کتابخانه تفاسیر
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى
المجلد الاول
المجلد الثانى
المجلد الثالث
المجلد الرابع
المجلد الخامس
المجلد السادس
سورة آل عمران
المجلد السابع
سورة النساء مدينة و آيها مائة و سبعون و خمس آيات
سورة المائدة مائة و عشرون آية
المجلد الثامن
سورة الأنعام مكية و هي مائة و خمس و ستون آية
سورة الأعراف و هي مكية غير ثمان آيات
المجلد العاشر
سورة هود مكية و هي مائة و ثلاث و عشرون آية
سورة يوسف مكية و آيها مائة و إحدى عشر آية قيل إلا ثلاث آيات من أولها
سورة الرعد و هي خمس و أربعون آية
المجلد الحادى عشر
سورة إبراهيم
سورة الحجر مكية و هي تسع و تسعون آية
سورة النحل مكية غير ثلاث آيات في آخرها و هي مائة و ثمان و عشرون آية
سورة الإسراء مكية قيل إلا قوله و إن كادوا إلى آخر ثمان آيات و هي مائة و عشر آيات
المجلد الثانى عشر
سورة الكهف مكية و هي مائة و إحدى عشر آية
سورة مريم مكية إلا آية السجدة و هي ثمان أو تسع و تسعون آية
سورة طه مكية و هي مائة و أربع و ثلاثون آية
سورة الأنبياء
المجلد الثالث عشر
سورة الحج
سورة المؤمنون
سورة النور
المجلد الرابع عشر
سورة الفرقان
سورة الشعراء
سورة النمل
سورة القصص
المجلد الخامس عشر
سورة العنكبوت
سورة الروم
سورة لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
المجلد السادس عشر
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
المجلد السابع عشر
سورة المؤمن و تسمى سورة غافر و سورة الطول مكية
سورة فصلت
سورة الشورى(حم عسق)
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
المجلد الثامن عشر
سورة محمد
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق و القرآن المجيد
سورة و الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
المجلد التاسع عشر
سورة الحشر
سورة الممتحنة
سورة الصف
سورة المنافقين
سورة التغابن
سورة الطلاق
سورة التحريم
سورة الملك
سورة ن
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات
المجلد العشرون
سورة النبا
سورة النازعات
سورة عبس
سورة التكوير
سورة الانفطار
سورة المطففين
سورة الانشقاق
سورة البروج
سورة الطارق
سورة الأعلى
سورة الغاشية
سورة الفجر
سورة البلد
سورة الشمس
سورة الليل
سورة العلق
سورة العاديات
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 90
أن يأبوا ذلك و يبطشوا بهم فأنزل اللّه السكينة عليهم فتوقروا و تحملوا) و حويطب تصغير حاطب بمهملتين و مكرز ابن الخ بكسر الميم و سكون الكاف ثم راء مهملة ثم زاء معجمة قوله فقال لعلي الخ تفصيل قوله اكتب باسمك اللهم الخ و صورة المكتوب باسمك اللهم هذا ما صالح عليه محمد بن عبد اللّه سهيل بن عمرو صلحا على وضع الحرب على الناس عشر سنين يأمن فيه الناس أو يكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى من آل محمد من قريش بغير إذن وليه رده عليهم و من جاء قريش ممن مع محمد لم يردوه عليه و إن بيننا غير مكفوفة و أنه لا أسلال و لا أغلال و أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد و عهده دخل فيه و من أحب أن يدخل في عقد قريش و عهده دخل فيه و سيأتي في الممتحنة نقضهم هذا العهد كذا قيل و القابل العام القابل عرفا و هو المراد هنا قوله فهم المؤمنون أي مجموع ما ذكر كان سببا لهم المؤمنون و قصدهم و يبطشوا عليهم عدي بعلى بتأويل يتوقعوا البطش و السكينة الصبر و التحمل و لذا قال فتوقروا و تحملوا و لم يعملوا بمقتضى همهم بخلق السكينة فالمراد بالانزال الايجاد و الإحداث.
قوله: (كلمة الشهادة أو بسم اللّه الرحمن الرحيم أو محمد رسول اللّه اختارها لهم) بيان معنى الالزام و التعبير بالالزام بيان شدة ملازمتهم و ظاهره لا يراد لأنه يوهم الجبر و الاضطرار و في تعبير المصنف بالاختيار تنبيه على أن المشركين محرومون عنها و لذا أبوا عن كتبها و لو أريد بالالزام الزام بالحكم جاز إرادته لكن المتبادر الجبر و عن هذا أوله به.
قوله: (أو الثبات و الوفاء بالعهد) هذا المناسب لقوله: فَأَنْزَلَ اللَّهُ [الفتح: 26] الآية فالمناسب عطفه بالفاء لكن عطف بالواو لقطع النظر عن سببيته فحينئذ معنى الالزام الأمر فلا يأول بالاختيار.
قوله: (و إضافة الكلمة إلى التقوى لأنها سبب الوقاية من النار) فالإضافة لأدنى ملابسة إن كان المراد كلمة الشهادة الخ فالأمر ظاهر و إن كان المراد الثبات الخ فإطلاق كلمة التقوى على ذلك مبني على المسامحة إذ المراد الثبات على كلمة التقوى و كذا الوفاء «1» بالعهود فإن العهود من قبيل كلمة التقوى قوله سبب الوقاية من النار بناء على أن التقوى الحقيقي الشرعي متضمن لها و القول بأنه حمل التقوى على المعنى اللغوي بعيد.
قوله: (أو كلمة أهلها) بتقدير المضاف فالإضافة حينئذ في بابها قيل في قوله لأنها أي الكلمة على الوجه الأخير و لا يظهر وجهه و العموم هو الظاهر.
قوله: (من غيرها) أي من غير أهلها بتقدير المضاف و في الكشاف من غيرهم و هم الكفار القاسية قلوبهم إشارة إلى المفضل عليه و قيل اسم التفضيل بمعنى أصل الفعل و هو خال عن التكلف و لك أن تقول هذا من قبيل الصيف أحر من الشتاء.
(1) سواء كان العهد في الأصلاب أو غيره فالمراد بكلمة التقوى ما عاهدوا اللّه عليه مطلقا فالتخصيص بالأول ضعيف بل الظاهر عهد بينهم كما هو الظاهر من السوق.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 91
قوله: (و المستأهل لها) صحح هذا اللفظ و إن أنكره بعضهم و هذا كالتأكيد لما قبله و قد مر أن الأهلية من مواهب اللّه تعالى فلا إشكال بأن الأهلية ليست بشرط عند أهل الحق.
قوله: (فيعلم أهل كل شيء و ييسره له) إشارة إلى ارتباطه بما قبله و أن النظم الكريم بمنزلة الكبرى و المقصود إخبار علم أهل كل شيء قوله و ييسره له بيان نتيجة العلم و ثمرته و المراد بالعلم هنا تعلقه القديم.
قوله تعالى:
[سورة الفتح (48): آية 27]
قوله: (رأى عليه السّلام أنه و أصحابه دخلوا مكة آمنين و قد حلقوا و قصروا فقص الرؤيا على أصحابه ففرحوا بها و حسبوا أن ذلك يكون في عامهم فلما تأخر قال بعضهم و اللّه ما حلقنا و لا قصرنا و لا رأينا البيت فنزلت و المعنى صدقه في الرؤيا) أشار به إلى أن الكلام من قبيل الحذف و الايصال لأن صدق يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد و معنى صدق حقق وقوعها عنده فالصدق مجاز عن تحقق وقوعها هذا رد لقول بعض المنافقين و اللّه ما حلقنا الخ و هم عبد اللّه بن أبي و عبد اللّه بن نفيل و رفاعة بن الحارث فنزلت هذه الآية و صدر بالقسم مبالغة في الرد و هذه الرؤيا قبل خروجه إلى الحديبية و قال مجاهد كانت بالحديبية و الأول هو الأصح.
قوله: (ملتبسا به فإن ما رآه كائن لا محالة) نبه به على أن بالحق حال من الرسول أي فإن ما رآه من الرؤيا كائن لأن رؤيا الأنبياء وحي و لا يحتمل أن يكون أضغاث أحلام.
قوله: (في وقته المقدر له و هو العام القابل) بيان وجه التأخير و يحتمل أن يكون حالا من الرؤيا فإنها كائنة لا محالة في وقتها المعين لوقوعها و لم يقل ملتبسة لتأويلها بما يرى و الأول أولى لفظا و معنى و كلام المصنف منتظم له ظاهرا لكنهما متقاربان و لم يلتفت إلى كونه ظرفا لغوا لصدق أو حال من الفاعل لأنه خلاف الظاهر.
قوله: (و يجوز أن يكون بالحق صفة مصدر محذوف أي صدقا ملتبسا بالحق و هو القصد إلى التمييز بين الثابت على الإيمان و المتزلزل فيه) فيكون معنى الحق مطابقة ما يلابس الرؤيا للواقع لا مطابقة نفس الرؤيا و إن كان لازما له.
قوله: أي صدقا ملتبسا بالحق و هو القصد إلى الميز بين الثابت على الإيمان و المتزلزل فيه في الكشاف و معنى صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا صدقه في رؤياه و لم يكذبه تعالى اللّه عن الكذب قال الراغب الصدق و الكذب أصلهما في القول ماضيا كان أو مستقبلا وعدا أو غيره و لا يكونان بالقصد الأول إلا في الخبر و لذلك قال تعالى: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء: 87] و قال:
إنه كان صادق الوعد و قد يكونان بالعرض في غير الخبر كالاستفهام و الأمر و الدعاء نحو قولك أزيد في الدار فإن في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد و قولك لا تؤذني مضمن لمعنى أنه
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 92
قوله: (و أن يكون قسما إما باسم اللّه أو بنقيض الباطل) تأكيد للأول للاهتمام في شأن الرؤيا و الزجر التام للمنكرين اللئام قوله باسم اللّه لأن الحق من أسماء اللّه و الباء للقسم و هذا هو الظاهر و لذا قدمه أو بنقيض الباطل إذ الخالق يحلف ببعض مخلوقاته و إن لم يجز ذلك لنا بلا تأويل.
قوله: (و قوله لتدخلن المسجد الحرام جوابه و على الأولين جواب قسم محذوف) جوابه على الوجهين قوله جواب قسم محذوف أي باللّه لتدخلن المسجد الخطاب له عليه السّلام و أصحابه الكرام بإسناد ما للبعض إلى الجميع.
قوله: (تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد) بأنهم ينبغي لهم تعليق و عدهم و غيره بالمشيئة أي المراد لازمه لأن تعليقه تعالى العدة بالمشيئة يلزمه تعليم العباد و هذا اللازم هو المراد فلا إشكال بأنه تعالى عالم بالغيوب فما معنى التعليق بالمشيئة و أيضا تعليم العباد من أين يستفاد من هذا الكلام فقد عرفت وجهه بأنه مجاز أو كناية ذكر الملزوم و أريد اللازم فلا حاجة إلى القول بأن لفظة ان بمعنى إذا و فيه تنبيه نبيه على أن وقوع الدخول بإرادته تعالى و تيسيره لا من جلادتهم و تدبيرهم و إن كان له مدخل ما فيكون كقوله تعالى: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف: 23، 24].
يؤذيك و قوله و أس مضمن لمعنى أنك محتاج إلى المواساة و الصدق مطابقة القول الضمير و المخبر عنه معا و إلا لم يكن صدقا تاما بل إما أن لا يوصف بالصدق أو يوصف تارة بالصدق و تارة بالكذب على نظرين مختلفين كقوله كافر غير معتقد محمد رسول اللّه فصدقه لكون المخبر عنه كذلك و كذبه لمخالفته الضمير و قد يستعملان في الاعتقاد نحو صدق ظني و كذب و يستعملان في فعل الجوارح نحو صدق في القتال إذا أوفى حقه و فعل ما يجب و كذب في القتال قال تعالى: رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] أي حققوا العهد و قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ [الأحزاب: 8] أي يسأل من صدق بلسانه عن صدق فعله تنبيها على أنه لا يكفي الاعتراف بالحق دون تجربة بالفعل و قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ [الفتح: 27] هذا صدق بالفعل و هو التحقيق أي حقق رؤيته و عليه قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 55] و على هذا أن لهم قدم صدق عند ربهم و قوله: أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ [الإسراء: 80] و قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ [الشعراء: 84] فإن ذلك سؤال أن يجعله صالحا بحيث إذا أثنى عليه من بعده لم يكن ذلك الثناء كذبا كما قال:
إذا نحن أثنينا عليك بصالح
فأنت كما نثني و فوق الذي تثني
قوله: إما باسم اللّه تعالى أو بنقيض الباطل يعني يحتمل أن يكون الحق في بالحق اسما من أسماء اللّه الحسنى و أن يكون المراد به نقيض الباطل و أيا كان يصلح أن يكون مقسما به.
قوله: إن شاء اللّه تعليق للعدة بالمشيئة تعليما للعباد الخ قال صاحب الكشاف في دخول إن شاء اللّه في إخبار اللّه عز و جل وجوه أن يعلق عدته بالمشيئة تعليما لعباده أن يقولوا في عداتهم مثل ذلك متأدبين بآداب اللّه و مقتدين بسنته و أن يريه لتدخلن جميعا إن شاء اللّه و لم يمت منكم أحدا أو كان ذلك على لسان ملك فأدخل الملك إن شاء اللّه أو هي حكاية ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لأصحابه و قص عليهم و قيل هو متعلق بآمنين و تلخيص هذه الوجوه أن قوله: إِنْ شاءَ اللَّهُ
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 93
قوله: (أو إشعارا بأن بعضهم لا يدخل لموت أو غيبة) فالتعليق راجع إلى دخول الجميع فلا إشكال أيضا و يرد عليه أنه تعالى يعلم بعدم دخول الجميع فلا وجه لكلمة الشك و لا يدفع الإشكال بأن أصله لتدخلن لا محالة إلا أن يشاء عدم الدخول لأن مشيئة عدم دخول البعض مقطوع به و مشيئة عدم دخول الجميع انتفاؤه مجزوم فلا وجه للشك منه تعالى فيجب صرفه إلى المخاطب مثل لعل و عسى مع أن فيه تغييرا فاحشا إذا لمشيئة بالنسبة إلى الدخول لا إلى عدم الدخول.
قوله: (أو حكاية لما قاله ملك الرؤيا في النوم أو النبي عليه السّلام لأصحابه) هذا جواب الثالث و الرابع مثله فالشك راجح إلى الملك في الأول و إلى النبي عليه السّلام و قد مر في سورة يوسف ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ [يوسف: 52] إنه يحتمل أنه من كلام زليخا مع أن ما قبله حكاية كلام يوسف و كذا قوله تعالى: ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ [يوسف:
65] من كلام يعقوب مع أن ما قبله من كلام إخوة يوسف و حكاية كلام بعض بلا تصريح الحكاية في أثناء حكاية كلام آخر صحح إذا قام القرينة و هنا القرينة كنار على علم فلا وجه لإشكال صاحب التقريب بأنه كيف يدخل في كلامه تعالى ما ليس منه بدون حكاية و سلمه شراح الكشاف أنه وارد و غير مندفع و ما حكاه اللّه من كلام غيره فهو كلام اللّه تعالى صرح به الإمام الأعظم في الفقه الأكبر الأفخم و لك أن تقول هذا مقول على السنة العباد و مثل قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا [الفاتحة: 5، 6].
[يوسف: 99] إما من كلام اللّه عز و جل أو من كلام الملك أو الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و على أن يكون من كلام اللّه تعالى فهو إما متعلق بلتدخلن أو بآمنين و إذا كان الأول فإيراده إما للتعليم أو للتبرك و إما أن المراد لتدخلن جميعا فإذا تعلق بآمنين كان المعنى ما ذكره في قوله: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [يوسف: 99] اسلموا و آمنوا في دخولكم إن شاء اللّه و التقدير ادخلوا مصر آمنين إن شاء اللّه دخلتم آمنين و على أن يكون من كلام الملك فإنه لما ألقي كلام اللّه على النبي صلّى اللّه عليه و سلّم القى هذه الكلمة من تلقاء نفسه تبركا و على أن يكون من كلام الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم لأصحابه فإنه صلوات اللّه عليه لما قص الرؤيا على أصحابه أتى بتأويلها مؤكدا بالجملة القسمية لأن رؤية الأنبياء وحي ثم إنه تعالى لما ذكر لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ استأنف بقوله لتدخلن ليكون جوابا لمن قال عند ذلك فيم صدقه اللّه فقيل في قوله: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27] و قد طعن بعض من شراح الكشاف في بعض الوجوه بأنه إذا كان من كلام اللّه و لم يكن لتعليم العباد بل المراد لتدخلن جميعا إن شاء اللّه و لم يمت منكم أحدا كان المراد لتدخلن جميعا إن شاء اللّه و لم يمت أحدا لكن اللّه تعالى أمات بعضهم و فيه بعد و إذا كان من كلام الملك فظاهر الورود لأن الزيادة من كلام الغير كيف يدخل في كلام اللّه تعالى و أولى الوجوه أن يكون تعليما للعباد و يكون كلمة تأديب يذكر في أثناء الكلام تيمنا و تبركا روى الواحدي عن أبي العباس أحمد بن يحيى استثنى اللّه تعالى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون و أمر بذلك في قوله: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ [الكهف: 23، 24] و كذا عن الإمام و قال أيضا إن ذلك لتحقيق الدخول لأن المؤمنين أرادوا الدخول و أبوا الصلح فقيل تدخلون لكن لا بجلادتكم و لا إرادتكم و إنما تدخلون بمشيئة اللّه تعالى و إرادته.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 94
قوله: (حال من الواو و الشرط معترض) أي المحذوفة في لتدخلن لاجتماع الساكنين حاصله حال من الفاعل.
قوله: (محلقا بعضكم و مقصرا آخرون) ففيه تقدير بقرينة أن التحليق و التقصير لا يجتمعان فالمراد الحلق و التقصير في ذلك الدخول فلا مساغ في حمل التحليق في سنة و التقصير في أخرى فالمراد تقدير المضاف في الموضعين إذ التقدير و مقصرين رؤوسكم أي مقصر بعضكم إذ كثيرا ما يعتبر في المعطوف ما ذكر في المعطوف عليه و ملحقا حال مقدرة إذ الدخول حال الإحرام و التحليق و التقصير بعد أداء بعض المناسك.
قوله: (حال مؤكدة أو استئناف أي لا تخافون بعد ذلك) حال مؤكدة لقوله آمنين و المراد عدم الخوف في حال الدخول قوله أي لا تخافون بعد ذلك أي بعد الدخول معنى على الاستئناف البياني كأنه قيل كيف حالهم بعد الدخول فأجيب بأنكم لا تخافون بعد الدخول هذا بناء على أن المضارع حقيقة في المستقبل و أما على القول بأنه حقيقة في الحال أو مشترك بينهما اشتراكا لفظيا فلا يتعين كونه بعد الدخول إلا أن يقال إن المراد الاستقبال بقرينة آمنين إذ التأسيس خير من التأكيد لكن ميل المصنف إلى التأكيد و أن لا تخافون للحال دون الاستقبال لكن الأحسن خلافه.
قوله: (فعلم ما لم تعلموا من الحكمة في تأخير ذلك) عطف على قوله لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ فالفاء للترتيب الذكرى كما مر في قوله تعالى: يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ و قيل المراد بعلمه العلم الفعلي المتعلق بأمر حادث بعد المعطوف عليه أي علم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية إلى تقديم ما يشهد بالصدق علما فعليا انتهى و حاصله أن المراد بالعلم المتعلق الحادث بعد المعطوف عليه و هو الحكمة الحادثة بعد المعطوف عليه فيتعلق العلم بأنه وجد تلك الحكمة الآن أو قبل فهذا التعلق حادث بعد المعطوف عليه و أما تعلق العلم بها بأن تلك الحكمة ستوجد في وقت كذا فقديم باق أزلا و أبدا فلا يراد هنا لتقدمه على المعطوف عليه فلا يلزم أن لا يكون اللّه تعالى عالما بتلك الحكمة قبل حدوثها تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا و هكذا في كل موضع يراد فيه التعلق الحادث فإن له تعلقا قديما على نهج ما ذكرناه فلا يعزب عن علمه تعالى مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء قال أبو السعود و أما جعل ما في قوله تعالى: ما لَمْ تَعْلَمُوا [الفتح: 27] عبارة عن الحكمة في تأخير فتح إلى العام القابل كما جنح إليه الجمهور فيأباه الفاء فإن علمه بذلك متقدم على إراءة الرؤيا قطعا انتهى إن أراد علمه بذلك بالتعلق القديم بمعنى أنها ستوجد فمسلم تقدمه لكن يرد على ما اختاره هذا الإشكال فإن العلم بالحكمة الداعية إلى تقديم ما يشهد بالصدق بالتعلق القديم قوله: آمنين حال من الواو أي من الواو المحذوفة من لتدخلن لأجل التقاء الساكنين بسبب لحوق النون الثقيلة و الشرط و هو إن شاء اللّه معترض بين الحال و ذي الحال.
قوله: لا تخافون حال مؤكدة و ذو الحال هو الضمير في آمنين أو محلقين و معنى كونها مؤكدة أن الأمن من لوازم انتفاء الخوف فلتضمن الأمن انتفاء الخوف جاء لا يخافون مؤكدا.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 95
متقدم على الصدق و إن أراد علمه بذلك بالتعلق الحادث فهو متأخر عن إرادة الرؤيا لأنه تعلق بأمر حادث كما ذكره فيما اختاره و إن أريد التعلق القديم فالفاء في فعلم للترتيب الذكري و إن أريد التعلق الحادث فالترتيب في بابه فالقصر على أحدهما من القصور و لم يبين ما هو المراد من الحكمة في تأخير فتح مكة لكن لا يضرنا لأن الحكمة متحققة و إن لم نعلم بخصوصها و ذلك في قوله في تأخير ذلك إشارة إلى فتح مكة.
قوله: (من دون دخولكم المسجد أو فتح مكة) نبه به على أن ذلك إشارة إلى دخول المسجد الحرام و حاصله غير المسجد الحرام قوله أو فتح مكة أخره مع أن الكشاف اقتصر عليه لبعده من المقام قال المحشي ثم في قوله إلى العام القابل تجوز لأن الفتح كان في السنة الثامنة لا في السابعة و حسن الظن به رحمه اللّه يقتضي أن يكون مرادا بالفتح دخولهم معتمرين و إن كان بعيدا من اللفظ و الحاصل أن كون المشار إليه دخول المسجد أنسب بقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ [الفتح: 27] و كونه فتح مكة أنسب بقوله: فَتْحاً قَرِيباً [الفتح: 27].
قوله: (هو فتح خيبر لتستروح إليه قلوب المؤمنين إلى أن يتيسر الموعود) و المراد بجعله وعده و عبر بالجعل لإنجازه من غير تأخير و قد عرفت أن فتح خيبر غب انصرافه عن الحديبية و هذا الفتح القريب و هو المراد بقوله: فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ [الفتح: 20].
الآية بدل على صدق الرؤيا كما قال تعالى: وَ لِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ [الفتح: 20] على وجه و لذا قال لتستروح إليه الخ أي لتستريح كذا نقل عن الأساس و تعديته بإلى لتضمنه معنى الاطمئنان و المراد بالموعود فتح مكة.
قوله تعالى:
[سورة الفتح (48): آية 28]
قوله: (ملتبسا به أو بسبه أو لأجله) ملتبسا به رجح كون الباء للملابسة لأنها تفيد كونه عليه السّلام هاديا على الدوام لا ينفك عنها أصلا ثم جوز كونها للسببية أو للتعليل و هما متقاربان و الفرق أن السبب مفض إلى الشيء في الجملة و العلة موثرة فيه فهو يهدي إلى الحق و يوصله إليه بالسببية أو هو عليه السّلام يهدي أي يرشد إلى ما يدل على الحق بالعلية فعلى هذين الاحتمالين يكون الظرف لغوا (و بدين الإسلام).
قوله: (ليعليه على جنس الدين كله) أي ليجعله عاليا أصل معناه جعله على ظهر من أظهره إذا جعله على ظهره فلزمه الإعلاء و هو المراد هنا كناية.
قوله: (ينسخ ما كان حقا و إظهار فساد ما كان باطلا) ينسخ ما كان أي بعض ما كان حقا و إظهار الخ نبه به على أن الذين مشترك اشتراكا لفظيا بين الدين الحق و الباطل و مشترك اشتراكا معنويا بين الأديان الحقة كذا قاله بعض شراح المنار فإرادة الحق و الباطل معا بناء قوله: ملتبسا به أو بسببه يعني أن الباء في بالهدى يحتمل أن تكون للمصاحبة أو للسببية.
حاشية القونوى على تفسير البيضاوى، ج18، ص: 96
على عموم المشترك و ظاهر كلام المصنف أن المراد جنس الدين حيث قال على جنس الدين فيكون مشتركا معنويا فالدين بمعنى ما يدان به من الشرائع فلا إشكال فعلوه على الحق بالنسخ و على الباطل ببيان بطلانه.
قوله: (أو بتسليط المسلمين على أهله) فيكون علو الدين كناية عن علو أهله و هو خلاف الظاهر و لذا أخره.
قوله: (إذ ما من أهل «1» دين إلا و قد قهرهم المسلمون و فيه تأكيد لما وعده من الفتح) و قد قهرهم المسلمون و إن كان بأكثر الأوقات قال تعالى: وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ [الصافات: 173] و المراد في أغلب الأوقات صرح به المصنف هناك و المراد فتح مكة و كونه فتح خيبر بعيد.
قوله: (على أن ما وعده كائن) من إعلاء دينه المبعوث به على سائر الأديان أو الفتح و المغانم أو المجموع كائن متحقق.
قوله: (أو على نبوته) أخره لأن الأول يلائم ما قبله أشد ملائمة.
قوله: (بإظهار المعجزة) متعلق بالشهيد فيكون الشهادة مستعارة لبيانها بالمعجزات وجه الشبه مطلق البيان و البيان في المشبه به بالعبارة و في المشبه بالدلالة.
قوله تعالى:
[سورة الفتح (48): آية 29]
قوله: (جملة مبينة للمشهود به) و لذا ترك العطف أي محمد مبتدأ خبره رسول اللّه و كونها مبينة للمشهود به على الوجه الثاني ظاهر و أما على الأول فلأن كون ما وعده حقا لازم لكونه رسولا من اللّه تعالى إذ لا يخبر إلا عن صدق محقق و يلزمه كونه شهيدا على المشهود عليه و هو النبوة.
قوله: (و يجوز أن يكون رسول اللّه صفة و محمد خبر محذوف أو مبتدأ) صفة أي قوله: و يجوز أن يكون رسول اللّه صفة و محمد خبر محذوف أي هو محمد رسول اللّه لتقدم قوله هو الذي أرسل رسوله و في الكشاف محمد إما خبر مبتدأ أي هو محمد و إما مبتدأ و رسول اللّه عطف بيان فيه إشارة إلى أن على المسلمين أن لا يسموه باسمه و يكون رسول اللّه عندهم في كثرة الدوران بمنزلة البيان لاسمه تعظيما و تبجيلا قال اللّه تعالى لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] أي لا تجعلوا تسميته و نداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضا بل قولوا يا نبي اللّه و يا رسول اللّه.