کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 248
معناه إن أريد به عدم استعداده للنظر فكل أحد له استعداد له و إن أريد به أنه مؤوف بسلب العقل فلا تكليف و في الكشاف لأن من جمع الكرامة عند اللّه في الدارين بأن كانت صفوته و خيرته في الدنيا و كان مشهودا له بالاستقامة على الخير في الآخرة لم يكن أحد أولى بالرغبة في طريقته منه انتهى. إذ لا مقصود للإنسان سوى خير الدارين و إن كانت الصفوة في الدنيا متفاوتة في السابع «1» و المتبوع و لما كان قوله وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ الخ في مقام التعليل للاتباع و لسفاهة المعرض أوثر الجملة الاسمية مع أن المفيد للتأكيد إذ شأن التعليل ذلك و أيضا فيه تنبيه على استمراره على الصلاح في الآخرة و أما الاصطفاء لمضيه وقت الإخبار عبر عنه بالجملة الماضوية ثم قيل إنه من حيز القسم معطوف على الجملة الماضوية مؤكد لمضمونها مقرر لما قرره فح عدم تناسب الجملتين في الاسمية و الفعلية لنكتة كما أشرنا إليه فلا إشكال بأن محسنات الوصل منتفية و قيل إن الجملة الثانية ليست معطوفة بل هي تذييل آخر و اللام فيها لام الابتداء فتكون الجملة الأولى مؤكدة بالقسم و الثانية بلام الابتداء على سبيل التتميم كما في الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 3] و ما نقل عن الرضي من أنه قال و إذا كان الماضي أول جزأي الجملة مع قد كثر دخول لام الابتداء عليه و ليست جواب القسم خلافا للكوفيين فهي تقتضي كون الجملتين مؤكدتين بلام الابتداء و الجملة الثانية معطوفة على الأولى أو حال عنها و الجملة الأولى إما حال أو جملة معترضة و هو الظاهر و البعض رجح كونها حالا و ادعى أن قوله حجة و بيان لذلك إشارة إليه ظاهره حجة عليه.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 131]
إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (131)
قوله: (ظرف لاصطفيناه) و توسط أنه في الآخرة لمن الصالحين لا يأباه لفظا لأنها تقرير و تأكيد لقوله: لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ [البقرة: 130] لأن كونه باقيا في زمرة الصالحين لأجل اصطفائه في الدنيا و قيل لأن اصطفاءه في الدنيا إنما هو للنبوة و ما يتعلق بصلاح الآخرة و فيه نوع خفاء فلا حاجة إلى أن يجعل المتوسط اعتراضا أو حال مقدرة.
قوله: (و تعليل له) قيل و الظروف قد تفيد التعليل الأولى أنه إشارة إلى كون إذ للتعليل لا للظرف فإنه قد يجيء بمعنى اللام إذ إفادة الظرف التعليل ليس بكلي و يمكن منع إفادته من حيث كونه ظرفا «2» و المستفاد من خارج لا يسند إلى الظرف و كونه تعليلا بعد قوله: ظرف لاصطفيناه أو تعليل له و المعنى على الأول و لقد اخترناه في الدنيا وقت قولنا له أسلم و على الثاني اصطفيناه لأنا أمرناه بالإسلام أي اصطفاء فوق الإرشاد إلى طريق الحق الموصل إلى السعادة الأبدية و على التقديرين يكون في قال التفات من التكلم إلى الغيبة و مقتضى الظاهر إذ قلنا له أسلم.
(1) لأن النبوة و الخلة داخلة في الصفوة في شأن المتبوع دون التابع و إن كان منتفعا به.
(2) و في المعنى و الثالث أن يكون إذ للتعليل نحو قوله تعالى: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ الآية أي و لن ينفعكم اليوم اشتراككم في العذاب لأجل ظلمكم في الدنيا و هل هذه حرف بمنزلة لام التعليل أو ظرف-
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 249
كون قالَ أَسْلَمْتُ من تتمته لكونه جوابا للسؤال المقدر كأنه قيل فماذا قال حين كونه مأمورا بالإسلام.
قوله: (أو منصوب بإضمار اذكر كأنه قيل اذكر ذلك الوقت) ظاهر كلامه أنه مفعول به لا ذكر و لهذا قال كأنه قيل اذكر ذلك الوقت لكن هذا يخالف ما ذكره في قوله تعالى:
وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ [البقرة: 30] من قوله و محلهما أي محل إذ و إذا النصب أبدا بالظرفية فإنهما من الظروف غير المتصرفة لما ذكرنا و أما قوله تعالى: وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ [الأحقاف: 21] و نحوه فعلى تأويل اذكر الحادث إذ كان كذا فحذف الحادث و أقيم الظرف مقامه انتهى. فمقتضى كلامه أن يكون المعنى هنا اذكر الحادث في ذلك الوقت أو مشى هنا على ما اختاره البعض من أنه مفعول به و الأمر بذكر الوقت نفسه مستلزم لذكر الحادث فيه على وجه أبلغ.
قوله: (لتعلم أنه المصطفى الصالح المستحق للإمامة و التقدم) الخ فتعلم بذلك أن من يعرض عن اتباع ملته و لم يتخذه إماما فهو سفيه مستخف نفسه يريد أنه منصوب باذكر و الحكمة في الأمر بالذكر للاستشهاد على حاله من استحقاقه الإمامة و كونه مقتدى به لكن هذا الاستشهاد بملاحظة قوله قال أسلمت و أشار إليه المص في أثناء التقرير حيث قال بادر إلى الإذعان و أما إذا كان ظرفا أو تعليلا فظاهر أنه بيان لاستحقاقه الإمامة و التقدم أما في التعليل فظاهر و أما في الظرف فلانفهام التعليل من حاق الكلام مثل قولك أكرمته إذ صلى فإنه اقتضى ظاهر الحال أن الصلاة و أداءها سبب الإكرام و كذا هذا و لظهور ذلك لم يتعرض له و أما الأمر بالذكر فلما كان وجهه خفيا أوضحه و فصله.
قوله: (و أنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان و إخلاص السر) لأن معناه الظاهري غير صحيح هنا قال تعالى: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ [البقرة: 124] الآية.
قوله: (حين دعاه ربه) فقال له ربه أسلم هذا يشير إلى أن إذ في إذ قال له متعلق قوله: و أنه نال ما نال بالمبادرة إلى الإذعان معنى المبادرة إلى الإذعان مستقاد من قول إبراهيم عقيب الأمر بالإسلام أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ .
قوله: و إخلاص السر عطف على الإذعان و هما ناظران إلى تفسيري الإسلام كما ذكر من أن أسلم إن كان من أسلم وجهه للّه كان بمعنى أخلص أو إذ كان من استسلم يكون بمعنى انقاد و الإذعان من الانقياد للحق.
قوله: حين دعا ربه و اخطر بباله دلائله المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام المفهوم من قوله هذا إن قوله تعالى لإبراهيم أسلم مجاز عن اخطاره بباله دلائل المعرفة و النظر الصحيح
- و التعليل مستفاد من حاق الكلام لا من اللفظ فإنه إذا قيل ضربته إذ اساء و أريد به الوقت اقتضى ظاهر الحال أن الإساءة سبب الضرب قولان و فيه مزيد توضيح فعلم أن الواو في قول المص و تعليل بمعنى الواو.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 250
و ظرف لقوله: قالَ أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] فح لا يصح كونه ظرفا لاصطفيناه و لا تعليلا له و لا منصوبا بالذكر مع أنه في صدر توضيح كونه منصوبا باذكر إلا أن يقال إنه إشارة إلى احتمال آخر في إذ لكنه بعيد لما ذكرناه أو هذا حاصل كونه استئنافا إذ قد عرفت إن قال أسلمت استئناف.
قوله: (و أخطر بباله دلائله المؤدية إلى المعرفة الداعية إلى الإسلام) عطف تفسيري لقوله دعاه ربه فإذا جعل عطف تفسيري له اندفع الإشكال المذكور فإنه ح لا يكون قوله حين دعاه ربه ناظرا إلى قوله تعالى: قالَ أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] بل يكون عبارة عن الأخطار المذكور و فيه إشارة إلى أنه عبر عن الأخطار الدلائل المؤدية إلى المعرفة بحسب العادة و إذعانه أي قبوله بمدلولاتها بالقولين تصوير السرعة الإجابة و يقرب منه ما قيل إن قوله أسلم مجاز عن الإلهام و إخطار دلائل التوحيد بباله و تمكينه من النظر و أن قوله عليه السّلام أسلمت مجاز عن النظر و المعرفة على منوال قوله تعالى: كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: 117] فهو إشارة إلى استدلاله عليه السّلام بالكواكب و القمر و الشمس و إطلاعه على أمارات الحدوث على ما عليه أكثر المفسرين من أنه قبل النبوة و قبل البلوغ فأمر إبراهيم عليه السّلام في حال صباوة بإحداث الإيمان و الإسلام حقيقة غير مستقيم عند الأشاعرة إذ لا تكليف على الصبي و لذا حمل المص على الاستعارة «1» التمثيلية و كذا صاحب الإرشاد حيث قال و ليس الأمر حقيقة بل هو تمثيل و المعنى أخطر بباله دلائل التوحيد الخ و يؤيده قوله وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ [الأنبياء: 51] أي في صغره قبل بلوغه حين كان في السرب و ظهرت له الكواكب فاستدل بها كذا قاله الإمام في تفسير هذه الآية و أما من قال إنه بعد النبوة فقال المراد منه الأمر بالإطاعة و الإذعان بجزئيات الأحكام و إنما لم يحمل على الحقية أعني إحداث الإسلام و الإيمان لأن الأنبياء عليهم السّلام معصومون عن الكفر قبل النبوة و لأنه لا يتصور الوحي و الاستنباء قبل الإسلام و الحاصل أن الأمر على حقيقته لكن المراد بالإسلام لازمه مجازا و هو الإطاعة و من قال إنه بعد النبوة هل يقول إنه بعد البلوغ أو قبل البلوغ و الظاهر بعد البلوغ و يحتمل قبل البلوغ كما روي عن مقاتل أشير إليه في التفسير الكبير في المؤدي إلى الإسلام و قول إبراهيم عليه السّلام أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ مجاز عن معرفته لوجوه الإسلام التي هي نتيجة النظر الصحيح الذي أخطر اللّه تعالى بباله و لا أمر هناك و لا جواب كما مر في كُنْ فَيَكُونُ من أنه عبارة عن تعلق إرادته تعالى و قدرته بالمقدور عن سرعة حصول المقدور بعد تعلقهما به يرشدك إليه كلام الكشاف حيث قال و معنى قال له أسلم أخطر بباله النظر في الدلائل المؤدية إلى المعرفة و الإسلام فقال أسلمت أي فنظر و عرف أقول أنت قد عرفت في تفسير كُنْ فَيَكُونُ و هو الحق فيه من غير تكلف ارتكاب للمجاز.
(1) كما حمل في قوله تعالى: أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الأعراف: 172] و أيضا حمل قوله تعالى: وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ [الأنفال: 48] الآية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 251
قوله تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ [الأنبياء: 51] الآية و لو حمل الأمر بالإسلام على الثبات عليه لكان مستقيما لكن الأمر حقيقة أو مجاز ففيه تفصيل مذكور في تفسير قوله تعالى:
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] «1» و الالتفات من التكلم إلى الغيبة مع كونه تنشيطا للتسامع بالسلوك إلى أسلوب جديد لإظهار مزيد العناية و الكرامة حيث اختير الرب المشعر بكمال التربية و من جملتها إخطار باله عليه السّلام دلائل التوحيد و الهداية إلى الاستدلال بالقول السديد و الرأي الرشيد و لو عبر بصيغة المتكلم لخلا عن الوصف بتلك الصفة و لفات تلك النكتة الرشيقة و في إضافة الرب بعد اختياره اسم الرب إلى العالمين اعتراف بكمال تربية حيث ميز بالتوفيقي إلى التوحيد و دلائله و إلزام المشركين بالحجج الساطعة و إبطال مذاهبهم الزائغة بالبراهين الدامغة حتى كان رئيس الموحدين و قدوة المحققين فاعترف ربوبيته مع إتيان برهانه كأنه قيل أسلمت لربنا الذي هو رب العالمين و أنا من جملة العالمين و هذا أبلغ من وجوه من القول أسلمت لربي مع رعاية الفاصلة التي من شعب البلاغة.
قوله: (روي أنها نزلت) أي آية وَ مَنْ يَرْغَبُ الآية ففيه تسفيه مهاجر لآبائه عن دين محمد عليه السّلام و هو ملة إبراهيم عليه السّلام و كذا كل من أبى عن اتباع دينه عليه السّلام سفيه أو متسفه لأن خصوص السبب لا ينافي عموم الحكم.
قوله: (لما دعا عبد اللّه بن سلام ابني أخيه سلمة و مهاجرا إلى الإسلام فأسلم سلمة و أبي مهاجر) فقال لهما قد علمنا أن اللّه تعالى قال في التورية إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد من آمن به فقد اهتدى و رشد و من لم يؤمن به فهو ملعون «2» فنزلت الآية تصديقا له نقل عن السيوطي أنه قال لم نجد هذا في شيء من كتب الحديث.
قوله تعالى:
[سورة البقرة (2): آية 132]
قوله: (التوصية هو التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح و قربة) سواء كان حالة الاحتضار قوله: روي أنها نزلت أي روي أن قوله تعالى وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ [البقرة:
130] إلى قوله أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [البقرة: 131] نزل حين دعى عبد اللّه الخ فتكون الآية إنكارا لرغبة ابنه الآخر مهاجر عن ملة إبراهيم و امتناعه عن التدين بها لكن أخرج الكلام مخرج الإطلاق فيدخل فيه مهاجر دخولا أوليا.
(1) و أما ما ذكره شراح الكشاف من أن الأنبياء معصومون عن الكفر قبل البعثة و بعدها و أن الوحي و الاستنباء لا يتصور أن قبل البعثة فبيان كلامه تعالى موافقا لمذهبه فإن الصبي العاقل مكلف بالإيمان عند المعتزلة بلا اشتراط مضي زمان التجربة فيكفر بمجرد عدم التصديق بعد التمييز بلا توقف على التكذيب كما تقرر في الكتب الكلامية كذا في الحاشية الخسروية.
(2) و هو التحريص للغير بفعل على أن الباء للتعدية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 252
أو لا و سواء كان ذلك التقدم بالقول أو الدلالة و ما نقل عن الراغب من أنه قال التوصية التقدم إلى الغير بما يعمل به مقترنا بوعظ من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات فهو مقتض لتخصيصها بالقول و أيضا يقتضي تخصيصها بما هو من شأنه أن يعمل الموصي و كلام المص ساكت عن هذا القيد و الظاهر أنه لا بدّ منه الآن يقال أشار إلى هذا بقوله كان الموصي الخ.
قوله: (و أصلها الوصل يقال وصاه إذا وصله و فصاه إذا فصله) أي أصل التوصية الوصل في أصل اللغة يقال وصاه الخ بيان لكون أصلها الوصل قوله و فصاه إذا فصله من الثلاثي لمزيد الكشف و التوضيح إذ الأشياء تنكشف بأضدادها فالتفعيل «1» بمعنى الثلاثي في كلاهما.
قوله: (كان الموصي يصل فعله بفعل الوصي) بيان وجه المناسبة بين أصل اللغة و عرف اللغة إذ معنى التقدم إلى الغير معنى لغوي لها أيضا لكنه معنى في عرف اللغة و الأول معنى في أصل اللغة و إنما قال كان لأنه لا يصل فعله بفعل الوصي حقيقة بل يفعل شيئا من شأنه أن يفعل الموصي لو كان الموصي حيا أو حاضرا ثم اتسع فاستعمل في التقدم إلى الغير بفعل فيه صلاح ديني أو دنيوي و إن لم يكن ذلك الفعل فعل الموصي أو من شأنه أن يفعل و أشار إلى ذلك بقوله إلى التقدم إلى الغير أولا و بقوله كان الموصي يصل فعله آه ثانيا فمجموع ما ذكرناه منفهم من مجموع كلامه و توصية إبراهيم عليه السّلام بنيه و يعقوب من قبيل التقدم إلى الغير يفعل فيه صلاح فإن كونهم على الإسلام حين موتهم فعلهم لا فعل إبراهيم عليه السّلام ثم نقل في اصطلاح الفقهاء إلى معنيين أحدهما مستعمل باللام و الآخر مستعمل بإلى أما معنى الثاني فهو تفويض التصرف في ماله و مصالح أطفاله إلى غيره بعد موته و أما معنى الأول فجعل الغير مالكا لماله بعد موته قوله يصل فعله إلى آخره و لم يتعرض للقول إما لتعميم الفعل إليه أو من باب الاكتفاء.
قوله: (و الضمير في بها للملة) قدمه لخلوه عن التكلف و لإظهار إبراهيم و عطف قوله: و الضمير في بها للملة في قوله عز و جل: وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ [البقرة: 130] أو لقوله أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] على تأويل الكلمة على نحو رجوع الضمير في قوله سبحانه وَ جَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً [الزخرف: 28] إلى قوله إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: 26، 27] فإن قوله كَلِمَةً باقِيَةً [الزخرف: 28] يدل على أن تأنيث الضمير في جعلها إنما هو بتأويل الكلمة قبل هذا غير لازم لجواز أن تأنيث الضمير لكون براء بين مذكر و مؤنث لا يكون لفظه أنني براء في تأويل الكلمة لكن رجعه إلى مضمون قوله قالَ أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] بتأويل الكلمة أولى لقربه و لأن قوله و وصى عطف على قال و المعنى قال ذلك في حق نفسه و وصى بها بنيه و قيل ترك المضمر إلى المظهر أعني إبراهيم ربما يرجح العطف
(1) و البعض ذهب إلى أن وصاه بالتخفيف من حد ضرب و كذا فصاه و لا يخفى أنه خلاف سوق كلام المص.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 253
يعقوب عليه مع أن عطف وصى على ما قال له ربه يقتضي الضمير فالعدول إلى الظاهر يرجح كون المرجع ملة إبراهيم فإنه لما قيل أولا وَ مَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ ثم قيل ثانيا وَ وَصَّى بِها إِبْراهِيمُ يتبادر منه كون الضمير راجعا إلى الملة.
قوله: (أو لقوله أسلمت على تأويل الكلمة أو الجملة) إذ الكلمة تطلق على الجملة كما تطلق على المفرد و عن هذا قال أو بتأويل الجملة فالترديد في العبارة فحينئذ يعطف وصى على قالَ أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] الآية فالمعنى ذلك في حق نفسه و وصى به بنيه بأن يذكروه حكاية عن أنفسهم و قالوا أسلمنا لرب العالمين و على هذا يكون يعقوب منصوبا معطوفا على بنيه وجه صحته مع ضعفه كون الموصى به مطابقا في اللفظ لأسلمت و قرب المعطوف عليه لما عرفت من أنه حينئذ عطف على قال أسلمت أي لم يكتف بقوله أسلمت حين قال له أسلم بل ضم إليه التوصية تنبيها على أن الأمر له أمر شامل لهم لأنه إمام للناس و الاكتفاء بالتوصية لبنيه لأنهم أحق بالشفقة و لأنهم إذا صلحوا صلح بهم سائر الناس كما نبه عليه سابقا لكن التوصية بالملة مآلها التوصية بالقول أسلمنا و بالعكس فالرجحان للأول لما ذكر «1» قيل و هذا باعتبار الحكاية إن كان معنى قال أسلمت نظر أو عرف أي على طريق التمثيل أو باعتبار المحكي أي كون قال أسلمت في معنى نظر أو عرف لا ينافي تكلمه بهذه الكلمة ظاهرا فلا إشكال بأنه قد ثبت أن هذا القول مجاز عن النظر و المعرفة فكيف يرجع الضمير بالتأويل المذكور و إن أريد بقوله أسلمت الإذعان و الإخلاص فرجوع الضمير إليه بالتأويل المذكور باعتبار المحكي فلا إشكال أيضا و لو قيل إنه عود الضمير إلى اللفظ مع الاختلاف في المعنى حقيقة أو مجازا بطريق الاستخدام لم يبعد.
قوله: (و قرأ نافع و ابن عامر أوصى و الأول أبلغ) لدلالته على الاعتناء بشأنها حيث دل صيغة التفعيل على التكثير في الفعل و التكثير يشعر الاهتمام و هو المراد هنا إذ لا يراد التكثير في مثل هذا و إن أمكن في نفسه.
على الكلام الأسبق و كون الضمير للملة و كذا عطف و يعقوب على إبراهيم و ذلك لأن وضع المظهر موضع المضمر و عطف يعقوب عليه يدل على أنه شروع لكلام آخر لبيان تواصي الأنبياء باستمساك الدين الحق الجامع لجميع أحكام الأصول و الفروع ليتوارثوا الملة القويمة و الشرع المستقيم نسلا بعد نسل و ذلك يقتضي أن يعود الضمير في بها إلى الملة و يرشدك إلى أن العطف يرجح رجع الضمير إلى الملة ذكر يعقوب في توصيته لبنيه الدين و هو بمعنى الملة قال إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ و لم يقل إن اللّه اصطفى لكم الإسلام و لو كان الضمير راجعا إلى قوله أَسْلَمْتُ [البقرة: 131] لكان الأنسب أن يقال قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ و وصى بها هو بنيه و يعقوب أن اللّه اصطفى لكم الإسلام.
قوله: و الأول أبلغ وجه كونه أبلغ هو دلالته بالصيغة على التكثير و توصيته بها مرارا كثيرة.
(1) من أنه لا يحتاج إلى التكليف الذي احتيج إليه في الإرجاع إلى قوله اسلمت كما عرفت من الإشكال و دفعه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج4، ص: 254
قوله: (عطف على إبراهيم أي وصى هو أيضا بها) بنيه و لما كان ما اعتبر في المعطوف عليه معتبرا في المعطوف ما لم يمنع مانع قال أي وصى هو أيضا بها بنيه و هذا يؤيد كون المرجع ملة إذ لم يصدر عن يعقوب أسلمت و لم يحك ذلك عنه.
قوله: (و قرىء بالنصب على أنه ممن وصاه إبراهيم) للعطف على بنيه و قد أشرنا إليه آنفا و هذا يؤيد ما ذكرنا من أن الأمر لإبراهيم عليه السّلام أمر شامل للناس و لهذا وصى لبنيه و التخصيص ببنيه لما ذكر و لما كانت الوصية عامة لهم جعل تلك الوصية أعم من الذات أو بالواسطة فلا إشكال بأنه بعيد لأن يعقوب لم يكن فيما بين أولاد إبراهيم عليه السّلام حين وصاهم بها بل ذكر يعقوب يفيد العلم بأن الوصية شاملة للناس جميعا و تخصيص يعقوب لأنه ابن ابنه إسحاق و يعقوب أبو أنبياء بني إسرائيل و قد ذكر المصنف أن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته.
قوله: (على إضمار القول عند البصريين متعلق بوصي عند الكوفيين لأنه نوع منه) على إضمار القول عند البصريين و هو المختار عنده فإن عندهم لا بدّ من القول الصريح أو الإضمار في مثل هذه المواضع لأنه مقول و أما عند الكوفيين فيكفي في كونه مقولا تضمن الفعل معنى القول و هنا كذلك لأنه نوع منه إذ الوصية تكون بالقول غالبا أو لا يكون إلا بالقول كما قيل لكن هذا في الوصية عند الفقهاء و أما في اللغة فيعم الفعل أيضا لأن التقدم إلى الغير أي ترغيبه إلى فعل فيه صلاح كما يتحقق في القول يوجد في الفعل أيضا بل هو أحرى في التحريض إلى الخير فلما كانت الوصية مشتملة على معنى القول يجوز وقوع الجملة في حيز مفعولها من غير تقدير لفظة إن إذ جواز كون الجملة مفعولا مختص بالأفعال الناسخة للمبتدأ و فيما عداه لا يجوز كون مفعوله جملة إذا كان ذلك متضمنا بمعنى فعل من الأفعال النواسخ «1» فإذا كانت الجملة مقول القول فلا كلام في حسنه فالبصريون ذهبوا إلى أنه لا بدّ من القول الصريح أو الإضمار و الكوفيون اختاروا كون الفعل متضمنا للقول كاف في ذلك و لا حاجة إلى تقدير القول.
قوله: (و نظيره رجلان من ضبة أخبرانا) رجلان روي بسكون الجيم للتخفيف «2» من قوله: على أنه ممن وصاه إبراهيم بناء على أن ابن الابن من الأبناء.
قوله: متعلق بوصى عند الكوفيين لأن التوصية فيه معنى القول بل هو القول المخصوص و هو المراد بقوله لأنه نوع منه و تقرير الكلام فيه إن بنى جملة و هي لا تقع مفعولا إلا لأفعال القلوب أو للقول عند البصريين فكان تقدير و قال يا بني و عند الكوفيين إنما تقع في حيز كل في فعل بمعنى القول أيضا و هذا خلاف شائع فيما بينهم.
قوله: رجلان من ضبة اسم قبيلة و إنا رأينا بكسر الهمزة في تقدير القول أي قالا إننا رأينا لأنه لو كان متعلقا بإخبارنا لكان ينبغي أن تفتح الهمزة.
(1) كما صرح جوابه في قوله تعالى: قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الأنبياء: 60] الآية أن يذكرهم مفعول ثان لسمعنا لتضمنه معنى علم الذي هو من النواسخ.