کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 460
استعماله بمعنى أجاب مطلقا بقيام القرينة و وجهه أن السين تدل على طلب الجواب و المطلوب ما يوافق مراده لا ما يخالفه و هو يفيد الظن.
قوله: (و يعدى بنفسه و باللام) كما في قول الغنوي:
وداع دعايا من يجيب إلى الندى
فلم يستجبه عند ذاك مجيب
و هذا لكونه غير شائع استشهد الزمخشري بقول الغنوي و لك أن تقول إن تعديته بنفسه لضرورة الشعر فلا استشهاد و وجهه على تقدير ثبوته إن استجاب أي أوصله مراده يتعدى بنفسه و إن كان معناه اهتم له في تحصيل مراده فيتعدى باللام و هو الشائع في الاستعمال و إلا فالفعل بمعنى واحد لا يكون متعديا بنفسه و بحرف الجر قيل و هذا في التعدية إلى الداعي و أما إلى الدعاء فشائع بدون اللام مثل استجاب اللّه دعاءه و لهذا قيل إن هذا البيت على حذف المضاف أي لم يستجب دعاءه كما سيأتي في سورة القصص.
قوله: (أي بأني لا أضيع و قرىء بالكسر على إرادة القول) بأني لا أضيع متعلق باستجاب «1» لأن فيه معنى القول أي فاستجاب لهم قائلا «2» إني أضيع.
قوله: (بيان عامل) بمعنى شخص عامل و الشخص يعم الذكر و الأنثى بلا تغليب و لك اعتبار التغليب لأن المراد جنس عامل فغلب الذكر على الأنثى في إطلاق عامل.
قوله: (لأن الذكر من الأنثى و الأنثى من الذكر) أي جنس الذكر من الأنثى و هي أمه و الأنثى ابتداؤها من الذكر و هو أبوها فمن ابتدائية لم يقل لأن الذكر و الأنثى كل منهما من الذكر و الأنثى لأن ما ذكره المص هو الأوفق لقوله تعالى: مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ [آل عمران: 195].
قوله: (أو لأنهما من أصل واحد أو لفرط الاتصال و الاتحاد أو للاجتماع و الاتفاق في الدين) من أصل واحد و هو آدم عليه السّلام أو الأب فمن اتصالية بحسب اتحاد الأصل قوله أو لفرط الاتصال في الاختلاط أو الاتحاد في الاعتقاد حتى كان كل واحد من الآخر قوله: لأن الذكر من الأنثى بيان لمعنى من الابتدائية في بعضكم من بعض أي بعضكم منشأ و مبتدأ من بعض إما بمعنى أن الذكر منشأ من الأنثى و بالعكس أو بمعنى أنه يجمعهما أصل واحد و هو آدم فالمعنى بعضكم من أصل بعض بحذف المضاف و هذان الوجهان على أن يكون من للابتداء و أما قوله أو لفرط الاتصال و الاتحاد أو للاجتماع و الاتفاق في الدين فمبني على كون من اتصالية و مبناها البيان فكأنه قيل بعضكم هو البعض الآخر لاتحاد و اجتماع بينهما في المحبة و الدين.
(1) قيل و ليس الباء صلة لاستجاب كما يتبادر و جوابه أنه صلة باعتبار تضمنه معنى القول.
(2) هذا هو الظاهر من تقدير القول و قيل يحتمل وجهين أحدهما أن يكون استجاب بمعنى قال الخ بهذا خلاف ظاهر العبارة.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 461
من قرابة الإسلام و هي أقوى من قرابة النسب فلفظة من اتصالية أيضا لكن بمعنى الاتحاد في الدين لا الاتحاد في النسب.
قوله: (فهي جملة معترضة بين بها شركة النساء مع الرجال فيما وعد للعمال روي أن أم سلمة قالت يا رسول اللّه إني أسمع اللّه يذكر الرجال في الهجرة و لا يذكر النساء فنزلت:
فَالَّذِينَ هاجَرُوا [آل عمران: 195] إلى آخرها) أي جملة بعضكم من بعض معترضة بين المجمل و التفصيل و فائدتها ما ذكره المص قوله روي أن أم سلمة رضي اللّه تعالى عنها قيل رواه الترمذي.
قوله: (إني أسمع اللّه تعالى الخ). قد سبق بيان هذا المبنى.
قوله: (تفصيل لأعمال العمال و ما أعد لهم من الثواب) أي الفاء للتفصيل قوله العمال إشارة إلى أن عاملا في قوة الجمع لأن المراد جنس العامل كما نبهنا عليه قوله و ما أعد لهم الخ ناظر إلى قوله: لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ [آل عمران: 195] الآية.
قوله: (على سبيل المدح و التعظيم) إما للعمل أو العامل و كل منهما مستلزم للآخر قوله على سبيل المدح و التعظيم قال النحرير التفتازاني حيث فصل بعد الإجمال اعتناء بشأن الأعمال و خص بعد التعميم و أخبر مؤكدا بالقسم بتكفير السيئات و إدخال الجنات و عظيم الثواب من عند اللّه تعالى الجامع بصفات الكمال.
قوله: (و المعنى فالذين هاجروا الشرك أو الأوطان و العشائر للدين) قدمه لكون و أخرجوا من ديارهم تأسيا أو لكونه هجرة في الحقيقة لقوله عليه السّلام «المهاجر من هاجر عما نهى اللّه تعالى» و الوجه الأول ضعيف قوله أو الأوطان و العشائر و هذا خروج فلا ينافي كون فاخرجوا تأسيسا.
قوله: (أي بسبب إيمانهم باللّه و من أجله) معنى في سبيل اللّه لأن في سبيله معناه لأجله و بسببه مثل قوله عليه السّلام إن امرأة عذبت في هرة الحديث أي في شأن هرة و لأجلها و قيد الكفار في قاتلوا و الجهاد في قتلوا منفهم من ترتب الجزاء و هو أحسن الجزاء (الكفار).
قوله: (في الجهاد و قرأ حمزة و الكسائي بالعكس لأن الواو لا توجب ترتيبا و الثاني أفضل أو لأن المراد لما قتل منهم قوم قاتل الباقون و لم يضعفوا و شدد ابن كثير و ابن عامر قتلوا للتكثير) الواو لا توجب ترتيبا وقع إشكال على قراءة حمزة بأنه كيف تكون المقاتلة بعد القتل فأجاب بأن الواو لا توجب الترتيب فلا يقتضي كون المقاتلة بعد القتل و لما أمكن أن يقال إنه لا بد في الترتيب الذكري من فائدة فما هي فأجاب بأن الثاني و هو القتل الذي هو الشهادة أفضل من المقاتلة و التعبير بالثاني مع أنه الأول في هذه القراءة الأخيرة بالنسبة إلى القراءة الأولى التي جعلها أصلا فقدم في الذكر مع أن حقه المتأخر كما في القراءة الأولى للتنبيه على أفضلية هذا إذا كان المقاتل و المقتول واحدا و أما إذا كان المراد بهما متغايرين فالوجه ما ذكره بقوله: أو لأن المراد لما قتل الخ. كما ذكره المص فالضمير راجع إلى قوم في قاتلوا و إلى قوم آخر في قتلوا فتفكيك الضمير مما يكون مقبولا عندهم (لأمحونها).
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 462
قوله: (أي أثيبهم بذلك إثابة من عند اللّه تفضلا منه) إنما اخر لأن التحلية بعد التخلية قوله إثابة إشارة إلى أن ثوابا «1» وضع موضع الإثابة إما بحذف الزائد أو مفعول مطلق لفعله مثل أنبته اللّه نباتا حسنا و المعنى فيثابون ثوابا من عند اللّه قوله تفضلا لا جزاء له لعمله و عن هذا لم يصدر الجزاء بالفاء و لو اعتبر كونه جزاء لكان مصدرا بالفاء.
قوله: (فهو مصدر مؤكد) أي ليس للمرة و هو ظاهر و لا للنوع لأن المؤكد بفتح الكاف عين المؤكد لأن معنى لأدخلنهم لأدخلنهم من عندي لما عرفت من أن الجزاء لما لم يكن مصدرا بالفاء علم أنه من فضله و هذا قريب ما يقال و الوصل المؤكد لا ينافي كون المصدر مؤكدا و في قوله: مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: 195] التفات و قيل إن المعنى ثوابا فوق الجنات قوله لأكفرن خبر للمبتدأ و هو الذين إما بتقدير القول أو الجملة القسمية يجوز أن يكون خبرا و إن كانت إنشائية بدون تقدير القول.
قوله: (على الطاعة قادر عليه) أي الكلام تمثيلي شبه حال الثواب و هي اختصاصه تعالى بحيث لا يقدر عليه غيره تعالى بحال شيء يكون بحضرة أحد لا بد لغيره عليه فاستعمل ما هو الموضوع للمشبه به في المشبه و ليس معناه أن الثواب بحضرته و بالقرب منه على ما هو حقيقة لفظة عند و كذا الكلام في مثل قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ [آل عمران: 15] و نحوها.
قوله تعالى:
[سورة آلعمران (3): آية 196]
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196)
قوله: (الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد أمته) لأن سيد القوم يخاطب بشيء فيقوم خطابه مقام خطابهم جميعا يعني بطريق التعريض.
قوله: فهو مصدر مؤكد أي ثوابا مصدر مؤكد لقوله تعالى: وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ [آل عمران: 195] لأنه بمعنى لأثيبهم فكأنه قيل و لأثبتهم إثابة من عند اللّه.
قوله: لأن الواو لا توجب ترتيبا هذا جواب عما يسأل و يقال فعلى هذه القراءة إذا قتلوا فكيف قاتلوا فأجيب بأن الواو لا توجب الترتيب أو المراد أنه قتل بعضهم و قاتل آخرون و لم يضعفوا.
قوله: قادر عليه معنى القدرة مستفاد من لفظ عنده فإن من المعلوم أن الجواد الذي عنده نعم لا تحصى قادر على إفاضتها على مستحقها.
قوله: الخطاب للنبي و المراد أمته أي الخطاب بلا يغرنك من حيث الظاهر للنبي عليه الصلاة و السّلام لكن المراد أمته و المعنى لا يغرنكم أيها المؤمنون و إنما أخرج عن ظاهره إذ لا معنى من حيث الظاهر لنهي من لم يتصف بالغرور.
(1) قيل فوضع ثوابا موضع الإثابة و إن كان في الأصل اسم لما يثاب به كالعطاء لما يعطى و الظاهر أن الثواب يستعمل بمعنى المصدر أيضا و منه يشتق الفعل ثاب يثوب قال المص في تفسير قوله تعالى: لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية لأن المحسن يثوب إليه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 463
قوله: (أو تثبيته على ما كان عليه كقوله فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [القلم: 8] أو لكل أحد) أو تثبيته فإنه عليه السّلام و إن لم ينزل بوجه و لا يتوقع منه تزلزل لكنه أمر بالثبات على ما كان عليه من عدم الاغترار للتنبيه على صعوبة ذلك قوله أو لكل أحد ممن يصلح أن يخاطب سوى النبي عليه السّلام للقرينة فيكون الخطاب إلى غير معين فيكون مجازا و لذا اخره مع خلوه عن التمحل فما وقع من أنه خطاب للنبي عليه السّلام و لكل أحد يحمل الواو فيه على أو الفاصلة و جعله عاما له عليه السّلام بطريق التغليب لا يرضى به اللبيب.
قوله: (و النهي في المعنى للمخاطب و إنما جعل للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب للمبالغة) و النهي في المعنى للمخاطب لأن النهي إنما يتوجه إلى العاقل فهو منهي عن الاغترار كناية قوله تنزيلا الخ علة قوله للمبالغة علة باعثة و موجبة له وجه المبالغة هو أن نهي السبب لا سيما السبب الذي هو غير عاقل مستلزم لنهي المسبب فيكون مجازا مرسلا أو كناية فهما أبلغان من الحقيقة و التصريح و لو أريد بالمبالغة المبالغة في السببية فالأمر واضح.
قوله: (و المعنى لا تنظر إلى ما الكفرة عليه من السعة و الحظ و لا تغتر بظاهر ما ترى من تبسطهم في مكاسبهم و متاجرهم و مزارعهم) و المعنى لا تنظر هذا يدل عليه النظم اقتضاء و لا تفتر نهي المخاطب بسبب نهي السبب بظاهر ما ترى الخ إذ ظاهره أحلى و أسر و باطنه أدهى و أمر.
قوله: أو تثبيته عطف على أمته أي أو لخطاب للنبي أصالة و المراد تثبيته على ما كان عليه من ترك الغرور كقوله تعالى: فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ [القلم: 8] فإنه عليه الصلاة و السّلام ما اطاع المكذبين قط فالمراد بالنهي عما لم يرتكبه تثبيته على ما عليه من عدم اطاعته لهم و كقوله تعالى: فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ [القصص: 86] و كقوله: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [القصص: 87] و هذا في النهي نظير الأمر في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 1].
قوله: و النهي في المعنى للمخاطب فالمعنى لا تغتر بتقلب الذين كفروا في البلاد للتجارات و سعيهم في الرزق و المال و إنما جعل النهي ظاهرا للتقلب تنزيلا للسبب منزلة المسبب فإن تغرير التقلب للمخاطب سبب و اغتراره بالتقلب مسبب فمنع السبب ورود المنهي عليه ليمتنع المسبب الذي هو اعتراف المخاطب بذلك السبب على طريق برهاني و هو أبلغ من ورود النهي على المسبب من أول الأمر و هذا أبلغ لما فيه من سلوك طريقة البرهان قالوا هذا على عكس قول قائل لا رينك ههنا لأن حضور المخاطب ههنا سبب لرؤية المتكلم إياه لينتفي السبب الذي هو حضور المخاطب عنده و الحاصل أن أصل المقصود نهي المخاطب عن أن يحضر عنده فتوسل إلى هذا المقصود بنهي المتكلم نفسه عن مسبب ذلك الحضور و هو الرؤية لأن حضور المخاطب عند المتكلم سببا لرؤيته إياه التي هي مسببية عن الحضور فتوسل بالنهي عن المسبب إلى النهي عن البب فهو كقوله تعالى: فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها [طه: 16] قال هناك نهى الكافر أن يصد موسى عنها أي عن تصديق الساعة و المراد نهيه عن أن ينصد عنها كقوله: لِنُرِيَكَ ههنا تنبيها على أن فطرته السليمة لو خليت بحالها لاختارها و لم يعرض عنها و أنه ينبغي أن يكون راسخا في دينه فإن ضد الكافر إنما يكون بسبب ضعفه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 464
قوله: (روي أن بعض المسلمين كانوا يرون المشركين في رخاء و لين عيش فيقولون إن أعداء اللّه فيما نرى من الخير و قد هلكنا من الجوع و الجهد فنزلت مَتاعٌ قَلِيلٌ [آل عمران: 197] «1» روي الخ فالنهي بعد الوقوع حينئذ و لما كان خصوص السبب غير مانع عن العموم حكم فيما سبق أن الخطاب لكل أحد يصلح للخطاب حاضرا أو غائبا موجودا كان أو معدوما فنزلت قوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ [آل عمران: 196] الخ.
قوله تعالى:
[سورة آلعمران (3): آية 197]
مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (197)
قوله: (خبر مبتدأ محذوف أي ذلك التقلب متاع قليل لقصر مدته) في نفسه لذلك لا بالنسبة إلى غيره و لما كان هذه القلة هي المتبادرة قدمها عكس ما في الكشاف.
قوله: (أو في جنب ما أعد اللّه للمؤمنين قال عليه الصلاة و السّلام ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع) أو في جنب ما أعد أي القلة إضافية اعتبرت كمية أو كيفية و أما في الأول فمن جهة الكمية فقط و عبر بالجنب لأن الشيء إذا قيس إلى شيء وضع في جنبه فذكر الجنب و أريد ملزومه و هذا الحديث في صحيح مسلم و المعنى ما اعتبار الدنيا و تقديرها في جنب الآخرة لأنها متناهية و الآخرة غير متناهية فلينظر بم يرجع أي فليقس بما رجع الدار الدنيا و ما بقي في اليم و البحر من المياه التي تكاد أن لا تتناهى الآخرة و نعيمها و المراد التفهيم و إلا فلا قياس أصلا للتناهي و عدم التناهي.
قوله: (أي ما مهدوا لأنفسهم) أي المهاد بمعنى المفعول و المخصوص بالذم محذوف و هو جهنم ففيه استعارة تهكمية.
قوله: أي ذلك التقلب متاع قليل لقصر مدته في جنب ما أعد اللّه للمؤمنين فعلى هذا يكون المراد بالعلة العلة بالإضافة إلى ما عند اللّه تعالى و قال صاحب الكشاف أو أراد أنه قليل في نفسه لانقضائه و كل زائل قليل فعلى هذا قال بعضهم يعني أنه قليل بالإضافة إلى الغير فإنه كان معدوما في أوقات غير متناهية و هو الأول و سيصير معدوما في أوقات غير متناهية و هو الأبد و إذا قوبل زمان الوجود و هو وقت متناه إلى الأزل و الأبد كان أقل من أن يوصف بأنه قليل قيل فيه نظر لأنه لا يستقيم إلا على مذهبه الفلاسفة أقول لعل وجه النظر أنه يلزم من هذا قدم الفلك الأعظم فإن الزمان عند أرسطو مقدار حركة الفلك الأعظم فإذا كان زمن الأبد غير متناه يلزم أن يكون حركته غير متناهية فيلزم قدمه لأن قدم الحال من لوازم قدم المحل و بالعكس و المراد قدم نوع الحركة.
قوله: قال عليه الصلاة و السّلام: «ما الدنيا في جنب الآخرة» الحديث يدل على أن المراد بالقلة القلة بالإضافة إلى نعيم الآخرة لا القلة في نفسه قال بعضهم تقديره ما تقدير الدنيا في جنب الآخرة و قال و لا بد من تقدير التقدير ليطابق قوله إلا مثل ما تجعل أي مثل جعل أحدكم.
قوله: أي ما مهدوا لأنفسهم تقدير للمخصوص بالذم.
(1) و قيل إنه لما ذكر تنعمهم أن اللّه لا ينعم المؤمنين فاستدرك عليه بأن ما هم جد أعين النعيم لأنه سبب لما بعد من النعم الجسام و فيه ما فيه.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 465
قوله: ( لكِنِ الَّذِينَ ) استدراك من مفهوم الكلام و هو أن الكفرة تمتعهم قليل لكن المتقين عن الشرك لهم ثواب عظيم و تمتع جسيم فتمتعهم كثير دائم.
قوله تعالى:
[سورة آلعمران (3): آية 198]
قوله: (النزل و النزل ما يعد للنازل من شراب و طعام وصلة قال أبو الشعر الضبي و كنا إذ الجبار بالجيش ضافنا جعلنا القنا و المرهفات له نزلا و انتصابه على الحال من جنات و العامل فيها الظرف و قيل إنه مصدر مؤكد و التقدير أنزلوها نزلا) قال أبو الشعر لقب شاعر لكثرة شعره الضبي أي المنسوب إلى بني ضبية إذ الملك المسلط أضافنا أي صار ضيفا لنا و الباء في بجيش للمصاحبة أي مع الجيش جعلنا القنا أي الرمح و المرهفات أي السيوف المرهفة أي المزيلة للروح نزلا له و زادا له و هو تهكم على طريقة قولهم تحبة بينهم ضرب و جيع جعل الشاعر مجيئه لحربهم كمجيء المسافر لعدم مبالاتهم بذلك مدح قومه بالشجاعة و الغلبة على الملك الجبار فما ظنك بالاعتبار و غرضه الاستشهاد به على أن النزل ما يعد للنازل من طعام و شراب ثم استعمل في الزاد مطلقا غاية الأمر أن الشاعر استعمله في الرمح و السيف تهكما و جعل الجنة نفسها نزلا بتقدير مضاف أي ذات نزل هذا إذا جعل حالا و النصب على المصدرية أي نزلوها نزلا و في نسخة أنزلوها نزلا فح يكون النزل بمعنى النزول لا بمعنى ما أعد للنازل و قد ذكره أولا و لم يلتفت إلى معنى النزول. (لكثرته و دوامه مما يتقلب فيه الفجار لقلته و سرعة زواله).
قوله:
و كنا إذا الجبار بالجيش ضافنا
جعلنا القنا و المرهفات له نزلا
الجبار الملك المتسلط العاتي الممتنع عن قبول النصيحة و الباء في بالجيش متعلق يضافنا للتعدية أو للمصاحبة و المعنى على الأول إذا جعل الجبار الجيش ضيفا لنا و على الثاني إذا نزل مع الجيش ضيفا لنا جعلنا نحن القنا و هي جمع القناة و هي الرمح و المرهفات و هي السيوف المحددة نزلا تقديما لخدمة الضيافة و هذا تهكم لهم.
قوله: و العامل فيها الظرف و هو لهم يعني و العامل في هذه الحال عامل الظرف الذي هو لهم و التقدير حاصل لهم جنات و جنات فاعل الظرف لأنه لما قوي بالاعتماد على المبتدأ الذي هو الموصول عمل في جنات على أنها فاعلة فعمل في الحال لأن العامل في الحال هو العامل في ذي الحال قال بعض شراح الكشاف و ارتفاع جنات بالابتداء و لهم الخير و نزلا حال مما في الظرف من الضمير و قال بعضهم لا يجوز ذلك لأن الظرف إذا اعتمد لم يكن بد من أعماله و لو جوزنا أن يكون مبتدأ لزم الالتباس كما في ضرب زيد.
قوله: و التقدير أنزلوها نزلا فيكون مصدرا منصوبا فعله محذوف و يجوز أن يكون مصدرا لما دل عليه لهم جنات لأن حصول الجنات لهم نزل و يعضده قول صاحب الكشاف و يجوز أن يكون بمعنى مصدر مؤكد كأنه قيل رزقا أو عطاء من عند اللّه قال الشارحون لأن لهم في معنى رزقوا أو اعطوا.
قوله: مما يتقلب فيه الفجار و في الكشاف مما يتقلب فيه الفجار من القليل الزائل كلمة من
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج6، ص: 466
[سورة آلعمران (3): آية 199]
قوله: (نزلت في عبد اللّه بن سلام و أصحابه و قيل في أربعين من نجران اثنين و ثلاثين من الحبشة و ثمانية من الروم كانوا نصارى فأسلموا و قيل في أصحمة النجاشي) عبد اللّه بن سلام بتخفيف اللام صحابي جليل من علماء بني إسرائيل و أصحمة بفتح الهمزة و سكون الصاد المهملة و حاء مهملة و ميم و هاء و النجاشي بفتح النون أو بكسرها و فتح الجيم مخففة و تشديدها غلط و آخره ياء ساكنة و هو الأكثر و هو لقب كل من ملك الحبشة و اسم هذا مكحول بن صعصعة.
قوله: (لما نعاه جبريل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فخرج فصلى عليه) نعاه بالنون و النعي خبر الموت أي أخبره موته لعله أشار به إلى الصلاة عليه و عن هذا قال فخرج يصلي عليه و توفي في رجب سنة تسع من الهجرة و هذا رواه الواحدي و غيره و في الكشاف فقال عليه السّلام اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فخرج إلى البقيع و نظر إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي و صلى عليه و استغفر انتهى أشار بهذا إلى الجواب عن دليل الشافعي في الصلاة على الغائب فإنه استدل بهذا على جواز الصلاة على الميت الغائب و كذا أشار إليه بعض شراح الحديث.
في مما يتقلب في من الابتدائية التي يستعمل بها اسم التفضيل و هو متعلق بخير و من في من القليل بيان ما يتقلب.