کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم

الجزء الاول

كلمة سماحة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر كلمة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام كلمة سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بلكنهو - الهند كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف مدير جامعة الملك عبد العزيز كلمة سعادة الدكتور راشد بن راجح عميد كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة كلمة فضيلة الشيخ عبد الله خياط خطيب المسجد الحرام كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة و أصول الدين بكلية الشريعة بمكة المكرمة مقدمة فهرس الأحاديث الشريفة الجزء الأول

الجزء الثانى

فهرس موضوعات المجلد الثاني فهرس الأحاديث الشريفة المجلد الثاني

الجزء الثالث

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم


صفحه قبل

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 285

المناسبة: لما أمر تعالى بالإحسان إلى النساء و العدل في معاملتهن، أمر هنا بالعدل العام في جميع الأحكام، و دعا إلى أداء الشهادة على الوجه الأكمل سواء كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا، و حذّر من اتباع الهوى، ثم دعا إلى الإيمان بجميع الملائكة و الكتب و الرسل، ثم أعقب ذلك بذكر أوصاف المنافقين المخزية و ما لهم من العذاب و النكال في دركات الجحيم.

اللغة: تَلْوُوا الليّ: الدفع يقال لويت فلانا حقه إذا دفعته و مطلته و منه الحديث: «ليّ الواجد ظلم» أي مطل الغني ظلم‏ يَخُوضُوا الخوض: الاقتحام في الشي‏ء و منه خوض الماء نَسْتَحْوِذْ الاستحواذ: الاستيلاء و التغلب يقال استحوذ على كذا إذا غلب عليه و منه قوله تعالى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ‏ مُذَبْذَبِينَ‏ الذبذبة: التحريك و الاضطراب يقال ذبذبته فتذبذب و المذبذب المتردّد بين أمرين‏ الدَّرْكِ‏ بسكون الراء و فتحها بمعنى الطبقة و هي لما تسافل، قال ابن عباس: الدّرك لأهل النار كالدرج لأهل الجنة إلا أن الدرجات بعضها فوق بعض، و الدركات بعضها أسفل بعض‏ «1» .

(1) البحر 3/ 380.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 286

التفسير:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أي يا من آمنتم باللّه و صدقتم بكتابه كونوا مجتهدين في إقامة العدل و الاستقامة و أتى بصيغة المبالغة في‏ قَوَّامِينَ‏ حتى لا يكون منهم جور أبدا شُهَداءَ لِلَّهِ‏ أي تقيمون شهاداتكم لوجه اللّه دون تحيز و لا محاباة وَ لَوْ عَلى‏ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ‏ أي و لو كانت تلك الشهادة على أنفسكم أو على آبائكم أو أقربائكم فلا تمنعنكم القرابة و لا المنفعة عن أداء الشهادة على الوجه الأكمل فإن الحق حاكم على كل إنسان‏ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً أي إن يكن المشهود عليه غنيا فلا يراعى لغناه، أو فقيرا فلا يمتنع من الشهادة عليه ترحما و إشفاقا فَاللَّهُ أَوْلى‏ بِهِما أي فاللّه أولى بالغني و الفقير و أعلم بما فيه صلاحهما فراعوا أمر اللّه فيما أمركم به فإنه أعلم بمصالح العباد منكم‏ فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى‏ أَنْ تَعْدِلُوا أي فلا تتبعوا هوى النفس مخافة أن تعدلوا بين الناس، قال ابن كثير: أي لا يحملنكم الهوى و العصبية و بغض الناس إليكم على ترك العدل في شؤونكم بل الزموا العدل على كل حال‏ «1» وَ إِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا أي و إن تلووا ألسنتكم عن شهادة الحق أو تعرضوا عن إقامتها رأسا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيجازيكم عليه‏

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَ رَسُولِهِ‏ أي اثبتوا على الإيمان و دوموا عليه‏ وَ الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى‏ رَسُولِهِ‏ أي آمنوا بالقرآن الذي نزل على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم‏ وَ الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ‏ أي و بالكتب السماوية التي أنزلها من قبل القرآن قال أبو السعود: المراد بالكتاب الجنس المنتظم لجميع الكتب السماوية «2» وَ مَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً أي و من يكفر بشي‏ء من ذلك فقد خرج عن طريق الهدى، و بعد عن القصد كل البعد

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً هذه الآية في المنافقين‏ «3» آمنوا ثم ارتدوا ثم آمنوا ثم ارتدوا ثم ماتوا على الكفر، قال ابن عباس: دخل في هذه الآية كل منافق كان في عهد النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في البر و البحر، و قال ابن كثير: يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع فيه ثم عاد إلى الإيمان ثم رجع و استمر على ضلاله و ازداد حتى مات فإنه لا توبة له بعد موته و لا يغفر اللّه له و لا يجعل له مما هو فيه فرجا و لا مخرجا و لا طريقا إلى الهدى‏ «4» و لهذا قال تعالى: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا أي لم يكن اللّه ليسامحهم على ذلك و لا ليهديهم طريقا إلى الجنة، قال الزمخشري: ليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة لم يقبل منهم و لم يغفر لهم و لكنه استبعاد له و استغراب كأنه أمر لا يكاد يكون، و هكذا ترى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع لا يكاد يرجى منه الثبات، و الغالب أنه يموت على شر حال‏ «5» ، ثم أخبر تعالى عن مآل المنافقين فقال:

بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً عبّر تعالى بلفظ بَشِّرِ تهكما بهم أي أخبر يا محمد المنافقين بعذاب النار الأليم‏

الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي أولئك هم الذين يوالون‏

(1) مختصر ابن كثير 1/ 447.

(2) أبو السعود 1/ 389.

(3) و قيل إنها في اليهود آمنوا بموسى ثم كفروا بعبادة العجل ثم آمنوا بعد عودة موسى إليهم ثم كفروا بعيسى ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بمحمد و هو قول قتادة و اختاره الطبري.

(4) مختصر ابن كثير 1/ 448.

(5) الكشاف 1/ 447.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 287

الكافرين و يتخذونهم أعوانا و أنصارا لما يتوهمونه فيهم من القوة و يتركون ولاية المؤمنين‏ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ أي أيطلبون بموالاة الكفار القوة و الغلبة؟ و الاستفهام إنكاري أي إنّ الكفار لا عزة لهم فكيف تبتغى منهم! فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي العزة للّه و لأوليائه، قال ابن كثير و المقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب اللّه‏

وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ‏ أي نزّل عليكم في القرآن، و الخطاب لمن أظهر الإيمان من مؤمن و منافق‏ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها أي أنزل عليكم أنه إذا سمعتم القرآن يكفر به الكافرون و يستهزى‏ء به المستهزئون‏ فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ‏ أي لا تجلسوا مع الكافرين الذين يستهزئون بآيات اللّه حتى يتحدثوا بحديث آخر و يتركوا الخوض في القرآن‏ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ‏ أي إنكم إن قعدتم معهم كنتم مثلهم في الكفر إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً أي يجمع الفريقين الكافرين و المنافقين في الآخرة في نار جهنم لأن المرء مع من أحب، و هذا الوعيد منه تعالى للتحذير من مخالطتهم و مجالستهم ... ثم ذكر تعالى تربصهم السوء بالمؤمنين فقال:

الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ‏ أي ينتظرون بكم الدوائر فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ‏ أي غلبة على الأعداء و غنيمة قالُوا أَ لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ‏ أي فأعطونا مما غنمتموه من الكافرين‏ وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ‏ أي ظفر عليكم يا معشر المؤمنين‏ قالُوا أَ لَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَ نَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي قالوا للمشركين: ألم نغلبكم و نتمكن من قتلكم و أسركم فأبقينا عليكم و ثبطنا عزائم المؤمنين حتى انتصرتم عليهم؟ فهاتوا نصيبنا مما أصبتم لأننا نواليكم و لا نترك أحدا يؤذيكم قال تعالى بيانا لمآل الفريقين‏ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي يحكم بين المؤمنين و الكافرين و يفصل بينهم بالحق‏ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أي لن يمكّن الكفرة من رقاب المؤمنين فيبيدوهم و يستأصلوهم‏ «1» ، قال ابن كثير: و ذلك بأن يسلطوا عليهم استيلاء استئصال بالكلية و إن حصل لهم ظفر في بعض الأحيان، فإن العاقبة للمتقين في الدنيا و الآخرة «2»

إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏ أي يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان و إبطان الكفر و اللّه يجازيهم على خداعهم و يستدرجهم بأمر المؤمنين بحقن دمائهم، و قد أعدّ لهم الدرك الأسفل من النار في الآخرة، فسمّى تعالى جزاءهم خداعا بطريق المشاكلة لأن و بال خداعهم راجع عليهم‏ وَ إِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى‏ أي يصلون و هم متثاقلون متكاسلون، لا يرجون ثوابا و لا يخافون عذابا يُراؤُنَ النَّاسَ‏ أي يقصدون بصلاتهم الرياء و السمعة و لا يقصدون وجه اللّه‏ وَ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا أي لا يذكرون اللّه سبحانه إلا ذكرا قليلا مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ‏ أي مضطربين مترددين بين الكفر و الإيمان، وصفهم تعالى بالحيرة في دينهم‏ لا إِلى‏ هؤُلاءِ وَ لا إِلى‏ هؤُلاءِ أي لا ينتسبون إلى المؤمنين و لا إلى الكافرين‏ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أي و من‏

(1) ذكر القرطبي خمسة أقوال للمفسرين في هذه الآية هذا أحدها و هو الذي رجحناه و قيل: إن المراد بالسبيل الحجة و قيل هذا يوم القيامة و قد رجحه الطبري حيث قال: يعني حجة يوم القيامة و استدل له بما روي أن رجلا سأل عليا عن هذه الآية فقال: ادن مني ثم قرأ عليه‏ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا أي يوم القيامة و قد ضعّف هذا الرأي ابن العربي انظر القرطبي 5/ 419.

(2) مختصر ابن كثير 1/ 449.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 288

يضلله اللّه فلن تجد له طريقا إلى السعادة و الهدى، ثم حذّر تعالى المؤمنين من موالاة أعداء الدين فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي لا تتركوا موالاة المؤمنين و توالوا الكفرة المجرمين بالمصاحبة و المصادقة أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي أتريدون أن تجعلوا للّه حجة بالغة عليكم أنكم منافقون؟ قال ابن عباس: كل سلطان في القرآن حجة، ثم أخبر تعالى عن مآل المنافقين فقال:

إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ أي في الطبقة التي في قعر جهنم و هي سبع طبقات قال ابن عباس: أي في أسفل النار، و ذلك لأنهم جمعوا مع الكفر الاستهزاء بالإسلام و أهله، و النار دركات كما أن الجنة درجات‏ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً أي لن تجد لهؤلاء المنافقين ناصرا ينصرهم من عذاب اللّه‏

إِلَّا الَّذِينَ تابُوا و هذا استثناء أي تابوا عن النفاق‏ وَ أَصْلَحُوا أي أعمالهم و نياتهم‏ وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ‏ أي تمسكوا بكتاب اللّه و دينه‏ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏ أي لم يبتغوا بعملهم إلا وجه اللّه‏ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏ أي في زمرتهم يوم القيامة وَ سَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً أي يعطيهم الأجر الكبير في الآخرة و هو الجنة

ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ‏ أي أيّ منفعة له سبحانه في عذابكم؟ أيتشفى به من الغيظ، أم يدرك به الثأر، أم يدفع به الضر و يستجلب النفع و هو الغني عنكم؟ وَ كانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً أي شاكرا لطاعة العباد مع غناه عنهم يعطي على العمل القليل الثواب الجزيل.

البلاغة: تضمنت الآيات أنواعا من الفصاحة و البديع نوجزها فيما يلي:

1- المبالغة في الصيغة في‏ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ أي مبالغين في العدل.

2- الطباق بين‏ غَنِيًّا و فَقِيراً و بين‏ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا .

3- الجناس الناقص في‏ آمَنُوا آمِنُوا لتغير الشكل.

4- جناس الاشتقاق في‏ يُخادِعُونَ‏ .. خادِعُهُمْ‏ و في‏ جامِعُ‏ ... جَمِيعاً و في‏ شَكَرْتُمْ‏ ..

شاكِراً .

5- الأسلوب التهكمي في‏ بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ‏ حيث استعمل لفظ البشارة مكان الإنذار تهكما.

6- الاستعارة في‏ وَ هُوَ خادِعُهُمْ‏ استعار اسم الخداع للمجازاة على العمل، و اللّه تعالى منزّه عن الخداع.

7- الاستفهام الإنكاري في‏ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ؟ و الغرض منه التقريع و التوبيخ.

الفوائد: الأولى: قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ليس تكرارا و إنما معناه اثبتوا على الإيمان و دوموا عليه كقول المؤمن‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ أي ثبتنا على الصراط المستقيم.

الثانية: سمى تعالى ظفر المؤمنين فتحا عظيما و نسبه إليه‏ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ‏ و ظفر الكافرين نصيبا وَ إِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ‏ و لم ينسبه إليه و ذلك لتعظيم شأن المسلمين، و تخسيس حظ الكافرين.

الثالثة: قال المفسرون: النار سبع دركات أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية و قد تسمى بعض الطبقات باسم بعض لأن لفظ النار يجمعها، كذا في البحر.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 289

تنبيه: المنافق أخطر من الكافر و لهذا كان عذابه أشد إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً و قد شرط تعالى للتوبة على الكافر الانتهاء عن الكفر فقط قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ‏ و أما المنافق فشرط عليه أربعا: التوبة، و الإصلاح، و الاعتصام، و إخلاص الدين له فقال: إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَ أَصْلَحُوا وَ اعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَ أَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ‏ فدل على أن المنافقين شرّ من كفر به و أولاهم بمقته، و أبعدهم من الإنابة إليه ثم قال: فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ‏ و لم يقل فأولئك هم المؤمنون ثم قال: (و سوف يؤت اللّه المؤمنين منه أجرا عظيما) و لم يقل «و سوف يؤتيهم» بغضا لهم و إعراضا عنهم و تفظيعا لما كانوا عليه من عظم كفر النفاق، زادنا اللّه فهما لأسرار كتابه.

*** قال اللّه تعالى:

[سورة النساء (4): الآيات 148 الى 162]

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (151) وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152)

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى‏ أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَ آتَيْنا مُوسى‏ سُلْطاناً مُبِيناً (153) وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (154) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (155) وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى‏ مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (156) وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً (157)

بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَ كانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (158) وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (159) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (160) وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (161) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ الْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ ما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَ الْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَ الْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (162)

المناسبة: لما ذكر تعالى المنافقين و فضحهم في الآيات السابقة، ذكر هنا أنه لا يحب إظهار

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 290

الفضائح و القبائح، إلا في حق من زاد ضرره و عظم خطره، فلا عجب أن يكشف اللّه عن المنافقين الستر، ثم تحدث عن اليهود و عدّد بعض جرائمهم الشنيعة مثل طلبهم لرؤية اللّه، و عبادتهم للعجل، و ادعائهم صلب المسيح، و اتهامهم مريم البتول بالفاحشة إلى غير ما هنالك من قبائح و جرائم شنيعة.

اللغة: جَهْرَةً عيانا بُهْتاناً البهتان: الكذب الذي يتحير فيه من شدته و عظمته‏ شُبِّهَ‏ وقع الشّبه بين عيسى و المقتول الذي صلبوه‏ وَ أَعْتَدْنا هيأنا الرَّاسِخُونَ‏ المتمكنون من العلم.

سبب النّزول: روي أن كعب بن الأشرف و جماعة من اليهود قالوا يا محمد: إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة جملة فأنزل اللّه‏ يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ... «1» الآية.

التفسير:

لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ‏ أي لا يحب اللّه الفحش في القول و الإيذاء باللسان إلا المظلوم فإنه يباح له أن يجهر بالدعاء على ظالمه و أن يذكره بما فيه من السوء، قال ابن عباس: المعنى لا يحب اللّه أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما «2» وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً أي سميعا لدعاء المظلوم عليما بالظالم‏

إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ أي إن أظهرتم أيها الناس عمل الخير أو أخفيتموه أو عفيتم عمن أساء إليكم‏ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً أي كان مبالغا في العفو مع كمال قدرته على المؤاخذة، قال الحسن: يعفو عن الجانين مع قدرته على الانتقام فعليكم أن تقتدوا بسنة اللّه تعالى‏ «3» حثّ تعالى على العفو و أشار إلى أنه عفو مع قدرته فكيف لا تعفون مع ضعفكم و عجزكم؟!

إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏ الآية في اليهود و النصارى لأنهم آمنوا بأنبيائهم و كفروا بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم و غيره، جعل كفرهم ببعض الرسل كفرا بجميع الرسل، و كفرهم بالرسل كفرا باللّه تعالى‏ وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏ التفريق بين اللّه و رسله أن يؤمنوا باللّه و يكفروا برسله، و كذلك التفريق بين الرسل هو الكفر ببعضهم و الإيمان ببعضهم و قد فسره تعالى بقوله بعده‏ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ‏ أي نؤمن ببعض الرسل و نكفر ببعض، قال قتادة: أولئك أعداء اللّه اليهود و النصارى، آمنت اليهود بالتوراة و موسى و كفروا بالإنجيل و عيسى، و آمنت النصارى بالإنجيل و عيسى و كفروا بالقرآن و بمحمد صلّى اللّه عليه و سلّم و تركوا الإسلام دين اللّه الذي بعث به رسله‏ «4» وَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أي طريقا وسطا بين الكفر و الإيمان و لا واسطة بينهما

أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا أي هؤلاء الموصوفون بالصفات القبيحة هم الكافرون يقينا و لو ادعوا الإيمان‏ وَ أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً أي هيأنا لهم عذابا شديدا مع الإهانة و الخلود في نار جهنم‏

وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ‏ أي صدّقوا اللّه و أقروا بجميع الرسل و هم المؤمنون أتباع محمد صلّى اللّه عليه و سلّم لم يفرقوا بين أحد من رسله بل آمنوا بجميعهم‏ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ‏ أي سنعطيهم ثوابهم الكامل على الإيمان باللّه و رسله‏ وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً أي غفورا لما سلف منهم من المعاصي و الآثام متفضلا عليهم بأنواع الإنعام‏

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ‏

(1) مجمع البيان 3/ 133.

(2) مختصر ابن كثير 1/ 452.

(3) أبو السعود 1/ 393.

(4) الطبري 9/ 354.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏1، ص: 291

عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ نزلت في أحبار اليهود حين قالوا للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم إن كنت نبيا فأتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى به موسى جملة، و إنما طلبوا ذلك على وجه التعنت و العناد، فذكر تعالى سؤالهم ما هو أفظع و أشنع تسلية للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم للتأسي بالرسل فقال: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى‏ أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أي سألوا موسى رؤية اللّه عز و جل عيانا فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ‏ أي جاءتهم من السماء نار فأهلكتهم بسبب ظلمهم‏ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ‏ أي ثم اتخذوا العجل إلها و عبدوه من بعد ما جاءتهم المعجزات و الحجج الباهرات من العصا و اليد و فلق البحر و غيرها، قال أبو السعود: و هذه المسألة- و هي طلب رؤية اللّه- و إن صدرت عن أسلافهم لكنهم لما كانوا مقتدين بهم في كل ما يأتون و يذرون أسندت إليهم‏ «1» فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ‏ أي عفونا عما ارتكبوه مع عظم جريمتهم و خيانتهم‏ وَ آتَيْنا مُوسى‏ سُلْطاناً مُبِيناً أي حجة ظاهرة تظهر صدقه و صحة نبوته، قال الطبري: و تلك الحجة هي الآيات البينات التي آتاه اللّه إياها «2»

وَ رَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ‏ أي رفعنا الجبل فوقهم لما امتنعوا عن قبول شريعة التوراة بسبب الميثاق ليقبلوه‏ وَ قُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً أي ادخلوا باب بيت المقدس مطأطئين رؤوسكم خضوعا للّه فخالفوا ما أمروا به و دخلوا يزحفون على أستاههم و هم يقولون حنطة في شعرة استهزاء وَ قُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ‏ أي لا تعتدوا باصطياد الحيتان يوم السبت فخالفوا و اصطادوا وَ أَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً أي عهدا وثيقا مؤكدا

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ‏ أي فبسبب نقضهم الميثاق لعنّاهم و أذللناهم و ما لتأكيد المعنى‏ وَ كُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ‏ أي و بجحودهم بالقرآن العظيم‏ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ‏ كزكريا و يحيى عليهما السّلام‏ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ‏ أي قولهم للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم قلوبنا مغشّاة بأغشية لا تعي ما تقوله يا محمد، قال تعالى ردا عليهم‏ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي بل ختم تعالى عليها بسبب الكفر و الضلال فلا يؤمن منهم إلا القليل كعبد اللّه بن سلام و أصحابه‏

وَ بِكُفْرِهِمْ وَ قَوْلِهِمْ عَلى‏ مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً أي و بكفرهم بعيسى عليه السّلام أيضا و رميهم مريم بالزنى و قد فضلها اللّه على نساء العالمين‏

وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ‏ أي قتلنا هذا الذي يزعم أنه رسول اللّه، و هذا إنما قالوه على سبيل «التهكم و الاستهزاء» كقول فرعون:

إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ‏ و إلّا فهم يزعمون أن عيسى ابن زنى و أمه زانية و لا يعتقدون أنه رسول اللّه قال تعالى: وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ‏ أي و ما قتلوا عيسى و لا صلبوه و لكن قتلوا و صلبوا من ألقي عليه شبهه، قال البيضاوي: روي أن رجلا كان ينافق لعيسى فخرج ليدل عليه فألقى اللّه عليه شبهه فأخذ و صلب و هم يظنون أنه عيسى‏ «3» وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ‏ أي و إن الذين اختلفوا في شأن عيسى لفي شك من قتله، روي أنه لما رفع عيسى و ألقي شبهه على غيره فقتلوه قالوا: إن كان هذا المقتول عيسى فأين صاحبنا؟ و إن كان هذا صاحبنا فأين عيسى؟ فاختلفوا فقال بعضهم هو عيسى و قال بعضهم ليس هو عيسى بل هو غيره، فأجمعوا أن‏

(1) أبو السعود 1/ 394.

(2) الطبري 9/ 360.

صفحه بعد