإطلاق هي الأساس الملاصق بالأرض و هو المراد إذا أطلق و كل ساف قاعدة بالقياس إلى فوقه دون ما تحته و باعتبار الأول ساغ أن يراد و عن هذا ذهب إليه بعضهم و بالاعتبار الثاني لا يصح أن يراد و لهذا لم يرض به المص و أما الساف العالي فلا يجوز إطلاق الأساس عليه و أيضا معنى رفع الشيء جعله عاليا مرتفعا و الإرادة من الرفع البناء خلاف الظاهر أيضا وجه صحة الإرادة أن بسبب بناء السافات كان الجدار مرتفعا فذكر المسبب و أريد السبب فيكون مجازا مرسلا.
قوله: (و قيل المراد رفع مكانه و إظهار شرفه بتعظيمه و دعاء الناس إلى حجه) أي المراد الرفع المعنوي لا الصوري مرضه لأنه مع كونه خلاف الظاهر لا يلائم ذكر إسماعيل عليه السّلام لأن ذكره للرفع الصوري و أيضا لا يظهر فائدة ذكر القواعد حينئذ إذ الشرافة كما صرح به المص للبيت و دعاء الناس إلى حجه و قد عرفت أن الداعي هو إبراهيم عليه السّلام فح أي فائدة في ذكر إسماعيل عليه السّلام.
قوله: (و في إبهام القواعد و تبيينها تفخيم لشأنها) و في إبهام القواعد قد مر بيانه مشروحا و كلمة من ابتدائية متعلقة بيرفع أو حال من القواعد لكن لما كان في ذكر الكل بيان للجزء في ضمنه قال و تنبيها الخ لا لكون من بيانية لفقد شرطها هنا لأن شرط من البيانية أن يصح إطلاق المجرور بمن على المبين كما في قوله تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: 30] و لا فرق في ذلك كون من مذكورة أو مقدرة و كون من تبعيضية غير مناسب.
قوله: (كان يناوله الحجارة و لكنه لما كان له مدخل في البناء عطف عليه) يناوله الحجارة أي يعطيه الحجارة جمع حجر كجمالة جمع جمل و هو قليل غير منقاس كذا قاله في أوائل هذه السورة الظاهر أنه أشار إلى أن المقدر في و إسماعيل ليس يرفع كما هو الظاهر من العطف بل كان يناوله من قبيل علفتها تبنا و ماء باردا و على تقدير يرفع يراد بيرفع يحصل الرفع بطريق عموم المجاز و هذا الطريق لا اختلاف عليه و أما الجمع بين الحقيقة و المجاز فمسلك المص فقط لكن ما ذكرناه أولا هو الأولى.
قوله: (و قيل كانا يبنيان في طرفين أو على التناوب) فح لا توجيه في العطف و إنما قوله: تفخيم لشأنها لما في الإيضاح بعد الابهام من تفخيم شأن المبين.
قوله: لكنه لما كان له مدخل في البناء عطف عليه أقول فيلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز في يرفع فإنه يكون حينئذ حقيقة في حق إبراهيم و مجازا في إسماعيل عليهما السّلام إلا أن يصار إلى عموم المجاز بأن يقال المعنى و إذ يعمل إبراهيم في رفع قواعد البيت و إسماعيل فالعمل أعم من مباشرة الرفع و التسبيب إليه.
قوله: و قيل كانا يبنيان في طرفين فعلى هذا لا يلزم الجمع المحذور منه و في الكشاف ربنا أي يقولان ربنا و هذا الفعل في محل النصب على الحال و قد اظهره عبد اللّه في قراءته و معناه يرفعانها قائلين ربنا و العامل في الحال يرفع و ربنا الثاني تكرار للأول للاستعطاف فإنه لو لم يكن
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 234
مرضه لمخالفته الرواية و تأخير إسماعيل عن المفعول لا يلائم هذا القول إذ تأخيره عنه لعله للإيذان بأن الأصل في الرفع هو إبراهيم عليه السّلام و إسماعيل تبع له.
قوله: (أي يقولان ربنا و قد قرىء به و الجملة حال منهما) يقولان أي ربنا مقول قول مقدر و يقولان أيضا حكاية حال ماضية و قد قرىء به قارئه عبد اللّه قرأ يقولان ربنا و الجملة أي جملة يقولان حال منهما و الأصل في الحال الإفراد فالأولى أن يقدر قائلين بصيغة التثنية لكن القصد التقوى في الحكم و الاستمرار في الفعل قدر جمله و تقبل ليس بمجاز عن الإثابة لأن نظر المقربين نفس قبول عملهم فإنه أقصى مرامهم و أما الإثابة فلا يخطر ببالهم وين ترتب عليه و في صيغة التفعل طلب القبول التام فإن التكلف ليس بمراد و المراد غايته و هو كمال القبول.
قوله: (لدعائنا العليم بنياتنا) قدره للإشارة إلى الفرق بين السمع و العلم فإن صفة السمع تتعلق بمقولة الحروف و الأصوات و العلم يتعلق بالأمور كلّها كالنيات مثلا و عن هذا قدر في العليم النيات و العلم و إن تعلق بالمسموعات لكن السمع مغاير للعلم خلافا للشيخ الأشعري و في ذلك البيان إشارة إلى وجه اختيار ذينك الاسمين و التأكيدات لإظهار كمال التضرع و في لفظ الرب ههنا أوقع من سائر الأسماء إذ قبول الدعاء تربية كما أن لفظ السميع و العليم أوقع من سائر أسمائه كما عرفته و فيه مراعاة النظير و ختم الكلام بما يناسب الابتداء.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 128]
قوله: (مخلصين لك من أسلم وجهه أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم و انقاد و المراد طلب الزيادة في الإخلاص و الإذعان و الثبات عليه) مخلصين بفتح الصاد تثنية قوله مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ أي أخلص نفسه و ذكر الوجه للإيذان بمعنى الإخلاص و لذا لم يذكر تكرارا لربنا الأول لكان ينبغي أن لا يؤتى بالواو في و اجعلنا عطفا على تقبل و كذا قوله رَبَّنا وَ ابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا [البقرة: 129].
قوله: من أسلم إذا استسلم و انقاد هكذا وجدت و انقاد بالواو في النسخ التي نظرت إليها لكن في ظني أن الواقع من المص أو انقاد لأن أسلم إذا كان من أسلم وجه اللّه كان بمعنى أخلص و إذا كان من استسلم يكون بمعنى انقاد و اذعن فيكون قوله و المراد طلب الزيادة في الإخلاص و الإذعان نشر على ترتيب اللف يرشدك إليه كلام اللام الكشاف قال مسلمين لك مخلصين لك أوجهنا من قوله أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ [البقرة: 112] أو مستسلمين يقال أسلم له و سلم و استسلم إذا خضع و اذعن و المعنى زدنا اخلاصا و اذعانا قال شراح الكشاف فكلامه هذا لف و نشر.
قوله: و المراد طلب الزيادة لأنهما مخلصان بالفعل و لا معنى لطلب الخاص فوجب المصير إلى طلب الزيادة أو إلى طلب الثبات في الإخلاص.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 235
شيئا في بيان قوله مستسلمين من أسلم إذا استسلم يعني افعل بمعنى استفعل و أما في الأول ففي بابه متعد سلم بمعنى خلص فيحتاج إلى المفعول فقدر وجهه أي ذاته و الإخلاص عدم الإشراك و له عرض عريض أوله التوحيد و نهايته التبتل بشراشره و لم يلتفت إلى ما سواه و لم ير شيئا إلا رأى اللّه تعالى قبله و عدم رؤية نفسه و لم ينظر إلى سبب من الأسباب بل قصر النظر في الملك الوهاب و لما كان أصل الإخلاص حاصلا لهما عليهما السّلام فأول المص الطلب بطلب الزيادة في الإخلاص على المعنى الأول و الزيادة في الإذعان و الانقياد على الوجه الثاني ثم أشار إلى وجه آخر فقال أو الثبات عليه هذا إن قيل إن مراتب الإخلاص متحققة فيهما عليهما السّلام كما أن الوجه الأول بناء على عدم حصولها بأسرها فاستعمال الأمر في طلب الزيادة أو طلب الثبات هل هو حقيقة أم مجاز قد مر توضيحه في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] و حاصله أنه إن حمل على الثبات كان مجازا و إن حمل على الزيادة فإن كان مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه كان مجازا و إن جعل خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن كان حقيقة لأن الإخلاص الزائد إخلاص و هنا احتمال آخر نبه عليه في سورة الفاتحة و هو طلب حصول المراتب المترتبة على الإخلاص فيكون مجازا بذكر السبب و إرادة المسبب.
قوله: (و قرىء مسلمين على أن المراد أنفسهما و هاجر) و قرىء مسلمين بالجمع فوجهه بوجهين الأول أن الجمع على حاله له أفراد ثلاثة و هي أنفسهما عليهما السّلام و هاجر أدخلا عليهما السّلام هاجر رضي اللّه تعالى عنها في الدعاء كما هو عادة الأنبياء و الصديقين حيث يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم لكنه إنما يتم لو كانت حياة هاجر في ذلك الوقت معلومة و المفهوم من كلام البغوي في نقل القصة و تقريرها عدم حياتها في ذلك الحين و هاجر بفتح الجيم و ضم الراء المهملة غير منصرف قيل هكذا ضبطه الثقات اسم أم إسماعيل عليه السّلام وجه عدم انصرافها العلمية و العجمة التأنيث.
قوله: (أو أن التثنية من مراتب الجمع) هذا مذهب بعض الأئمة لكنه ضعيف لأن دليل كون أقل الجمع اثنين واه فالأولى أن صيغة الجمع هنا للتعظيم كما في سورة الواحد و الحمل على أن الاثنين باعتبار اشتماله على معنى الاجتماع له حكم الجمع فاستعمل فيه صيغة الجمع مجازا خلاف مذاق الكلام إذ قوله أو أن التثنية من مراتب الجمع يأبى عنه.
قوله: (أي و اجعل بعض ذريتنا) حمل من على معنى التبعيض و لم يحمله على الابتداء لما فصله بقوله لما أعلما الخ. قيل إنه إشارة إلى أن من للتبعيض و أنها في موضع المفعول الأول الذي هو مبتدأ في الأصل و معطوف على الضمير المنصوب في اجعلنا و أمة قوله: أو أن التثنية من مراتب الجمع فإن أقل الجمع عند البعض اثنان.
قوله: أي و اجعل بعض ذريتنا فعلى هذا يكون من ذريتنا المفعول الأول للجعل المقدر أي و اجعل بعض ذريتنا أمة مسلمة لك.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 236
باعتبار صفته في موضع المفعول الثاني معطوف على مسلمين و هذا بناء على أن من هنا اسم بمعنى البعض لا حرف حتى يرد عليه أن كون الحرف مفعولا تعسف على أن الصواب ليس بصحيح بدل تعسف إلا أن يقال إن كونه مفعولا على تقدير كونه حرفا باعتبار متعلقه و ما ذكره المص حاصل معناه و كون من اسما حين كونه بمعنى البعض مما صرح به النحرير التفتازاني و رضي به بعض الأعالي قيل لكن مجيء إن من ذريتي أمة بالنصب يدفع ذلك وجه الدفع أنه فيه إخبار عن أمة بأنها من ذرية المتكلم و لا ينبغي أن يصح الإخبار عن بعض الذرية بأنها أمة متصفة بكذا و أجيب بأنه يلزم من صحة مجيء إن من ذريتي أمة في مقام الإخبار عن أمة بأنها من ذرية المتكلم أن لا يصح الإخبار عن بعض الذرية بأنها أمة متصفة بكذا فإن لكل مقام مقالا و لا مدافعة بينهما انتهى و يؤيد ذلك كون زيد مبتدأ مرة و خبرا أخرى في قولك زيد أخوك و أخوك زيد و في قولك زيد المنطلق و المنطلق زيد و المعترض و هو النحرير معترف بذلك في المطول ثم قوله إن من ذريتي كلام مرضه النحرير التفتازاني من عند نفسه و ليس من القرآن لا ههنا و لا غيره لأنه يوجد هكذا في القرآن فقول البعض إن قوله إن من ذريتي أمة بالنصب من القرآن يدفع ذلك أي كون بعض ذريتنا مبتدأ لأن الآيات يفسر بعضها بعضا سهو عظيم و ظن جسيم.
قوله: (و إنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة) لأنهم أي الذرية و الذرية تطلق على الواحد و الكثير كما صرح به المص في سورة آل عمران أحق بالشفقة و المرحمة قال اللّه تعالى: وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214] و قال اللّه تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً [التحريم: 6] الآية.
قوله: (و لأنهم إذا صلحوا صلح بهم الاتباع) كما أن عكسهم كذلك كما بيناه في قوله تعالى فَأُمَتِّعُهُ [البقرة: 126] على قراءته بالأمر وجهه هو أنهم أولاد الأنبياء فلأجل ذلك يكون صلاحهم سببا لصلاح غيرهم و كذا ضلالهم سببا لضلال غيرهم و حاصل هذا الوجه أن الدعاء لهم دعاء شامل لغيرهم أيضا فخص الذرية بالدعاء ظاهرا روما للاختصار و إشعار بفضلهم لا لأجل التخصيص فقط و العلة مجموع الأمرين و لذا عطف بالواو فلا إشكال بأن صلاح الاتباع لما كان مرادا فلم لم يذكرهم صريحا.
قوله: (و خصا بعضهم لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة) بالوحي في زمانهما عليهما السّلام و قيل بقوله تعالى وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ [الصافات: 113] و الضمير في ذريتهما راجع إلى إبراهيم و إسحاق لا إلى إسماعيل مع أنه تعالى أخبر نبيه قوله: لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة أي أعلما من قوله عز و جل: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] بعد قول إبراهيم و من ذريتي فإن في قوله تعالى: لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] إدماج أنه سيكون من ذريته ظلمة على ما سبق في تفسيره أنه إجابة إلى ملتمسه و تنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 237
محمدا عليه السّلام بذلك فمن أين يعلم أنه أعلمهما بتلك الآية في زمانهما ففيه سهو من وجهين و القول بأنه أعلما بقوله لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] أقرب من ذلك لأن المص قال هناك إجابة إلى ملتمسه و تنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة و ذرية إسماعيل عليه السّلام ذرية إبراهيم عليه السّلام فأعلما بهذه الآية أن في ذريتهما ظلمة و المراد بالظلمة الظلمة باعتبار ما يؤول إليه مجازا أو المراد المقدر كونهم ظلمة.
قوله: (و علما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص و الإقبال الكلي على اللّه تعالى فإنه مما يشوش المعاش و لذلك قيل لو لا الحمقى لخربت الدنيا) الاتفاق على الإخلاص أشار إلى أن المراعاة بالمسلمة المخلصة و اختيار الوجه الأول من الوجهين المذكورين في مسلمين لك قوله و الإقبال الكلي تنبيه على أن المراد بالإخلاص الإقبال الكلي و التبتل إليه تعالى بشراشره لكن يرد عليه أن اتفاق ذريتهما على الاتفاق على الإخلاص ليس مما يشوش أمر المعاش لجواز كون الحمقى من غير الذرية إلا أن يقال إن صلاحهم سبب لصلاح غيرهم «1» فالدعاء لجميع الذرية بالصلاح دعاء به لجميع البرايا و هو خلاف مقتضى الحكمة الحمقى جمع أحمق و المراد بهم المكبون على تعمير الدنيا و المتعمقون بأمر المعاش المعرضون عن خدمة المولى لا الحمق بمعنى قلة العقل فإنهم في أمر المعاش كاملون في العقل إلا أن يقال إن قلة عقلهم بالنسبة إلى عقل المعاد في الصحاح الحمق قلة العقل من حمق بالضم و الكسر حماقة و حمقا فهو أحمق و امرأة حمقاء و قوم و نسوة حمق و حمقى و حماقى ثم إنه لما لم تقتض الحكمة الإلهية الاتفاق على الإقبال الكلي لئلا يتشوش به المعاش افترق الناس فمنهم مؤمن و منهم كافر كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَ مِنْكُمْ مُؤْمِنٌ [التغابن: 2] فلا إشكال بأن ما ذكره يقتضي أنه لا بد أن يكون في الدنيا الحمقاء و لا يجب أن يكون من ذريتهما و قد عرفت جوابه بإشارة المص أولا بأن إسلام كل الذرية بل إسلام جميع أهل الدنيا لا يوجب تشويش المعاش لما عرفت من النص الكريم أن المكلفين بعض منهم مقضي كفره و البعض الآخر مقضي إيمانه فثبت المرام و تم الكلام.
قوله: (و قيل أراد بالأمة أمة محمد عليه السّلام) إن أريد أمة محمد إلى يوم القيام أو أمته في جميع الأقطار فلا ريب في عدم كونهم من ذريتهما و إن أريد العرب خاصة فلا قرينة للتخصيص مع أن الأصل في العام الإبقاء على عمومه و لعل لهذا مرضه.
قوله: (و يجوز أن يكون من للتبيين كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ قوله: و يجوز أن يكون من للتبيين لأن أمة مبهمة و من ذريتنا مبينة لها صفة لها قدمت عليها
(1) ألا ترى أن المتقدمين من العلماء و الكبراء إذا كانوا على السداد كيف يتسببون لسداد من وراءهم كما في الكشاف.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 238
[النور: 55] قدم على المبين) و المعنى و اجعل أمة مسلمة لك من ذريتنا قدم على المبين لوروده مبينا حين ذكره مثل تقديم العلة على المعلول لأن ثبوت الأمر مبينا له في النفس استقرار لا يكون لما يذكر بيانه بعده فح لا يكون من ذريتنا مفعولا أول لأن البيان أبدا من تتمة المبين صفة لها إن آخر أو حال إن قدم و جعل متعديا إلى مفعول واحد بمعنى خلق لا بمعنى صير أي و أوجد أمة مسلمة حال كونها من ذريتنا و ظاهره يخالف ما مر من أن تخصيص البعض لأن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق الخ إذ الظاهر أن دعاءهما مستجاب و صلاح أبناء الأنبياء سبب لصلاح غيرهم فلزم ما لزم من المخالفة لمقتضى الحكمة الإلهية.
قوله: (و فصل به بين العاطف و المعطوف كما في قوله تعالى خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ ) [الطلاق: 12] و فصل به أي بالبيان بين العاطف و هو الواو و المعطوف و هو أمة كما في قوله تعالى: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ [الطلاق: 12] و أصله و مثلهن من الأرض.
قوله: (من رأى بمعنى أبصر أو عرف و لذلك لم يتجاوز مفعولين) من رأى بمعنى أبصر فيكون من الرؤية البصرية أو عرف أي أو بمعنى عرف من الرؤية العلمية قوله و لذلك لم يتجاوز إلى مفعولين دليل أني يفيد العلم بذلك و أما لميته فلأن الغرض معرفة ذوات المناسك لا علم أحوالها و معنى قوله لم يتجاوز إلى مفعولين أي بعد زيادة همزة الأفعال بل يتعدى إلى مفعول واحد بعد زيادتها و أصل الثلاثي يتعدى إلى مفعول واحد فيتعدى بعد زيادتها إلى مفعولين و لو كان من رأى بمعنى علم لتعدى بعد زيادة الهمزة إلى ثلاثة مفاعيل و هذا مراده.
قوله: (متعبداتنا في الحج أو مذابحنا و النسك في الأصل غاية العبادة) متعبداتنا في الحج أي مواضع عباداتنا الكائنة في الحج فيكون من قبيل المبصرات و كذا الكلام في المذابح فما وجه حمل الرؤية على المعرفة مع أن كون الرأي بمعنى عرف أنكره ابن فصارت حالا و مفعولا أجعل أمة مسلمة و الواو داخلة في الأصل على أمة لكن فصل بينها و بين المعطوف كما في قوله تعالى: خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ [الطلاق: 12] و قوله كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ [النور: 55] تمثيل لمجرد مجيء من للبيان و لذا أخر عنه.