کتابخانه تفاسیر
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 27
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
هو حسبي لا إله إلا هو عليه توكلت و صلى اللّه على سيدنا محمد و سلم «1» .
الحمد للّه المنزّه بذاته عن إشارة الأوهام، المقدّس بصفاته عن إدراك العقول و الأفهام، المتّصف بالألوهية قبل كل موجود، الباقي بنعت السّرمديّة بعد كلّ محدود، الملك الذي طبست «2» سبحات جلاله الأبصار، المتكبّر الذي أزاحت سطوات كبريائه الأفكار، القديم الذي تعالى عن مماثلة الحدثان، العظيم الذي تنزه عن مماسّة المكان، المتعالي عن مضاهاة الأجسام، و مشابهة الأنام، القادر الذي لا يشار إليه بالتّكييف، القاهر الذي لا يسأل عن التحميل «3» و التّكليف، العليم الذي خلق الإنسان و علمه البيان، الحكيم «4» الذي نزّل القرآن شفاء للأرواح و الأبدان، و الصّلاة و السّلام على المستلّ من أرومة البلاغة و البراعة، المحتلّ في بحبوحة النّصاحة و الفصاحة، محمد المبعوث إلى خليقته، الداعي إلى الحق و طريقته، صلى اللّه عليه و على آله و شيعته و على الآخذين بعهوده و شريعته «5» .
قال مولانا الشيخ الإمام المعظّم، و الحبر «6» المقدّم، أستاذ أهل الأرض، محيي السّنّة و الفرض، كشّاف حقائق أسرار «7» التّنزيل، مفتاح دقائق «8» أسرار التّأويل، ترجمان كلام الرّحمن، صاحب علمي «9» المعاني و البيان، الجامع بين الأصول و الفروع، المرجوع إليه في المعقول «10» و المسموع، حافظ الملّة و الدّين، شيخ
(1) ليست في (ظ) و لا في (ز).
(2) طبست: اسودت، و في (ظ) و (ز) طمست.
(3) في (ظ) التحميد.
(4) ليست في (ظ).
(5) ليست في (ز). و في (ظ) و «بنزاهته» بدل «شريعته».
(6) في (ز) و الحبر الإمام المقدم.
(7) في (ظ) حذايق أسوار التنزيل.
(8) في (ظ) و (ز) مفتاح أسرار حقائق التأويل.
(9) في (ز) علم.
(10) في (ظ) الرجوع إليه في المنقول و المسموع.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 28
الإسلام و المسلمين «1» ، وارث علوم الأنبياء و المرسلين، أكمل فحول المجتهدين، قدوة قدوم «2» المحققين، ذو السعادات و الكرامات، أبو البركات «3» عبد اللّه بن أحمد ابن محمود النّسفي، متّع «4» اللّه الإسلام بطول بقائه، و المسلمين بيمن لقائه:
قد سألني من تتعيّن «5» إجابته كتابا وسطا «6» في التأويلات، جامعا لوجوه الإعراب و القراءات، متضمنا لدقائق علمي «7» البديع و الإشارات، حاليا بأقاويل أهل السّنّة و الجماعة، خاليا عن أباطيل أهل البدع و الضّلالة، ليس بالطّويل المملّ، و لا بالقصير المخلّ، و كنت أقدّم فيه رجلا و أؤخّر أخرى، استقصارا «8» لقوة البشر، عن درك هذا الوطر، و أخذا بسبيل «9» الحذر، عن ركوب متن الخطر، حتى شرعت فيه بتوفيق اللّه تعالى «10» و العوائق كثيرة، و أتممته في مدة يسيرة (و سمّيته بمدارك التّنزيل و حقائق التّأويل) و هو الميسّر لكلّ عسير، و هو على ما يشاء قدير، و بالإجابة جدير «11» .
(1) العبارة ليست في (ظ).
(2) في (ز) قروم.
(3) في (ظ) ذو السعادة عبد اللّه.
(4) في (ز) نفع.
(5) في (ظ) يتعين، و السائل إما طلبة العلم أو أمير البلاد و الأول أرجح لوقوع بلاده تحت حكم التتار.
(6) في (ظ) وسيطا.
(7) في (ظ) علمه، و في (ز) علمي.
(8) في (ظ) اختصارا.
(9) في (ز) لسبيل.
(10) ليست في (ظ) و لا (ز).
(11) زاد في (ظ) و اللّه الموفق للصواب.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 29
فاتحة الكتاب
[سورة الفاتحة (1): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
مكّية و قيل مدنيّة و الأصح أنّها مكّية و مدنيّة، نزلت بمكة حين فرضت الصّلاة، ثم نزلت بالمدينة حين حوّلت القبلة إلى الكعبة، و تسمّى أم القرآن للحديث «1» ، و لاشتمالها على المعاني التي «2» في القرآن، و سورة الوافية، و الكافية لذلك، و سورة الكنز لقوله عليه السّلام «3» (فاتحة الكتاب كنز من كنور عرشي) «4» و سورة الشّفاء و الشّافية لقوله عليه السّلام (فاتحة الكتاب شفاء من كلّ داء إلّا السّام) «5» و سورة المثاني لأنها تثنّى في كلّ صلاة، و سورة الصلاة لما تروى و لأنها تكون واجبة أو فريضة، و سورة الحمد و الأساس، فإنّها أساس القرآن، قال ابن عباس «6» رضي اللّه عنهما: إذا اعتللت أو اشتكيت فعليك بالأساس. و آيها سبع بالاتفاق، و اللّه أعلم «7» .
1- بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قرّاء المدينة و البصرة و الشّام «8» على أنّ التّسمية ليست بآية من الفاتحة و لا من غيرها من السّور، و إنّما كتبت للفصل و التّبرّك للابتداء بها و هو مذهب أبي حنيفة «9» و من تابعه رحمهم اللّه و لذا لا يجهر بها
(1) زاد في (ز) نص الحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن).
(2) ليست في (ظ).
(3) زاد في (ز) حاكيا عن اللّه تعالى.
(4) كنز العمال 1/ 2501 و فيه: فاتحة الكتاب أنزلت من كنز تحت العرش.
(5) الدارمي، و ليس فيه إلا السام، عن عبد الملك بن عمير.
(6) ابن عباس: هو عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، ولد سنة 3 ق. ه و توفي بالطائف سنة 68 ه. (الأعلام 4/ 95).
(7) ليست في (ظ).
(8) زاد في (ز) و فقهاؤها.
(9) أبو حنيفة: هو الإمام النعمان بن ثابت بن زوطا بن ماه، ولد عام 80 ه و مات ببغداد عام 150 ه، و مذهبه أحد مذاهب أهل السنة و الجماعة المعتمدة (الأعلام 8/ 36).
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 30
عندهم في الصّلاة، و قراء مكّة و الكوفة على أنّها آية من الفاتحة و من كلّ سورة و عليه «1» الشّافعي «2» و أصحابه رحمهم اللّه و لذا يجهرون بها في الصّلاة و قالوا: قد أثبتها السّلف في المصحف مع الأمر بتجويد القرآن، و عن ابن عباس رضي اللّه عنهما: من تركها فقد ترك مائة و أربع عشرة آية من كتاب اللّه. و كذا «3» حديث أبي هريرة «4» قال: سمعت النّبيّ عليه السّلام يقول: (قال اللّه تعالى قسمت الصّلاة- أي الفاتحة- بيني و بين عبدي نصفين و لعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ، قال اللّه تعالى «5» : حمدني عبدي، و إذا قال: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، قال اللّه تعالى «6» : أثنى عليّ عبدي، و إذا قال: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، قال: مجّدني عبدي، و إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، قال: هذا بيني و بين عبدي و لعبدي ما سأل، فإذا قال: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ، قال: هذا لعبدي و لعبدي ما سأل). فالابتداء بقوله الحمد للّه دليل على أنّ التسمية ليست من الفاتحة، و إذا لم تكن من الفاتحة لا تكون من غيرها إجماعا، و الحديث مذكور في صحاح «المصابيح» «7» ، و ما ذكروا لا يضرّنا لأنّ التّسمية آية من القرآن أنزلت للفصل بين السّور عندنا ذكره فخر الإسلام في «المبسوط» «8» ، و إنّما يردّ علينا أن لو لم نجعلها آية من القرآن، و تمام تقريره في «الكافي» «9» و تعلقت الباء بمحذوف تقديره باسم اللّه أقرأ أو أتلو، لأنّ الذي يتلو التّسمية مقروء، كما أنّ المسافر إذا حلّ و ارتحل فقال باسم اللّه و البركات، كان المعنى باسم اللّه أحلّ و باسم اللّه أرتحل، و كذا الذّابح و كلّ فاعل يبدأ في فعله باسم اللّه كان مضمرا ما جعل التّسمية مبدأ له، و إنّما قدّر المحذوف متأخرا لأنّ الأهمّ من الفعل
(1) في (ظ) و عند.
(2) الشافعي: هو الإمام محمد بن إدريس القرشي المطّلبي ولد عام 150 ه و مات عام 204 ه، و مذهبه أحد مذاهب أهل السنة و الجماعة المعتمدة (الأعلام 6/ 26).
(3) في (ز) و لنا.
(4) أبو هريرة: هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي على الأشهر، صحابي، أخذ الفقه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص ولد عام 21 ق. ه و توفي عام 59 ه (الأعلام 3/ 308).
(5 و 6) ليست في (أ).
(7) المصابيح: أي كتاب «مصابيح السنة» للإمام البغوي (ت 510 ه).
(8) فخر الإسلام: هو أحمد بن الحسين بن مهران النيسابوري، أبو بكر، إمام عصره في القراءات ولد عام 295 ه و مات عام 381 ه، و كتابه «المبسوط في القراءات العشر» (غاية النهاية 1/ 49).
(9) الكافي: أي كتابه «الكافي» شرح كتاب آخر له هو «الوافي» في الفروع.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 31
و المتعلّق به هو المتعلّق به «1» ، و كانوا يبدأون بأسماء آلهتهم فيقولون باسم اللّات و باسم العزّى، فوجب أن يقصد الموحّد معنى اختصاص اسم اللّه عزّ و جلّ بالابتداء، و ذا بتقديمه و تأخير الفعل، و إنّما قدّم الفعل في اقرأ باسم ربّك لأنّها أوّل سورة نزلت في قول، و كان الأمر بالقراءة أهمّ، فكان تقديم «2» الفعل أوقع، و يجوز أن يحمل اقرأ على معنى افعل القراءة و حقّقها كقولهم فلان يعطي و يمنع، غير متعد إلى مقروء به، و أن يكون باسم ربك مفعول اقرأ الذي بعده، و اسم اللّه يتعلّق بالقراءة تعلّق الدّهن بالانبات في قوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ «3» على معنى متبركا باسم اللّه أقرأ، ففيه تعليم عباده كيف يتبرّكون باسمه، و كيف يعظّمونه.
و بنيت الباء على الكسر لأنّها تلازم الحرفيّة و الجرّ فكسرت لتشابه حركتها عملها، و الاسم من الأسماء التي بنوا أوائلها على السّكون كالابن و الابنة و غيرهما فإذا نطقوا بها مبتدئين زادوا همزة تفاديا عن الابتداء بالسّاكن تعذرا، و إذا وقعت في الدّرج لم يفتقر إلى زيادة شيء، و منهم من لم يزدها و استغنى عنها بتحريك الساكن، فقال سم، و سم، و هو من الأسماء المحذوفة الأعجاز كيد و دم و أصله سمو بدليل تصريفه كأسماء و سمى و سميت و اشتقاقه من السّمو و هو الرفعة، لأنّ التّسمية تنوية بالمسمّى و إشادة بذكره، و حذفت الألف في الخطّ هنا، و أثبتت في قوله: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ «4» لأنّه اجتمع فيها- أي في التّسمية «5» - مع أنّها تسقط في اللّفظ لكثرة الاستعمال، و طوّلت الباء عوضا عن حذفها، و قال عمر بن عبد العزيز «6» لكاتبه:
طوّل الباء و أظهر السينات و دور الميم. و اللّه أصله الإله، و نظيره النّاس أصله الأناس، حذفت الهمزة و عوّض منها حرف التعريف، و الإله من أسماء الأجناس يقع على كل معبود بحق أو باطل، ثم غلب على المعبود بالحقّ، كما أن النّجم اسم لكلّ كوكب، ثم غلب على الثّريّا و أمّا اللّه بحذف الهمزة فمختص بالمعبود بالحقّ لم يطلق على غيره، و هو اسم غير صفة لأنّك تصفه و لا تصف به، لا تقول شيء إله كما لا تقول شيء رجل، و تقول اللّه «7» واحد صمد، و لأنّ صفاته تعالى لا بدّ لها من موصوف تجري عليه، فلو جعلتها كلّها صفات لبقيت صفات غير جارية على اسم موصوف بها
(1) ليس في (أ) هو المتعلّق به.
(2) ليست في (أ).
(3) المؤمنون، 23/ 20.
(4) العلق، 96/ 1.
(5) زيادة في (ز).
(6) عمر بن عبد العزيز: أمير المؤمنين، خامس الخلفاء الراشدين ولد عام 61 ه و مات عام 101 ه و أفقه و أعلم خلفاء بني أمية رضي اللّه عنه. (الأعلام 5/ 50).
(7) ليست في (أ).
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 32
و ذا لا يجوز، و لا اشتقاق لهذا الاسم عند الخليل «1» و الزّجّاج «2» و محمد بن الحسن «3» و الحسين بن الفضل «4» ، و قيل معنى الاشتقاق أن ينتظم الصّيغتين فصاعدا معنى واحد، و صيغة هذا الاسم و صيغة قولهم اله إذا تحيّر، ينتظمهما معنى التّحيّر «5» و الدّهشة، و ذلك أنّ الأوهام تتحير في معرفة المعبود و يدهش الفطن، و لذا كثر الضّلال و فشا الباطل و قلّ النّظر الصّحيح، و قيل هو من قولهم ألّه يألّه إلاها إذا عبد، فهو مصدر بمعنى مألوه أي معبود، كقوله هذا خَلْقُ اللَّهِ «6» أي مخلوقه، و تفخّم لامه إذا كان قبلها فتحة أو ضمة، و ترقّق إذا كان قبلها كسرة، و منهم من يرقّقها بكلّ حال، و منهم من يفخم بكلّ حال، و الجمهور على الأوّل.
و الرّحمن فعلان من رحم و هو الذي وسعت رحمته كلّ شيء كغضبان من غضب و هو الممتلئ غضبا، و كذا الرّحيم فعيل منه كمريض من مرض، و في الرّحمن من المبالغة ما ليس في الرّحيم، لأن في الرّحيم زيادة واحدة و في الرّحمن زيادتين، و زيادة اللفظ تدل على زيادة المعنى، و لذا جاء في الدّعاء يا رحمن الدّنيا «7» لأنّه يعمّ المؤمن و الكافر، و رحيم الآخرة لأنّه يخصّ المؤمن، و قالوا: الرّحمن خاص تسمية، لأنّه لا يوصف به غيره، و عامّ معنى لما بينا، و الرّحيم بعكسه، لأنّه يوصف به غيره و يخصّ المؤمنين، و لذا قدّم الرحمن، و إن كان أبلغ، و القياس التّرقّي من الأدنى إلى الأعلى، يقال: فلان عالم «8» نحرير، لأنّه كالعلم لما لم يوصف به غير اللّه، و رحمة اللّه إنعامه على عباده، و أصلها العطف، و أمّا قول الشّاعر «9» في مسيلمة «10» : و أنت غيث الورى لا زلت رحمانا. فباب من تعنّتهم في كفرهم، و رحمن غير منصرف عند
(1) الخليل: هو الخليل بن أحمد الفراهيدي، أبو عبد الرحمن، ولد عام 100 ه و مات عام 170 ه من أئمة اللغة و الأدب اخترع العروض، و له مؤلفات. (الأعلام 2/ 314).
(2) الزّجّاج: هو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق، عالم بالنحو و اللغة، ولد عام 241 ه و مات عام 311 ه (الأعلام 1/ 40).
(3) محمد بن الحسن بن فرقد، أبو عبد اللّه، من موالي بني شيبان، إمام بالفقه و الأصول و هو الذي نشر علم أبي حنيفة ولد عام 131 ه و مات عام 189 ه و له مؤلفات (الأعلام 6/ 80).
(4) الحسين بن الفضل بن عمير البجلي، ولد عام 178 ه و مات عام 282 ه مفسر، كان رأسا في معاني القرآن (الأعلام 2/ 251).
(5) ليست في (أ).
(6) لقمان، 31/ 11.
(7) زاد في (ظ) و الآخرة.
(8) زاد في (ز) ذو فنون نحرير.
(9) الشاعر مجهول و صدر البيت: سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا.
(10) مسيلمة: هو المتنبئ الكذاب مسيلمة بن ثمامة بن كبير، أبو ثمامة، ولد و نشأ في اليمامة، من المعمرين، قتله المسلمون عام 12 ه (الأعلام 7/ 226).
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 33
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
من زعم أنّ الشرط انتفاء فعلانة، إذ ليس له فعلانة، و من زعم أنّ الشرط وجود فعلى صرفه إذ ليس له فعلى، و الأوّل الوجه.
2- الْحَمْدُ الوصف بالجميل على جهة التّفضيل، و هو رفع بالابتداء و أصله النّصب، و قد قرئ باضمار فعله على أنّه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم شكرا و كفرا، و العدول عن النّصب إلى الرّفع للدّلالة على ثبات المعنى و استقراره، و الخبر لِلَّهِ و اللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت، و قيل الحمد و المدح أخوان، و هو الثّناء و النّداء على الجميل من نعمة و غيرها، تقول:
حمدت الرّجل على إنعامه و حمدته على شجاعته و حسبه، و أمّا الشّكر فعلى النّعمة خاصة، و هو بالقلب و اللّسان و الجوارح قال:
أفادتكم النّعماء مني ثلاثة
يدي و لساني و الضمير المحجبا «1»
و الحمد باللسان وحده، و هو إحدى شعب الشّكر و منه الحديث (الحمد رأس الشّكر ما شكر اللّه عبد لم يحمده) «2» و جعله رأس الشّكر لأنّ ذكر النّعمة باللسان أشيع لها من الاعتقاد، و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب و ما في عمل الجوارح من الاحتمال، و نقيض الحمد الذّمّ، و نقيض الشّكر الكفران، و قيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال، ككونه باقيا قادرا عالما أبديّا أزليّا، و الشّكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الافضال، و الحمد يشملهما، و الألف و اللّام فيه للاستغراق عندنا خلافا للمعتزلة «3» و لذا قرن باسم اللّه، لأنّه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال، و هو بناء على مسألة خلق الأفعال، و قد حققته في مواضع رَبِّ الْعالَمِينَ الرّبّ المالك، و منه قول صفوان «4» ...
(1) الشعر لابن الحجاج حسين بن أحمد، أبو عبد اللّه (ت 391 ه).
(2) رواه عبد الرزاق عن ابن عمرو، و ابن عباس مرفوعا و فيه انقطاع.
(3) المعتزلة: فرقة من فرق الإسلام رأسها واصل بن عطاء (ت 131 ه) سمّي أصحابه بالمعتزلة لاعتزاله حلقة درس الحسن البصري (ت 110 ه) و هم يرون أن أفعال الخير من اللّه، و أفعال الشر من العباد، و أن القرآن مخلوق محدث و ليس بقديم، و أن المؤمن إذا ارتكب الذنب كشرب الخمر و غيره يكون في منزلة بين منزلتين لا مؤمنا و لا كافرا و لهم آراء أخرى. (الملل و النحل- الفصل الأول- ص 21- دار دانية 1990).