کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم

الجزء الحادي عشر

فهرس المجلد الحادي عشر من روح المعاني

الجزء الثاني عشر

الفهرس

الجزء الثالث عشر

فهرس المجلد الثالث عشر من روح المعاني

الجزء الرابع عشر

فهرس المجلد الرابع عشر من روح المعاني

الجزء الخامس عشر

فهرس المجلد الخامس عشر من روح المعاني

الجزء السادس عشر

الفهارس العامة

فهرس الآيات المفسرة

تفسير سورة البقرة تفسير سورة آل عمران تفسير سورة النساء تفسير سورة المائدة تفسير سورة الأنعام تفسير سورة الأعراف تفسير سورة الأنفال تفسير سورة التوبة تفسير سورة يونس تفسير سورة هود تفسير سورة يوسف تفسير سورة الرعد تفسير سورة إبراهيم تفسير سورة الحجر تفسير سورة النحل تفسير سورة الإسراء تفسير سورة الكهف تفسير سورة مريم تفسير سورة طه تفسير سورة الأنبياء تفسير سورة الحج تفسير سورة المؤمنون تفسير سورة النور تفسير سورة الفرقان تفسير سورة الشعراء تفسير سورة النمل تفسير سورة القصص تفسير سورة العنكبوت تفسير سورة الروم تفسير سورة لقمان تفسير سورة السجدة تفسير سورة الأحزاب تفسير سورة سبأ تفسير سورة فاطر تفسير سورة يس تفسير سورة الصافات تفسير سورة ص تفسير سورة الزمر تفسير سورة المؤمن تفسير سورة فصلت تفسير سورة الشورى تفسير سورة الزخرف تفسير سورة الدخان تفسير سورة الجاثية تفسير سورة الأحقاف تفسير سورة محمد صلى الله عليه و سلم تفسير سورة الفتح تفسير سورة الحجرات تفسير سورة ق تفسير سورة الذاريات تفسير سورة الطور تفسير سورة و النجم تفسير سورة القمر تفسير سورة الرحمن عز و جل تفسير سورة الواقعة تفسير سورة الحديد تفسير سورة المجادلة تفسير سورة الحشر تفسير سورة الممتحنة تفسير سورة الصف تفسير سورة الجمعة تفسير سورة المنافقون تفسير سورة التغابن تفسير سورة الطلاق تفسير سورة التحريم تفسير سورة الملك تفسير سورة القلم تفسير سورة الحاقة تفسير سورة المعارج تفسير سورة نوح تفسير سورة الجن تفسير سورة المزمل تفسير سورة المدثر تفسير سورة القيامة تفسير سورة الإنسان تفسير سورة المرسلات تفسير سورة النبأ تفسير سورة النازعات تفسير سورة عبس تفسير سورة التكوير تفسير سورة الانفطار تفسير سورة المطففين تفسير سورة الانشقاق تفسير سورة البروج تفسير سورة الطارق تفسير سورة الأعلى تفسير سورة الغاشية تفسير سورة الفجر تفسير سورة البلد تفسير سورة الشمس تفسير سورة الليل تفسير سورة الضحى تفسير سورة الشرح تفسير سورة التين تفسير سورة العلق تفسير سورة القدر تفسير سورة البينة تفسير سورة الزلزلة تفسير سورة العاديات تفسير سورة القارعة تفسير سورة التكاثر تفسير سورة العصر تفسير سورة الهمزة تفسير سورة الفيل تفسير سورة قريش تفسير سورة الماعون تفسير سورة الكوثر تفسير سورة الكافرون تفسير سورة النصر تفسير سورة تبت تفسير سورة الإخلاص تفسير سورة الفلق تفسير سورة الناس

فهرس آيات الشواهد

سورة الفاتحة سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة النبأ سورة المرسلات سورة الإنسان سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الانشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة القدر سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم


صفحه قبل

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 91

ذلك بمعنى أنا العابد و لما قال إياك نعبد كان المعنى أني واحد من عبيدك و فرق بين الأمرين كما يرشدك إليه قوله تعالى حكاية عن الذبيح عليه السلام: سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ‏ [الصافات: 102] و قوله تعالى: حكاية عن موسى‏ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِراً [الكهف: 69] فصبر الذبيح لتواضعه بعدّ نفسه واحدا من جمع و لم يصبر الكليم لإفراده نفسه مع أن كلّا منهما عليهما السلام قال: إن شاء اللّه و قيل الضمير في الفعلين للقارى‏ء و من معه من الحفظة و حاضري الجماعة و قيل هو من باب «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ» على ما ذكره الغزالي قدس سره و قد تقدم، الثالث في سر تقديم فعل العبادة على فعل الاستعانة و له وجوه: الأول أن العبادة أمانة كما قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ‏ [الأحزاب: 73] فاهتم للأداء فقدم، الثاني: أنه لما نسب المتكلم العبادة إلى نفسه أوهم ذلك تبجحا و اعتدادا منه بما صدر عنه فعقبه بقوله: و إياك نستعين ليدل على أن العبادة مما لا تتم إلا بمعونة و توفيق و إذن منه سبحانه، الثالث: أن العبادة مما يتقرب بها العبد إلى اللّه تعالى و الاستعانة ليست كذلك فالأول أهم، الرابع: أنها وسيلة فتقدم على طلب الحاجة لأنه ادعى للإجابة.

الخامس: أنها مطلوبة للّه تعالى من العبادة، و الاستعانة مطلوبهم منه سبحانه فتقديم العبد ما يريده مولاه منه أدل على صدق العبودية من تقديم ما يريده من مولاه، السادس: أن العبادة واجبة حتما لا مناص للعباد عن الإتيان بها حتى جعلت كالعلة لخلق الإنس و الجن فكانت أحق بالتقديم، السابع: أنها أشد مناسبة بذكر الجزاء و الاستعانة أقوى التئاما بطلب الهداية، الثامن: أن مبدأ الإسلام التخصيص بالعبادة و الخلوص من الشرك و التخصيص بالاستعانة بعد الرسوخ.

التاسع: أن في تأخير فعل الاستعانة توافق رؤوس الآي، العاشر: أن أحدهما إذا كان مرتبطا بالآخر لم يختلف التقديم و التأخير كما يقال قضيت حقي فأحسنت إلي و أحسنت إلي فقضيت حقي.

الحادي عشر: أن مقام السالكين ينتهي عند قوله: إياك نعبدوا بعده يطلب التمكين و ذلك أن الحمد مبادي حركة المريد فإن نفس السالك إذا تزكت و مرآة قلبه إذا انجلت فلاحت فيها أنوار العناية الموجبة للولاية تجردت النفس الزكية للطلب فرأت آثار نعم اللّه تعالى عليها سابغة و ألطافه غير متناهية فحمدت على ذلك و أخذت في الذكر فكشف لها الحجاب من وراء أستار العزة عن معنى رب العالمين فشاهدت ما سوى اللّه سبحانه على شرف الفناء مفتقرا إلى المبقى محتاجا إلى التربية فترقت لطلب الخلاص من وحشة الأدبار و ظلمة السكون إلى الأغيار فهبت لها من نفحات جناب القدس نسائم ألطاف الرحمن الرحيم فعرجت للمعات بوارق الجلال من وراء سجاف الجمال إلى الملك الحقيقي فنادت بلسان الاضطرار في مقام‏ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16] أسلمت نفسي إليك و أقبلت بكليتي عليك و هناك خاضت لجة الوصول و انتهت إلى مقام العين فحققت نسبة العبودية فقال إياك نعبد و هنا انتهاء مقام السالك ألا يرى إلى سيد الخلق و حبيب الحق كيف عبر عن مقامه هذا بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلًا [الإسراء: 1] فطلب التمكين بقوله: وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ و استعاذ عن التلوين بقوله‏ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ فصعد مستكملا و رجع مكملا و كأنه لهذا سميت الصلاة معراج المؤمنين، البحث الرابع في سر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب و قد ازدحمت فيه أذهان العلماء بعد بيان نكتته العامة و هي التفنن في الكلام و العدول من أسلوب إلى آخر تطرية له و تنشيطا للسامع فقيل لما ذكر الحقيق بالحمد و وصف بصفات عظام تميّز بها عن سائر الذوات و تعلق العلم بمعلوم معين خوطب بذلك ليكون أدل على الاختصاص و الترقي من البرهان إلى العيان و الانتقال من الغيبة إلى الشهود و كأن المعلوم صار عيانا و المعقول مشاهدا و الغيب حضورا، و قيل: لما شرح اللّه تعالى صدر عبده و أفاض على قلبه و قالبه نور الإيمان و الإسلام من عنده ترقى بذريعة الحمد المستجلب لمزيد النعم إلى‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 92

رتبة الإحسان و هو

«أن تعبد اللّه تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»

و أيضا حقيقة العبادة انقياد النفس الأمارة لأحكام اللّه تعالى و صورته و قالبه الإسلام و معناه و روحه الإيمان و نوره و نوره الإحسان و في نعبد و الالتفات تتم الأمور الثلاثة و أيضا لما تبين أنه ملك في الأزل ما في أحايين الأبد علم أن الشاهد و الغائب و الماضي و المستقبل بالنسبة إليه على حد سواء فلذلك عدل عن الغيبة إلى الخطاب و يحتمل أن يكون السر أن الكلام من أول السورة إلى هنا ثناء و الثناء في الغيبة أولى و من هنا إلى الآخر دعاء و هو في الحضور أولى و اللّه تعالى حي كريم. و قيل إنه لما كان الحمد لا يتفاوت غيبة و حضورا بل هو مع ملاحظة الغيبة أدخل و أتم و كانت العبادة إنما يستحقها الحاضر الذي لا يغيب كما حكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام‏ فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ‏ [الأنعام: 76] لا جرم عبر سبحانه و تعالى عن الحمد بطريق الغيبة و عنها بطريق الخطاب إعطاء لكل منهما ما يليق من النسق المستطاب و أيضا من تشبه بقوم فهو منهم، فالعابد لما رام ذلك سلك مسلك القوم في الذكر و مزج عبادته بعبادتهم و تكلم بلسانهم و ساق كلامه على طبق مساقهم عسى أن يصير محسوبا في عدادهم مندرجا في سياقهم.

إن لم تكونوا منهم فتشبهوا

إن التشبه بالكرام فلاح‏

و أيضا فيه إشارة إلى أن من لزم جادة الأدب و الانكسار و رأى نفسه بعيدا عن ساحة القرب لكمال الاحتقار فهو حقيق أن تدركه رحمة إلهية و تلحقه عناية أزلية تجذبه إلى حظائر القدس و تطلعه على سرائر الأنس فيصير واطئا على بساط الاقتراب فائزا بعز الحضور و سعادة الخطاب. و أيضا أنه لما لم يكن في الحمد مزيد كلفة بخلاف العبادة فإن خطبها عظيم و من دأب المحب تحمل المشاق العظيمة في حضور المحبوب قرن سبحانه العبادة بما يشعر بحضوره ليأتي بها العابد خالية عن الكلال عارية عن الفتور و الملال مقرونة بكمال النشاط موجبة لتمام الانبساط.

حمامة جرعى حومة الجندل اسجعي‏

فأنت بمرأى من سعاد و مسمع‏

و أيضا إن الحمد ليس إلا إظهار صفات الكمال على الغير فما دام للأغيار وجود في نظر السالك فهو يواجههم بإظهار مزايا المحبوب عليهم و يخاطبهم بذكر مآثره الجميلة لديهم و أما إذا آل أمره بملازمة الأذكار إلى ارتفاع الحجب و الأستار و اضمحلال جميع الأغيار لم يبق في نظره سوى المعبود الحق و الجمال المطلق و انتهى إلى مقام الجمع و صار في مقعد فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ‏ [البقرة: 115] فبالضرورة لا يصير توجيه الخطاب إلا إليه و لا يمكن إظهار السر إلا لديه فينعطف عنان لسانه إلى جنابه و يصير كلامه منحصرا في خطابه، و ثم وراء الذوق معنى يدق عن مدارك أرباب العقول السليمة و عندي و هو من نسائم الأسحار أن اللّه سبحانه بعد أن ذكر يوم الدين و هو يوم القيامة التفت إلى الخطاب للإشارة إلى أنه إذا قامت القيامة على ساق و كان إلى ربك يومئذ المساق هنالك يفوز المؤمن بلذة الحضور و يتبلج جبينه بأنوار الفرح و السرور و يخلو به الديان و ليس بينه و بينه ترجمان و يكشف الحجاب و تدور بين الأحباب كؤوس الخطاب، فتأمل في عظيم الرحمة كيف قرن سبحانه هذا الترهيب برحمتين فصرح قبل يوم الدين بما صرح و رمز بعد ذكره بما رمز و لن يغلب عسر يسرين «و من باب الإشارة» أن يوم الدين تلويح إلى مقام الفناء لأنه موت النفس عن شهواتها و خروجها عن جسد تعلقها بالأغيار و التفاتها و من مات فقد قامت قيامته فعند ذلك يحصل البقاء في جنة الشهود و يتحقق الجمع في مقام صدق عند المليك المعبود و فوق هذا مقام آخر لا يفي بتقريره الكلام و لا تقدر على تحريره الأقلام بل لا يزيده البيان إلا خفاء و لا يكسبه التقريب إلا بعدا و اعتلاء.

و لو أن ثوبا حيك من نسج تسعة

و عشرين حرفا في علاه قصير

اللهم أغرقنا في بحار مشاهدتك و منّ علينا بخندريس وحدتك حتى لا نحدث إلا عنك و لا نسمع إلا منك و لا

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 93

نرى إلا إياك، هذا و قد ذكر الإمام السيوطي نقلا عن الشيخ بهاء الدين أنه قال اتفقوا على أن فيما نحن فيه التفاتا واحدا و فيه نظر لأن الزمخشري و من تابعه على أن الالتفات خلاف الظاهر مطلقا فإن كان التقدير قولوا الحمد للّه ففي الكلام المأمور به التفاتان، أحدهما في لفظ الجلالة و أصله الحمد لك لأنه تعالى حاضر، و الثاني في إياك لمجيئه على خلاف أسلوب ما قبله و إن لم يقدر كان في الحمد للّه التفات من التكلم للغيبة لأنه تعالى حمد نفسه و لا يكون في إياك التفات لتقدير قولوا معها قطعا فأحد الأمرين لازم للزمخشري و السكاكي إما أن يكون في الآية التفاتان أو لا يكون التفات أصلا هذا إن قلنا برأي السكاكي كما يشعر به كلام الزمخشري في الكشاف لأنه جعل في الشعر الذي ذكره ثلاث التفاتات و إن قلنا برأي الجمهور و لم نقدر قولوا إياك نعبد فإن قدر قولوا قبل الحمد للّه كان فيه التفات واحد و بطل قول الزمخشري إن في البيت ثلاث التفاتات انتهى. و هو كلام يغني النظر فيه عن شرح حاله فليفهم.

«البحث الخامس» في سر تكرار إياك فقيل للتنصيص على طلب العون منه تعالى فإنه لو قال سبحانه إياك نعبد و نستعين لاحتمل أن يكون إخبارا بطلب المعونة من غير أن يعين ممن يطلب و قيل إنه لو اقتصر على واحد ربما توهم أنه لا يتقرب إلى اللّه تعالى إلا بالجمع بينهما و الواقع خلافه. و قيل إنه جمع بينهما للتأكيد كما يقال: الدار بين زيد و بين عمرو، و فيه أن التكرير إنما يكون تأكيدا إذا لم يكن معمولا لفعل ثان و إياك الثاني في الآية معمول لنستعين مفعول له فكيف يكون تأكيدا، و قيل إنه تعليم لنا في تجديد ذكره تعالى عند كل حاجة، و عندي أن التكرار للإشعار أن حيثية تعلق العبادة به تعالى غير حيثية تعلق طلب الاستعانة منه سبحانه و لو قال إياك نعبد و نستعين لتوهم أن الحيثية واحدة و الشأن ليس كذلك إذ لا بد في طلب الإعانة من توسط صفة و لا كذلك في العبادة فلاختلاف التعلق أعاد المفعول ليشير بها إليه. «البحث السادس» في سر إطلاق الاستعانة فقيل ليتناول كل مستعان فيه فالحذف هنا مثله في قولهم فلأن يعطي في الدلالة على العموم و رجح بلزوم الترجيح بلا مرجح في الحمل على البعض و أيضا قرينة التقييد خفية و بأنه المروي عن ترجمان القرآن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما و بأن عموم المفعول متضمن لنفي الحول و القوة عن نفسه و الانقطاع بالكلية إليه تعالى عمن سواه فهو أولى بمقام العبادة و إلى ترجيحه يشير صنيع العلامة البيضاوي، و قال صاحب الكشاف: الأحسن أن يراد الاستعانة به و بتوفيقه على أداء العبادة و يكون قوله تعالى: اهْدِنَا بيانا للمطلوب من المعونة كأنه قيل كيف أعينكم فقالوا اهدنا الصراط المستقيم و إنما كان أحسن لتلاؤم الكلام و أخذ بعضه بحجزة بعض انتهى، و وجه التخصيص حينئذ كمال احتياج العبادة إلى طلب الإعانة لكونها على خلاف مقتضى النفس إن النفس لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي و القرينة مقارنة العبادة و لا خفاء في وضوحها و كون عموم المفعول متضمنا لما ذكر معارض بنكتة التخصيص و الرواية عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما لعلها لم تثبت كذا قيل: و الإنصاف عندي أن الحمل على العموم أولى ليتوافق ألفاظ هذه السورة الكريمة في المعنى المطلوب منها و لأن التوسل بالعبادة إلى تحصيل مرام يستوعب جميع ما يصح أن يستعان فيه ليدخل فيه التوفيق دخولا أوليا أولى من مجرد التوفيق و يلائمه الصراط المستقيم فإنه أعم من العبادات و الاعتقادات و الأخلاق و السياسات و المعاملات و المناكحات و غير ذلك من الأمور الدينية و النجاة من شدائد القبر و البرزخ و الحشر و الصراط و الميزان و من عذاب النار و الوصول إلى دار القرار و الفوز بالدرجات العلى و كلها مفتقر إلى إعانة اللّه تعالى و فضله. و أيضا طرق الضلالات التي يستعاذ منها بغير المغضوب عليهم و لا الضالين لا نهاية لها و باستعانته يتخلص من مهالكها. و أيضا لا يخفى أن المراد بالعبادة في إياك نعبد هي و ما يتعلق بها و ما تتوقف عليه فإذا توافق الاستعانة في العموم. و أيضا قوله‏ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ مطلق شامل كل إنعام، و أيضا لو كان المراد الاستعانة به و بتوفيقه، على أداء العبادة يبقى حكم الاستعانة في غيرها غير معلوم في أم‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 94

الكتاب و لا أظن أحدا يقول إنه يعلم من هذا التخصيص فلا أختار أنا إلا العموم و

قد ثبت في الصحيح عنه صلى اللّه تعالى عليه و سلم أنه قال لابن عباس: «إذا استعنت فاستعن باللّه» الحديث‏

و هو ظاهر فيه و لعل ابن عباس من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه و هو الظن الغالب فمن استعان بغيره في المهمات بل و في غيرها فقد استسمن ذا ورم و نفخ في غير ضرم أفلا يستعان به و هو الغني الكبير أم كيف يطلب من غيره و الكل إليه فقير؟ و إني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه و ضلة من عقله فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا و راموا الثروة من سواه فافتقروا و حاولوا الارتفاع فاتضعوا فلا مستعان إلا به و لا عون إلا منه.

إليك و إلا لا تشد الركائب‏

و منك و إلا فالمؤمل خائب‏

و فيك و إلا فالغرام مضيع‏

و عنك و إلا فالمحدث كاذب‏

و قد قرأ عبيد بن عمير الليثي و زيد بن حبيش و يحيى بن وثاب و النخعي نعبد- بكسر النون- و هي لغة قيس و تميم و أسد و ربيعة و هذيل و كذلك حكم حروف المضارعة في هذا الفعل و ما أشبهه كنستعين مما لم ينضم ما بعدها فيه سوى الياء لاستثقال الكسرة عليها على أن بعضهم قال يجل بكسر ياء المضارعة من وجل و قرأ بعضهم يعلمون و قرأ الحسن و ابن المتوكل و أبو مخلف يعبد بالياء مبنيا للمفعول و هو غريب و عن بعض أهل مكة أنه قرأ نعبد بإسكان الدال و قرأ الجمهور نعبد- بفتح النون و ضم الدال- و هي لغة أهل الحجاز و هي الفصحى‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ الهداية دلالة بلطف لدلالة اشتقاقه و مادته عليه و لذا أطلق على المشي برفق تهاد و سميت الهداية لطفا و قوله تعالى: فَاهْدُوهُمْ إِلى‏ صِراطِ الْجَحِيمِ‏ [الصافات: 23] وارد على الصحيح مورد التهكم على حد فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* [آل عمران: 21، التوبة: 34، الانشقاق: 24] و يقال هداه لكذا و إلى كذا فتعديه باللام و إلى إذا لم يكن فيه و هداه كذا بدونهما محتمل للحالين حتى لا يجوز في‏ وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [العنكبوت: 69] لسبلنا أو إلى سبلنا إلا بإرادة الإرادة في جاهدوا أو إرادة تحصيل المراتب العلية في سبلنا و من ثم جمعها و

قد ورد: من عمل بما علم ورثه اللّه تعالى علم ما لم يعلم،

و قد يقال المراد بيان الاستعمال الحقيقي، و أما باب التجوز فواسع و هل يعتبر في الدلالة الإيصال أم لا فيه اختلاف المتأخرين من أهل اللسان ففريق خصها بالدلالة الموصلة و آخرون بالدلالة على ما يوصل، و قليل قال: إن تعدت إلى المفعول الثاني بنفسها كانت بمعنى الإيصال و لا تسند إلا إليه تعالى كما في الآية و إن تعدت باللام أو إلى كانت بمعنى إراءة الطريق فكما تسند إليه سبحانه تسند إلى القرآن كقوله تعالى: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ‏ [الإسراء: 9] و إلى النبي صلى اللّه تعالى عليه و سلم كقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ [الشورى: 52] و الكل من هذه الآراء غير خال عن خلل، أما الأول فيرد عليه قوله تعالى: وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى‏ عَلَى الْهُدى‏ [فصلت: 17] و الجواب بجواز وقوعهم في الضلال بالارتداد بعد الوصول إلى الحق لا يساعده ما في التفاسير و التواريخ فإنها ناطقة بأن الجم الغفير من قوم ثمود لم يتصفوا بالإيمان قطعا و ما آمن من قومه إلا قليل و قد بقوا على إيمانهم و لم يرتدوا على أن صاحب الذوق يدرك من نفس الآية خلاف الفرض كما لا يخفى، و أما الثاني فيرد عليه قوله تعالى لحبيبه صلى اللّه تعالى عليه و سلّم‏ إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ‏ [القصص:

56] و ما يقال إنه على حد قوله تعالى: وَ ما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لكِنَّ اللَّهَ رَمى‏ [الأنفال: 17] أو أن المعنى أنك لا تتمكن من إراءة الطريق لكل من أحببت بل إنما يمكنك إراءته لمن أردنا لا يخلو عن تكلف، و أما الثالث فإن كلام أهل اللغة لا يساعده بل ينادي بما ينافيه و مع ذلك فالقول بأن المتعدية لا تسند إلا إلى اللّه تعالى منتقض بقوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام‏ يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا [مريم: 43] و عن‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 95

مؤمن آل فرعون‏ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ [غافر: 38] و لهذا الخلل قال طائفة بالاشتراك و البحث لغوي لا دخل للاعتزال فيه و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تتمته و الصِّراطَ الطريق و أصله بالسين من السرط و هو اللقم و لذلك يسمى لقما كأن سالكه يبتلعه أو يبتلع سالكه ففي الأزهري أكلته المفازة إذا نهكته لسيره فيها و أكل المفازة إذا قطعها بسهولة قال أبو تمام:

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها و ماء المزن ينهلّ ساكبه‏

و بالسين على الأصل قرأ ابن كثير برواية قنبل و رويس اللؤلؤي عن يعقوب و قرأ الجمهور بالصاد و هي لغة قريش و قرأ حمزة بإشمام الصاد زايا و الزاي الخالصة لغة لعذرة و كعب و الصاد عندي أفصح و أوسع و أهل الحجاز يؤنثون الصراط كالطريق و السبيل و الزقاق و السوق و بنو تميم يذكرون هذا كله و تذكيره هو الأكثر و يجمع في الكثرة على صراط ككتاب و كتب و في القلة قياسه أصرطة هذا إذا كان الصراط مذكرا و أما إذا أنث فقياسه أفعل نحو ذراع و أذرع و الْمُسْتَقِيمَ‏ المستوي الذي لا اعوجاج فيه و اختلف في المراد منه فقيل الطريق الحق. و قيل ملة الإسلام. و قيل القرآن و ردهما الرازي قدس سره بأن قوله تعالى‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ يدل على الصراط المستقيم و هم المتقدمون من الأمم و ما كان لهم القرآن و الإسلام و فيه ما لا يخفى و العجب كل العجب من هذا المولى أنه ذكر في أحد الوجوه المرضية عنده أن الصراط المستقيم هو الوسط بين طرفي الإفراط و التفريط في كل الأخلاق و في كل الأعمال و أكد ذلك بقوله تعالى: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [البقرة: 143] فيا ليت شعري ماذا يقول لو قيل له لم يكن هذا للمتقدمين من الأمم و تلونا عليه الآية التي ذكرها و سبحان من لا يرد عليه و قيل المراد به معرفة ما في كل شي‏ء من كيفية دلالته على الذات و الصفات و قيل المراد منه صراط الأولين في تحمل المشاق العظيمة لأجل مرضاة اللّه تعالى و قيل العبادة لقوله تعالى: وَ أَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ‏ [يس: 61] و القرآن يفسر بعضه بعضا و فيه نظر، و قيل هو الاعراض عن السوي و الإقبال بالكلية على المولى و قال الشيخ الأكبر قدس سره: هو ثبوت التوحيد في الجمع و التفرقة، و لهم أقوال غير ذلك قريبة و بعيدة، و عندي بعد الاطلاع على ما للعلماء و كل حزب بما لديهم فرحون أن الصراط المستقيم يتنوع إلى عام للناس و خاص بخواصهم و الكل منهما صراط المنعم عليهم على اختلاف درجاتهم فالأول جسر بين العبد و بين اللّه سبحانه ممدود على متن جهنم الكفر و الفسق و الجهل و البدع و الأهواء و هو الاستقامة على ما ورد به الشرع الشريف القويم علما و عملا و خلقا و حالا و هو الذي يظهر في الآخرة على متن جهنم الجزاء ممثلا مصورا بالتمثيل الرباني و التصوير الإلهي على حسب ما عليه العبد اليوم فمن وجد خيرا فليحمد اللّه و من وجد دون ذلك فلا يلومن إلا نفسه و للتذكير بذلك الصراط لم يقل السبيل و لا الطريق و إن كان الكل واحدا، الثاني طريق الوصول إلى اللّه تعالى و من شهد الخلق لا فعل لهم فقد فاز و من شهدهم لا حياة لهم فقد جاز و من شهدهم عين العدم فقد وصل و تم سفره إلى اللّه تعالى ثم يتجدد له السفر فيه سبحانه و هو غير متناه لأن نعوت جماله و جلاله غير متناهية و لا يزال العبد يرقي من بعضها إلى بعض كما يشير إليه‏

قوله صلى اللّه تعالى عليه و سلم: «إنه ليغان على قلبي فأستغفر اللّه في اليوم و الليلة سبعين مرة»

و هناك يكون عز شأنه يده و سمعه و بصره فبه يبطش و به يسمع و به يبصر و وراء ذلك ما يحرم كشفه فمتى قال العامي اهدنا الصراط المستقيم أراد أرشدنا إلى الاستقامة على امتثال أوامرك و اجتناب نواهيك و متى قال ذلك أحد الخواص أراد ثبتنا على ما منحتنا به و هو المروي عن يعسوب المؤمنين كرم اللّه تعالى وجهه و أبيّ رضي اللّه تعالى عنه و ذلك لأن طالب هداية الطريق المستقيم ليسلكه له في سلوكه مقامات و أحوال و لكل منها بداية و نهاية و لا يصل إلى النهاية ما لم يصحح البداية و لا ينتقل إلى مقام أو حال إلا بعد الرسوخ فيما تحته و الثبات عليه فما

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 96

دام هو في أثناء المقام أو الحال و لم يصل إلى نهاية يطلب الثبات على ما منح به ليرسخ له ذلك المقام و يصير ملكه فيرقى منه إلى ما فوقه و ذلك هو الفضل الكبير و الفوز العظيم، و للمحققين في معنى اهدنا وجوه دفعوا بها ما يوشك أن يسأل عنه من أن المؤمن مهتد فالدعاء طلب لتحصيل الحاصل. أحدها أن معناه ثبتنا على الدين كيلا تزلزلنا الشبه و في القرآن‏ رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا [آل عمران: 8] و

في الحديث‏ «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك»

و ثانيها أعطنا زيادة الهدى كما قال تعالى: وَ الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً‏ [محمد: 17] و ثالثها أن الهداية الثواب كقوله تعالى: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ‏ [يونس: 9] فالمعنى اهدنا طريق الجنة ثوابا لنا و أيد بقوله تعالى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا [الأعراف: 43] و رابعها أن المراد دلنا على الحق في مستقبل عمرنا كما دللتنا عليه في ماضيه و لهم بعد أيضا كلمات متقاربة غير هذا و لعله يغنيك عن الكل ما ذكره الفقير فتدبره و لا تغفل.

بقي الكلام في ربط هذه الجملة بما قبلها و قد قيل ان عندنا احتمالات أربعة لأن طلب المعونة إما في المهمات كلها أو في أداء العبادة و الصراط المستقيم إما أن يؤخذ بمعنى خاص كملة الإسلام أو بمعنى عام كطريق الحق خلاف الباطل فعلى تقديري عموم الاستعانة و الصراط و خصوصهما يكون اهدنا بيانا للمعونة المطلوبة كأنه قال كيف أعينكم في المهمات أو في العبادة فقالوا اهدنا طريق الحق في كل شي‏ء أو ملة الإسلام فيكون الفصل لشبه كمال الاتصال و على تقدير عموم الاستعانة و خصوص الصراط يكون اهدنا إفرادا للمقصود الأعظم من جميع المهمات فيكون الفصل حينئذ لكمال الاتصال، و أما على تقدير خصوص الاستعانة و عموم الصراط فلا ارتباط، و ما عندي غير خفي عليك إن أحطت خبرا بما قدمناه لديك، و قد قرأ الحسن و الضحاك و زيد بن علي صراطا مستقيما دون تعريف و

قرأ جعفر الصادق صراط المستقيم‏

بالإضافة و المتواتر ما تلوناه‏ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ‏ بدل من الصراط الأول بدل الكل من الكل و هو الذي يسميه ابن مالك البدل الموافق أو المطابق تحاشيا من إطلاق الكل على اللّه تعالى في مثل صراط العزيز الحميد اللّه. و فائدة الإبدال تأكيد النسبة بناء على أن البدل في حكم تكرير العامل و الاشعار بأن الصراط المستقيم بيانه و تفسيره صراط المسلمين فيكون ذلك شهادة لاستقامة صراطهم على أبلغ وجه و آكده، و قيل صفة له.

و من غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول و كأنه نوى فيه حرف العطف و في تعيين ذلك اختلاف، فعن جعفر بن محمد هو العلم باللّه و الفهم عنه و قيل موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة و قيل التزام الفرائض و السنن و لا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم فلا نتعب جواد القلم فيه. و قرأ ابن مسعود و زيد بن علي صراط من أنعمت عليهم و هو المروي عن عمر و أهل البيت رضي اللّه تعالى عنهم. قال الشهاب: و فيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة «كمن» على اللّه تعالى انتهى و هو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل. و الإنعام إيصال الإحسان إلى الغير من العقلاء كما قاله الراغب فلا يقال أنعم على فرسه و لذا قيل: إن النعمة نفع الإنسان من دونه لغير عوض، و اختلف في هؤلاء المنعم عليهم فقيل المؤمنون مطلقا و قيل الأنبياء و قيل أصحاب موسى و عيسى عليهما السلام قبل التحريف و النسخ، و قيل أصحاب محمد صلى اللّه تعالى عليه و سلم. و قيل محمد صلى اللّه تعالى عليه و سلم و أبو بكر و عمر رضي اللّه تعالى عنهما. و قيل الأولى ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما أن المراد بالذين أنعمت عليهم الأنبياء و الملائكة و الشهداء و الصديقون و من أطاع اللّه تعالى و عبده و إليه يشير قوله تعالى:

فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً [النساء: 69] فما في هاتيك الأقوال اقتصار على بعض الأفراد. و لم يقيد الإنعام ليعم‏ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها [إبراهيم:

34، النحل: 18] و قيل أنعم عليهم بخلقهم للسعادة. و قيل بأن نجاهم من الهلكة. و قيل بالهداية و في بناء أنعمت‏

روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم، ج‏1، ص: 97

للفاعل استعطاف فكأن الداعي يقول أطلب منك الهداية إذ سبق إنعامك فاجعل من إنعامك إجابة دعائنا و إعطاء سؤلنا و سبحانه ما أكرمه كيف يعلمنا الطلب ليجود على كلّ بما طلب.

لو لم ترد نيل ما نرجو و نطلبه‏

من فيض جودك ما علمتنا الطلبا

و حكى اللغويون في‏ عَلَيْهِمْ‏ عشر لغات ضم الهاء و إسكان الميم- و هي قراءة حمزة- و كسرها و إسكان الميم- و هي قراءة الجمهور- و كسر الهاء و الميم و ياء بعدها- و هي قراءة الحسن- قيل و عمر بن خالد و كذلك بغير ياء- و هي قراءة عمرو بن فائد- و كسر الهاء و ضم الميم بواو بعدها- و هي قراءة ابن كثير و قالون- بخلاف عنه و ضم الهاء و الميم و واو بعدها- و هي قراءة الأعرج و مسلم بن جندب و جماعة- و ضمهما بغير واو و نسبت لابن هرمز و كسر الهاء و ضم الميم بغير واو و نسبت للأعرج و الخفاف عن أبي عمرو و ضم الهاء و كسر الميم بياء بعدها و كذلك بغير ياء و قرى‏ء بهما أيضا.

و حاصلها ضم الهاء مع سكون الميم أو ضمها بإشباع أو دونه أو كسرها بإشباع أو دونه و كسر الهاء مع سكون الميم أو كسرها بإشباع أو دونه أو ضمها بإشباع أو دونه. و حجج كل في كتب العربية غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ بدل من الذين بدل كل من كل. و قيل من ضمير عَلَيْهِمْ‏ و لا يخلو من الركاكة بحسب المعنى و أما أنه يلزم عليه خلو الصلة عن الضمير فلا لأن المبدل منه ليس في نية الطرح حقيقة و القول بأن‏ غَيْرِ في الأصل صفة بمعنى مغاير و البدل بالوصف ضعيف ضعيف لأنها غلبت عليها الاسمية و لذا لم تجر على موصوف في الأكثر. و عن سيبويه أنها صفة الذين مبينة أو مقيدة و لا يرد أن‏ غَيْرِ من الأسماء المتوغلة في الإبهام فلا تتعرف بالإضافة فلا توصف بها المعرفة بل و لا تبدل منها على المشهور لأنا نقول الموصوف هنا معنى كالنكرة فيصح أن يوصف بها و ذلك لأن الموصول بعد اعتبار تعريفه بالصلة يكون كالمعرف باللام في استعمالاته فإذا استعمل في بعض ما اتصف بالصلة كان كالمعرف باللام للعهد الذهني فكما أن المعرف المذكور لكون التعريف فيه للجنس يكون معرفة بالنظر إلى مدلوله و في حكم النكرة بالنظر إلى قرينة البعضية المبهمة و لذا يعامل به معاملتهما كذلك الموصول المذكور بالنظر إلى التعيين الجنسي المستفاد من مفهوم الصلة معرفة و بالنظر إلى البعضية المستفادة من خارج كالنكرة فيعامل به معاملتهما أيضا فالذين أنعمت عليهم إذا لم يقصد به معهود كذلك إذ لا صحة لإرادة جنس المنعم عليم من حيث هو إذ لا صراط له و لا غرض يتعلق بطلب صراط من أنعم عليهم على سبيل الاستغراق سواء أريد استغراق الأفراد و الجماعات أو المجموع من حيث المجموع فالمطلوب صراط جماعة ممن أنعم عليهم بالنعم الأخروية أعني طائفة من المؤمنين لا بأعيانها فإن نظر إلى البعضية المبهمة المستفادة من إضافة الصراط إليهم كان كالنكرة و إن نظر إلى مفهومه الجنسي أعني المنعم عليهم كان معرفة قاله العلامة الساليكوتي و غيره و لا يخلو عن دغدغة أو يقال و هو المعول عليه عند من يعول عليه أن‏ غَيْرِ هنا معرفة لأن المحققين من علماء العربية قالوا إنها قد تتعرف بالإضافة و ذلك إذا وقعت بين متضادين معرفتين نحو عليك بالحركة غير السكون، و قال ابن السري و غيره إذا أضيفت‏ غَيْرِ إلى معرف له ضد واحد فقط تعرفت لانحصار الغيرية و هنا المنعم عليهم ضد لما بعده و لا يرد على هذا قوله تعالى.

صفحه بعد