کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مختصر الميزان فى تفسير القرآن

المجلد الاول

بحث حول الأساليب التفسيرية المختلفة الأسلوب التفسيري الصحيح الميزان في تفسير القرآن مختصر الميزان في تفسير القرآن مميزات هذا الكتاب مقدمة الميزان في تفسير القرآن

سورة البقرة و هي مأتان و ست و ثمانون آية

سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية

سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية

المجلد الثانى

سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية

سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية

المجلد الثالث

الجزء الرابع

المجلد الخامس

الجزء السادس

مختصر الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 166

شطر المسجد الحرام دون ان يقال: فول وجهك الكعبة، أو يقال: فول وجهك البيت الحرام، محاذاة للحكم في القبلة السابقة، فانها كانت شطر المسجد الأقصى، و هي الصخرة المعروفة هناك، فبدلت من شطر المسجد الحرام- و هي الكعبة- على ان اضافة الشطر الى المسجد، و توصيف المسجد بالحرام يعطي مزايا للحكم، تفوت لو قيل: الكعبة أو البيت الحرام.

و تخصيص رسول اللّه بالحكم أولا بقوله فول وجهك، ثم تعميم الحكم له و لغيره من المؤمنين بقوله و حيث ما كنتم يؤيد ان القبلة حولت، و رسول اللّه قائم يصلي في المسجد- و المسلمون معه- فاختص الامر به، أولا في شخص صلوته ثم عقب الحكم العام الشامل له و لغيره، و لجميع الأوقات و الأمكنة.

قوله تعالى: وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ‏ ، و ذلك لاشتمال كتابهم على صدق نبوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، أو كون قبلة هذا النبي الصادق هو شطر المسجد الحرام، و اياما كان فقوله: أُوتُوا الْكِتابَ‏ ، يدل على اشتمال كتابهم على حقية هذا التشريع، اما مطابقة أو تضمنا، و ما اللّه بغافل عما يعملون من كتمان الحق، و احتكار ما عندهم من العلم.

قوله تعالى: وَ لَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ، تقريع لهم بالعناد و اللجاج، و ان ابائهم عن القبول ليس لخفاء الحق عليهم، و عدم تبينه لهم، فانهم عالمون بأنه حق علما لا يخالطه شك، بل الباعث لهم على بث الاعتراض و إثارة الفتنة عنادهم في الدين و جحودهم للحق، فلا ينبغهم حجة، و لا يقطع إنكارهم آية، فلو أتيتهم بكل آية ما تبعوا قبلتك لعنادهم و جحودهم، و ما أنت بتابع قبلتهم، لانك على بينة من ربك، و يمكن أن يكون قوله: و ما أنت نهيا في صورة خبر، و ما بعضهم بتابع قبلة بعض، و هم اليهود يستقبلون صخرة بيت المقدس أينما كانوا، و النصارى يستقبلون المشرق أينما كانوا، فلا هذا البعض يقبل قبلة ذاك البعض، و لا ذاك يقبل قبلة هذا اتباعا للهوى.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 167

قوله تعالى: وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ‏ ، تهديد للنبي، و المعنى متوجه الى امته، و إشارة الى انهم في هذا التمرد إنما يتبعون أهوائهم و انهم بذلك ظالمون.

قوله تعالى: الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ‏ ، الضمير في قوله يعرفونه، راجع الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم دون الكتاب، و الدليل عليه تشبيه هذه المعرفة بمعرفة الابناء، فان ذلك إنما يحسن في الانسان، و لا يقال في الكتاب، ان فلانا يعرفه أو يعلمه، كما يعرف ابنه، على ان سياق الكلام- و هو في رسول اللّه، و ما اوحي اليه من أمر القبلة، اجنبي عن موضوع الكتاب الذي اوتيه أهل الكتاب، فالمعنى ان أهل الكتاب يعرفون رسول اللّه بما عندهم من بشارات الكتب كما يعرفون أبنائهم، و ان فريقا منهم ليكتمون الحق و هم يعلمون.

و عليهذا ففي الكلام التفات من الحضور الى الغيبة في قوله يعرفونه، فقد أخذ رسول اللّه غائبا، و وجه الخطاب الى المؤمنين بعد ما كان صلّى اللّه عليه و آله و سلّم حاضرا، و الخطاب معه، و ذلك لتوضيح: ان امره صلّى اللّه عليه و آله و سلّم واضح ظاهر عند أهل الكتاب، و مثل هذا النظم كمثل كلام من يكلم جماعة لكنه يخص واحدا منهم بالمخاطبة إظهارا لفضله، فيخاطبه و يسمع غيره، فاذا بلغ الى ما يخص شخص المخاطب من الفضل و الكرامة، عدل عن خطابه الى مخاطبة الجماعة، ثم بعد الفراغ عن بيان فضله عدل ثانيا الى ما كان فيه أولا من توجيه الخطاب إليه و بهذا يظهر نكتة الالتفات.

قوله تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ‏ ، تأكيد للبيان السابق و تشديد في النهى عن الامتراء، و هو الشك و الارتياب، و ظاهر الخطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و معناه للامة.

قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ‏ ، الوجهة ما يتوجه‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 168

إليه كالقبلة، و هذا رجوع الى تلخيص البيان السابق، و تبديل له من بيان آخر يهدي الناس الى ترك تعقيب أمر القبلة، و الاكثار من الكلام فيه، و المعنى ان كل قوم فلهم قبلة مشرعة على حسب ما يقتضيه مصالحهم و ليس حكما تكوينيا ذاتيا لا يقبل التغيير و التحويل، فلا يهم لكم البحث و المشاجرة فيه، فاتركوا ذلك و استبقوا الخيرات و سارعوا اليها بالاستباق، فان اللّه سيجمعكم الى يوم لا ريب فيه، و أينما تكونوا يأت بكم اللّه جميعا ان اللّه على كل شي‏ء قدير.

و اعلم ان الآية كما انها قابلة الانطباق على أمر القبلة لوقوعها بين آياتها كذلك تقبل الانطباق على أمر التكوين، و فيها اشارة الى القدر و القضاء، و جعل الاحكام و الاداب لتحقيقها و سيجي‏ء تمام بيانه فيما يخص به من المقام إنشاء اللّه.

قوله تعالى: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ‏ ، ذكر بعض المفسّرين أنّ المعنى و من أيّ مكان خرجت، و في أيّ بقعة حللت فولّ وجهك و ذكر بعضم أنّ المعنى و من حيث خرجت من البلاد، و يمكن أن يكون المراد بقوله و من حيث خرجت؛ مكة، التي خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم منها كما قال تعالى: مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ‏ (محمد/ 3)، و يكون المعنى أنّ استقبال البيت حكم ثابت لك في مكة و غيرها من البلاد و البقاع، و في قوله و أنه للحق من ربك و ما اللّه بغافل عما تعملون تأكيد و تشديد.

قوله تعالى: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ‏ ، تكرار الجملة الاولى بلفظها لعله للدلالة على ثبوت حكمها على أي حال، فهو كقول القائل، اتق اللّه اذا قمت و اتق اللّه اذا قعدت، و اتق اللّه اذا نطقت، و اتق اللّه اذا سكت، يريد: التزم التقوى عند كل واحدة من هذه الأحوال و لتكن معك، و لو قيل اتق اللّه اذا قمت و اذا قعدت و اذا نطقت و اذا سكت فاتت هذه النكتة، و المعنى استقبل شطر المسجد الحرام من التي خرجت منها و حيث ما كنتم من الأرض فولّوا

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 169

وجوهكم شطره.

قوله تعالى: لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَ اخْشَوْنِي‏ ، بيان لفوائد ثلاث في هذا الحكم الذي فيه أشد التأكيد على ملازمة الامتثال و التحذّر عن الخلاف:

احديها: أن اليهود كانوا يعلمون من كتبهم أن النبيّ الموعود تكون قبلته الكعبة دون بيت المقدس، كما قال تعالى: و إن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم، الآية، و في ترك هذا الحكم الحجة لليهود على المسلمين بأن النبي ليس هو النبي الموعود لكن التزام هذا الحكم و العمل به يقطع حجتهم إلا الذين ظلموا منهم، و هو استثناء منقطع، أي لكن الذين ظلموا منهم باتّباع الأهواء لا ينقطعون بذلك فلا تخشوهم لأنهم ظالمون باتّباع الأهواء، و اللّه لا يهدي القوم الظالمين و اخشوني.

و ثانيتها: أن ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين الى تمام النعمة عليهم بكمال دينهم، و سنبيّن معنى تمام النعمة في الكلام على قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي‏ (المائدة/ 4).

و ثالثتها: رجاء الاهتداء الى الصراط المستقيم، و قد مرّ معنى الاهتداء في الكلام على معنى قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ (فاتحة الكتاب/ 6) «1» «2» .

قوله تعالى: كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ‏ ، ظاهر الآية أن الكاف للتشبيه و ما مصدرية، فالمعنى: أنعمنا عليكم بأن جعلنا لكم البيت الذي بناه إبراهيم، و دعا له بما دعا من الخيرات و البركات قبلة. كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا و يعلمكم الكتاب‏

(1). البقرة 142- 151: بحث حول «اتمام النعمة».

(2). البقرة 142- 151: بحث روائي حول تغيير القبلة من بيت المقدس الى مكة؛ الآية «لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» ؛ الامّة الاسلامية؛ القول و العمل و الايمان.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 170

و الحكمة و يزكيكم مستجيبين لدعوة إبراهيم، اذ قال هو و ابنه إسماعيل ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكّيهم، و فيهم امتنان عليهم بالإرسال كالامتنان يجعل الكعبة قبلة، و من هنا يظهر أن المخاطب بقوله فيكم رسولا منكم، هو الأمة المسلمة، و هو أولياء الدين من الامة خاصة بحسب الحقيقة، و المسلمون جميعا من آل إسمعيل- و هم عرب مضر- بحسب الظاهر، و جميع العرب بل جميع المسلمين بحسب الحكم.

قوله تعالى: يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا ، ظاهره آيات القرآن لمكان قوله يتلو، فإن العناية في التلاوة الى اللفظ دون المعنى، و التزكية هي التطهير، و هو إزالة الأدناس و القذرات، فيشمل إزالة الاعتقادات الفاسدة كالشرك و الكفر، و إزالة الملكات الرذيلة من الأخلاق كالكبر و الشحّ، و إزالة الأعمال و الأفعال الشنيعة كالقتل و الزنا و شرب الخمر و تعليم الكتاب و الحكمة، و تعليم ما لم يكونوا يعلمونه يشمل جميع المعارف الأصلية و الفرعية «1» «2» .

[سورة البقرة (2): آية 152]

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ (152)

بيان:

لما امتن اللّه تعالى على النبي و المسلمين، بإرسال النبي الكريم منهم إليهم نعمة لا تقدر بقدر

(1). البقرة 142- 151: بحث علمي حول القبلة؛ الجداول الموضوعة في الزيجات لبيان عرض البلاد و طولها؛ الاشتباه المتقدمين في تشخيص الطول و العرض كرامة باهرة للنبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في محرابه المحفوظ في مسجد بالمدينة؛ استخراج قبلة بقاع الارض.

(2). البقرة 142- 151: بحث اجتماعي في الطبيعة الانسانية و دورها في تشكيل المجتمع الانساني؛ التوجه العبادي الى اللّه سبحانه؛ آثار استقبال القبلة بالنظر الى الفرد و الى المجتمع.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 171

و منحة على منحة- و هو ذكر منه لهم- اذ لم ينسهم في هدايتهم الى مستقيم الصراط، و سوقهم الى أقصى الكمال، و زيادة على ذلك، و هو جعل القبلة، الذي فيه كمال دينهم، و توحيد عبادتهم، و تقويم فضيلتهم الدينية و الاجتماعية فرّع على ذلك دعوتهم الى ذكره و شكره، ليذكرهم بنعمته على ذكرهم إياه بعبوديته و طاعته، و يزيدهم على شكرهم لنعمته و عدم كفرانهم، و قد قال تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ عَسى‏ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (الكهف/ 24). و قال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ‏ (إبراهيم/ 7)، و الآيتان جميعا نازلتان قبل آيات القبلة من سورة البقرة.

ثم إن الذكر ربما قابل الغفلة كقوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا (الكهف/ 28). و هي انتفاء العلم بالعلم، مع وجود أصل العلم، فالذكر خلافه، و هو العلم بالعلم، و ربما قابل النسيان و هو زوال صورة العلم عن خزانة الذهن، فالذكر خلافه، و منه قوله تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ‏ الآية؛ و هو حينئذ كالنسيان معنى ذو آثار و خواص تتفرع عليه، و لذلك ربما أطلق الذكر كالنسيان في موارد تتحقق في آثارهما و إن لم تتحقق أنفسهما، فإنك اذا لم تنصر صديقك- و أنت تعلم حاجته الى نصرك فقد نسيته، و الحال أنك تذكره، و كذلك الذكر.

و الظاهر أن إطلاق الذكر على اللفظي من هذا القبيل، فإن التكلم عن الشي‏ء من آثار ذكره قلبا، قال تعالى: قُلْ سَأَتْلُوا عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً (الكهف/ 83). و نظائره كثيرة، و لو كان الذكر اللفظي أيضا ذكرا حقيقة فهو من مراتب الذكر، لأنه مقصور عليه و منحصر فيه، و بالجملة: الذكر له مراتب كما قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ‏ (الرعد/ 28)، و قال: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ‏ (الأعراف/ 205)، و قال تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة/ 200)، فالشدة إنما يتصف به المعنى دون اللفظ، و قال تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَ قُلْ‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏1، ص: 172

عَسى‏ أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً (الكهف/ 24)، و ذيل هذه الآية تدل على الأمر برجاء ما هو أعلى منزلة مما هو فيه، فيؤل المعنى الى أنك اذا تنزلت من مرتبة من ذكره الى مرتبة هي دونها، و هو النسيان، فاذكر ربك و ارج بذلك ما هو أقرب طريقا و أعلى منزلة، فينتج أن الذكر القلبي ذو مراتب في نفسه، و بذلك يتبين صحة قول القائل: إن الذكر حضور المعنى عند النفس، فان الحضور ذو مراتب.

و لو كان لقوله تعالى: فَاذْكُرُونِي‏ - و هو فعل متعلق بياء المتكلم حقيقة من دون تجوز أفاد ذلك، أن للانسان سنخا آخر من العلم غير هذا العلم المعهود عندنا الذي هو حصول صورة المعلوم و مفهومه عند العالم، اذ كلما فرض من هذا القبيل فهو تحديد و توصيف للمعلوم من العالم، و قد تقدست ساحته سبحانه عن توصيف الواصفين، قال تعالى‏ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ‏ (الصافات/ 160)، و قال: وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (طه/ 110)، و سيجي‏ء بعض ما يتعلق بالمقام في الكلام على الآيتين إنشاء اللّه.

[سورة البقرة (2): الآيات 153 الى 157]

صفحه بعد