کتابخانه تفاسیر
مجمع البيان فى تفسير القرآن
الجزء الأول
الجزء الثاني
الجزء الثالث
الجزء الرابع
الجزء الخامس
(9) سورة التوبة مدنية و آياتها تسع و عشرون و مائة(129)
الجزء السادس
الجزء السابع
الجزء الثامن
الجزء التاسع
الجزء العاشر
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 600
عن سنن العدل و الإنصاف.
[سورة الأنعام (6): آية 159]
القراءة
قرأ حمزة و الكسائي هاهنا و في الروم فارقوا بالألف و هو المروي عن علي ع
و الباقون «فَرَّقُوا» بالتشديد.
الحجة
قال أبو علي من قرأ فرقوا فتقديره يؤمنون ببعض و يكفرون ببعض كما قال أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ و قال وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ وَ يَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَ نَكْفُرُ بِبَعْضٍ و من قرأ فارقوا دينهم فالمعنى باينوه و خرجوا عنه و هو يؤول إلى معنى فرقوا أ لا ترى أنهم لما آمنوا ببعضه و كفروا ببعضه فارقوه كله فخرجوا عنه و لم يتبعوه.
اللغة
الشيع الفرق التي يمالئ بعضهم بعضا على أمر واحد مع اختلافهم في غيره و قيل إن أصله من الظهور يقال شاع الخبر يشيع شيوعا ظهر و شيعت النار إذا ألقيت عليها الحطب فكأنك تظهرها و قال الزجاج أصله الاتباع يقال شاعكم السلام و أشاعكم السلام أي تبعكم السلام قال:
ألا يا نخلة من ذات عرق
برود الظل شاعكم السلام
و يقول آتيك غدا أو شيعة أي أو اليوم الذي تتبعه فمعنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضا قال الكميت:
و ما لي إلا آل أحمد شيعة
و ما لي إلا مشعب الحق مشعب
. المعنى
ثم عطف سبحانه على ما قدمه من الوعيد فقال «إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً» اختلف في المعنيين بهذه الآية على أقوال (أحدها) أنهم الكفار و أصناف المشركين عن السدي و الحسن و نسختها آية السيف (و ثانيها) أنهم اليهود و النصارى لأنهم يكفر بعضهم بعضا عن قتادة (و ثالثها)
أنهم أهل الضلالة و أصحاب الشبهات و البدع من هذه
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 601
الأمة رواه أبو هريرة و عائشة مرفوعا و هو المروي عن الباقر (ع)
جعلوا دين الله أديانا لإكفار بعضهم بعضا و صاروا أحزابا و فرقا «لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ» هذا خطاب للنبي ص و إعلام له أنه ليس منهم في شيء و أنه على المباعدة التامة من أن يجتمع معهم في معنى من مذاهبهم الفاسدة و ليس كذلك بعضهم مع بعض لأنهم يجتمعون في معنى من المعاني الباطلة و إن افترقوا في غيره فليس منهم في شيء لأنه بريء من جميعه و قيل إن معناه لست من مخالطتهم في شيء و إنما هو نهي النبي من مقاربتهم و أمر له بمباعدتهم عن قتادة و قيل معناه لست من قتالهم في شيء ثم نسختها آية القتال عن الكلبي و الحسن «إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ» في مجازاتهم على سوء أفعالهم و قيل أمرهم في الإنظار و الاستئصال إلى الله و قيل الحكم بينهم في اختلافهم إلى الله «ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ» أي يخبرهم و يجازيهم «بِما كانُوا يَفْعَلُونَ» يوم القيامة فيظهر المحق من المبطل.
[سورة الأنعام (6): آية 160]
القراءة
قرأ يعقوب عشر منون أمثالها برفع اللام و هو قراءة الحسن و سعيد بن جبير و الباقون «عَشْرُ» مضاف «أَمْثالِها» مجرور.
الحجة
من قرأ عشر أمثالها فالمعنى له عشر حسنات أمثالها فيكون أمثالها صفة للموصوف الذي أضيف إليه عشر و من قرأ عشر أمثالها فيكون أمثالها صفة لعشر هذا قول الزجاج و حذف الموصوف و إقامة الصفة مقامه ضعيف عند المحققين و أكثر ما يأتي ذلك في الشعر و الأولى أن يكون أمثالها غير صفة في قوله «عَشْرُ أَمْثالِها» بل يكون محمولا على المعنى فأنث الأمثال لما كان في معنى الحسنات و حكي عن أبي عمرو أنه سمع أعرابيا يقول فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها قال فقلت له أ تقول جاءته كتابي قال نعم أ ليس بصحيفة.
اللغة
الحسنة اسم للأعلى في الحسن و دخول الهاء للمبالغة قال علي بن عيسى دخول الهاء يدل على أنها طاعة أما واجب أو ندب و ليس كل حسن كذلك لأن في الحسن ما هو مباح لا يستحق عليه مدح و لا ثواب و أقوى من ذلك أن يقال دخول لام التعريف فيها يدل على أنها المأمور بها لأنها لام العهد و الله سبحانه لا يأمر بالمباح.
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 602
المعنى
لما ذكر سبحانه الوعيد على المعاصي عقبه بذكر الوعد و تضعيف الجزاء في الطاعات فقال «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» أي من جاء بالخصلة الواحدة من خصال الطاعة فله عشر أمثالها من الثواب «وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ» أي بالخصلة الواحدة من خصال الشر «فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها» و ذلك من عظيم فضل الله تعالى و جزيل إنعامه على عباده حيث لا يقتصر في الثواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه و ربما يعفو عن ذنوب المؤمن منا منه عليه و تفضلا و إن عاقب على قدر الاستحقاق عدلا و قيل المراد بالحسنة التوحيد و بالسيئة الشرك عن الحسن و أكثر المفسرين و على هذا فإن أصل الحسنات التوحيد و أسوء السيئات الكفر «وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» بالزيادة على مقدار ما استحقوا من العقاب ثم اختلف الناس في أن هذه الحسنات العشر التي وعدها الله من جاء بالحسنة هل يكون كلها ثوابا أم لا فقال بعضهم لا يكون كلها ثوابا و إنما يكون الثواب منها الواحدة و التسع الزائدة تكون تفضلا و يؤيده قوله «لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ» فيكون على هذا معنى عشر أمثالها في النعيم و اللذة لا في عظيم المنزلة و يجوز أن يكون التفضل مثل الثواب في الكثرة و اللذة و أن يميز منه الثواب بمقارنة التعظيم و الإجلال اللذين لولاهما لما حسن التكليف و هذا هو الصحيح و قال قوم لا يجوز أن يساوي الثواب و التفضل على وجه فيكون على قولهم كل ذلك ثوابا قال الزجاج إن المجازاة من الله عز و جل على الحسنة بدخول الجنة شيء لا يبلغ وصف مقداره فإذا قال عَشْرُ أَمْثالِها و قال كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ و قال فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً فالمعنى في هذا كله أن جزاء الله سبحانه على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقدير في النفوس فيضاعف الله سبحانه ذلك بما بين عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة و قد قيل أيضا في ذلك أن المعنى من جاء بالحسنة فله عشر أمثال المستحق عليها و المستحق لا يعلم مقداره إلا الله تعالى و ليس المراد أمثال ذلك في العدد و هذا كما يقول الإنسان لأجيره لك من الأجر مثل ما عملت أي مثل ما تستحقه بعملك و
قد وردت الرواية عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال حدثني الصادق المصدق إن الله تعالى قال الحسنة عشر أو أزيد و السيئة واحدة أو أغفر فالويل لمن غلبت آحاده أعشاره.
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 603
[سورة الأنعام (6): الآيات 161 الى 163]
القراءة
قرأ ابن عامر و أهل الكوفة «قِيَماً» مكسورة القاف خفيفة الياء و الباقون قيما مفتوحة القاف مشددة الياء و قرأ أهل المدينة محياي ساكنة الياء و مماتي بفتحها و الباقون «مَحْيايَ» بفتح الياء و «مَماتِي» ساكنة الياء.
الحجة
من قرأ قيما فالقيم هو المستقيم فيكون وصفا للدين كما أن التقدير في قوله دِينُ الْقَيِّمَةِ دين الملة القيمة لأن الملة هي مثل الدين و من قرأ قيما فإنه مصدر كالصغر و الكبر إلا أنه لم يصحح كما صحح حول و عوض و كان القياس و لكنه شذ كما شذ نحو ثيرة في جمع ثور و جياد في جمع جواد و كان القياس الواو و قال الزجاج إنما اعتل قيم لأنه من قام فلما اعتل قام اعتل قيم لأنه جرى عليه و أما حول فإنه جار على غير فعل و أما إسكان الياء في محياي فإنه شاذ عن القياس و الاستعمال فإن الساكنين لا يلتقيان على هذا الحد و إذا كان ما قبلها متحركا نحو و مماتي فالفتح جائز و الإسكان جائز قال أبو علي و الوجه في محياي بسكون الياء مع شذوذه ما حكى عن بعض البغداديين أنه سمع التقت حلقتا البطان بإسكان الألف مع سكون لام المعرفة و مثل هذا ما جوزه يونس في قوله أضربان زيد و أضربنان زيدا و سيبويه ينكر هذا من قول يونس و قال علي بن عيسى و لو وصله على نية الوقف جاز كما فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فإنما هذه الهاء في الوقف كما تسكن تلك الياء في الوقف.
اللغة
الملة الشريعة مأخوذة من الإملاء كأنه ما يأتي به الشرع و يورده الرسول من الشرائع المتجددة فيمله على أمته ليكتب أو يحفظ فأما التوحيد و العدل فواجبان بالعقل و لا يكون فيهما اختلاف و الشرائع تختلف و لهذا يجوز أن يقال ديني دين الملائكة و لا يقال ملتي ملة الملائكة فكل ملة دين و ليس كل دين ملة و النسك العبادة و رجل ناسك و منه النسيكة الذبيحة و المنسك الموضع الذي تذبح فيه النسائك قال الزجاج فالنسك كل ما تقرب به إلى الله تعالى إلا أن الغالب عليه أمر الذبح و قول الناس فلان ناسك ليس يراد به ذبح إنما يراد به أنه يؤدي المناسك أي يؤدي ما افترض عليه مما يتقرب به إلى الله.
الإعراب
دينا قال أبو علي يحتمل نصبه ثلاثة أضرب أحدها أنه لما قال هداني ربي إلى صراط مستقيم استغنى بجري ذكر الفعل عن ذكره ثانيا فقال دينا قيما كما قال اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ و إن شئت نصبته على اعرفوا
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 604
لأن هدايتهم إليه تعريف لهم فحمله على اعرفوا دينا قيما و إن شئت حملته على الاتباع كأنه قال اتبعوا دينا قيما و الزموه كما قال اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ قال الزجاج ملة إبراهيم بدل من دينا قيما و حنيفا منصوب على الحال من إبراهيم و المعنى هداني و عرفني ملة إبراهيم في حال حنيفية.
المعنى
ثم أمر الله نبيه ص فقال «قُلْ» يا محمد لهؤلاء الكفار و للخلق جميعا «إِنَّنِي هَدانِي» أي دلني و أرشدني «رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» و قيل أراد لطف لي ربي في الاهتداء و وفقني لذلك و قد بينا معنى الصراط المستقيم في سورة الحمد «دِيناً قِيَماً» أي مستقيما على نهاية الاستقامة و قيل دائما لا ينسخ «مِلَّةَ إِبْراهِيمَ» و إنما وصف دين النبي بأنه ملة إبراهيم ترغيبا فيه للعرب لجلالة إبراهيم في نفوسها و نفوس كل أهل الأديان و لانتساب العرب إليه و اتفاقهم على أنه كان على الحق «حَنِيفاً» أي مخلصا في العبادة لله عن الحسن و قيل مائلا إلى الإسلام ميلا لازما لا رجوع معه من قولهم رجل أحنف إذا كان مائل القدم من خلقة عن الزجاج و قيل مستقيما و إنما جاء أحنف على التفاؤل عن الجبائي «وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ» يعني إبراهيم كان يدعو إلى عبادة الله و ينهى عن عبادة الأصنام «قُلْ إِنَّ صَلاتِي» قد فسرنا معنى الصلاة فيما تقدم «وَ نُسُكِي» أي ذبيحتي للحج و العمرة عن سعيد بن جبير و مجاهد و قتادة و السدي و قيل نسكي ديني عن الحسن و قيل عبادتي عن الجبائي و الزجاج و إنما ضم الصلاة إلى أصل الواجبات من التوحيد و العدل لأن فيها التعظيم لله عند التكبير و فيها تلاوة القرآن الذي يدعو إلى كل بر و فيها الركوع و السجود و فيها الخضوع لله تعالى و التسبيح الذي هو التنزيه له «وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي» أي حياتي و موتي «لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» و إنما جمع بين صلاته و حياته و أحدهما من فعله و الآخر من فعل الله لأنهما جميعا بتدبير الله و قيل معناه صلاتي و نسكي له عبادة و حياتي و مماتي له ملكا و قدرة عن القاضي و قيل إن عبادتي له لأنها بهدايته و لطفه و محياي و مماتي له لأنه بتدبيره و خلقه و قيل معنى قوله «وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ» أن الأعمال الصالحة التي تتعلق بالحياة في فنون الطاعات و ما يتعلق بالممات من الوصية و الختم بالخيرات لله و فيه تنبيه على أنه لا ينبغي أن يجعل الإنسان حياته لشهوته و مماته لورثته «لا شَرِيكَ لَهُ» أي لا ثاني له في الإلهية و قيل لا شريك له في العبادة و في الإحياء و الإماتة «وَ بِذلِكَ أُمِرْتُ» أي و بهذا أمرني ربي «وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» من هذه الأمة فإن إبراهيم كان أول المسلمين و من بعده تابع له في الإسلام عن الحسن و قتادة و فيه بيان
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 605
فضل الإسلام و بيان وجوب اتباعه على الإسلام إذ كان ص أول من سارع إليه و لأنه إنما أمر بذلك ليتأسى به و يقتدي بفعله.
[سورة الأنعام (6): الآيات 164 الى 165]
اللغة
الرب إذا أطلق أفاد المالك بتصريف الشيء بأتم التصريف و إذا أضيف فقيل رب الدار و رب الضيعة فمعناه المالك لتصريفه بأتم تصريف العباد و أصله التربية و هي تنشئة الشيء حالا بعد حال حتى يصير إلى الكمال و الفرق بين الرب و السيد أن السيد المالك لتدبير السواد الأعظم و الرب المالك لتدبير الشيء حتى يصير إلى الكمال مع إجرائه على تلك الحال و يقال وزر يزر وزرا و وزر يوزر فهو موزور و أصله من الوزر الذي هو الملجأ فحال الموزور كحال الملتجئ إلى غير ملجأ و منه الوزير لأن الملك يلتجئ إليه في الأمور و قيل إن أصله الثقل و منه قوله وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ و كلاهما محتمل و واحد الخلائف خليفة مثل صحيفة و صحائف و سفينة و سفائن و خلف فلان فلانا يخلفه فهو خليفته إذا جاء بعده.
الإعراب
في نصب درجات ثلاثة أقوال (أحدها) أن يقع موقع المصدر فكأنه قال رفعة بعد رفعة (و الثاني) أنه إلى درجات فحذفت إلى كما حذفته في قولك دخلت البيت و تقديره إلى البيت (و الثالث) أن يكون مفعولا من قولك ارتفع درجة و رفعته درجة مثل اكتسى ثوبا و كسوته ثوبا.
المعنى
لما أمر سبحانه نبيه ص ببيان الإخلاص في الدين عقبه بأمره أن يبين لهم بطلان أفعال المشركين فقال «قُلْ» يا محمد لهؤلاء الكفار على وجه الإنكار «أَ غَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي
مجمع البيان فى تفسير القرآن، ج4، ص: 606