کتابخانه تفاسیر
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 33
[سورة الفاتحة (1): آية 2]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2)
من زعم أنّ الشرط انتفاء فعلانة، إذ ليس له فعلانة، و من زعم أنّ الشرط وجود فعلى صرفه إذ ليس له فعلى، و الأوّل الوجه.
2- الْحَمْدُ الوصف بالجميل على جهة التّفضيل، و هو رفع بالابتداء و أصله النّصب، و قد قرئ باضمار فعله على أنّه من المصادر المنصوبة بأفعال مضمرة في معنى الإخبار، كقولهم شكرا و كفرا، و العدول عن النّصب إلى الرّفع للدّلالة على ثبات المعنى و استقراره، و الخبر لِلَّهِ و اللام متعلق بمحذوف أي واجب أو ثابت، و قيل الحمد و المدح أخوان، و هو الثّناء و النّداء على الجميل من نعمة و غيرها، تقول:
حمدت الرّجل على إنعامه و حمدته على شجاعته و حسبه، و أمّا الشّكر فعلى النّعمة خاصة، و هو بالقلب و اللّسان و الجوارح قال:
أفادتكم النّعماء مني ثلاثة
يدي و لساني و الضمير المحجبا «1»
و الحمد باللسان وحده، و هو إحدى شعب الشّكر و منه الحديث (الحمد رأس الشّكر ما شكر اللّه عبد لم يحمده) «2» و جعله رأس الشّكر لأنّ ذكر النّعمة باللسان أشيع لها من الاعتقاد، و آداب الجوارح لخفاء عمل القلب و ما في عمل الجوارح من الاحتمال، و نقيض الحمد الذّمّ، و نقيض الشّكر الكفران، و قيل المدح ثناء على ما هو له من أوصاف الكمال، ككونه باقيا قادرا عالما أبديّا أزليّا، و الشّكر ثناء على ما هو منه من أوصاف الافضال، و الحمد يشملهما، و الألف و اللّام فيه للاستغراق عندنا خلافا للمعتزلة «3» و لذا قرن باسم اللّه، لأنّه اسم ذات فيستجمع صفات الكمال، و هو بناء على مسألة خلق الأفعال، و قد حققته في مواضع رَبِّ الْعالَمِينَ الرّبّ المالك، و منه قول صفوان «4» ...
(1) الشعر لابن الحجاج حسين بن أحمد، أبو عبد اللّه (ت 391 ه).
(2) رواه عبد الرزاق عن ابن عمرو، و ابن عباس مرفوعا و فيه انقطاع.
(3) المعتزلة: فرقة من فرق الإسلام رأسها واصل بن عطاء (ت 131 ه) سمّي أصحابه بالمعتزلة لاعتزاله حلقة درس الحسن البصري (ت 110 ه) و هم يرون أن أفعال الخير من اللّه، و أفعال الشر من العباد، و أن القرآن مخلوق محدث و ليس بقديم، و أن المؤمن إذا ارتكب الذنب كشرب الخمر و غيره يكون في منزلة بين منزلتين لا مؤمنا و لا كافرا و لهم آراء أخرى. (الملل و النحل- الفصل الأول- ص 21- دار دانية 1990).
(4) صفوان: هو صفوان بن أمية بن خلف بن وهب، صحابي كان من أشراف قريش في الجاهلية
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 34
[سورة الفاتحة (1): الآيات 3 الى 4]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
لأبي سفيان «1» : لأن يربّني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربّني رجل من هوازن، تقول ربّه يربّه ربّا فهو ربّ، و يجوز أن يكون وصفا بالمصدر للمبالغة كما وصف بالعدل، و لم يطلقوا الرّبّ إلا في اللّه وحده، و هو في العبيد مع التقييد إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ «2» ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ «3» و قال الواسطي: هو الخالق ابتداء، و المربّي غذاء، و الغافر انتهاء، و هو اسم اللّه الأعظم، و العالم كلّ ما علم به الخالق من الأجسام و الجواهر و الأعراض، أو كلّ موجود سوى اللّه تعالى سمّي به لأنّه علم على وجوده. و إنّما جمع بالواو و النون مع أنه يختصّ بصفات العقلاء أو ما في حكمها من الأعلام لما فيه من معنى الوصفيّة و هي الدّلالة على معنى العلم.
3- الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ذكرهما قد مرّ، و هو دليل على أنّ التسمية ليست من الفاتحة إذ لو كانت «4» من الفاتحة لما أعادهما لخلوّ الإعادة عن الإفادة.
4- مالِكِ عاصم «5» و عليّ «6» ملك غيرهما، و هو الاختيار عند البعض لاستغنائه عن الإضافة، و لقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ «7» و لأن كلّ ملك مالك و ليس كلّ مالك ملكا، و لأن أمر الملك ينفّذ على المالك دون عكسه، و قيل المالك أكثر ثوابا لأنه أكثر حروفا، و قرأ أبو حنيفة و الحسن «8» رضي اللّه عنهما ملك «9» يَوْمِ الدِّينِ أي يوم الجزاء، و يقال كما تدين تدان أي كما تفعل تجازى، و هذه إضافة اسم الفاعل إلى
و الإسلام توفي عام 41 ه (الأعلام 3/ 205).
(1) أبو سفيان: هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، صحابي من سادات قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح ولد عام 57 ق. ه و مات عام 31 ه (الأعلام 3/ 201).
(2) يوسف، 12/ 23.
(3) يوسف، 12/ 50، و في (ز) سبقتها كلمة «قال» و لم يذكر الآية كاملة.
(4) في (ظ) و (ز) لو كانت منها.
(5) عاصم: هو عاصم بن أبي النجود بهدلة الكوفي، أبو بكر، أحد القراء السبعة، تابعي توفي عام 127 ه (غاية النهاية 1/ 346).
(6) عليّ: هو علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي، أبو الحسن الكسائي، إمام في اللغة و النحو و القراءة ولد عام 119 ه و مات عام 189 ه (غاية النهاية 1/ 535).
(7) غافر، 40/ 16.
(8) الحسن: هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري، أبو سعيد، كان إمام أهل البصرة و حبر الأمة في زمنه، ولد عام 22 ه، و مات عام 110 ه (الأعلام 2/ 226).
(9) في (ظ) علمك.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 35
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
الظّرف على طريق الاتساع، كقولهم: يا سارق اللّيلة أهل الدّار، أي مالك الأمر كلّه في يوم الدّين، و التخصيص بيوم الدّين لأن الأمر فيه للّه وحده، و إنّما ساغ وقوعه صفة للمعرفة مع أنّ إضافة اسم الفاعل إضافة غير حقيقية، لأنّه أريد به الاستمرار فكانت الإضافة حقيقية فساغ أن يكون صفة للمعرفة، و هذه الأوصاف التي أجريت على اللّه سبحانه و تعالى من كونه ربّا أي مالكا للعالمين، و منعما بالنّعم كلّها، و مالكا للأمر كلّه يوم الثواب و العقاب بعد الدّلالة على اختصاص الحمد به في قوله: الحمد للّه دليل على أنّ من كانت هذه صفاته لم يكن أحد أحقّ منه بالحمد و الثّناء عليه.
5- إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ إيّا عند الخليل و سيبويه «1» اسم مضمر، و الكاف حرف خطاب عند سيبويه و لا محل له من الإعراب. و عند الخليل هو اسم مضمر أضيف إيّا إليه لأنّه يشبه المظهر لتقدّمه على الفعل و الفاعل، و قال الكوفيون:
إيّاك بكمالها اسم، و تقديم المفعول لقصد الاختصاص، و المعنى نخصّك بالعبادة، و هي أقصى غاية الخضوع و التّذلّل، و نخصّك بطلب المعونة، و عدل عن الغيبة إلى الخطاب للالتفات، و هو قد يكون من الغيبة إلى الخطاب و من الخطاب إلى الغيبة، و من الغيبة إلى التّكلّم كقوله تعالى: حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ «2» و قوله «3» : وَ اللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ «4» و قول امرئ القيس:
تطاول ليلك بالأثمد
و نام الخلق «5» و لم ترقد
و بات و باتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد
و ذلك من نبإ جاءني
و خبرته عن أبي الأسود
فالتفت في الأبيات الثلاثة «6» حيث لم يقل ليلي، و بتّ و جاءه «7» ، و العرب يستكثرون منه، و يرون الكلام إذا انتقل من أسلوب إلى أسلوب أدخل في القلوب «8»
(1) سيبويه: عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي، أبو بشير، إمام النحاة ولد عام 148 ه و توفي عام 180 ه، و في مكان وفاته و السنة التي مات فيها خلاف (الأعلام 5/ 81).
(2) يونس، 10/ 22.
(3) في (ظ) كقوله.
(4) فاطر، 35/ 9.
(5) في (ظ) و (ز) الخليّ.
(6) في (ظ) الثالث، و هو خطأ من الناسخ.
(7) في (ظ) و (ز) جاءك.
(8) في (ز) القبول.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 36
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
عند السّامع، و أحسن تطرية «1» لنشاطه، و أملأ باستدرار إصغائه «2» ، و قد تختص مواقعه بفوائد و لطائف قلما «3» تتضح إلا للحذّاق المهرة، و العلماء النحارير و قليل ما هم، و مما اختص به هذا الموضع أنّه «4» لما ذكر الحقيق بالحمد و الثّناء، و أجرى عليه تلك الصفات العظام تعلّق العلم بمعلوم «5» عظيم الشأن، حقيق بالثناء، و غاية الخضوع و الاستعانة في المهمات، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات، فقيل إيّاك يا من هذه صفاته نعبد و نستعين لا غيرك، و قدّمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة أقرب إلى الإجابة، أو لنظم الآي كما قدّم الرّحمن، و إن كان الأبلغ لا يقدّم، و أطلقت الاستعانة لتتناول كلّ مستعان فيه، و يجوز أن يراد الاستعانة به و بتوفيقه على أداء العبادة «6» ، و يكون قوله: إهدنا بيانا للمطلوب من المعونة، كأنّه قيل كيف أعينكم؟ فقالوا:
6- اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أي ثبّتنا على المنهاج الواضح، كقولك للقائم: قم حتى أعود إليك، أي اثبت على ما أنت عليه، أو اهدنا في الاستقبال كما هديتنا في الحال، و هدى يتعدّى إلى مفعول بنفسه «7» فأمّا تعديه إلى مفعول آخر فقد جاء «8» متعديا إليه بنفسه، في هذه الآية «9» ، و قد جاء متعديا باللام و بإلى كقوله تعالى: هَدانا لِهذا «10» و قوله: هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «11» و السراط:
الجادة من سرط الشيء إذا ابتلعه، كأنه يسرط السّابلة إذا سلكوه، و الصّراط من قلب السّين صادا لتجانس الطاء في الإطباق، لأن الصاد و الضاد و الطاء و الظاء حروف «12» الإطباق، و قد تشم الصاد صوت الزّاي لأن الزاي إلى الطّاء أقرب «13» ، لأنهما مجهورتان، و هي قراءة حمزة «14» ، ...
(1) في (ظ) نظرائه.
(2) في (ظ) ما لما باستلزام إصغائه، و في (ز) و أملا لاستلذاذ إصغائه.
(3) في (ظ) فإنما.
(4) ليست في (ظ).
(5) في (ظ) لمعلوم.
(6) في (ز) العبادات.
(7) في (ز) يتعدى بنفسه إلى مفعول واحد.
(8) ليس في (ظ) متعديا إليه بنفسه كما في هذه الآية.
(9) في (ز) كهذه.
(10) الأعراف، 7/ 43.
(11) الأنعام، 6/ 161.
(12) في (ز) و الظاء من حروف.
(13) في (ظ) و قد يسم الصاد صوت الزاي إلى الطاء أقرب.
(14) حمزة: هو حمزة بن حبيب بن عمارة بن إسماعيل التيمي الزيات، أحد القراء السبعة،
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 37
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
و السين قراءة ابن كثير «1» في كل القرآن، و هي الأصل في الكلمة، و الباقون بالصّاد الخالصة، و هي لغة قريش، و هي الثابتة في الإمام «2» ، و يذكر و يؤنث كالطريق و السبيل، و المراد به طريق الحق و هو ملّة الإسلام.
7- صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بدل من الصراط المستقيم «3» و هو في حكم تكرير العامل، و فائدته التأكيد و الإشعار بأنّ الصراط المستقيم تفسيره صراط المسلمين ليكون ذلك شهادة لصراط المسلمين بالاستقامة على أبلغ وجه و آكده، و هم المؤمنون أو الأنبياء عليهم السّلام، أو قوم موسى عليه الصلاة و السلام «4» قبل أن يغيّروا:
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ بدل من الذين أنعمت عليهم، يعني أنّ المنعم عليهم هم الذين سلموا من غضب اللّه و الضّلال، أو صفة للذين، يعني أنهم جمعوا بين النّعمة المطلقة، و هي نعمة الإيمان، و بين السلامة من غضب اللّه و الضلال، و إنّما ساغ وقوعه صفة للذين و هو معرفة، و غير لا يتعرف «5» بالإضافة لأنّه إذا وقع بين متضادين و كانا معرفتين تعرّف بالإضافة، نحو عجبت من الحركة غير السكون، و المنعم عليهم و المغضوب عليهم متضادان، و لأنّ الذين قريب من النكرة لأنّه لم يرد به قوم بأعيانهم و غير المغضوب عليهم قريب من المعرفة للتخصيص الحاصل له بإضافته، فكلّ واحد منهما فيه إبهام من وجه و اختصاص من وجه فاستويا، و عليهم الأولى محلها النصب على المفعولية، و محل الثانية الرفع على الفاعلية. و غضب اللّه إرادة الانتقام من المكذّبين و إنزال العقوبة بهم و أن يفعل بهم ما يفعله الملك إذا غضب على ما تحت يده، و قيل المغضوب عليهم هم اليهود لقوله تعالى: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ «6» و الضالون هم النصارى لقوله تعالى: قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ «7» و لا زائدة عند البصريين للتوكيد، و عند الكوفيين هي بمعنى غير.
آمين صوت سمّي به الفعل الذي هو استجب، كما أن رويد اسم لأمهل، و عن ابن
ولد عام 80 ه، و مات عام 156 ه. (غاية النهاية 1/ 261).
(1) ابن كثير: هو عبد اللّه بن كثير الداري المكي، ولد عام 45 ه و مات عام 120 ه أحد القراء السبعة و قاضي الجماعة في مكة المكرمة (غاية النهاية 1/ 443).
(2) في (ز) في المصحف الإمام.
(3) ليست في (ز).
(4) ليست في (ظ) و (ز).
(5) في (ظ) و غيره يتعرف.
(6) المائدة، 5/ 60.
(7) المائدة، 5/ 77.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 38
عباس رضي اللّه عنهما سألت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن معنى آمين فقال: (افعل) «1» و هو مبني و فيه لغتان مد ألفه و قصرها، و هو الأصل، و المد بإشباع الهمزة قال: و يرحم اللّه عبدا قال آمينا «2» .
و قال آمين فزاد اللّه ما بيننا بعدا، و قال عليه السّلام: (لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب، و قال: إنه كالختم على الكتاب) «3» و ليس من القرآن بدليل أنه لم يثبت في المصاحف.
(1) أخرجه الثعلبي من رواية أبي صالح عنه بإسناد واه.
(2) في (ز) ذكر الشطر الأول من البيت و هو: يا رب لا تسلبني حبها أبدا، و هو لقيس المجنون.
(3) قال ابن حجر: لم أجده هكذا، أي بلفظه و ذكر ما وجده عند ابن أبي شيبة و أبي داود و ابن مردويه و الطبراني.
مدارك التنزيل و حقايق التاويل، ج1، ص: 39
سورة البقرة مدنية و هي مائتان و ست أو سبع و ثمانون آية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة البقرة (2): آية 1]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
1- الم و نظائرها أسماء مسمياتها الحروف المبسوطة التي منها ركّبت الكلم «1» ، فالألف تدل على أوسط حروف قال، و اللام تدل على الحرف الأخير منه، و كذلك ما أشبهها، و الدليل على أنّها أسماء أنّ كلّا منها يدل على معنى في نفسه، و يتصرف فيها بالإمالة و التفخيم و بالتعريف و التنكير و الجمع و التصغير و هي معربة، و إنّما سكّنت سكون زيد و غيره من الأسماء حيث لا يمسها الإعراب «2» لفقد مقتضيه، و قيل إنّها مبنية كالأصوات نحو غاق في حكاية صوت الغراب، ثمّ الجمهور على أنها أسماء السّور، و قال ابن عباس رضي اللّه عنهما: أقسم اللّه بهذه الحروف، و قال ابن مسعود «3» رضي اللّه عنه: إنها اسم اللّه الأعظم، و قيل إنّها من المتشابه الذي لا يعلمه «4» إلا اللّه، و ما سميت معجمة إلا لإعجامها و إبهامها، و قيل ورود هذه الأسماء على نمط التعديد كالإيقاظ لمن تحدى بالقرآن، و كالتحريك للنظر في أنّ هذا المتلوّ عليهم و قد عجزوا عنه عن آخرهم، كلام منظوم من عين ما ينظمون منه كلامهم ليؤديهم النّظر إلى أن يستيقنوا إن لم تتساقط مقدرتهم دونه، و لم يظهر عجزهم عن أن يأتوا بمثله، بعد المراجعات المتطاولة، و هم أمراء الكلام إلا لأنه ليس من كلام البشر و أنّه كلام خالق القوى و القدر، و هذا القول من الخلافة بالقبول بمنزل «5» ، و قيل إنّما
(1) في (ز) زاد: فالقاف تدل على أول حروف قال.
(2) في (ظ) و (ز) إعراب.
(3) ابن مسعود: هو عبد اللّه بن مسعود، أبو عبد الرحمن، صحابي جليل، مات بالمدينة سنة 32 ه، و هو ابن بضع و ستين سنة (الأعلام 4/ 137).
(4) في (ز) يعلم تأويله.