کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

مختصر الميزان فى تفسير القرآن

المجلد الاول

بحث حول الأساليب التفسيرية المختلفة الأسلوب التفسيري الصحيح الميزان في تفسير القرآن مختصر الميزان في تفسير القرآن مميزات هذا الكتاب مقدمة الميزان في تفسير القرآن

سورة البقرة و هي مأتان و ست و ثمانون آية

سورة آل عمران مدنية و هي مائتا آية

سورة النساء مدنية و هي مائة و ست و سبعون آية

المجلد الثانى

سورة المائدة مدنية و هي مائة و عشرون آية

سورة الأعراف مكية و هي مائتا و ستة آية

المجلد الثالث

الجزء الرابع

المجلد الخامس

الجزء السادس

مختصر الميزان فى تفسير القرآن


صفحه قبل

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 451

دون اللّه إلها آخر أو يركن إلى غيره نوعا من الركون إنما يكفر بإثبات خصوصية وجود ذلك الشي‏ء للإله تعالى فنفيه إنما يتأتى بالتنزيه دون التحميد فافهمه.

و أما قوله: كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَ تَسْبِيحَهُ‏ فصلاته دعاؤه و الدعاء توجيه من الداعي للمدعو إلى حاجته ففيه دلالة على حاجة عند الداعي المدعو في غنى عنها فهو أقرب إلى الدلالة على التنزيه منه على الثناء و التحميد.

و منها: أن الآية تنسب التسبيح و العلم به إلى من في السماوات و الأرض فيعمّ المؤمن و الكافر، و يظهر بذلك أن هناك نورين: نور عام يعم الأشياء و المؤمن و الكافر فيه سواء، و إلى ذلك تشير آيات كآية الذر وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى‏ شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ‏ (الأعراف/ 172)، و قوله: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (ق/ 22) إلى غير ذلك، و نور خاص و هو الذي تذكره الآيات و يختص بأوليائه من المؤمنين.

فالنور الذي ينوّر تعالى به خلقه كالرحمة التي يرحمهم بها قسمان: عام و خاص و قد قال تعالى: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ (الأعراف/ 156)، و قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ‏ (الجاثية/ 30)، و قد جمع بينهما في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً (الحديد/ 28)، و ما ذكر فيه من النور هو النور على نور بحذاء الثاني من كفلي الرحمة.

و قوله: وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ‏ و من فعلهم تسبيحهم له سبحانه، و هذا التسبيح و إن كان في بعض المراحل هو نفس وجودهم لكن صدق اسم التسبيح يجوز أن يعدّ فعلا لهم بهذه العناية.

و في ذكر علمه تعالى بما يفعلون عقيب ذكر تسبيحهم ترغيب للمؤمنين و شكر لهم بأن ربهم يعلم ذلك و سيجزيهم جزاء حسنا، و إيذان بتمام الحجة على الكافرين، فإن من مراتب‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 452

علمه تعالى كتب الأعمال و الكتاب المبين التي تثبت فيها أعمالهم فيثبت فيها تسبيحهم بوجودهم ثم إنكارهم بألسنتهم.

قوله تعالى: وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ سياق الآية و قد وقعت بين قوله: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ» الخ؛ و هو احتجاج على شمول نوره العام لكل شي‏ء، و بين قوله: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي» الخ؛ و ما يتعقبه و هو احتجاج على اختصاص النور الخاص، يعطي أنها كالمتوسط بين القبيلين أعني بين الأمرين يحتج بها على كليهما، فملكه تعاى لكل شي‏ء و كونه مصيرا لها هو دليل على تعميمه نوره لعام و تخصيصه نوره الخاص يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

فقوله: «وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» يخص الملك و يقصره فيه تعالى فله أن يفعل ما يشاء و يحكم بما يريد لا يسأل عما يفعل و هم يسألون، و لازم قصر الملك فيه كونه هو المصير لكل شي‏ء، و إذ كان لا مليك إلا هو و اليه مرجع كل شي‏ء و مصيره فله أن يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد.

و من هنا يظهر أن المراد- و اللّه أعلم- بقوله: «وَ إِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ» مرجعيته تعالى في الامور دون المعاد نظير قوله: أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (الشورى/ 53).

قوله تعالى: أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ‏ إلى آخر الآية؛ الإزجاء هو الدفع، و الركام المتراكم بعضه على بعض، و الودق هو المطر، و الخلال جمع الخلل و هو الفرجة بين الشيئين.

و الخطاب للنبي صلّى اللّه عليه و اله و سلم بعنوان أنه سامع فيشمل كل سامع، و المعنى: ألم تر أنت و كل من يرى أن اللّه يدفع بالرياح سحابا متفرقا ثم يؤلف بينه ثم يجعله متراكما بعضه على بعض فترى المطر يخرج من خلله و فرجه فينزل على الأرض.

و قوله: وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 453

وَ يَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ السماء جهة العلو، و قوله:

«مِنْ جِبالٍ فِيها» بيان للسماء، و الجبال جمع جبل و هو معروف، و قوله: «مِنْ بَرَدٍ» بيان للجبال، و البرد قطعات الجمد النازل من السماء، و كونه جبالا فيها كناية عن كثرته و تراكمه، و السنا بالقصر الضوء.

و الكلام معطوف على قوله: «يُزْجِي» ، و المعنى: ألم تر أن اللّه ينزل من السماء من البرد المتراكم فيها كالجبال فيصيب به من يشاء فيفسد المزارع و البساتين و ربما قتل النفوس و المواشي و يصرفه عمن يشاء فلا يتضررون به يقرب ضوء برقه من أن يذهب بالأبصار.

و الآية- على ما يعطيه السياق- مسوقة لتعليل ما تقدم من اختصاصه المؤمنين بنوره، و المعنى: أن الأمر في ذلك الى مشيّته تعالى كما ترى أنه إذا شاء نزّل من السماء مطرا فيه منافع الناس لنفوسهم و مواشيهم و مزرعهم و بساتينهم، و إذا شاء نزّل بردا فيصيب به من يشاء و يصرفه عمن يشاء.

قوله تعالى: يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ بيان آخر لرجوع الأمر الى مشيّته تعالى فقط. و تقليب الليل و النهار تصريفهما بتبديل أحدها من الآخر، و معنى الآية ظاهر.

قوله تعالى: وَ اللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى‏ أَرْبَعٍ‏ بيان آخر لرجوع الأمر الى مشيّته تعالى محضا حيث يخلق كل دابة من ماء ثم تختلف حالهم في المشي فمنهم من يمشي على بطنه كالحيّات و الديدان، و منهم من يمشي على رجلين كالأناسي و الطيور و منهم من يمشي على أربع كالبهائم و السباع، و اقتصر سبحانه على هذه الأنواع الثلاثة- و فيهم غير ذلك- إيجازا لحصول الغرض بهذا المقدار.

و قوله: يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ تعليل لما تقدم من اختلاف الدواب، مع وحدة المادة

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 454

التي خلقت منها يبين أن الأمر الى مشية اللّه محضا فله أن يعمم فيضا من فيوضه على جميع خلقه كالنور العام و الرحمة العامة، و له أن يختص بفيض من فيوضه بعضا من خلقه دون بعض كالنور الخاص و الرحمة الخاصة.

و قوله: إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ تعليل لقوله: «يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ» فإن إطلاق القدرة على كل شي‏ء يستوجب أن لا يتوقف شي‏ء من الأشياء في كينونته على أمر وراء مشيته و إلا كانت قدرته عليه مشروطة بحصول ذلك الأمر و هذا خلف. و هذا باب من التوحيد دقيق سيتضح بعض الاتضاح إن شاء اللّه بما في البحث الآتي‏ «1» .

قوله تعالى: لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ يريد آية النور و ما يتلوها المبينة لصفة نوره تعالى و الصراط المستقيم سبيله التي لا سبيل للغضب و الضلال الى من اهتدى اليها كما قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ‏ (الحمد/ 7)، و قد تقدم الكلام فيه في تفسيره سورة الحمد.

و تذييل الآية بقوله: «وَ اللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» هو الموجب لعدم تقييد قوله: «لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ» بلفظة اليكم بخلاف قوله قبل آيات: «لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَ مَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ» .

إذ لو قيل: لقد أنزلنا اليكم آيات مبينات و اللّه يهدي. تبادر إلى الذهن أن البيان اللفظي هداية الى الصراط المستقيم و أن المخاطبين عامة مهديّون إلى الصراط المستقيم و فيهم المنافق و الذين في قلوبهم مرض و اللّه العالم‏ «2» .

(1). النور 35- 46: بحث فلسفي في الارتباط الوجودي بين كل شي‏ء و بين علله الممكنة.

(2). النور 35- 46: بحث روائي حول قوله تعالى: «اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ»؛ معنى النور.

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 455

[سورة النور (24): الآيات 47 الى 57]

وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَ إِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ رَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَخْشَ اللَّهَ وَ يَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (52) وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (53) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَ عَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَ إِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (55) وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ لَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57)

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 456

بيان:

قوله تعالى: وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏ الخ؛ بيان حال بعض المنافقين حيث أظهروا الإيمان و الطاعة أولا ثم تولوا ثانيا فالإيمان باللّه هو العقد على توحيده و ما شرع من الدين، و الإيمان بالرسول هو العقد على كونه رسولا مبعوثا من عند ربه أمره أمره و نهيه نهيه و حكمه حكمه من غير أن يكون له من الأمر شي‏ء، و طاعة اللّه هي تطبيق العمل بما شرعه، و طاعة الرسول الإيتمار و الإنتهاء عند أمره و نهيه و قبول ما حكم به و قضى عليه.

فالإيمان باللّه و طاعته موردهما نفس الدين و التشرّع به، و الإيمان بالرسول و طاعته موردهما ما أخبر به الرسول من الدين بما أنه يخبر به و ما حكم به و قضى عليه في المنازعات و الإنقياد له في ذلك كله.

فبين الإيمانين و الطاعتين فرق ما من حيث سعة المورد و ضيقه، و يشير الى ذلك ما في العبارة من نوع من التفصيل حيث قيل‏ «آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ» فاشير إلى تعدّد الإيمان‏

مختصر الميزان فى تفسير القرآن، ج‏4، ص: 457

و الطاعة و لم يقل: آمنا باللّه و الرسول بحذف الباء، و الإيمانان مع ذلك متلازمان لا ينفكّ أحدهما عن الآخر، قال تعالى: وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ‏ (النساء/ 150).

فقوله: وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا أي عقدنا القلوب على دين اللّه و تشرّعنا به و على أن الرسول لا يخبر إلا بالحق و لا يحكم إلا بالحق.

و قوله: ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ‏ أي ثم يعرض طائفة من هؤلاء القائلين‏ «آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا» عن مقتضى قولهم من بعد ما قالوا ذلك.

و قوله: وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ‏ أي ليس أولئك القائلون بالمؤمنون، و المشار اليه باسم الإشارة القائلون جميعا لا خصوص الفريق المتولّين على ما يعطيه السياق لأن الكلام مسوق لذمّ الجميع.

قوله تعالى: وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ‏ يشهد سياق الآية أن الآيات إنما نزلت في بعض من المنافقين دعوا الى حكم النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلم في منازعة وقعت بينه و بين غيره فأبى الرجوع الى النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلم و في ذلك نزلت الآيات.

و النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلم إنما كان يحكم بينهم بحكم اللّه على ما أراه اللّه كما قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ‏ (النساء/ 105). فللحكم نسبة اليه بالمباشرة و نسبة الى اللّه سبحانه من حيث كان الحكم في ضوء شريعته و بنصبه النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلم للحكم و القضاء.

صفحه بعد