کتابخانه تفاسیر
لطائف الاشارات
الجزء الأول
السورة التي تذكر فيها البقرة
السورة التي يذكر فيها آل عمران
السورة التي يذكر فيها النساء
السورة التي تذكر فيها المائدة
السورة التي تذكر فيها الأنعام
السورة التي يذكر فيها الأعراف
السورة التي تذكر فيها الأنفال
الجزء الثاني
السورة التي تذكر فيها التوبة
سورة يونس عليه السلام
السورة التي يذكر فيها هود عليه السلام
السورة التي يذكر فيها يوسف عليه السلام
السورة التي يذكر فيها«الرعد»
السورة التي يذكر فيها إبراهيم عليه السلام
السورة التي يذكر فيها الحجر
السورة التي يذكر فيها النحل
السورة التي يذكر فيها بنو إسرائيل
السورة التي يذكر فيها الكهف
سورة مريم عليها السلام
سورة طه
السورة التي يذكر فيها الأنبياء
السورة التي يذكر فيها«الحج»
السورة التي يذكر فيها المؤمنون
السورة التي يذكر فيها النور
سورة الفرقان
الجزء الثالث
السورة التي يذكر فيها الشعراء
السورة التي يذكر فيها النمل
سورة القصص
السورة التي يذكر فيها العنكبوت
السورة التي يذكر فيها الروم
السورة التي يذكر فيها لقمان
سورة السجدة
سورة الأحزاب
سورة سبأ
سورة فاطر
سورة يس
سورة الصافات
سورة ص
سورة الزمر
سورة المؤمن
سورة فصلت
سورة الشورى
سورة الزخرف
سورة الدخان
سورة الجاثية
سورة الأحقاف
سورة محمد«صلى الله عليه و سلم»
سورة الفتح
سورة الحجرات
سورة ق
سورة الذاريات
سورة الطور
سورة النجم
سورة القمر
سورة الرحمن
سورة الواقعة
سورة الحديد
سورة المجادلة
سورة الحشر
سورة التغابن
لطائف الاشارات، ج1، ص: 46
[فصل] و تتفاوت طبقات الحامدين لتباينهم فى أحوالهم؛ فطائفة حمدوه على ما نالوا من إنعامه و إكرامه من نوعى صفة نفعه و دفعه، و إزاحته و إتاحته، و ما عقلوا عنه من إحسانه بهم أكثره ما عرفوا من أفضاله معهم قال جل ذكره: «و إن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها»، و طائفة حمدوه على ما لاح لقلوبهم من عجائب لطائفه، و أودع سرائرهم من مكنونات بره، و كاشف أسرارهم به من خفى غيبه، و أفرد أرواحهم به من بواده مواجده. و قوم حمدوه عند شهود ما كاشفهم به من صفات القدم، و لم يردوا من ملاحظة العز و الكرم إلى تصفح أقسام النعم، و تأمل خصائص القسم، و (فرق بين) «1» من يمدحه بعز جلاله و بين من يشكره على وجود أفضاله، كما قال قائلهم:
و ما الفقر عن أرض العشيرة ساقنا
و لكننا جئنا بلقياك نسعد
و قوم حمدوه مستهلكين عنهم فيما استنطقوا من عبارات تحميده، بما اصطلم أسرارهم من حقائق توحيده، فهم به منه يعبّرون، و منه إليه يشيرون، يجرى عليهم أحكام التصريف، و ظواهرهم «2» بنعت التفرقة مرعية، و أسرارهم مأخوذة بحكم جمع «3» الجمع، كما قالوا:
بيان بيان الحق أنت بيانه
و كل معانى الغيب أنت لسانه
قوله جل ذكره: رَبِّ الْعالَمِينَ الرب هو السيد، و العالمون جميع المخلوقات، و اختصاص هذا الجمع بلفظ العالمين لاشتماله على العقلاء و الجمادات فهو مالك الأعيان و منشيها، و موجد الرسوم و الديار بما فيها.
و يدل اسم الرب أيضا على تربية الخلق، فهو مرب نفوس العابدين بالتأييد و مرب قلوب الطالبين بالتسديد، و مرب أرواح العارفين بالتوحيد، و هو مرب الأشباح بوجود النّعم، و مرب الأرواح بشهود الكرم.
و يدل اسم الرب أيضا على إصلاحه لأمور عباده من ربيت العديم أربه؛ فهو مصلح أمور الزاهدين بجميل رعايته، و مصلح أمور العابدين بحسن كفايته، و مصلح أمور الواجدين
(1) وردت (وفر ...) ثم بعدها بياض فأكملناها على هذا النحو ليتم المعنى.
(2) وردت (و ظاهرهم) و لكن السياق يقتضى ما أثبتناه.
(3) وردت (جميع الجمع) و لكن الاصطلاح الصوفي هو جمع الجمع و هو درجة فوق الجمع و جمع الجمع هو الاستهلاك بالكلية و فناء الإحساس بما سوى اللّه (رسالة القشيري ط سنة 1959 ص 39).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 47
بقديم عنايته، أصلح أمور قوم فاستغنوا بعطائه، و أصلح أمور آخرين فاشتاقوا للقائه، و ثالث أصلح أمورهم فاستقاموا للقائه، قال قائلهم:
مادام عزّك مسعودا طوالعه
فلا أبالى أعاش الناس أم فقدوا
قوله جلّ ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 3]
اسمان مشتقان من الرحمة، و الرحمة صفة أزلية و هى إرادة النعمة و هما اسمان موضوعان للمبالغة و لا فضل بينهما عند أهل التحقيق.
و قيل الرحمن أشد مبالغة و أتم فى الإفادة، و غير الحق سبحانه لا يسمى بالرحمن على الإطلاق، و الرحيم ينعت به غيره، و برحمته عرف العبد أنه الرحمن، و لو لا رحمته لما عرف أحد أنه الرحمن، و إذا كانت الرحمة إرادة النعمة، أو نفس النعمة كما هى (عند قوم فالنعم فى أنفسها مختلفة، و مراتبها متفاوتة فنعمة هى) «1» نعمة الأشباح و الظواهر، و نعمة هى نعمة الأرواح و الأسرار.
و على طريقة من فرّق بينهما فالرحمن خاص الاسم عام المعنى، و الرحيم عام الاسم خاص المعنى؛ فلأنه الرحمن رزق الجميع ما فيه راحة ظواهرهم، و لأنه الرحيم وفق المؤمنين لما به حياة سرائرهم، فالرحمن بما روّح، و الرحيم بما لوّح؛ فالترويح بالمبارّ، و التلويح بالأنوار:
و الرحمن بكشف تجلّيه و الرحيم بلطف تولّيه، و الرحمن بما أولى من الإيمان و الرحيم بما أسدى «2» من العرفان، و الرحمن بما أعطى من العرفان و الرحيم بما تولّى من الغفران، بل الرحمن بما ينعم به من الغفران و الرحيم بما يمنّ به من الرضوان، بل الرحمن بما يكتم به و الرحيم بما ينعم به من الرؤية و العيان، بل الرحمن بما يوفق، و الرحيم بما تحقق، و التوفيق للمعاملات، و التحقيق للمواصلات، فالمعاملات للقاصدين، و المواصلات للواجدين، و الرحمن بما يصنع لهم و الرحيم بما يدفع عنهم؛ فالصنع بجميل الرعاية و الدفع بحسن العناية.
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
المالك من له الملك، و ملك الحق سبحانه و تعالى قدرته على الإبداع، فالملك مبالغة من المالك و هو سبحانه الملك المالك، و له الملك. و كما لا إله إلا هو فلا قادر على الإبداع إلا هو، فهو بإلهيته متوحد، و بملكه متفرد، ملك نفوس العابدين فصرفها فى خدمته، و ملك قلوب العارفين فشرّفها بمعرفته، و ملك نفوس القاصدين
(1) تكملة فى الهامش استدرك بها الناسخ فأثبتناها فى موضعها.
(2) وردت (أسرى) و الأصح (أسدى).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 48
فتيّمها، و ملك قلوب الواجدين فهيّمها. ملك أشباح من عبده فلاطفها بنواله و أفضاله، و ملك أرواح من أحبهم (....) «1» فكاشفها بنعت جلاله، و وصف جماله. ملك زمام أرباب التوحيد فصرفهم حيث شاء على ما شاء و وفّقهم حيث شاء على ما شاء كما شاء، و لم يكلهم إليهم لحظة، و لا ملّكهم من أمرهم سنّة و لا خطرة، و كان لهم عنهم، و أفناؤهم له منهم «2» .
[فصل] ملك قلوب العابدين إحسانه فطمعوا فى عطائه، و ملك قلوب الموحدين سلطانه فقنعوا ببقائه. عرّف أرباب التوحيد أنه مالكهم فسقط عنهم اختيارهم، علموا أن العبد لا ملك له، و من لا ملك له لا حكم له، و من لا حكم له لا اختيار له، فلا لهم عن طاعته إعراض و لا على حكمه اعتراض، و لا فى اختياره معارضة، و لا لمخالفته تعرّض، «و يوم الدين».
يوم الجزاء و النشر، و يوم الحساب و الحشر- الحق سبحانه و تعالى يجزى كلّا بما يريد، فمن بين مقبول يوم الحشر بفضله سبحانه و تعالى لا بفعلهم، و من بين مردود بحكمه سبحانه و تعالى لا بجرمهم. فأمّا الأعداء فيحاسبهم ثم يعذبهم و أمّا الأولياء فيعاتبهم ثم يقربهم:
قوم إذا ظفروا بنا
جادوا بعتق رقابنا
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
معناه نعبدك و نستعين بك. و الابتداء بذكر المعبود أتمّ من الابتداء بذكر صفته- التي هى عبادته و استعانته، و هذه الصيغة أجزل فى اللفظ، و أعذب فى السمع. و العبادة الإتيان بغاية ما فى (بابها) «3» من الخضوع، و يكون ذلك بموافقة الأمر، و الوقوف حيثما وقف الشرع.
و الاستعانة طلب الإعانة من الحق.
و العبادة تشير إلى بذل الجهد و المنّة، و الاستعانة تخبر عن استجلاب الطول و المنّة، فبالعبادة يظهر شرف العبد، و بالاستعانة يحصل اللطف للعبد. فى العبادة وجود شرفه، و بالاستعانة أمان تلفه. و العبادة ظاهرها تذلل، و حقيقتها تعزّز و تحمّل:
و إذا تذللت الرقاب تقربا
منّا إليك، فعزّها فى ذلّها
(1) مشتبهة فى ص، و ربما كانت (و أحبوه).
(2) (له) هنا معناها لأجله اى أنه أفناهم من أنفسهم لأجله ليبقوا به، و كان الأسلم أن تكون العبارة:
و أفناؤهم منهم له و لكن حرص المصنّف على مراعاة الانسجام بين عنهم و منهم.
(3) وردت (بابه)
لطائف الاشارات، ج1، ص: 49
و فى معناه:
حين أسلمتني لذال و لام
ألقيتنى فى عين و زاى «1»
[فصل] العبادة نزهة القاصدين «2» ، و مستروح المريدين، و مربع الأنس للمحبين، و مرتع البهجة للعارفين. بها قرّة أعينهم، و فيها مسرة قلوبهم، و منها راحة أرواحهم. و إليه «3» أشار صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله: أرحنا بها يا بلال». و لقد قال مخلوق فى مخلوق:
يا قوم ثارى عند أسمائى
يعرفه السامع و الرائي
لا تدعنى إلا بيا عبدها
فإنه أصدق أسمائى
و الاستعانة إجلالك لنعوت كرمه، و نزلك بساحة جوده، و تسليمك إلى يد حكمه، فتقصده بأمل فسيح، و تخطو إليه بخطو وسيع، و تأمل فيه برجاء قوى «4» ، و تثق بكرم أزلى، و تتكل على اختيار سابق، و تعتصم بسبب جوده (غير ضعف) «5» .
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
الهداية الإرشاد، و أصلها الإمالة، و المهدىّ من عرف الحق سبحانه، و آثر رضاه، و آمن به. و الأمر فى هذه الآية مضمر؛ فمعنا اهدنا بنا «6» - و المؤمنون على الهداية فى الحال- فمعنى السؤال الاستدامة و الاستزادة. و الصراط المستقيم الطريق الحق و هو ما عليه أهل التوحيد. و معنى اهدنا أي مل بنا إليك، و خذنا لك، و كن علينا دليلنا، و يسّر إليك سبيلنا، و أقم لنا هممنا، و اجمع بك همومنا.
[فصل] اقطع أسرارنا عن شهود الأغيار، و لوّح فى قلوبنا طوالع الأنوار، و أفرد
(1) وردت و (زار)
(2) وردت (القاصرين)
(3) أي و إلى ذلك أشار
(4) وردت (قومى) و هى غير مناسبة للمعنى.
(5) إما أن تكون زائدة أو ينقصها حرف الجر في فتكون (فى غير ضعف) أو تكون (غير ضعف) (أساس البلاغة ص 563) أي غير متكثر بالأسباب لجلب المال.
(6) و يكون المعنى على هذا أقم فينا ما يجعلنا نهتدى به إليك، و لكن نرجح أن يكون قد وقع خطأ من الناسخ و أن الأصل (اهدنا بك) لأن ذلك يتفق مع مذهب القشيري و غيره من الصوفية حيث يعتبرون كل شىء يقع من العبد مرده إلى الحق سبحانه، فلا قدرة للعبد- وحده- على معرفة اللّه، و لا على الاهتداء إليه، و تدل الدلائل فيما بعد على ذلك مثل قوله (فنجدك بك). و اما أن يكون الأصل (اهد بنا) أي- كما جاء فيما بعد- مل بنا.
لطائف الاشارات، ج1، ص: 50
قصودنا إليك عن دنس الآثار، و رقّنا عن منازل الطلب و الاستدلال إلى جمع ساحات القرب و الوصال.
[فصل] حل بيننا و بين مساكنة «1» الأمثال و الأشكال، بما تلاطفنا به من وجود الوصال، و تكاشفنا به من شهود الجلال و الجمال.
[فصل] أرشدنا إلى الحق لئلا نتكل على وسائط المعاملات، و يقع على وجه التوحيد غبار الظنون و حسبان الإعلال.
«اهدنا الصراط المستقيم» أي: أزل عنّا ظلمات أحوالنا لنستضىء «2» بأنوار قدسك عن التفيؤ بظلال طلبنا، و ارفع عنا ظل جهدنا لنستبصر بنجوم جودك، فنجدك بك.
[فصل] اهدنا الصراط المستقيم حتى لا يصحبنا قرين من نزغات الشيطان و وساوسه، و رفيق من خطرات النفوس و هواجسها، أو يصدنا عن الوصول تعريج فى أوطان التقليد، أو يحول بيننا و بين الاستبصار ركون لى معتاد من التلقين، و تستهوينا آفة من نشو أو هوادة، و ظن أو عادة، و كلل أو ضعف إرادة، و طمع مال أو استزادة.
[فصل] الصراط المستقيم ما عليه من الكتاب و السنة دليل، و ليس للبدعة عليه سلطان و لا إليه سبيل. الصراط المستقيم ما شهدت بصحته دلائل التوحيد، و نبهت عليه شواهد التحقيق. الصراط المستقيم ما درج عليه سلف الأمة، و نطقت بصوابه دلائل العبرة.
الصراط المستقيم ما باين الحظوظ سالكه، و فارق «3» الحقوق قاصده. الصراط المستقيم ما يفضى بسالكه إلى ساحة التوحيد، و يشهد صاحبه أثر العناية و الجود، لئلا يظنّه موجب (ببذل) «4» المجهود.
(1) وردت (ساكنة) و الأصح بالميم فقد جاءت كذلك فى مواضع كثيرة أخرى.
(2) وردت خطأ (لنصتضىء).
(3) وردت (و فارن) فى ص، و الأصح أن تكون بالقاف؛ فالحظوط للعبد و الحقوق للحق.
(4) وردت (بذل) بدون باء و الأقوى فى رأينا أن تكون بالباء و أن نقرأ موجب بفتح الجيم أي مستحق، و بذلك يتضح موقف القشيري من قضية هامة و هى؛ هل يجب على اللّه أن يثيب المطيع؟ و لا يرى القشيري هذا الوجوب لأنه يربط كل عمل للعبد بالعناية الإلهية لا بالمجهود الإنسانى. و قد صدق الرسول (ص) حين قال: «ما منكم من أحد ينجيه عمله، قالوا: و لا أنت يا رسول اللّه؟ قال: و لا أنا، إلا أن يتغمدنى اللّه برحمته».
لطائف الاشارات، ج1، ص: 51
قوله جل ذكره:
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
يعنى طريق من أنعمت عليهم بالهداية إلى الصراط المستقيم، و هم الأولياء و الأصفياء.
و يقال طريق من (أفنيتهم) «1» عنهم، و أقمتهم بك لك، حتى لم يقفوا فى الطريق، و لم تصدهم عنك خفايا المكر. و يقال صراط من أنعمت عليهم بالقيام بحقوقك دون التعريج على استجلاب حظوظهم.
و يقال صراط من (طهرتهم) «2» عن آثارهم حتى وصلوا إليك بك.
و يقال صراط من أنعمت عليهم حتى تحرروا من مكائد الشيطان، و مغاليط «3» النفوس و مخاييل الظنون، و حسبانات الوصول قبل خمود آثار البشر (ية).
و يقال صراط من أنعمت عليهم بالنظر و الاستعانة بك، و التبري من الحول و القوة، و شهود ما سبق لهم من السعادة فى سابق الاختيار، و العلم بتوحيدك فيما تمضيه من المسار و المضار.
و يقال صراط الذين أنعمت عليهم بحفظ الأدب فى أوقات الخدمة، و استشعار نعت الهيبة.
و يقال صراط الذين أنعمت عليهم بأن حفظت عليهم آداب الشريعة و أحكامها عند غلبات (بواده) «4» الحقائق حتى لم يخرجوا عن حد العلم، و لم يخلّوا بشىء من أحكام الشريعة.
و يقال صراط الذين أنعمت عليهم حتى لم تطفئ شموس معارفهم أنوار ورعهم و لم يضيّعوا شيئا من أحكام الشرع «5» .
و يقال صراط الذين أنعمت عليهم بالعبودية عند ظهور سلطان الحقيقة.
قوله جلّ ذكره: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ
(1) وردت (أقنتهم) فى ص.
(2) وردت (ظهرتهم) فى ص.
(3) وردت (مغاليظ) فى ص.
(4) وردت (بواد).
(5) نلاحظ أن القشيري يلح كثيرا على التزام آداب الشريعة مهما غلبت على العبد سطوة الانمحاء، و استلبه سلطان الفناء، و يحسن هنا أن نشير إلى اصطلاح فى مذهب القشيري و هو الفرق الثاني و هى حالة عزيزة يرد عندها العبد إلى الصحو لكى يؤدى ما يجب عليه من الفرائض فى أوقاتها، و يكون رجوعه للّه باللّه (انظر الرسالة القشيرية ص 39).
لطائف الاشارات، ج1، ص: 52
المغضوب عليهم الذين صدمتهم هواجم الخذلان «1» ، و أدركتهم مصائب الحرمان، و ركبتهم سطوة الرد، و غلبتهم بواده الصد و الطرد.
و يقال هم الذين لحقهم ذل الهوان، و أصابهم «2» سوء الخسران، فشغلوا فى الحال باجتلاب الحظوظ- و هو فى التحقيق (شقاء)؛ إذ يحسبون أنهم على شىء، و للحق فى شقائهم سر.
و يقال هم الذين أنسوا بنفحات التقريب زمانا ثم أظهر الحق سبحانه فى بابهم شانا؛ بدّلوا بالوصول بعادا، و طمعوا فى القرب فلم يجدوا مرادا، أولئك الذين ضلّ سعيهم، و خاب ظنهم.
و يقال غير المغضوب عليهم بنسيان التوفيق، و التعامي عن رؤية التأييد. و لا الضالين عن شهود سابق الاختيار، و جريان التصاريف و الأقدار.
و يقال غير المغضوب عليهم بتضييعهم آداب الخدمة، و تقصيرهم فى أداء شروط الطاعة.
و يقال غير المغضوب عليهم هم الذين تقطعوا فى مفاوز الغيبة، و تفرّقت بهم الهموم في أودية وجوه الحسبان.
[فصل] و يقول العبد عند قراءة هذه السورة آمين، و التأمين سنّة، و معناه يا رب افعل و استجب، و كأنه يستدعى بهذه القالة التوفيق للأعمال، و التحقيق للآمال، و تحط رجله بساحات الافتقار، و يناجى حضرة الكرم بلسان الابتهال، و يتوسل (بتبريه) «3» عن الحول و الطاقة و المنّة و الاستطاعة إلى حضرة الجود. و إن أقوى وسيلة للفقير تعلقه بدوام الاستعانة لتحققه بصدق الاستغاثة.
السورة التي تذكر فيها البقرة
قوله تعالى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الاسم مشتق من السمو و السّمة، فسبيل من يذكر هذا الاسم أن يتسم بظاهره بأنواع المجاهدات، و يسمو بهمته إلى محالّ المشاهدات. فمن عدم سمة المعاملات على ظاهرة، و فقد
(1) يقول القشيري في الرسالة (و منهم من تغيرهم البواده و تصرفه الهواجم، و منهم من يكون فوق ما يفجؤه حالا و وقتا .. أولئك هم سادات الوقت) ص 44.
(2) وردت (أحبابهم).