کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم

الجزء الاول

كلمة سماحة الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الجامع الأزهر كلمة سماحة الشيخ عبد الله بن حميد رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس العام للإشراف الديني على المسجد الحرام كلمة سماحة الشيخ أبي الحسن علي الحسني الندوي رئيس ندوة العلماء بلكنهو - الهند كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف مدير جامعة الملك عبد العزيز كلمة سعادة الدكتور راشد بن راجح عميد كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية بمكة المكرمة كلمة فضيلة الشيخ عبد الله خياط خطيب المسجد الحرام كلمة فضيلة الشيخ محمد الغزالي رئيس قسم الدعوة و أصول الدين بكلية الشريعة بمكة المكرمة مقدمة فهرس الأحاديث الشريفة الجزء الأول

الجزء الثانى

فهرس موضوعات المجلد الثاني فهرس الأحاديث الشريفة المجلد الثاني

الجزء الثالث

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم


صفحه قبل

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 472

و قيصر و لا نقدر أن نذهب إلى الغائط «1» فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها أي فأرسلنا على الأحزاب ريحا شديدة و جنودا من الملائكة لم تروهم و كانوا قرابة ألف، قال المفسرون: بعث اللّه عليهم ريحا عاصفا و هي ريح الصبا في ليلة شديدة البرد و الظلمة، فقلعت بيوتهم، و كفأت قدورهم، و صارت تلقي الرجل على الأرض، و أرسل اللّه الملائكة فزلزلتهم- و لم تقاتل- بل ألقت في قلوبهم الرعب‏ «2» وَ كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً أي و هو تعالى مطلع على ما تعملون من حفر الخندق، و الثبات على معاونة النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك الوقت‏

إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ‏ أي حين جاءتكم الأحزاب من فوق الوادي يعني من أعلاه قبل المشرق، و منه جاءت أسد و غطفان‏ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ‏ أي و من أسفل الوادي يعني أدناه قبل المغرب، و منه جاءت قريش و كنانة و أوباش العرب، و الغرض أن المشركين جاؤوهم من جهة المشرق و المغرب، و أحاطوا بالمسلمين إحاطة السوار بالمعصم، و أعانهم يهود بني قريظة فنقضوا العهد مع الرسول و انضموا إلى المشركين، فاشتد الخوف، و عظم البلاء و لهذا قال تعالى: وَ إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ أي و حين مالت الأبصار عن سننها و مستوى نظرها حيرة و شخوصا لشدة الهول و الرعب‏ «3» وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ أي زالت عن أماكنها من الصدور حتى كادت تبلغ الحناجر، و هذا تمثيل لشدة الرعب و الفزع الذي دهاهم، حتى كأن أحدهم قد وصل قلبه إلى حنجرته من شدة ما يلاقي من الهول‏ «4» وَ تَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا أي و كنتم في تلك الحالة الشديدة تظنون الظنون المختلفة، قال الحسن البصري: ظن المنافقون أن المسلمين يستأصلون، و ظنّ المؤمنون أنهم ينصرون‏ «5» ، فالمؤمنون ظنوا خيرا، و المنافقون ظنوا شرا و قال ابن عطية: كاد المؤمنون يضطربون و يقولون: ما هذا الخلف للوعد؟ و هذه عبارة عن خواطر خطرت للمؤمنين لا يمكن للبشر دفعها، و أما المنافقون فتعجلوا و نطقوا و قالوا: ما وعدنا اللّه و رسوله إلا غرورا «6»

هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ‏ أي في ذلك الزمان و المكان امتحن المؤمنون و اختبروا، ليتميز المخلص الصادق من المنافق، قال القرطبي: و كان هذا الابتلاء بالخوف و القتال، و الجوع و الحصر و النزال‏ «7» وَ زُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً أي و حرّكوا تحريكا عنيفا من شدة ما دهاهم، حتى لكأن الأرض تتزلزل بهم و تضطرب تحت أقدامهم، قال ابن جزي: و أصل الزلزلة شدة التحريك و هو هنا عبارة عن اضطراب القلوب و تزعزعها «8»

وَ إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ‏ أي واذكر حين يقول المنافقون، و الذين في قلوبهم مرض النفاق، لأن الإيمان لم يخالط قلوبهم‏ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً أي ما وعدنا اللّه و رسوله إلا باطلا و خداعا، قال الصاوي: و القائل هو «معتب بن قشير» الذي قال: يعدنا محمد بفتح فارس و الروم، و أحدنا لا يقدر أن يتبرز فرقا، ما هذا إلا وعد غرور «9»

(1) أبو السعود 4/ 304.

(2) الصاوي على الجلالين 3/ 271.

(3) تفسير الكشاف 3/ 426.

(4) قال القرطبي: و هذا القول منقول معناه عن عكرمة، و الأظهر أنه أراد اضطراب القلب و ضرباته حتى كأنه لشدة اضطرابه بلغ الحنجرة اه.

(5) القرطبي 14/ 145.

(6) نقلا عن البحر المحيط 7/ 217.

(7) القرطبي 14/ 146.

(8) التسهيل 3/ 134.

(9) حاشية الصاوي 3/ 272.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 473

يغرنا به محمد

وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ‏ أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين و هم: أوس بن قيظي و أتباعه، و أبيّ بن سلول و أشياعه‏ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ‏ أي يا أهل المدينة لا قرار لكم ههنا و لا إقامة فَارْجِعُوا أي فارجعوا إلى منازلكم واتركوا محمدا و أصحابه‏ وَ يَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ‏ و يستأذن جماعة من المنافقين النبي صلّى اللّه عليه و سلّم في الانصراف متعللين بعلل واهية يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ أي غير حصينة فنخاف عليها العدوّ و السّراق‏ وَ ما هِيَ بِعَوْرَةٍ تكذيب من اللّه تعالى لهم أي ليس الأمر كما يزعمون‏ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم إلا الهرب من القتال، و الفرار من الجهاد، و التعبير بالمضارع‏ وَ يَسْتَأْذِنُ‏ لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن و هم يستأذنون، ثم فضحهم تعالى و بيّن كذبهم و نفاقهم فقال:

وَ لَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين من جميع نواحي المدينة و جوانبها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها أي ثم طلب إليهم أن يكفروا و أن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم‏ وَ ما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً أي لفعلوا ذلك مسرعين، و لم يتأخروا عنه لشدة فسادهم، و ذهاب الحق من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإيمان و لا يستمسكون به مع أدنى خوف و فزع‏ «1» ، و هذا ذم لهم في غاية الذم‏

وَ لَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ أي و لقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود و المواثيق من قبل غزوة الخندق و بعد بدر ألا يفروا من القتال‏ وَ كانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلًا أي و كان هذا العهد منهم جديرا بالوفاء لأنهم سيسألون عنه، و فيه تهديد و وعيد، قال قتادة: لما غاب المنافقون عن بدر، و رأوا ما أعطى اللّه أهل بدر من الكرامة و النصر، قالوا لئن أشهدنا اللّه قتالا لنقاتلن‏ «2»

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ‏ أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعا في البقاء و حرصا على الحياة، إن فراركم لن يطوّل أعماركم و لن يؤخر آجالكم، و لن يدفع الموت عنكم أبدا وَ إِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا أي و لئن هربتم و فررتم فإذا لا تمتعون بعده إلا زمنا يسيرا، لأن الموت مآل كل حي، و من لم يمت بالسيف مات بغيره‏

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ‏ أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى‏ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً أي إن قدّر هلاككم و دماركم، أو قدّر بقاءكم و نصركم؟

وَ لا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً أي و ليس لهم من دون اللّه مجير و لا مغيث، فلا قريب ينفعهم و لا ناصر ينصرهم‏

قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ‏ أي لقد علم اللّه تعالى ما كان من أمر أولئك المنافقين، المثبطين للعزائم، الذين يعوّقون الناس عن الجهاد، و يصدونهم عن القتال‏ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا أي و الذين يقولون لإخوانهم في الكفر و النفاق: تعالوا إلينا واتركوا محمدا و صحبه يهلكوا و لا تقاتلوا معهم، قال تعالى: وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أي و لا يحضرون القتال إلا قليلا منهم رياء و سمعة، قال الصاوي: لأن شأن من يثبّط غيره عن الحرب ألّا يفعله إلا قليلا لغرض خبيث‏ «3» و قال في البحر: المعنى: لا يأتون القتال إلا إتيانا قليلا، يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنّهم معهم،

(1) هذا قول قتادة و ابن زيد و اختيار ابن جرير قال القرطبي: و قال السدي و الحسن و الفراء و المعنى: ما لبثوا بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا، و الأول قول أكثر المفسرين، و ذلك لضعف نياتهم و فرط نفاقهم، فلو اختلط بهم الأعداء لأظهروا الكفر اه «القرطبي 14/ 150».

(2) القرطبي 14/ 150.

(3) حاشية الصاوي 3/ 273.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 474

و لا تراهم يقاتلون إلا شيئا قليلا إذا اضطروا إليه، فقتالهم رياء ليس بحقيقة «1»

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ‏ أي بخلاء عليكم بالمودة و الشفقة و النصح لأنهم لا يريدون لكم الخير فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏ أي فإذا حضر القتال رأيت أولئك المنافقين في شدة رعب لا مثيل لها، حتى إنهم لتدور أعينهم في أحداقهم كحال المغشي عليه من معالجة سكرات الموت حذرا و خورا، قال القرطبي: وصفهم بالجبن، و كذا سبيل الجبان ينظر يمينا و شمالا محدّدا بصره، و ربما غشي عليه من شدة الخوف‏ «2» فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أي فإذا ذهب الخوف عنهم و انجلت المعركة آذوكم بالكلام بألسنة سليطة، و بالغوا فيكم طعنا و ذما، قال قتادة: إذا كان وقت قسمة الغنيمة بسطوا ألسنتهم فيكم يقولون: أعطونا أعطونا فإنا قد شهدنا معكم، ولستم أحقّ بها منا، فأما عند البأس فأجبن قوم و أخذلهم للحق، و أمّا عند الغنيمة فأشح قوم و أبسطهم لسانا «3» أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أي خاطبوكم بما خاطبوكم به حال كونهم أشحة أي بخلاء على المال و الغنيمة أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا أي أولئك الموصوفون بما ذكر من صفات السوء، لم يؤمنوا حقيقة بقلوبهم و إن أسلموا ظاهرا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ‏ أي أبطلها بسبب كفرهم و نفاقهم، لأن الإيمان شرط في قبول الأعمال‏ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً أي و كان ذلك الإحباط سهلا هينا على اللّه، ثم أخبر تعالى عنهم بما يدل على جبنهم فقال:

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا أي يحسب المنافقون من شدة خوفهم و جبنهم أن الأحزاب- و هم كفار قريش و من تحزب معهم- بعد انهزامهم لم ينصرفوا عن المدينة و هم قد انصرفوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ‏ أي و إن يرجع إليهم الكفار كرة ثانية للقتال يتمنوا لشدة جزعهم أن يكونوا في البادية مع الأعراب- لا في المدينة معكم- حذرا من القتل و تربصا للدوائر يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ‏ أي يسألون عن أخباركم و ما وقع لكم فيقولون: أهلك المؤمنون؟ أغلب أبو سفيان؟ ليعرفوا حالكم بالاستخبار لا بالمشاهدة وَ لَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا أي ولو أنهم كانوا بينكم وقت القتال و احتدام المعركة ما قاتلوا معكم إلا قتالا قليلا، لجبنهم و ذلتهم و حرصهم على الحياة.

البلاغة: تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان و البديع نوجزها فيما يلي:

1- التنكير لإفادة الاستغراق و الشمول‏ ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ‏ و إدخال حرف الجر الزائد لتأكيد الاستغراق، و ذكر الجوف‏ فِي جَوْفِهِ‏ لزيادة التصوير في الإنكار.

2- جناس الاشتقاق‏ وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَ كَفى‏ بِاللَّهِ وَكِيلًا.

3- الطباق بين‏ أَخْطَأْتُمْ‏ .. و تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏ و بين‏ سُوءاً .. و رَحْمَةً لأن المراد بالسوء الشر، و بالرحمة الخير.

4- التشبيه البليغ‏ وَ أَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ‏ حذف منه وجه الشبه و أداة التشبيه فصار بليغا، و أصل الكلام و أزواجه مثل أمهاتهم في وجوب الاحترام و التعظيم، و الإجلال و التكريم.

5- المجاز بالحذف‏ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ‏ أي أولى بميراث بعض.

(1) البحر 7/ 220.

(2) تفسير القرطبي 14/ 153.

(3) زاد المسير 6/ 366 و القرطبي 14/ 154.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 475

6- ذكر الخاص بعد العام للتشريف‏ وَ إِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ‏ فقد دخل هؤلاء المذكورون في جملة النبيين و لكنه خصهم بالذكر تنويها بشأنهم و تشريفا لهم.

7- الاستعارة مِيثاقاً غَلِيظاً استعار الشي‏ء الحسي- و هو الغلظ الخاص بالأجسام- للشي‏ء المعنوي و هو بيان حرمة الميثاق و عظمه و ثقل حمله.

8- الالتفات‏ لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ‏ و غرضه التبكيت و التقبيح للمشركين.

9- الطباق بين‏ مِنْ فَوْقِكُمْ‏ .. و أَسْفَلَ مِنْكُمْ.

10- التشبيه التمثيلي‏ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى‏ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ‏ لأن وجه الشبه منتزع من متعدد.

11- المبالغة في التمثيل‏ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ صوّر القلوب في خفقانها و اضطرابها كأنها وصلت إلى الحلقوم.

12- الكناية لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ كناية عن الفرار من الزحف.

13- الاستعارة المكنية سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ شبّه اللسان بالسيف المصلت و حذف ذكر المشبه به و رمز له بشي‏ء من لوازمه و هو السلق بمعنى الضرب على طريق الاستعارة المكنية، و لفظ حِدادٍ ترشيح.

14- توافق الفواصل في الحرف الأخير مثل‏ كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً .. و ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً و نحوه و هو يزيد في رونق الكلام و جماله، لما له من وقع رائع، و جرس عذب‏ «1» .

تنبيه: خاطب اللّه تعالى الأنبياء بأسمائهم فقال: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود: 48] يا إِبْراهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات: 105] يا مُوسى‏ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَ بِكَلامِي‏ [الأعراف: 144] و لم يخاطب الرسول إلا بلفظ النبوة و الرسالة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ‏ [الأنفال: 64] يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ‏ [المائدة: 67] إلخ و لا نجد في القرآن العظيم كله نداء له باسمه، و إنما النداء بالفظ النبوة و الرسالة، و في هذا تفخيم لشأنه، و تعظيم لمقامه، و إشارة إلى أنه سيد الأولين و الآخرين، و إمام الأنبياء و المرسلين، و تعليم لنا الأدب معه صلّى اللّه عليه و سلّم، فلا نذكره إلا مع الإجلال و الإكرام، و لا نصفه إلا بالوصف الأكمل‏ لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى‏ [الحجرات: 3] «2» الآية.

لطيفة: إن قيل: ما الفائدة بأمر اللّه رسوله بالتقوى و هو سيد المتقين؟ فالجواب أنه أمر بالثبات و الاستدامة على التقوى كقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا [النساء: 136] أي اثبتوا على الإيمان و كقول المسلم‏ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ [الفاتحة: 6] و هو مهتد إليه و غرضه ثبتنا على الصراط المستقيم، أو نقول: الخطاب للرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد أمته.

(1) ذكرنا الأمثلة البلاغية بإيجاز على سبيل المثال لا الحصر، ليتذوق القارى‏ء بعض الروائع البيانية و إلا فكلام اللّه معجز و فيه من الصور البلاغية و الأسرار البيانية ما يتذوقها الإنسان و يعجز عن وصفها اللسان ..

(2) انظر ما كتبه أبو حيان في البحر المحيط 7/ 210 و ما كتبه القاضي عياض في كتابه الشفاء فقد أجاد كل منهما و أفاد.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 476

قال اللّه تعالى:

[سورة الأحزاب (33): الآيات 21 الى 35]

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (21) وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَ تَسْلِيماً (22) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (24) وَ رَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (25)

وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً (26) وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللَّهُ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً (27) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (28) وَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (29) يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30)

وَ مَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَ أَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (31) يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (32) وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏ وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْقانِتِينَ وَ الْقانِتاتِ وَ الصَّادِقِينَ وَ الصَّادِقاتِ وَ الصَّابِرِينَ وَ الصَّابِراتِ وَ الْخاشِعِينَ وَ الْخاشِعاتِ وَ الْمُتَصَدِّقِينَ وَ الْمُتَصَدِّقاتِ وَ الصَّائِمِينَ وَ الصَّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَ الذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً (35)

المناسبة: لما ذكر تعالى غزوة الأحزاب، و موقف المنافقين المذبذبين منها، بالقعود عن الجهاد، و تثبيط العزائم، أمر المؤمنين في هذه الآيات بالاقتداء بالرسول الكريم في صبره و ثباته، و تضحيته و جهاده، ثم جاء الحديث عن زوجات رسول اللّه الطاهرات، و أمرهنّ بالاقتداء برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في زهده، و عدم التطلع إلى زهرة الدنيا لأنهن قدوة لسائر نساء المؤمنين.

اللغة: أُسْوَةٌ الأسوة: القدوة و فيها لغتان كسر الهمزة و ضمها يقال ائتسى فلان بفلان أي اقتدى به‏ نَحْبَهُ‏ النّحب: النذر و العهد يقال: نحب ينحب من باب قتل نذر، و من باب ضرب بكى قال لبيد:

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 477

ألا تسألان المرء ماذا يحاول‏

أنحب فيقضى أم ضلال و باطل؟ «1»

و يقال: قضى نحبه إذا مات، و عبّر به عن الموت لأن كل حي لا بدّ أن يموت، فكأنه نذر لازم في رقبته فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره‏ «2» صَياصِيهِمْ‏ حصونهم جمع صيصية و هو ما يتحصن به، قال الشاعر:

فأصبحت الثيران صرعى و أصبحت‏

نساء تميم يبتدرن الصّياصيا «3»

أُمَتِّعْكُنَ‏ متعة الطلاق، و أصل المتاع ما يتبلّغ به من الزاد، و منه متعة المطلقة لأنها تنتفع و تتمتع به‏ «4» وَ أُسَرِّحْكُنَ‏ أطلقكنّ، و أصل التسريح في اللغة: الإرسال و الإطلاق‏ «5» تَبَرَّجْنَ‏ تبرجت المرأة: أظهرت زينتها و محاسنها للأجانب‏ «6» ، و أصله من الظهور و منه سمي البرج لسعته و ظهوره‏ وَ قَرْنَ‏ الزمن بيوتكن من قولهم: قررت بالمكان أقرّ به إذا بقيت فيه و لزمته، و القرار:

مصدر، و أصل «قرن» اقررن حذفت الراء و ألقيت فتحتها على ما قبلها، و استغني عن ألف الوصل لتحرك القاف‏ «7» الرِّجْسَ‏ في اللغة: القذر و النجاسة، و عبّر به هنا عن الآثام لأن عرض المقترف للقبائح يتلوث بها و يتدنس، كما يتلوث بدنه بالنجاسات‏ «8» .

سبب النّزول: أ- أخرج ابن جرير الطبري عن أنس بن مالك قال: غاب عمي «أنس بن النضر» عن قتال يوم بدر، فقال: غبت عن أول قتال مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم؟ لئن أشهدني اللّه قتالا ليرينّ اللّه ما أصنع؟ فلما كان يوم أحد انكشف المسلمون- انهزموا- فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما فعل هؤلاء- يعني المشركين- و أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء- يعني المسلمين- ثم مشى بسيفه فلقيه «سعد بن معاذ» فقال: أي سعد و اللّه إني لأجد ريح الجنة دون أحد! ثم قاتل حتى قتل، فقال سعد يا رسول اللّه: ما استطعت أن أصنع ما صنع، قال أنس بن مالك: فوجدناه بين القتلى و به بضع و ثمانون جراحة بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فما عرفناه حتى جاءت أخته فعرفته ببنانه- رؤوس الأصابع- قال أنس: فكنا نتحدث أن هذه الآية مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ .. نزلت فيه و في أصحابه‏ «9» .

ب- و روى الإمام أحمد عن جابر رضي اللّه عنه قال: أقبل أبو بكر رضي اللّه عنه يستأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم- و الناس ببابه جلوس- فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر رضي اللّه عنه فاستأذن فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر و عمر فدخلا و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم جالس و حوله نساؤه و هو ساكت، فقال عمر: لأكلمنّ النبي صلّى اللّه عليه و سلّم لعله يضحك! فقال يا رسول اللّه: لو رأيت ابنة زيد- امرأة عمر- سألتني النفقة آنفا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلّى اللّه عليه و سلّم حتى بدت نواجذه و قال: «هنّ حولي يسألنني النّفقة»! فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها، و قام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان رسول اللّه ما ليس عنده؟ فنهاهما

(1) تفسير القرطبي 14/ 158.

(2) تفسير الكشاف 3/ 421.

(3) القرطبي 14/ 161.

(4) المصباح المنير 2/ 226.

(5) المعجم الوسيط 1/ 427.

(6) المصباح المنير 1/ 48.

(7) القرطبي 14/ 178.

(8) الكشاف 3/ 425.

(9) تفسير ابن جرير الطبري 20/ 85 و أسباب النزول للواحدي 237.

صفوة التفاسير تفسير للقرآن الكريم، ج‏2، ص: 478

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقلن: و اللّه لا نسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، و أنزل اللّه آية الخيار يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا فبدأ بعائشة رضي اللّه عنها فقال لها: «إنّي أذكر لك أمرا ما أحبّ أن تعجلي فيه حتّى تستأمري أبويك»، قالت: و ما هو يا رسول اللّه؟ فتلا عليها الآية فقالت: أفيك أستأمر أبوي؟ بل أختار اللّه و رسوله و الدار الآخرة، و أسألك ألّا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فقال: «إنّ اللّه لم يبعثني معنّفا و لكن بعثني معلّما و ميسّرا، لا تسألني امرأة منهنّ إلّا أخبرتها» «1» .

ج- عن أم سلمة رضي اللّه عنها قالت للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم يا نبيّ اللّه: ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن، و النساء لا يذكرن!؟ فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ، وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ .. «2» الآية.

التفسير:

لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ أي لقد كان لكم أيها المؤمنون في هذا الرسول العظيم قدوة حسنة، تقتدون به صلّى اللّه عليه و سلّم في إخلاصه، و جهاده، و صبره، فهو المثل الأعلى الذي يجب أن يقتدى به، في جميع أقواله و أفعاله و أحواله، لأنه لا ينطق و لا يفعل عن هوى، بل عن وحي و تنزيل، فلذلك وجب عليكم تتبع نهجه، و سلوك طريقه‏ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ أي لمن كان مؤمنا مخلصا يرجوا ثواب اللّه، و يخاف عقابه‏ وَ ذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً أي و أكثر من ذكر ربه، بلسانه و قلبه، قال ابن كثير: أمر تبارك و تعالى الناس بالتأسي بالنبي صلّى اللّه عليه و سلّم في صبره و مصابرته، و مجاهدته و مرابطته، و لهذا قال للذين تضجروا و تزلزلوا، و اضطربوا يوم الأحزاب‏ لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ و المعنى: هلّا اقتديتم به و تأسيتم بشمائله صلّى اللّه عليه و سلّم‏ «3» !! ثم حكى تعالى موقف المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب أثناء رؤيتهم جنود قريش و من تحزّب معهم، و ما صدر عن المؤمنين من إخلاص و يقين، تظهر بوضوح روح الإيمان و التضحية فقال:

وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ أي و لمّا رأى المؤمنون الكفار قادمين نحوهم، و قد أحاطوا بهم من كل جانب إحاطة السوار بالمعصم، قالوا: هذا ما وعدنا به اللّه و رسوله، من المحنة و الابتلاء، ثم النصر على الأعداء وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ أي صدق اللّه في وعده، و رسوله فيما بشرنا به، قال المفسرون: لما كان المسلمون يحفرون الخندق اعترضتهم صخرة عظيمة عجزوا عن تكسيرها، فأخبروا الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم بها فجاء و أخذ المعول و ضربها ثلاث ضربات أضاءت له منها مدائن كسرى، و قصور الروم، فقال «أبشروا بالنّصر»، فلما أقبلت جموع المشركين و رأوهم قالوا: هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ‏ «4» وَ ما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَ تَسْلِيماً أي و ما زادهم ما رأوه من كثرة جند الأحزاب، و من شدة الضيق و الحصار، إلا إيمانا قويا عميقا باللّه، و استسلاما و انقيادا لأوامره‏

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ‏ أي و لقد كان من أولئك المؤمنين رجال صادقون، نذروا أنهم إذا أدركوا حربا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثبتوا و قاتلوا حتى يستشهدوا فَمِنْهُمْ مَنْ‏

(1) أخرجه الإمام أحمد كذا في ابن كثير 3/ 92.

(2) رواه النسائي في سننه عن أم سلمة.

(3) مختصر ابن كثير 3/ 88.

صفحه بعد