کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 163
يفصل قوله وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ عن قوله الذين يمشون لتعلقه به بالوعظ أو القراءة.
قوله تعالى:
[سورة الفرقان (25): آية 73]
وَ الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَ عُمْياناً (73)
قوله: (لم يقيموا عليها غير واعين لها و لا متبصرين بما فيها كمن لا يسمع و لا يبصر) لم يقيموا عليها أي على سماعها قوله غير واعين الخ أشار به إلى أن صما و عميانا تشبيه بليغ و لذا قال كمن لا يسمع الخ و قد جوز في مثله الاستعارة كما مر بيانه في تفسير قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة: 18] الآية و فيه إشارة إلى أن فيه تعريضا بالمنافقين.
قوله: (بل أكبوا عليها سامعين بآذان واعية مبصرين بعيون راعية فالمراد من النفي نفي الحال دون الفعل كقولك لا يلقاني زيد مسلما) بل اكبوا عليها الخ فيه تنبيه على أن النفي متوجه إلى القيد دون المقيد ثم صرح به بقوله فالمراد من النفي الخ فالإقامة المنفهمة على مقابل ما نفى و هو الإقامة سامعين بآذان واعية أي حافظة أي من شأنها أن تحفظ ما يجب حفظها و الوعي أن تحفظ الشيء في نفسك و المراد بالحفظ العمل بموجبها و إشاعتها و التفكر فيها و للتنبيه على ذلك لم يكتف بسامعين و قيده بالأذن الواعية و كذا الكلام في قوله مبصرين بعيون الخ و راعية مديمة للنظر و الإسناد فيهما مجاز و التنكير للتقليل فالمراد من النفي نفي الحال أي نفي القيد و هو هنا حال نبه به على أن صما حال دون الفعل لأن إثباته مقصود كما عرفته.
قوله: (و قيل الهاء للمعاصي المدلول عليها باللغو) فيتوجه النفي إلى الفعل مرضه قوله: فالمراد نفي الحال لا نفي الفعل أي المراد بالنفي في لم يخروا صما و عميانا نفى الحال التي هي الصمم و العمى فإن صما و عميانا حالان من واو لم يخروا مقيدتان للخرور فإذا وجد في الكلام قيد فالغالب أنه ينسحب معنى النفي إلى ذلك القيد كما قال صاحب الكشاف لم يخروا عليها ليس بنفي للخرور إنما هو اثبات له و نفي للصمم و العمى كما يقول لا يلقاني زيد مسلما فإن معناه ليس نفي لقاء زيد لأن لقاءه ثابت و إنما المراد نفي إسلامه و المعنى أنهم إذا ذكروا بها اكبوا عليها حرصا على استماعها و اقبلوا على المذكر بها و هم في أكبابهم عليها سامعون بآذان واعية مبصرون بعيون راعية لا كالذين يذكرون بها فتراهم مكبين عليها مقبلين على من يذكر بها مظهرين الحرص الشديد على استماعها و هم كالصم العميان حيث لا يعونها و لا يتبصرون ما فيها كالمنافقين و أمثالهم و النكتة فيها التعريض بمن هو ليس على صفتهم و ما أحسن اقتران هذا الوصف مع قوله: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان: 72] فكان المعنى لا يختلط جدهم بهزل و حقهم بباطل فإذا اعتراهم الهزل تنزهوا عنه كل التنزه و إذا اشتغلوا بالحق لا يحوم الباطل حوله أو المعنى إذا مروا بالهزل مروا مكرمين متغافلين كأنهم ما سمعوه و لا نظروا إليه و إذا حاولوا الجد اقبلوا إليه بشراشرهم و اجتنبوا عن أن يكونوا كالغافلين عنه اللهم اجعلنا منهم و احشرنا في زمرتهم برحمتك الواسعة.
قوله: و قيل الهاء للمعاصي المدلول عليها باللغو أي الضمير في عليها راجع إلى المعاصي
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 164
لبعده لفظا و المتعارف توجه النفي إلى القيد و إلا لكفى أن يقال لم يخروا عليها مع أن ذكرها في حيز جواب إذا بعيد.
قوله تعالى:
[سورة الفرقان (25): آية 74]
قوله: (بتوفيقهم للطاعة و حيازة الفضائل) و طلب التوفيق لأنفسهم ثابت باقتضاء النص مع أن قولهم و اجعلنا للمتقين صريح في الدعاء لأنفسهم بأنواع الكرامات و إلى هذا أشار بقوله فإن المؤمن الخ و حيازة الفضائل إحرازها و تحصيلها و الفضيلة مزية لا يلزم تعديها فيندرج فيه تحصيل العلوم الدينية و الخصال المرضية.
قوله: (فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة اللّه سر بهم قلبه و قر بهم عينه) فإن المؤمن تعليل لكون المراد التوفيق لا أمر دنيوي و المراد بأهله زوجه و ذريته في طاعة تعم الفضائل الدينية و نبه به على أن عطف حيازة الفضائل عطف الخاص على العام سربهم أي سر بطاعتهم قلبه الذي هو أمير البدن و إنما قدمه لأن قرة العين مسببة عن سروره و إنما ذكر قرة العين دون سرور القلب لأنها مشاهدة محسوسة فيدل على سرور القلب اقتضاء لأنه لازم مقدم ما لم يسر القلب لم تقر العين.
قوله: (لما يرى من مساعدتهم له في الدين و توقع لحوقهم به في الجنة) لما يرى فيحصل السرور في قلبه و ظهر أثره في العين و توقع لحوقهم الأولى و توقع جمعهم معه في الجنة إذ اللحوق مستعمل في الأكثر فيمن دون العمل لا المشارك له فيه فإنه ليس بأولى من عكسه.
قوله: (و من ابتدائية) متعلقة بهب بملاحظة مفعوله و إنما قدم على المفعول به الصريح لأنهم أهم حيث كانوا سببا للهبة المذكورة و هذا بناء على أن من الابتدائية لا يلزم أن يكون له انتهاء و إلا فلا انتهاء له ظاهرا و قدم الأزواج لأن مشاركتها في الطاعة أعون ممن عداها.
لا إلى الآيات فحينئذ يكون النفي راجعا إلى أصل الفعل مع القيد جميعا و المعنى لا خرور لهم على المعاصي و لا صمم و لا عمى عند تذكيرهم بالآيات.
قوله: فإن المؤمن إذا شاركه أهله في طاعة اللّه سر بهم قلبه و عن محمد بن كعب ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته و أولاده مطيعين للّه و عن ابن عباس هو الولد إذا رآه يكتب الفقه و قيل سألوا أن يلحق اللّه بهم أزواجهم و ذريتهم في الجنة ليتم لهم سرورهم.
قوله: و من ابتدائية أو بيانية فالمعنى على كونها ابتدائية هب لنا من جهتهم ما يقر به عيوننا من طاعة و صلاح و كونها بيانية يكون المعنى من باب التجريد كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة و فسرت بقوله من أزواجنا و ذرياتنا و معناه أن يجعلهم اللّه قرة أعين و هو من قولهم رأيت منك أسدا أي أنت أسد كذا في الكشاف و فيه إشعار بأن من البيانية في كل موضع تجريدية لقوله و هو من قولهم رأيت منك أسدا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 165
قوله: (أو بيانية كقولك رأيت منك أسدا) أو بيانية متعلقة «1» بمقدر و جواز تقدم المبين على المبين جائز عند المص كقولك رأيت أسدا منك أي «2» من تجريدية إن من في المثال يحتملهما أيضا فعلى البيانية رأيت أسدا هو أنت و على الابتدائية رأيت من جهتك أسدا و المتعارف في من التجريدية من الابتدائية و جوز أرباب الحواشي من البيانية فيه.
قوله: (و قرأ أبو عمرو و حمزة و الكسائي و أبو بكر و ذريتنا و تنكير الأعين لإرادة تنكير القرة تعظيما و تقليلها لأن المراد أعين المتقين و هي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم) و ذريتنا بالإفراد و الذرية تطلق على الواحد و المتعدد فمآل القراءتين واحد و تنكير الأعين يعني أعين القائلين معينة لإرادة تنكير القرة للتعظيم و لا سبيل إلى تنكير المضاف إلا بتنكير المضاف إليه فلا جرم أن الأعين نكرت قوله و هي قليلة بالإضافة الخ قال أبو حيان هذا ليس بجيد لأن الأعين يطلق على العشرة فما دونها و عيون المتقين كثيرة جدا قلت المراد أنه استعمل في معنى القلة مجردا عن تعيين العدد و القرينة للتجريد العلم بكثرة القائلين و عيونهم فلا إشكال كذا قاله الفاضل المحشي و الحاصل أن جمع القلة مستعارة لجمع الكثرة للقرينة المذكورة و التعبير بلفظ جمع القلة للإشارة إلى قلتها بالإضافة و إن كانت كثيرة جدا في أنفسها.
قوله: (يقتدون بنا في أمر الدين بإفاضة العلم و التوفيق للعمل) أشار به إلى كون استحقاقه الإمامة لأجل تفوقه بالعلم و العمل ففي الحقيقة التضرع إلى اللّه تعالى و الدعاء بإفاضة العلم الشرعي و زيادة العمل حتى يكون مستحقا للإمامة بالمتقين و مثل هذا يعد من قوله: و تنكير الأعين لإرادة تنكير القرة لأن المضاف لا سبيل إلى تنكيره إلا بتنكير المضاف إليه كأنه قيل هب لنا منهم سرورا و فرحا أي سرورا لا يكتنه كنهه قوله تعظيما علة لتنكير المضاف الذي هو القرة و قوله و تقليلها مبتدأ خبره لأن المراد إلى آخره أي مجيء أعين على صيغة جمع القلة لأن المراد أعين المتقين و هي قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم أي المتقون و إن كانوا كثيرين في أنفسهم لكنهم قليلون بالنسبة إلى غيرهم و عيونهم كذلك قليلة بالإضافة إلى عيون غيرهم قال صاحب الانتصاف و الظاهر أن المحكي كلام كل واحد من المتقين أي يقول كل واحد منهم اجعل لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و قال هذا التأويل أحسن لأن المتقين و إن كانوا قليلين بالنسبة إلى غيرهم فهم كثيرون في أنفسهم و قلتهم بالنسبة إلى غيرهم و المعتبر في جمع القلة أن يكون الشيء قليلا في نفسه لا بالنسبة إلى غيره.
قوله: بإفاضة العلم متعلق باجعلنا أي اجعلنا إماما لهم بإفاضتك علينا علما و توفيقك لنا إلى العمل فإن استحقاق الإمامة لا يحصل إلا بتكميل القوتين النظرية و العملية و ذلك لا يكون إلا بإفاضة العلم و التوفيق للعمل.
(1) كأنه قيل هب لنا قرة أعين ثم بينت القرة و فسرت قوله من أزواجنا و ذرياتنا و معناه أن يجعلهم اللّه لهم قرة أعين و هو من قولهم رأيت منك أسدا كذا في الكشاف.
(2) أي منتزع منهم قرة أعين مثلهم و لذلك لم يجىء هب لنا أزواجنا بدون لفظة من.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 166
الإيجاز البديع البارع و ذكر المتقين دون المؤمنين لإظهار فرط علو الهمة حيث سألوا اللّه تعالى مرتبة فوق مراتب المتقين و منازل العلماء الربانيين.
قوله: (و توحيده لدلالته على الجنس و عدم اللبس كقوله تعالى: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج: 5]) و توحيده أي توحيد الإمام مع أنه مفعول ثان للجعل و المطابقة بينه و بين المفعول الأول واجبة فبين وجهه بوجوه خمسة لدلالته على الجنس الشامل للقليل و الكثير و عدم اللبس أي الالتباس لكون المراد واحدا للقرينة القائمة على إرادة الجمع.
قوله: (أو لأنه مصدر في أصله) و هو موضوع للماهية بالاتفاق و أما سائر اسم الجنس فهو موضوع للماهية عند بعض و للفرد المنتشر عند بعض آخر و عن هذا قابله بكونه للجنس و إن كان مآلهما واحدا.
قوله: (أو لأن المراد و اجعل كل واحد منا) هذا مع قطع النظر عن كونه اسم جنس يجوز إطلاقه على المتعدد و لا يخفى أن تقدير كل واحد و تقدير من يؤدي إلى تفسير النظم تغيير كثير مع صحة المعنى بدونه.
قوله: (أو لأنهم كنفس واحدة لاتحاد طريقتهم و اتفاق كلمتهم) أو لأنهم كنفس واحدة فتوحيد الإمام بناء على التشبيه فإن المفعول الأول حينئذ واحد اعتبارا لأن اتحاد طريقتهم جهة واحدة لهم و هذا التوجيه بناء على أن التشريك في الدعاء ادعى للإجابة كذا قاله الإمام في تفسير قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 5] و إلا فالظاهر أنه صدر عن كل واحد اجعلني إماما فعبر عنهم للإيجاز بضمير الجمع و بقي إماما على حاله على إفراده.
قوله: (و قيل جمع آم كصيام و صائم معناه قاصدين لهم مقتدين بهم) جمع آم بالمد أصله أمم فأدغم بمعنى القصد و لذلك قال معناه قاصدين أي على كونه جمع آم قوله مقتدين بهم إشارة إلى أن القصد هنا لطريق الاقتداء فيتحد الوجوه الخمسة «1» مرضه لبعده و عدم السماع عن الثقات.
قوله: و توحيده لدلالته على الجنس أي توحيد إماما حيث لم يقل أئمة كما هو مقتضى الظاهر لأن المفعول الأول لجعل جماعة لقصد الدلالة على أن المراد جنس الإمام و لعدم الالتباس لأن من المعلوم أن ليس المراد طلب جعل الجماعة إماما واحدا أو لأنه مصدر في أصله كالصيام و القيام المصدرين لصام و قام و قيل جمع آم كصيام في جمع صائم و قيام في جمع قائم و المعنى و اجعلنا قاصدين للمتقين مقتدين بهم و على هذا يكون الإمام المتقين و هم المؤتمين و قيل هذا من المقلوب أي و اجعل المتقين لنا إماما و اجعلنا مؤتمين مقتدين بهم.
(1) لأن اسم الفاعل بمعنى النسبة و معنى مقتصدين أي ذو اقتداء و ذو قصد فيكون بمعنى اسم المفعول مثل عيشة راضية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 167
قوله تعالى:
[سورة الفرقان (25): آية 75]
أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً (75)
قوله: (أعلى مواضع الجنة و هي اسم جنس أريد به الجمع لقوله تعالى وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] و للقراءة بها) أريد به الجمع بقرينة قوله تعالى: وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] و تعدد المشار إليه.
قوله: (و قيل هي من أسماء الجنة) فلا حاجة إلى التأويل المذكور و لضعفه اخره و مرضه لأن أسامي الجنة مضبوطة و الغرفة ليست منها كما عدها في أوائل سورة البقرة.
قوله: (بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات و رفض الشهوات و تحمل المجاهدات) و المضض أصله الوجع «1» و المشاق بمعنى الشدائد و نبه على أن المراد بالصبر أنواعه الصبر على الطاعات و عن المنكرات و الصبر على المصيبات إذ المذكور فيما قبله عام لها.
قوله: لقوله: وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ [سبأ: 37] جمع الغرفات في تلك الآية يدل على أن الغرفة ههنا جنس أريد به الجمع لأن كل واحدة من هاتين الآيتين واردة في حق أهل الجنة و كذا يدل عليه القراءة بالجمع ههنا قال الطيبي رحمه اللّه و يمكن أن يقال القرينة اثبات الغرفة الواحدة للجماعة.
قوله: بصبرهم على المشاق من مضض الطاعات يقال امضى الجرح إمضاضا إذا أوجعك و الكحل يمض العين أي يحرقها و المضض وجع المصيبة و المراد ههنا مطلق المشقة و ثقل الطاعات و ترك مفعول الصبر لقصد التعميم و لذا عبر عنه رحمه اللّه في بيانه بما يعم جميع التكاليف الشرعية فقال بصبرهم على المشاق من مضض العبادات و رفض الشهوات و تحمل المجاهدات و مآل الجميع واحد و هو الصبر على مشاق التكاليف جميعا قال صاحب الكشاف و اطلاقه لأجل الشياع في كل مصبور عليه يعني لم يؤت بمتعلق صبروا لئلا يقتصر عليه و يتناول كل مصبور عليه و يحيط به قال الطيبي فإن قلت قد تقرر أن اسم الإشارة إذا عقب به من أجرى عليه الأوصاف دل على أن المذكور قبله جدير بما بعده لأجل تلك الأوصاف الجارية عليه فأذن السبب في أنهم يجزون الغرفة تلك الأوصاف التي أجريت على عباد الرحمن و كان من حق الظاهر أن يجاء بدل بما صبروا بما فعلوا ليكون كناية عن تلك المذكورات بأسرها فما فائدة العدول قلت فائدته الإيذان بأن ملاك العبادات الصبر و أن حبس النفس على طاعة اللّه هي الطلبة و قطعها عن مشتهياتها هي المرام و قال الراغب الصبر حبس النفس عما يقتضيه الهوى و يختلف باختلاف مواقفه و ربما يخالف بين اسمائه بحسب اختلاف مواقفه فإن كان في مصيبة فيقال صبر لا غير و ضده الجزع و إن كان في محاربة يسمى شجاعة و ضدها الجبن و إن كان في نائبة مضجرة يسمى صاحبه رحب الصدر و ضده ضيق الصدر و إن كان في إمساك النفس عن الفضولات يسمى قناعة و عفة و ضدها الحرص و الشره و إن كان في إمساك كلام الضمير يسمى كتمانا و ضده الافشاء و على هذا يقاس جميع الفضائل من الأخلاق.
(1) و المراد هنا ثقلها.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 168
قوله: (دعاء بالتعمير و السلامة أي يحييهم الملائكة و يسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضا و يسلم عليه) أي يحييهم الملائكة أشار به إلى أن المراد بالتعمير أي الدعاء بطول العمر مجرد التعظيم و إلا فالبقاء أمر محقق أصل التحية القول حياك اللّه تعالى على الإخبار من الحياة استعمل للدعاء بذلك ثم قيل لكل دعاء فغلب في السّلام و لما كان مقابلا لسلاما هنا حمل الدعاء بالتعمير قوله أو يحيي الخ لما لم يكن الفاعل مذكورا بينه بوجهين قال الإمام يمكن أن يكون من اللّه تعالى «1» كقوله تعالى: سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: 58] و المعنى أن اللّه تعالى يسلم عليهم بغير واسطة تعظيما لهم و ذلك مطلوبهم و متمناهم و لم يتعرض له المص لاحتمال أن يكون المعنى أن اللّه تعالى يسلم عليهم بواسطة الملائكة.
قوله: (أو تبقية دائمة و سلامة من كل آفة) أو تبقية دائمة عطف على دعاء بالمغفرة أي دعاء بالبقاء الدائم و مآله ما مر قوله و سلامة من كل آفة هذا مغاير لما سبق و المراد به التكريم و التعظيم و اعتداد بالنعمة قيل أو تبقية تفسير له على أنه لم يرد به الدعاء بل وصفهم بما ذكر فيكون المعنى أو حكم بالبقاء و السلامة الخ.
قوله: (و قرأ حمزة و الكسائي و أبو بكر يلقون من لقي يلقو) من الثلاثي «2» و قراءة غيرهم بتشديد القاف.
قوله تعالى:
[سورة الفرقان (25): آية 76]
خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً (76)
قوله: (لا يموتون و لا يخرجون).
قوله: (مقابل ساءت مستقرا معنى «3» و مثله إعرابا) مقابل ساءت فهو إما فعل تام قوله: دعاء بالتعمير و بالسلامة و في الكشاف التحية دعاء بالتعمير و بالسلامة يعني أن الملائكة يحبونهم و يسلمون عليهم أو يحيي بعضهم بعضا و يسلم عليه أو يعطون التبقية و التخليد مع السلامة من كل آفة و هذان الوجهان مبنيان على القراءتين على تشديد يلقون و تخفيفه فالمناسب على القراءة بالتشديد أن يكون التحية بمعنى الدعاء بالتعمير و السّلام بمعنى الدعاء بالسلامة و المناسب على القراءة بالتخفيف أن يكون التحية بمعنى التبقية و التخليد أي يلقون البقاء و التخليد مع السلامة لكن فسر صاحب الكشاف يلقون بقوله يعطون قال اللّه تعالى: وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً [الإنسان: 11] أي أعطاهم و في بعض الحواشي التحية مشتقة من الحياة و هي التبقية في الحقيقة و منه قولنا التحيات للّه أي التبقيات له تعالى.
قوله: مقابل ساءَتْ مُسْتَقَرًّا معنى و مثله إعرابا أي قوله عز و جل ههنا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا
(1) و ما يفهم من قول الإمام إن التحية بمعنى السّلام و سلاما للتأكيد و كذا بين صاحب اللباب تحية الملائكة بقوله تعالى: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ الآية.
(2) من الثلاثي كقوله: يَلْقَ أَثاماً و تشديد القاف كقوله: وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً فيلقون صيغة معلومة من الثلاثي.
(3) لأنه بمعنى نعمت و سرت.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 169
فاعله ضمير راجع إلى الغرفة و مستقرا تمييزا و من أفعال المدح فاعله ضمير مبهم يفسره المميز و المخصوص بالمدح محذوف فعلى هذا تأنيث الضمير لتأويل المستقر و المقام بالجنة أو الغرفة لأنها مخصوصة بالمدح.
قوله تعالى:
[سورة الفرقان (25): آية 77]
قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً (77)
قوله: (ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته) فما استفهامية قوله من عبأت الجيش الخ فما ذكره لازم معناه لأن الشيء إنما يهيأ ليصنع في الأكثر.
قوله: (أو لا يعتد بكم) فما نافية هذا التفسير بناء على أن ما و لا بمعنى واحد و قد فرق بينهما في سورة الكافرون بأن لا لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أن ما لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الحال فلا تغفل و هذا من العبء بمعنى الحمل و هذا أيضا لازم معناه ما لا يعتد به لا يحمل وعدي تعديته كما عدي في الأول تعدية يصنع قدم الأول لأن العبء بمعنى التهيؤ أشهر و في كون ما استفهامية مبالغة و خصص كونها استفهامية بالأول و نافية بالثاني إذ الاستفهام لا يصح في الثاني و النفي في الأول.
قوله: (لولا عبادتكم فإن شرف الإنسان و كرامته بالمعرفة و الطاعة) لولا عبادتكم أي الدعاء بمعنى العبادة إذ الدعاء «1» مخ العبادة و أيضا العبادة مشتملة له و أشار إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل و جواب لو لا محذوف أي ما يصنع أو لا يعتد بكم فالخطاب حينئذ للمتقين قوله فإن شرف الإنسان الخ إشارة إلى ارتباطه بما قبله فالعبادة شاملة لترك المنهيات أيضا لأنها مذكورة فيما سبق أيضا قوله بالمعرفة أي معرفة اللّه تعالى أو معرفة الأحكام الشرعية مع معرفة اللّه تعالى و الطاعة إشارة إلى العمل بالأحكام ففيه تنبيه على أن شرف الإنسان بتكميل القوتين فإن تكميل القوة النظرية فقط أو القوة العملية فحسب لا يعتد به فاعتداده تعالى و رضوانه إنما هو باستكمال القوتين.
قوله: (و إلا فهو و سائر الحيوانات سواء) أي و إن لم يكن له معرفة أو طاعة أو وَ مُقاماً [الفرقان: 76] في حق المؤمنين مقابل قوله فيما قبل: ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً [الفرقان: 66] في حق الكافرين أي هو مقابله معنى و مثله إعرابا إما مقابلته معنى فلان حسنت مستقرا لتضمنه معنى نعمت مستقرا يكون بمعنى إنشاء المدح كما أن ذلك إنشاء الذم و إما كونه مثله في الاعراب فمن حيث إن مستقرا و مقاما يحتمل الحال و التمييز في الموضعين.
قوله: ما يصنع بكم من عبأت الجيش إذا هيأته أي ما يفعل بكم المعنى ما يخلقكم لولا دعاؤكم أي لو لا عبادتكم كما قال: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] و هو قول مجاهد و ابن زيد و ابن عباس أو ما يعتد بكم ربي لو لا عبادتكم يقال ما عبأت به شيئا أي لم أعده فوجوده و عدمه سواء.