کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 334
سورة النمل
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قوله: (سورة النمل مكية) إضافة السورة إلى النمل لامية عند بعض و بيانية على ما حققناه في سورة الفاتحة و الحاصل أن السورة عام و النمل خاص و إضافة العام إلى الخاص لامية أو بيانية مكية أي نزلت قبل الهجرة.
قوله: (و هي ثلاث أو أربع و تسعون آية) و في التيسير و قيل خمس و تسعون و اختلف أيضا في مكية بعض آياتها و سيجيء الإشارة إليه.
قوله تعالى:
[سورة النمل (27): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ (1)
قوله: ( طس [النمل: 1]) قد تقدم في سورة الشعراء أنه قرىء بالإمالة و عدمها و بين بين و معناه و إعرابه قد مر في أوائل سورة البقرة.
قوله: (الإشارة إلى آي لسورة و الكتاب المبين أما اللوح و إبانته أنه خط فيه ما هو كائن) الإشارة إلى آي السورة أي من حيث المجموع فيؤول إلى الإشارة إلى السورة إن أريد بالقرآن السورة فإفادة الحمل باعتبار تغاير العنوان «1» و كذا الكلام في الكتاب إن أريد به مجموع القرآن فالأمر واضح و كلامه في سورة الحجر و سورة يوسف ناظر إلى الأول فإفادة الحمل بتأويل آيات القرآن الحاوية للبلاغة و الفصاحة و أنواع الغرابة و البراعة فلا يتحد الموضوع و المحمول أو إفادته بالتقييد بالمبين بالنسبة إلى كتاب و إن اعتبر في القرآن هذا القيد بقرينة اعتباره في سورة النمل مكية و هي ثلاث أو أربع و تسعون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَ كِتابٍ مُبِينٍ [النمل: 1].
قوله: و إبانته أنه خط فيه ما هو كائن يعني إذا خط أمر و كتب يكون مبينا لآياته الكلام المكتوب ما فيه لينظر إليه.
(1) فإن عنوان كونها آي السورة مغاير لكونها آيات القرآن لا سيما إذا أريد بالقرآن المنزل المبارك المصدق لما بين يديه كما سيجيء من الكشاف.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 335
المعطوف فالإفادة أيضا بهذا القيد هذا إن كان المراد بالكتاب القرآن و إن أريد به اللوح المحفوظ فأمر الحمل ظاهر لظهور التغاير و آيات السورة كون اللوح محمولا عليه باعتبار كونها فيه ففي الحمل مبالغة قول المص ما هو كائن فيه إشارة إلى ما ذكرناه.
قوله: (فهو يبينه) من الأفعال و هو المناسب لقوله مبين و قد جوز كونه من التفعيل.
قوله: (للناظرين فيه) أي للملائكة الناظرين فيه و حمل مبين على معنى المتعدي و المفعول محذوف و هو كل ما هو كائن حذف المفعول للتعميم مع الاختصار.
قوله: (و تأخيره باعتبار تعلق علمنا به و تقديمه في الحجر باعتبار الوجود) و تأخيره جواب سؤال مقدر بأنه لم اخر الكتاب هنا مع تقديمه في سورة الحجر فأجاب بما ترى أي له جهتان جهة تعلق علمنا به و هو بهذا الاعتبار مؤخر عن القرآن لأنا نعلمه من القرآن و إن أمكن علمنا من الرسول عليه السّلام لكن علمنا من القرآن مقطوع بالنظر إلى الأمة إلى يوم القيامة وجهة وجوده و هو بهذا الاعتبار مقدم على القرآن المقر و المكتوب في المصاحف الذي هو المراد هنا و إن كان مؤخرا أيضا من القرآن بمعنى الكلام النفسي فروعي في قوله: و تأخيره باعتبار تعلق علمنا به فإن علمنا باللوح المحفوظ بعد علمنا بالقرآن و أنه من عند اللّه إذ فيه ذكره و أما تقديمه في الحجر حيث قال هناك: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر: 1] فباعتبار الوجود الخارجي فإن وجود اللوح مقدم على وجود كتابة القرآن إذ ما لم يوجد المحل لا يوجد الحال فيه كتقدم وجود القرطاس على وجود الحروف المنقوشة عليه و في الكشاف فإن قلت ما الفرق بين هذا و بين قوله: الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ [الحجر: 1] قلت لا فرق بينهما إلا ما بين المعطوف و المعطوف عليه من التقدم و التأخر و ذلك على ضربين ضرب جار مجرى التثنية لا يترجح فيه جانب على جانب و ضرب فيه ترجح فالأول نحو قوله:
وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً [الأعراف: 161] و منه ما نحن بصدده و الثاني نحو قوله:
شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ [آل عمران: 18] يعني أن التقديم يجيء لمعنيين أحدهما جار مجرى التثنية فقط فلا يتفاوت المعنى فيهما سواء قدم في موضع و أخر في آخر كما في نحو قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً [الأعراف: 161] و قولك رجلان جاءا لا ترجيح لمجيء أحدهما على الآخر هذا هو معنى التثنية قال بعض علماء العربية إن الواو دلالتها قد على الجمع أقوى من دلالتها على العطف فإنها قد تعرى عن العطف و لا تعرى من معنى الجمع و هي في المختلفين بمنزلة التثنية و الجمع في المتفقين و إذ لم يمكنهم التثنية في المختلفين عدلوا إلى الواو و ثانيهما ما فيه رعاية الرتبة كقوله تعالى: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ [آل عمران: 18] الآية فإن شهادة اللّه تعالى مقدمة على شهادة الملائكة و أولي العلم لأن شهادته أصل و شهادتهم كالتابع لشهادته و من ثمه فصل بين المعطوف و المعطوف عليه بالمفعول به قال صاحب الفرائد الفخامة فيما نحن بصدده أي في أول سورة النمل للكتاب فإن كان المراد به اللوح و في الحجر الفخامة للقرآن فافترقا و إن كان المراد من الكتاب القرآن في السورتين فالفخامة للقرآن من حيث إنه كتاب هنا و في الحجر من حيث إنه قرآن إلى هنا كلامه أقول مبنى كلام صاحب الفرائد على أن التنكير في الموضعين هو الفارق لأنه للتفخيم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 336
السورتين الجهتين و لم يعكس لتقدم نزول هذه السورة الكريمة على الحجر نص عليه في الاتقان فناسب ذكر الدليل و لذلك عرف الكتاب في الحجر و المراد المعهود في هذه السورة أو مثل هذا السؤال دوري فلا يلتفت إليه و لو تم ما ذكر أولا لأشكل تعريف القرآن هنا و تنكيره في سورة الحجر.
قوله: (أو القرآن و إبانته لما أودع فيه من الحكم و الأحكام أو لصحته بإعجازه) أو القرآن عطف على اللوح و إبانته لما أودع مبتدأ و خبر قوله لما أودع إشارة إلى أنه أيضا من المتعدي و المفعول المحذوف هنا لما أودع الخ أو المفعول صحته و كونه من اللّه تعالى لا من كلام البشر و لا ضير في كون أو لمنع الخلو فقط اخر هذا الاحتمال لاحتياج عطفه إلى التمحل المذكور و لأن في الأول تكثير فائدة و لذا قال و عطفه الخ.
قوله: (و عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى) و عطفه أي على القرآن مع أنهما عبارتان عن المقرو المكتوب للتغاير الاعتباري و هو كعطف إحدى الخ أتى بكلمة التشبيه لأنه من عطف الصفة على الاسم أو لكونهما اسمين غلبا «1» عليه و إن كان أحدهما مصدرا في الأصل و الآخر اسم جنس فهو كقولهم هذا فعل السخي و الجواد الكريم لأن القرآن هو المنزل المبارك المصدق لما بين يديه فحكمه حكم الصفات المستقلة بالمدح فكأنه قيل تلك الآيات آيات المنزل المبارك و أي كتاب مبين كذا في الكشاف.
قوله: (و تنكيره للتعظيم و قرىء و كتاب بالرفع على حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه) و تنكيره للتعظيم سواء أريد به اللوح أو القرآن و ليس تنكيره لإبهامه على الأول لأنه في الشرع معروف في اللوح المحفوظ كما هو معروف فيه في القرآن.
قوله: أو القرآن عطف على اللوح المحفوظ في قوله و الكتاب المبين أما اللوح المحفوظ.
قوله: و إبانته لما اودع فيه من الحكم و الاحكام هذا الوجه مبني على أن المبين من ابان المتعدي و قوله أو لصحته مبني على أنه من ابان اللازم فالمعنى على الأول و قرآن مبين أي مظهر للحكم و الأحكام الشرعية و على الثاني و قرآن بين الصحة بإعجازه.
قوله: و عطفه على القرآن كعطف إحدى الصفتين على الأخرى أي عطف كتاب مبين على القرآن على تقدير كون المراد منه القرآن يكون من باب عطف إحدى صفتي الشيء على صفته الأخرى نحو قولك هذا فعل السخي و الجواد الكريم أي هذا فعل الرجل السخي و الجواد الكريم.
(1) و هذا هو الأولى لأنه في اللغة اسم المكتوب ثم غلب في عرف الشرع على كتاب اللّه تعالى المثبت في المصاحف و القرآن في الأصل مصدر بمعنى القراءة غلب في العرف العام على المجموع المعين من كلام اللّه تعالى المقرو على ألسنة العباد و هذا في المعنى أشهر من لفظ الكتاب كذا في التلويح و لعل لهذا قدم القرآن هنا على الكتاب و عرف القرآن و نكر الكتاب و إن كان معروفا أيضا و لذا قال و تنكيره للتعظيم.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 337
قوله تعالى:
[سورة النمل (27): آية 2]
هُدىً وَ بُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
قوله: (حالان من الآيات و العامل فيهما معنى الإشارة) و التعبير بالمصدر للمبالغة و لا يأول بالهادي و بالمبشر لفوات المبالغة إلا لبيان أن الظاهر هادية و مبشرة إن لم يقصد المبالغة قوله و العامل فيهما معنى الإشارة المنفهمة من تلك و لا يجري هنا التأويل بانبه لانتفاء هاء التنبيه و التأويل أشير الكتاب و القرآن و آياتهما فهو الذي سمته النحاة عاملا معنويا و الآيات مفعول معنى قدم هدى لتقدمه في الوجود و للمؤمنين من باب التنازع و تخصيص الهداية بهم لأنهم المنتفعون به و إلا فهو هدى للناس و إن جعل للمؤمنين متعلقا بالبشرى فقط فالهدى عام بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى المطلوب.
قوله: (أو بدلان منهما) أي من الكتاب و القرآن أي بدل الكل من الكل و البدل و المبدل منه كلاهما مقصودان و هذا بناء على أن إبدال النكرة من المعرفة لا يشترط فيه اتحاد اللفظ و كون النكرة موصوفة كما اشترطه الكوفيون نحو قوله تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ [العلق: 15، 16] هذا بالنظر إلى القرآن و أيضا كونهما حالين أو بدلين على احتمال كون المراد بالكتاب القرآن دون اللوح كأنه أشار إلى رجحان كون المراد به القرآن مع أنه قد أخره.
قوله: (أو خبران آخران أو خبران لمحذوف) أو خبران آخران لتلك و التذكير لكونهما مصدران قوله أو خبران لمحذوف أي هما القرآن و الكتاب هدى و بشرى و هذا من تقدير هي هدى و لم يذكر كونهما بدلا من كتاب فقط مع أنه بدل نكرة من نكرة لئلا يلزم الترجيح بلا مرجح و يحتمل أن يكونا مفعولان مطلقان للفعل المحذوف و الجملة حال أو استئناف و يحتمل كونهما صفتان لكتاب و المجموع وجوه سبعة في إعرابه لكن لا يظهر ارتباطهما بالكتاب المراد به اللوح إلا بملاحظة الآيات المضافة إليه فلا تغفل.
قوله تعالى:
[سورة النمل (27): آية 3]
الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (3)
قوله: ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ ) صفة مادحة إن أريد المؤمنون الكاملون أو مقيدة إن أريد بهم مطلق المؤمنين و في يقيمون استعارة أو مجاز مرسل كما بينه في أوائل سورة البقرة و لذلك اختير على يصلون مع أنه أخصر.
قوله: حالان من الآيات أي هادية و مبشرة هذا على تقدير كونهما منصوبين و يحتمل أن يكونا مرفوعين إما على البدلية من الآيات بتقدير تلك هدى و بشرى أو على أنهما خبران آخران لتلك أو على أنهما خبران المحذوف تقديره هي هدى قال الزجاج و حسن أن يكون خبرا بعد خبر لتلك نحو حلو حامض أي جامع بين الطعمين فيجتمع أنها آيات و أنها هادية و مبشرة للمؤمنين و معنى كونها هدى للمؤمنين و المؤمنون مهتدون أنها زيادة في هداهم كقول المؤمنين اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6] و المعنى زدنا هداية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 338
قوله: (الذين يعملون الصالحات من الصلاة و الزكاة) إشارة إلى أن ذلك كناية عن عمل الصالحات مطلقا لأن جميع العبادات مرجعها التعظيم لأمر اللّه و الشفقة على خلق اللّه ففي الصلاة تعظيم أمر اللّه و في الزكاة الشفقة على خلق اللّه فيراد بهما جميع المبرات و أيضا الصلاة العبادة البدنية و الزكاة العبادة المالية فيراد بهما جميع العبادات البدنية و المالية و خصا بالذكر لأن الصلاة أم العبادات الحاوية لجميع المبرات و الزكاة قنطرة الإسلام.
قوله: (من تتمة الصلة و الواو للحال أو للعطف) من تتمة الخ لأن الحال قيد و المعطوف في حكم المعطوف عليه و لما كان محط الفائدة القيد أخره بيان إيقانهم الآخرة ذكر مع أنه مقدم وجودا و أنه متضمن إيقان جميع ما يجب الإيمان به وجه التخصيص ما سيجيء.
قوله: (و تغيير النظم للدلالة على قوة يقينهم و ثباتهم و إنهم الأوحديون فيه) و تغيير النظم حيث اختير الجملة الاسمية هنا مع تقديم المفعول للدلالة على قوة تيقنهم و ثباتهم لأن الجملة الاسمية تدل على الثبات و الدوام و في الحصر المستفاد من التقديم تعريض بمن عداهم من أهل الكتاب بأن اعتقادهم غير مطابق و لا صادرة عن إيقان فاستفيد منه أن اعتقادهم بالآخرة في قوة يقين و مطابق للواقع قوله و أنهم الأوحديون فيه إشارة إلى ما ذكرناه.
قوله: (أو جملة اعتراضية كأنه قيل و هؤلاء الذين يؤمنون و يعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة) أو جملة اعتراضية أي غير متعلقة بما قبلها بحسب الإعراب و إن تعلقها معنى و هذا بناء على كون الجملة الاعتراضية في آخر الكلام و هو مختار صاحب الكشاف و رضي به المص و مآله أنها جملة تذييلية مقررة لما قبلها.
قوله: (فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة و الوثوق على المحاسبة) فإن تحمل المشاق الخ المراد بالمشاق التكاليف الشرعية التي وضعها اللّه تعالى و إنما سميت قوله: من تتمة الصلة و الواو للحال و ذو الحال هو الواو أن في يقيمون و يؤتون فالمعنى يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة مخصوصين بالايقان بالآخرة أوحديين فيه و الحصر فيه هو المسمى بحصر الكمال مثل زيد هو الجواد.
قوله: كأنه قيل و هؤلاء الذين يؤمنون إلى آخره يريد أن الضمير الأول وضع موضع اسم الإشارة فهو مثل قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة: 3] أُولئِكَ عَلى هُدىً [البقرة: 5] و فائدته الإشعار بأن من يرد عقيب اسم الإشارة و هم المذكورون قبله أهل له لأجل اتصافهم بالخصال التي عددت لهم فهو بمنزلة إعادة ذكرهم بصفتهم لتعليل الحكم الوارد بعده فالمعنى هم احقاء بأن يؤمنوا بالآخرة لأنهم هم الذين جمعوا بين الإيمان و العمل الصالح و هذه المعاني أعني معنى التخصيص و التوكيد و التعليل إنما يفيدها التركيب إذا جعل و هم بالآخرة هم يوقنون جملة اعتراضية لاستقلاله حينئذ و أما إذا دخل في حيز الصلة بأن جعل حالا أو عطفا على يقيمون على التأويل لم يحتج إلى هذه العبارة إذ لو أريد ذلك لقيل هم بالآخرة يوقنون على تقدير الحال و بالآخرة هم يوقنون على تقدير العطف فيفوت تلك الفوائد و لهذا قال صاحب الكشاف و يكون جملة اعتراضية و هو الوجه فإن تحمل المشاق إنما يكون لخوف العاقبة و عن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم من خاف أدلج بلغ المنزل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 339
مشاق لأنها لثقيلة على الأنفس إلا المرتاضين الذين وطنوا نفوسهم على الصبر على الطاعات و الصبر عن المنكرات لأنها متوقعة في مقابلتها ما يستحقر لأجله مشاقها و يستلذ بسببه متاعبها و من ثمة قال النبي عليه السّلام و جعلت قرة عيني في الصلاة فلو قال فإن تحمل المشاق إنما هو للتوقع في مقابلتها ما يستحقر لأجله و هو الثواب الدائم مشاقها و لخوف العاقبة لكان إشارة إلى أنهم بين الخوف و الرجاء.
قوله: (و تكرير الضمير للاختصاص) و المراد بالاختصاص بعد الاختصاص إذ تقديم المسند إليه على الخبر يفيد القصر لكن إفادة تكرير الضمير الاختصاص محل تأمل و التكرير إنما يفيد التأكيد أي تأكيد الإسناد أو تأكيد المسند إليه أو المسند لا تأكيد الاختصاص إلا أن يقال تكرير ما يفيد الاختصاص يؤكد الاختصاص كما يفيد تقوي الحكم و هنا لما أفاد تقديم الضمير الثاني الاختصاص تعريضا بمن عداهم من أهل الكتاب كما صرح به في سورة البقرة فإفادة اختصاص تقديم الضمير الأول الاختصاص يكون تأكيدا فهذا أبلغ مما في سورة البقرة و هو قوله تعالى: وَ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة: 4].
قوله تعالى:
[سورة النمل (27): آية 4]
إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (4)
قوله: ( إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ) لما بين أحوال الذين يوقنون بالآخرة شرع في بيان أحوال أضدادهم و تخصيص عدم إيمانهم بالآخرة بالذكر لما خص إيقانهم بها وجه الاختصاص هناك لأن الإيمان بها الركن الأعظم من الإيمان كالإيمان باللّه لأن الإيقان بالآخرة يحمل صاحبه على النظر و التدبر خوف العاقبة حتى يؤمن بجميع ما يحب الإيمان به و ترك العاطف لتباين الغرض إذ الأول مسوق لكون الكتاب هدى و بشرى للمؤمنين و الثاني سيق لكون أعمالهم القبيحة مزينة لهم و التأكيد بأن للمبالغة في وقوع مضمون الجملة.
قوله: (زين لهم أعمالهم القبيحة بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس) و إسناد التزيين إلى اللّه تعالى حقيقة إذ ما من شيء إلا و هو فاعله و إسناده إلى غيره تعالى مجاز لكونه سببا له قوله: و تكرير الضمير للاختصاص قال صاحب الانتصاف عد الضمير من آيات الحصر ليس بثبت و هنا الضمير مكرر لأن الأصل و هم يوقنون بالآخرة فقدم المجرور للعناية فوقع فاصلا بين المبتدأ و الخبر فأريد أن يلي المبتدأ خبره و قد حال المجرور بينهما فتكرر ذكره و لم يفت العناية بالمجرور حيث بقي مقدما و قال الطيبي كلام صاحب الانتصاف كلام من لم يشم رائحة من علم البيان فإنهم اجمعوا على أن مثل أنا عرفت يحتمل التقوى و التخصيص أما التقوى فلتكرر الإسناد و أما التخصيص فلاعتبار تقدم الفاعل المعنوي على عامله و لما تقدم ضميرهم على يوقنون و أكد بالتكرير أفاد التخصيص و التوكيد و لهذا قال صاحب الكشاف معناها و ما يوقن بالآخرة حق الايقان إلا هؤلاء المجامعون بين الإيمان و العمل الصالح.
قوله: (بأن جعلها مشتهاة للطبع محبوبة للنفس فسره رحمه اللّه على ما عليه أهل السنة فإنهم قالوا معناه زيناهم أعمالهم بما ركبنا فيهم من الشهوات و الأماني حتى رأوا ذلك حسنا و هو كالختم و الطبع و فيه اثبات خلق اللّه تعالى أفعال العباد قال الزمخشري فإن قلت كيف أسند تزيين أعمالهم
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج14، ص: 340
القبيحة و هي ما نهى عنه يذم فاعلها و يعاقب عليها بأن جعلها متعلقا بزين مشتهاة للطبع حتى تهالكوا عليها و أعرضوا عن غيرها و سبب هذا الجعل انهماكهم على الشر و المعاصي و إصرارهم على الكفر باختيارهم و هذا في المعنى كالختم و الطبع فلا يرد الإشكال بأنهم حينئذ يكونون مجبورين على الكفر و سائر المعاصي و قد مر توضيحه في سورة البقرة.
قوله: (أو الأعمال الحسنة التي وجب عليهم أن يعملوها يترتب المثوبات عليها) أو الأعمال الحسنة التي أعرضوا عنها فالإضافة في النظم الكريم لأدنى ملابسة و لذا قال المص الأعمال الحسنة و لم يقل أعمالهم الحسنة كما قال أعمالهم القبيحة قوله التي وجب عليهم إشارة إلى وجه إضافتها إليهم مع إعراضهم عنها قوله بترتب المثوبات متعلق بزين و هذا الاحتمال «1» بعيد إذ التزيين في مثل هذا المقام أعمالهم القبيحة فإنها مشتهاة و محبوبة لنفوسهم و أما الطاعات فثقيلة على النفوس إلا على المرتاضين و لذا ورد حفت الجنة بالمكاره و حفت جهنم بالشهوات.
قوله: (فهم يعمهون عنها لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع) فهم يعمهون اختير إلى ذاته و قد أسنده إلى الشيطان في قوله: وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ [النمل: 24] قلت بين الإسنادين فرق و ذلك إن إسناده إلى الشيطان حقيقة و إسناده إلى اللّه تعالى مجاز و له طريقان في علم البيان أحدهما أن يكون من المجاز الذي يسمى الاستعارة و الثاني أن يكون من المجاز الحكمي فالطريق الأول أنه لما متعهم بطول العمر وسعة الرزق و جعلوا إنعام اللّه بذلك عليهم و إحسانه إليهم ذريعة إلى اتباع شهواتهم و بطرهم و ايثارهم الروح و الترفه و نفارهم عما يلزمهم فيه التكاليف الصعبة و المشاق المتعبة فكأنه زين لهم بذلك أعمالهم و إليه أشارت الملائكة صلوات اللّه عليهم في قولهم و لكن متعتهم و آباءهم حتى نسوا الذكر و الطريق الثاني أن إمهاله الشيطان و تخليته حتى نزين لهم له ملابسة ظاهرة للتزيين فأسند إليه لأن المجاز الحكمي يصححه بعض الملابسات و قال صاحب الانتصاف قول الزمخشري مبني على قاعدة رعاية الأصلح و لو عكس فقال الإسناد إلى اللّه تعالى حقيقة و اختار قول الحسن لكن أصوب لما أنه ليس فيما رواه الحسن هدما لمذهبهم بخلاف الوجه الأول إذ ظاهره يهدم بنيان قاعدتهم لكن الأولى هو الوجه الأول لما ورد التزيين غالبا في الشر زين للناس حب الشهوات زين للذين كفروا الحياة الدنيا و كذلك زين لكثير من المشركين و ورد في الخبر قليلا كقوله: حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7] و يبعد الخبر هنا إضافة الأعمال إليهم في قوله أعمالهم و هم لم يعملوا الخير أصلا.
قوله: و الأعمال الحسنة فتكون الآية نظير قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى [فصلت: 17].
قوله: لا يدركون ما يتبعها من ضر أو نفع فسر رحمه اللّه العمه بعدم الإدراك لأن العمه عدم البصيرة كما أن العمى عدم البصر و في الكشاف العمه التحير و التردد كما يكون حال الضال عن الطريق.