کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 323
قوله: (إذ صح أنكم ظلمتم في الدنيا بدل من اليوم) أي تحقق و ظهر و إنما أوله لدفع و هم و هو إذ ظرف لما مضى في الدنيا فكيف يكون بدلا من اليوم و قد اشترط فيه اتحاد الزمان و لما أول بما ذكر صح البدلية فإن ثبوت الظلم و تحققه أي ظهوره في ذلك اليوم و الصحة و التحقق و إن كان ماضيا لكن لما لم ينقطع ذلك الصحة و التحقق حصل الثبوت و التحقق في ذلك اليوم بخلاف الظلم فإنه انقطع و الباقي أثره فلا إشكال بأنه كيف صح و إذ للتحقق في الماضي فالإشكال باق بعد نظيره كان اللّه عليما حكيما فلا حاجة إلى الإطناب الذي ارتكبه المحشي في دفع الإشكال حيث قال لما كان تبين ظلمهم ماضيا تأويلا و حالا تحقيقا روعي الاعتبار أن فادخل إذ نظرا إلى الاعتبار الأول و ابدل من اليوم نظرا إلى الثاني و أنت تعلم أن رعاية الاعتباران في اطلاق واحد غير معقول في مثل هذا المقام و منع ثانيا اختصاص إذ بالمضي فإنه قد يستعمل في الاستقبال كقوله تعالى: فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 89] إِذِ الْأَغْلالُ [غافر: 71] الخ و هنا فليكن بمعنى الاستقبال و الظاهر أن استعماله في الاستقبال مجاز إذ الاشتراك خلاف الأصل و هنا يمكن الحقيقة لما ذكرناه ثم ادعى أن الأظهر حملها على التعليل فيتعلق بالنفي ذاهبا إلى أنه جوزه سيبويه و إن أنكره الجمهور فقيل له عليك بقول الجمهور فإنه هو المشهور ثم نقل و التقدير بعد إذ ظلمتم ثم قال و لعل الأولى أن يقال إن ذلك للدلالة على أنه تعالى لا يجري عليه زمان فالماضي و الاستقبال عنده بمنزلة الحال و لا كلام في صحة هذا الكلام لكن القرآن لما نزل على محاورات العرب روعي الزمان حتى اشتغل أهل البلاغة النكتة في صورة اتيان الماضي موضع الاستقبال و بالعكس و لم يكتفوا بالعلم الذي لا يجري فيه «1» زمان.
قوله: بدل من اليوم فإن قلت كيف يكون إذ بدلا من اليوم و اليوم يوم القيامة و وقت ظلمهم ليس عين يوم القيامة و لا بعضا منه حتى يكون بدل الكل أو البعض و لا ملابسة بينهما حتى يكون بدل الاشتمال و بدل الغلط لا يجري في كلام اللّه قلنا المراد وقت تبين ظلمهم و ظهوره لا وقت صدور الظلم منهم كقوله: إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة أي تبين أني ولد كريمة فالمعنى إذ تبين و صح أنكم ظلمتم أنفسكم فوقت تبين ظلمهم و صحته إنما هو في يوم القيامة و إن كان صدور الظلم منهم في الدنيا فإن اعتبر وقت التبين جزء من يوم القيامة يكون بدل البعض من الكل و إن اعتبر عينه بناء على أن يوم القيامة كله زمان التبين يكون بدل الكل قال أبو البقاء أما إذا فمشكلة لأنها ظرف زمان ماض و لن ينفعكم و اليوم المذكور ليس بماض قال ابن جني في مسائله راجعت أبا علي فيها مرارا فآخر ما حصلت منه أن الدنيا و الآخرة متصلتان و هما سواء في حكم اللّه تعالى و علمه فيكون إذ بدلا من اليوم حتى كأنها مستقبلة و كان اليوم ماض و قال غيره الكلام محمول على المعنى و المعنى أن ثبوت ظلمهم عندكم يكون يوم القيامة فكأنه قال و لن ينفعكم اليوم إذ صح ظلمكم عندكم فهو بدل أيضا هذا هو الذي عناه القاضي رحمه اللّه بقوله إذ صح ظلمكم و إذ بدل منه و هذا يرجع إلى التأويل المذكور في إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة و قال أبو البقاء و قال آخرون
(1) و إلا لانسد باب المزايا و النكات المتداولة بين البلغاء الثقات.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 324
قوله: (لأن حقكم أن تشتركوا أنتم و شياطينكم في العذاب كما كنتم مشتركين في سببه) و لا يظن أن العلة عين المعلول إذ المعلل اشتراكهم و العلة لياقتهم على أنه تمهيد لقوله: كما كنتم مشتركين في سببه و قد ثبت في موضعه أن الاشتراك في السبب يوجب الاشتراك في المسبب.
قوله: (و يجوز أن يسند الفعل إليه بمعنى و لن ينفعكم اشتراككم في العذاب كما ينفع الواقعين في أمر صعب تعاونهم في تحمل اعبائه و تقسمهم مكابدة عنائه إذ بكل منكم ما لا يسعه طاقته) إذ بكل منكم تعليل لعدم النفع و إنه اشتراك على وجه لا يمكن فيه المعاونة أو التأني لما ذكره.
قوله: (و قرىء إنكم بالكسر و هو يقوي الأول) و هو كون فاعل ينفعكم ما أنتم عليه دون أنكم مشتركون لأنه لا يمكن أن يكون فاعلا و لأن المكسورة في جملة تعليلية فيناسب تقدير اللام فلا احتمال لكونه فاعلا و كذا في الاحتمال الأول.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 40]
أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ مَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (40)
قوله: (إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم بعد تمرنهم على الكفر و استغراقهم في الضلال) ظاهر كلامه أن تقديم أنت للحصر فالإنكار متوجه إلى الحصر و المعنى إذا لم يهدهم اللّه لم تهدهم أنت لكن ظهر الكلام لحصر الإنكار لا لإنكار الحصر بملاحظة الحصر أولا ثم الإنكار ثانيا فالمعنى عدم إسماع الصم و عدم هداية العمى مقصور عليك و أما نحن فقادر على ذلك إن شئنا به و الاكتفاء بقوله: على هدايتهم للتنبيه على أن المراد بقوله: بتسمع تهدى و التعبير بتسمع لمناسبة الصم و المراد بالهداية الايصال إلى المطلوب بالفعل فلا ينافي قدرته عليه السّلام الهداية بمعنى الدلالة على ما يوصل إلى البغية.
قوله: (بحيث صار عشاؤهم عمى مقرونا بالصمم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يتعب نفسه في دعاء قومه و هم لا يزيدون إلا غيا فنزلت و من كان الخ) صار عشاؤهم الخ فيه إشارة إلى أن المراد بالعمى و الصم واحد جامع للوصفين واحد الوصفين مانع عن قبول الهداية فما ظنك في الوصفين و المراد بهما معنى مجازي أي المراد العمى عن أبصارهم الحق و الصمم عن اسماعه و قد مر مرارا توضيحهما لا سيما في قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى التقدير بعد إذ ظلمتم فحذف المضاف إليه للعلم به و قيل إذ بمعنى ان أي لأن ظلمتم.
قوله: و هو يقوي الأول وجه التقوية أن إن بالكسر مع ما في حيزه لا يصلح أن يكون فاعل لن ينفعكم لكونه مركبا لفظا و معنى بخلاف أن بالفتح فإنه صالح له لكونه في تأويل المفرد.
قوله: إنكار تعجيب من أن يكون هو الذي يقدر على هدايتهم و أراد أن لا يقدر على ذلك إلا هو وحده معنى الحصر مستفاد من ايلاء الضمير حرف الإنكار.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 325
قُلُوبِهِمْ [البقرة: 7] الآية و قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ [البقرة: 18] الآية كان رسول اللّه عليه السّلام يتعب من الاتعاب و الجمع بين الماضي و المضارع يفيد الاستمرار و الدوام عليه فشبه اتعابه حيث لا يترتب عليه المقصود بمن ينادي أصم أو يدل الأعمى على الطريق كذا قيل و ظاهره أنه حمل الكلام على الاستعارة التمثيلية لكن الظاهر الاستعارة في الصم و في العمى.
قوله: (عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين) يعني العمى و الضلال فإنهما متغايران مفهوما متحدان ذاتا و هذا يؤيد ما قلنا من أن العمى و الصم مستعاران لأهل الضلال و ليس الكلام على الاستعارة التمثيلية.
قوله: (و فيه إشعار بأن الموجب «1» لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى) بأن الموجب أي بحسب الوعيد و إلا فلا ايجاب تمكنهم في ضلال كتمكن المظروف في الظرف فهذا أبلغ من قوله و الضالين فإن أريد به قوم مخصوصون علم اللّه تعالى أنهم يموتون على الكفر فالأمر ظاهر و إلا فعام خص منه البعض و هم الذين آمنوا منهم و تقديم تسمع الصم لأن الصم أشد تأثيرا في عدم قبول الحق قوله لا يخفى تفسير مبين من ابان اللازم.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 41]
فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)
قوله: (أي فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم) و الإسناد مجازي و هذا معنى نذهبن بك بقرينة مقابله و هو قوله: أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي [الزخرف: 42] الآية و إن كان أعم منه بحسب المفهوم كان يكون المعنى فإما نذهبن بك من مسكنك أو من بلدك مثلا و لذا قال قبل أن نبصرك عذابهم أخذا من المقابلة.
قوله: (و ما مزيدة مؤكدة بمنزلة لام القسم في استجلاب النون المؤكدة) أي مثلها حكما لأنها لازمة أو كاللازمة فيها أو معنى لأنها لا تدخل المستقبل إذا كان خبرا إلا بعدما يدل على التأكيد.
قوله: (بعدك في الدنيا و الآخرة) بعد قبضك في الدنيا و الآخرة قيل ذكر عذاب الدارين مخالفا للزمخشري في اقتصاره على عذاب الآخرة لقوله تعالى في آية أخرى: أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ [غافر: 77] لأنه أتم فائدة و لإطلاق المذكور هنا و أما في تلك قوله: عطف على العمى باعتبار تغاير الوصفين يريد أن المراد بالمعطوف عين المعطوف عليه فالعطف راجع إلى تغاير وصفي العمى و الضلال.
قوله: و فيه إشعار بأن الموجب لذلك تمكنهم في ضلال لا يخفى وجه الإشعار جعل الضلال ظرفا لهم فكأنهم لتمكنهم في الضلال صاروا كأن الضلال أحاط بهم من جوانبهم إحاطة الظرف بالمظروف.
(1) أي الموجب لذلك الإنكار تمكنهم في الضلال لا توهم القصور من الهادي.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 326
الآية فليس فيها ذكره فلا يلزم حمل ما هنا عليه انتهى و حمل المطلق على المقيد مناسب في مثله و أيضا المطلق ينصرف إلى الكمال و كمال الانتقام في الآخرة و الانتقام في الدنيا في جنبه كلا انتقام فلا يحسن ذكره معه لكن قوله فإن قبضناك قبل أن نبصرك عذابهم يناسبه اقتصار العذاب في الدنيا تدبر و يلائمه أيضا قوله أو نرينك الذي و عدناهم فإن المراد به عذاب الدنيا.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 42]
أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)
قوله: (أو إن أردنا أن نريك ما وعدناهم من العذاب) قيد لإرادة لأنها أنسب بذكر الاقتدار بعده انتهى لكن المناسب أو إذا أرادنا و قد أراده يوم بدر.
قوله: (لا يفوتوننا) إشارة إلى أنه الجزاء و ما ذكرت علته أقيمت مقامه و أما الجزاء في فإما نذهبن فمحذوف أيضا أي فإما نذهبن بك فالتشفي حاصل البتة فإنا منتقمون و إن لم يحصل لك ذلك التشفي لحكمة و هذا أيضا واقع فكلمة أو للتقسيم و الفاء في فإما نذهبن للتفصيل فإن ما قبله يدل على ما بعده إجمالا.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 43]
فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)
قوله: ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ من الآيات و الشرائع و قرىء أوحي على البناء للفاعل و هو اللّه تعالى) فاستمسك أي قدم على ذلك الاستمساك الأمر عام لا منه أيضا لأن خطابه عليه السّلام خطاب لأمته سوى الحضيضة و التعبير بأوحي مزيد ترغيب في الاستمساك و لا يبعد تعميمه إلى الوحي الغير المتلو و الفاء جواب شرط محذوف أي إذا كان المذكور واقعا لا محالة فاستمسك الآية و اختير فاستمسك لأنه أبلغ من تمسك.
قوله: ( إِنَّكَ عَلى صِراطٍ ) تعليل للأمر بالاستمساك إذ المراد كما عرفته الأمر بدوامه و كونه عليه السّلام على صراط يقتضي ذلك و فيه مبالغة حيث أكد بأن لكمال العناية بمضمونها و التعبير بعلى المفيد لاستعلائه عليه استعلاء الراكب على المركوب على طريق الاستعارة التمثيلية و وصف الصراط بالاستقامة.
قوله: فاستمسك بالذي أوحي إليك من الآيات و الشرائع قال صاحب الكشاف و المعنى سواء عجلنا لك الظفر و الغلبة أو أخرناه إلى اليوم الآخر فكن متمسكا بما أوحيناه إليك و بالعمل به فإنه الصراط المستقيم الذي لا يحيد عنه إلا ضال شقي وزد كل يوم صلابة في المحاماة على دين اللّه و لا يخرجك الضجر بأمرهم إلى شيء من اللين و الرخاوة في أمرك و لكن كما يفعل الثابت الذي لا ينشطه تعجيل ظفر و لا يثبطه تأخيره تم كلامه أخذ رحمه اللّه معنى الزيادة في قوله و زد كل يوم صلابة من السين في فاستمسك و قيل معنى الزيادة مستفاد من الأمر بالاستمساك بالوحي فهو كقوله: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ [البقرة: 2] المراد زيادة الهدى لأن المتقين مهتدون و كقولك للعزيز المكرم أعزك اللّه و أكرمك تريد طلب الزيادة على ما هو ثابت فيه كقوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة: 6].
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 327
قوله: (لا عوج له) بكسر العين أي لا إفراط فيه و لا تفريط.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 44]
وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ وَ سَوْفَ تُسْئَلُونَ (44)
قوله: ( وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ لشرف لك) و إنه أي القرآن قوله لشرف لك حمل الذكر على الشرف مجاز لأن الشرف يستلزم الذكر و كونه شرفا له عليه السّلام لأنه بالقرآن يرفع درجاته في الدنيا و الآخرة بسبب عمل بما فيه و كذا شرف لقومه أيضا بعمل مقتضاه و كونه و حياله عليه السّلام شرف عظيم له خاصة و لعل لهذا أعيد اللام في لقومك.
قوله: (أي عنه يوم القيامة و عن قيامكم بحقه) عنه بطريق هل تعملون بمقتضاه أم لا و لذا قاله و عن قيامكم بحقه ففي قوله تسألون تغليب فيه وعد و وعيد.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 45]
قوله: (أي واسئل أممهم و علماء دينهم) أي فيه مضاف مقدر لأن سؤاله عليه السّلام الرسل المتقدمين ليس بممكن فلا جرم أن المراد خلفاء الرسل عليهم السّلام و أمناؤهم و المراد بالسؤال سؤال استعلام و هو عبارة عن التفحص عن شرائعهم لنكتة سيجيء و لم يلتفت إلى القول بأنه على ظاهره و قد جمع له الأنبياء في بيت المقدس في ليلة الإسراء فأمهم لأنه لا يلائم ما سيجيء فإنه لا يتم سؤاله عليه السّلام إياهم و السؤال إنما يفيد إذا كان في محضر من الناس و أيضا المراد الزام المشركين بهذا السؤال و هم منكرون الإسراء قيل فائدة هذا المجاز التنبيه على أن المسؤول عنه عين ما نطقت به ألسنة الرسل لا ما يقوله علماؤهم من تلقاء أنفسهم و قوله تعالى فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ [الزخرف: 45] لم يعتبر هذا المجاز فيه لإغنائه قوله الذين يقرؤون الكتاب و التعرض للكتاب يفيد ما أفاد قوله وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا و في الكشاف المراد به مجاز عن النظر في أديانهم و الفحص عن مللهم هل جاءت عبادة الأوثان قط في ملة من الأنبياء نظيره قوله من قال سل الأرض من شق أنهارك الخ فإنه عبارة عن النظر لأنه لا يصح السؤال على الحقيقة و أخر الزمخشري ما اختاره المصنف من المجاز في الحذف إذ التقدير مع القرينة أسهل من التجوز و لذا اكتفى المصنف به و اقتصر عليه لكن التجوز شائع في مثله كما مر من سؤال الديار و الأرض مع أن المجاز أبلغ فالتعرض له أنسب و تحريف كتبهم لا يضر في مثله بل عدم الاعتماد بالتحريف إنما هو في الفروع و نحوها و أما نحو عبادة الأوثان فكتابهم موثوق به و لذا قال الزمخشري هل جاءت عبادة قط في ملة من الأنبياء.
قوله: (هل حكمنا بعبادة الأوثان و هل جاءت في ملة من مللهم و المراد به الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد) و الظاهر أن المراد علماء بني إسرائيل و في الكشاف و قيل «1»
(1) فالسؤال على حقيقته على ما اختاره المص فالسؤال وقوعه من علماء الأمة غير مبين في كلامهم و لم أر أحد يصر به أولا وقوعه فالأمر بالسؤال للإرشاد و كونه للوجوب أو للندب أو للأعم منهما غير ظاهر و لم نر أحدا يتعرض له فليتأمل.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 328
معناه سل أمما من أرسلنا و هم أهل الكتابين التورية و الإنجيل انتهى فكيف يكون الاستشهاد بإجماع الأنبياء على التوحيد في السؤال عن تلك الأمم و عن النظر في الكتابين فليتأمل.
قوله: (و الدلالة على أنه ليس ببدع ابتدعه فيكذب و يعادي له فإنه كان أقوى ما حملهم على التكذيب و المخالفة) و الدلالة على أنه أي الدعوة إلى التوحيد و الزجر عن عبادة الأوثان ليس ببدع ابتدعه اخترعه عليه السّلام من تلقاء نفسه كقوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 9] الآية قوله فيكذب بالنصب جواب النفي و يعادي له عطف عليه قوله فإنه التوحيد و الدعوة إليه و الضمير في ما حملهم راجع إلى المشركين و المخالفة فإذا لم يكن الرسول عليه السّلام بدعا من الرسل فلا وجه للعداوة و التكذيب فقولهم إنه مخترع ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين بناء على التعصب يندفع بالسؤال عن أهل الكتابين و لذا قال المصنف في تفسير اجعلنا الآية هل حكمنا بعبادة الأوثان و هل جاءت قط في ملة من الملل.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 46]
قوله: (يريد باقتصاصه تسلية الرسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلم و مناقضة قولهم لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) و مناقضة قولهم أي إبطاله لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ [الزخرف: 31] الآية لأن موسى عليه السّلام مع عدم ماله و جاهه كان له مع فرعون و هو ذو مال عظيم و جاه جسيم ما كان من الدعوة إلى التوحيد و غيرها و قد أيده اللّه بالوحي و المعجزات الباهرة فبطل قولهم.
قوله: (و الاستشهاد بدعوة موسى عليه السّلام إلى التوحيد) على التوحيد بعد الاستشهاد بإجماع الأنبياء لأن قصة موسى مشهورة عندهم.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 47]
فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (47)
قوله: (فاجأوا وقت ضحكهم منها) أشار إلى أن إذا للمفاجأة و عامل إذا مقدر و هو قوله: فإنه كان أقوى ما حملهم على التكذيب أي فإن التوحيد أقوى ما حملهم على تكذيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وجه كونه أقوى أنهم أهل اشراك يعادون أهل التوحيد و يخالفونه لتضاد و مخالفة بينهما في الدين.
قوله: و مناقضة قولهم لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: 31] وجه المناقضة أن من أسلافهم فرعون و قومه استحقروا موسى حيث قال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَ لا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف: 52] و مع ذلك منحه اللّه تعالى النبوة و الرسالة و دعاهم إلى الحق فأبوا فأهلكهم اللّه فقد ظهر لهم من ذلك أن العظيم من هو عظيم بالفضائل القدسية لا من عظم بالمال و الجاه فقول هؤلاء الكفرة لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ مع علمهم حال فرعون مع موسى و غلبته عليهم مع استحقارهم له قول ساقط و احتجاج فاسد.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج17، ص: 329
فاجأوا و هو عامل في لما قوله وقت ضحكهم اختيار مذهب الزجاج من أن إذا زمانية و عند المبرد مكانية فالمعنى فاجأوا مكان ضحكهم و الوقت مفعول فيه لا مفعول به و إلا لم تبق إذا ظرفية بل تصير اسمية بل المفعول به محذوف أي فاجأوا وقت ضحكهم ضحكهم كذا في الجامي في مثله.
قوله: (أي استهزؤوا بها أول ما رأوها و لم يتأملوا فيها) نبه به على أن الكلام كناية عن الاستهزاء سواء وجد الضحك أو لا قوله أول ما رأوها مستفاد من إذا المفاجأة و لم يتأملوا فيها لازم معناه و هذا مدار التسلية لا ما ذكر في الآية الأولى فإنه تمهيد لذلك و الفاء للسببية بالنسبة إليهم لأن إرساله بالآية سبب قبول الحق لكنهم جعلوه سببا للاستهزاء و نظائره كثيرة و يضحكون حكاية حال ماضية و الإسناد إلى الجميع من قبيل إسناد ما للبعض إلى الكل إذ بعضهم آمنوا به كما نطق به قوله تعالى: وَ قالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [غافر: 28] الآية.
قوله تعالى:
[سورة الزخرف (43): آية 48]
قوله: (ألا و هي بالغة أقصى درجات الإعجاز) أشار به إلى دفع إشكال من لزوم كون كل واحدة فاضلة و مفضولة معا و هو يؤدي إلى التناقض و تفضيل الشيء على نفسه لعموم آية في النفي أدخل الواو في و هي في ألا و هي لأن قوله ألا هي أكبر حال لأنه مستثنى من عموم الأحوال و في النظم اكتفى بالضمير و حاصل الدفع أنه كناية أو تمثيل و ليس المراد به إثبات الزيادة لكل واحدة واحدة على كل واحدة منها حتى لزم ما ذكر و إن كان ظاهر النظم يوهم ذلك لكن حقيقته غير مقصودة لظهور الفساد و هو قرينة على عدم إرادة الظاهر فالمراد بيان اتصاف الكل بالكمال بحيث لا يظهر التفاوت و يظن أن كل واحدة منها أفضل من البواقي و في النظم إشارة إلى ذلك حيث عبر بأختها لأنها بمعنى المثل استعارة فكل واحدة منها كونها أكبر من أختها أي مثلها لا يتصور على الحقيقة فيكون المراد لازم معناها و هو ما ذكره المصنف.
قوله: (بحيث يحسب الناظر فيها أنها أكبر مما يقاس إليها من الآيات) فيكون افعل التفضيل بحسب الناظر «1» لا بحسب الواقع فيكون الافعل مجازا و بعد هذا يكون كناية عن قوله: ألا و هي بالغة أقصى درجات الإعجاز بحيث يحسب الناظر فيها أنها أكبر مما يقاس إليها من الآيات و إنما فسر الأفضلية في الكبر بالنسبة إلى ظن الناظر فيها لا بالنسبة إلى نفس أمر لأن نسبتها إلى نفس الأمر يوجب كون كل واحدة من الآيات التسع فاضلة على الأخرى و مفضولة