کتابخانه تفاسیر
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 21
و المصنفات، توفي سنة (303 ه) رحمه اللّه تعالى.
3- محمد بن جرير الطبري: الإمام الفرد الحافظ أبو جعفر، صاحب التصانيف من أهل طبرستان سمع ابن منيع و خلق، و حدث عنه الطبراني و آخرون.
قال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من ابن جرير، و لكن ظلمته الحنابلة.
له كتاب التاريخ و التفسير و القراءات و اختلاف العلماء و تاريخ الرجال و غيرهم، توفي سنة 310 ه «تذكرة الحفاظ» (2/ 710).
4- ابن المنذر: الحافظ العلامة الفقيه الأوحد أبو بكر محمد بن إبراهيم النيسابوري شيخ الحرم صاحب الكتب، لم يؤلف مثلها ككتاب المبسوط في الفقه و غيره، كان مجتهدا لا يقلد أحدا حدث عنه ابن المقرئ و غيره، و سمع ابن الصائغ و خلقا، توفي سنة 318 ه (تذكرة الحفاظ) (3/ 772).
5- ابن أبي حاتم: الإمام الحافظ الناقد شيخ الإسلام عبد الرحمن بن الحافظ الكبير أبي حاتم الرازي، ارتحل به أبوه، فأدرك الأسانيد العالية، روى عنه أبو الشيخ ابن حيان، و آخرون توفي سنة (327) له كتاب «الجرح و التعديل» «و التفسير» في عدة مجلدات، «و الرد على الجهمية» ا ه (تذكرة الحفاظ) (3/ 829).
دراسة حول الكتاب و مؤلفه
1- البغوي الإمام المفسر:
- إن الطريقة التي اتبعها المؤلف في هذا التفسير هو أنه يفسر القرآن بالقرآن و بالحديث النبوي، و بالآثار الواردة عن الصحابة و التابعين، و بأقوال العلماء.
- و يسرد عند كل سورة أو آية ما ورد في فضلها أو تفسيرها أو سبب نزولها.
- و يتعرض للمعنى اللغوي، لكن باختصار. و يتعرض أيضا للقراءات لكن مع الاختصار، و قد تحاشى رحمه اللّه ما ولع به كثير من المفسرين من مباحث الإعراب و التطويل في ذلك و الاستطراد في علوم و أبحاث لا تعلق لها بعلم التفسير.
و ربما ذكر الإسرائيليات من غير تعقيب، و أحيانا يورد الإشكال على ظاهر النظم فيجيب عنه، كما أنه ينقل الخلاف عن السلف في التفسير؛ و يذكر الروايات عنهم في ذلك، من غير توهين لرواية أو تصحيح لأخرى.
و قد قال واصفا الطريقة التي سلكها في مقدمته: «فجمعت بعون اللّه تعالى و حسن توفيقه كتابا وسطا بين الطويل المحل و القصير المخل، أرجو أن يكون مفيدا لمن أقبل على تحصيله مريدا».
2- البغوي الإمام المحدث:
- إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام محدث عالم به رواية و دراية.
- أما الرواية فقد أسند أكثر الأحاديث المرفوعة الواردة في هذا التفسير.
- و أما الدراية فقد تحرى في تلك الأحاديث الصحيح ما استطاع إلى ذلك سبيلا، لذا روى الكثير من طريق البخاري و سائر الكتب المعتمدة.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 22
- و قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية في «مقدمة في أصول التفسير» ص 19: و البغوي تفسيره مختصر من الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة، و الآراء المبتدعة.
- و قال في «الفتاوى» 2/ 193 و قد سئل عن أي التفاسير أقرب إلى الكتاب و السنة: الزمخشري، أم القرطبي، أم البغوي؟ أم غير هؤلاء.
فقال: أما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة و الأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، و حذف منه الأحاديث الموضوعة و البدع التي فيه، و حذف أشياء غير ذلك.
- قلت: و عامة ما يرويه صحيح أو حسن.
- و ربما روى الضعيف فمن ذلك: الحديث برقم: 17 و 43 و 58 و 80 و 106 و 120 و 157 و 233 و 414 و 446 و 450 و 653 و 1119.
و ربما روى الضعيف لكن أشار إلى ذلك حيث ذكره بصيغة التمريض فمن ذلك الحديث 38 و 439 و 917 ...
- و ربما روى الضعيف جدا: فمن ذلك الحديث برقم: 308 و 439 و 446 و 488 و 593 و 628 و 1131 و 1144،،،- و ربما روى الموضوع أو الباطل و هذا نادر جدا في هذا التفسير: فمن ذلك الحديث برقم: 580 و 726 و 812 و 857 و 1094 و 891.
- و أكثر ما يقع هذا النوع في أسباب النزول.
- و ربما روى حديثا مرفوعا لكن الراجح وقفه: فمن ذلك الحديث برقم: 6 و 8 و 414 و 415 و 447 و 831 و 1119 و 1144.
- و ربما روى حديثا ضعيف الإسناد لكن له شواهد: فمن ذلك الحديث: 20 و 104 و 111 و 259 و 652 و 865 و 950 و 994 ...
- و ربما روى حديثا بعضه صحيح، و بعضه ضعيف أو منكر: فمن ذلك الحديث برقم: 41 و 45 و 629 و 1022 و 1182.
- و ربما روى خبرا و هو منتزع من حديثين. فمن ذلك الحديث 871.
- تنبيه: و ما ذكرته من أمثلة على الأحاديث الواهية الواردة في هذا التفسير لا يعني الطعن بهذا الكتاب أو مؤلفه، بل هو حقا أقل التفاسير ذكرا للأحاديث الواهية و المنكرة.
- بل عامة ما ساقه من هذه الأحاديث قد أشار إلى ضعفه فإما جرده عن الإسناد، أو ذكره بصيغة التمريض.
أو ساق ما ورد مرفوعا على أنه موقوف و نحو ذلك.
و قد قال رحمه اللّه في مقدمته: و ما ذكرته من أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في أثناء الكتاب على وفاق آية أو بيان حكم، فإن الكتاب يطلب بيانه من السنة، و عليها مدار الشرع و أمور الدين، فهي من الكتب المسموعة للحفاظ و أئمة الحديث.
و قد ساق المصنف عامة الآثار الموقوفة و المقطوعة في أثناء الكتاب بدون إسناد، و اكتفى بأنه ساق إسناده إلى هؤلاء الأئمة في أول الكتاب، قصد بذلك الاختصار.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 23
- و مع ذلك فقد أورد آثارا عن ابن عباس و غيره من وجوه و طرق ليست في أول الكتاب.
و مما يؤخذ على المصنف رحمه اللّه نقله عن الكلبي و مقاتل و جويبر و غيرهم ممن هو متروك أو متهم بالكذب، لكن الظاهر أنه تابع غيره، فعامة المفسرين ينقلون عن هؤلاء و غيرهم.
- و أكثر ما نقل عن هؤلاء هو في باب أسباب النزول.
3- البغوي الإمام اللغوي:
إن الصورة التي تركها الإمام البغوي من خلال هذا التفسير هي أنه إمام لغوي، يفسر الآية، و يبين معناها بلفظ موجز سهل، بحيث يفهمه الطالب المتخصص و غير المتخصص.
- و هو يعتمد الاختصار في مباحث النحو و الإعراب فكتابه مختصر عن كتابي الثعلبي و الواحدي.
- و ربما ذكر أقوالا عن أئمة اللغة مع العزو لقائله، و هذا قليل فمن ذلك: عند قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها [البقرة: 26]. فقال فَما فَوْقَها يعني: الذباب و العنكبوت، و قال أبو عبيدة: أي فما دونها كما يقال: فلان جاهل، فيقال و فوق ذلك، أي: و أجهل.
- و قال في الآية وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ [البقرة: 31] قال المبرد: إذا جاء إذ مع المستقبل كان معناه ماضيا كقوله تعالى: وَ إِذْ يَمْكُرُ [الأنفال: 30] يريد و إذا مكر، و إذا جاء إذا مع الماضي كان معناه مستقبلا، كقوله: فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ [النازعات: 34] و إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ أي: يجيء.
- و قال في قول تعالى: وَ الصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ ... [البقرة: 177] «و الصابرين»: و في نصبها أربعة أوجه: قال أبو عبيدة: نصبها على تطاول الكلام ... و قال الخليل: نصب على المدح.
- و قال عند قوله تعالى: فَرِهانٌ [البقرة: 283] «فرهان»: جمع رهن، مثل: بغل و بغال، و جبل و جبال، و الرّهن جمع، الرهان: جمع الجمع، قاله الفراء و الكسائي.
- و قال أبو عبيدة و غيره: هو جمع الرهن أيضا مثل: سقف و سقف.
4- البغوي الإمام الفقيه:
إن الصورة التي تركها المصنف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام فقيه لكنه يعتمد الاختصار في ذلك كما ذكر في مقدمته.
- فمن المسائل الفقهية التي سلك فيها الاختصار مسألة السعي بين الصفا و المروة.
- فقال عند قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... [البقرة: 158] و اختلف أهل العلم في حكم هذه الآية، و وجوب السعي بين الصفا و المروة في الحج و العمرة، فذهب جماعة إلى وجوبه، و هو قول ابن عمرو و جابر و عائشة، و به قال الحسن، و إليه ذهب مالك و الشافعي.
- و ذهب قوم إلى أنه تطوع، و هو قول ابن عباس، و به قال ابن سيرين و مجاهد، و إليه ذهب الثوري و أصحاب الرأي، و قال الثوري و أصحاب الرأي على من تركه دم.
- ثم أسند حديثين دليلا لمن أوجبه.
- و من ذلك ما ذكره في بحث أكل الميتة و نحو ذلك للمضطر، و ذلك عند قوله تعالى: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ ...* [البقرة: 58].
- و من الأبحاث التي اختصر فيها بحث الوصية عند الآية 180 من سورة البقرة ... إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ .
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 24
- و من ذلك الكلام على اليمين و الكفارة في سورة البقرة لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ* [البقرة:
225].
- و ربما توسط في الأبحاث الفقهية:
- فمن ذلك ما ذكره عند الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ [البقرة: 178] حيث ذكر بحث القصاص من غير تطويل و لا اختصار.
- و من ذلك كلامه على الصوم في سورة البقرة آية 183.
- و من ذلك كلامه على مسألة الخمر و تحريمه في سورة البقرة، آية 219 يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ... .
- و من ذلك مسألة الحيض عند قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ [البقرة: 222].
و من ذلك بحث الجماع عند الآية نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ... [البقرة: 223].
- و من ذلك بحث الإيلاء عند الآية لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) ... [البقرة: 226].
- و ربما أطال في بعض الأبحاث:
- و من ذلك كلامه على الحج في سورة البقرة، آية: 197- 203 الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ ... .
- و من ذلك الكلام على الطلاق و دواعيه عند الآيات وَ الْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...
[البقرة: 228- 237].
5- الإمام البغوي و القراءات:
- إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا التفسير هي أنه إمام مقرئ، يعتمد كثيرا ذكر القراءات لكنه اقتصر على القراءات المشهورة المتواترة، و قد قال رحمه اللّه في مقدمته عن ذلك:
- و قد ذكرت في الكتاب قراءة من اشتهر منهم بالقراءات و اختياراتهم ... ثم ذكر القراء المشهورة قراءتهم و المتواترة و قال عقب ذلك: فذكرت قراءة هؤلاء للاتفاق على جواز القراءة بها.
- فمن الأمثلة على اهتمامه بالقراءات:
قوله عند الآية اهْدِنَا الصِّراطَ ... [الفاتحة: 6].
قرئ بالسين، رواه رويس عن يعقوب، و هو الأصل، سمي سراطا لأنه يسرط السابلة، و يقرأ بالزاي، و قرأ حمزة بإشمام الزاي و كلها لغات صحيحة، و الاختيار الصاد عند أكثر القراء لموافقة المصحف.
- و قال عند الآية قالُوا أَ نُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا ... [البقرة: 13].
- قرأ أهل الكوفة و الشام ... «السفهاء ألا» بتحقيق الهمزتين، و كذلك كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا، و الآخرون يحققون الأولى، و يلينون الثانية في المختلفتين طلبا للخفة، فإن كانتا متفقتين مثل: «هؤلاء- أولياء- أولئك- و جاء أمر ربك» قرأ أبو عمرو و البزي عن ابن كثير بهمزة واحدة، و قرأ أبو جعفر و ورش و القواش و يعقوب بتحقيق الأولى و تليين الثانية، و قرأ قالون بتليين الأولى و تحقيق الثانية لأن ما يستأنف أولى بالهمزة مما يسكت عليه.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 25
- و قال عند الآية قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً [البقرة: 67].
قرأ حمزة «هزوا و كفؤا» بالتخفيف، و قرأ الآخرون بالتثقيل، و يترك الهمزة حفص.
- قوله: بالتثقيل: أي بالضم بدل السكون على الحرف قبل الأخير.
- و قال عند الآية وَ أَرِنا مَناسِكَنا ... .
قرأ ابن كثير «أرنا» ساكنة الراء، و أبو عمرو بالاختلاس، و الباقون بكسرها، و وافق ابن عامر و أبو بكر في الإسكان في «حم السجدة» و أصله: أرئنا- فحذفت الهمزة طلبا للخفة، و نقلت حركتها إلى الراء.
- و قال عند الآية فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ ... قرأ ابن عامر و حمزة «إن اللّه» بكسر الألف على إضمار القول تقديره: فنادته الملائكة فقالت: إن اللّه، و قرأ الآخرون بالفتح بإيقاع النداء عليه، كأنه قال فنادته الملائكة بأن اللّه يبشرك، قرأ حمزة «يبشرك» و بابه التخفيف كل القرآن إلا قوله: «فبم تبشرون» فإنهم اتفقوا على تشديدها، و وافقه الكسائي هاهنا في الموضعين ...
- و قال عند الآية ... يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ* [آل عمران: 75] قرأ أبو عمرو و أبو بكر و حمزة «يؤده-، لا يؤده» ساكنة الهاء، و قرأ أبو جعفر و قالون و يعقوب بالاختلاس كسرا، و الباقون بالإشباع كسرا ...
6- الإمام البغوي و عقيدته:
- إن الصورة التي تركها الإمام من خلال هذا التفسير هي أنه إمام عالم من أئمة أهل السنة، لكن اضطرب قوله في بحث الصفات، فتارة سلك من مسلك السلف و هو عدم التأويل، و تارة سلك الخلف، و هو التأويل.
- أما ما سلك فيه مسلك السلف فهو قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ* [الأعراف: 54] فقال رحمه اللّه: و أوّلت المعتزلة الاستواء بالاستيلاء، فأما أهل السنة يقولون: الاستواء على العرش صفة للّه تعالى بلا كيف، يجب على الرجل الإيمان به، و يكل العلم فيه إلى اللّه عز و جل، و سأل رجل مالك بن أنس عن قوله الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى (5) كيف استوى؟ فأطرق رأسه مليا و علاه الرحضاء ثم قال:
الاستواء غير مجهول، و الكيف غير معقول، و الإيمان به واجب، و السؤال عنه بدعة، و ما أظنك إلا ضالا، ثم أمر فأخرج.
- و روي عن الثوري و الأوزاعي و الليث و ابن عيينة و ابن المبارك و غيرهم من علماء السنة في هذه الآيات التي جاءت في الصفات و المتشابهات: أمرّوها كما جاءت بلا كيف.
- و أما ما سلك فيه مسلك الخلق، و هو التأويل، فهو قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم:
42].
فقال رحمه اللّه: قيل: عن ساق: عن أمر فظيع شديد ...
- و كذا عند قوله تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ [الفجر: 22] فقال رحمه اللّه: جاء أمره و قضاؤه، و قال الكلبي: ينزل حكمه.
7- الإمام البغوي المحقق المرجح:
إن الصورة التي تركها المؤلف من خلال هذا الكتاب هي أنه يذكر قولا واحدا، أو أقوالا متعددة في تفسير الآية أو بيان معناها من غير ترجيح مع اختلاف و اضطراب تلك الأقوال، و ربما رجح و صوب أحد الأقوال، و هو يسير.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 26
فمن ذلك:
- قوله عند الآية وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا* [البقرة: 34].
فقال: «... اسجدوا»: فيه قولان الأصح أن السجود كان لآدم على الحقيقة، و تضمن معنى الطاعة للّه عز و جل امتثال أمره، و كان ذلك سجود تعظيم و تحية لا سجود عبادة ...
- و قيل: لآدم: أي إلى آدم، فكان آدم قبلة، و السجود للّه تعالى ...
- و من ذلك قوله عند الآية وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ ... [آل عمران: 7].
- فقال: اختلف العلماء في نظم هذه الآية، فقال قوم- الواو في قوله (و الراسخون) و او العطف، يعني أن تأويل المتشابه يعلمه اللّه و يعلمه الراسخون في العلم، و هم مع علمهم يقولون آمنا به، و هذا قول مجاهد و الربيع ...
و ذهب الأكثرون إلى أن الواو، واو الاستئناف، و تم الكلام عند قوله وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ... .
- قال: و هذا القول أقيس في العربية، و أشبه بظاهر الآية.
- و قال عند الآية قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ... [المائدة: 115] و اختلف العلماء: هل نزلت أم لا؟ فقال مجاهد و الحسن: لم تنزل، فإن اللّه عز و جل لما أوعدهم على كفرهم بعد نزول المائدة خافوا أن يكفر بعضهم فاستعفوا، و قالوا: لا نريدها، فلم تنزل.
قال: و الصحيح الذي عليه الأكثرون أنها نزلت لقوله تعالى إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ... و لا خلف في خبره ...
8- الإمام البغوي و الإسرائيليات:
- لم يكثر الإمام البغوي من ذكر الإسرائيليات، و من الأخبار التي أوردها، و هي من أخبار الأقدمين:
- ما ذكره في شأن آدم و حواء و نزولهما من الجنة، و ذلك عند قوله تعالى: وَ قُلْنَا اهْبِطُوا [البقرة:
36] فقد ذكر أخبارا مختصرة عن أئمة التفسير، و لم يذكر قصصا مطولة كغيره من المفسرين.
- في حين ذكر خبرا مطولا عند قوله تعالى: وَ إِذْ فَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ [البقرة: 50]. و مصدره كتب الأقدمين، و فيه مبالغات و مجازفات ظاهرة.
- و كذا قصة هاروت و ماروت في سورة البقرة، آية: 102.
- و من ذلك ما ذكره عند قوله تعالى: وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ [البقرة: 127].
- و من ذلك ما ذكره عند الآية أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ ... [البقرة: 243] حيث نقل عن الكلبي و مقاتل و غيرهما ممن يروي عن أهل الكتاب.
- و كذا عند الآية أَ لَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ ... [البقرة: 246].
- و ذكر خبرا مطولا في شأن قتل داود لجالوت عند الآية وَ قَتَلَ داوُدُ جالُوتَ ... [البقرة:
251].
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 27
- و ذكر خبرا مطولا عند الآية أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ ... [البقرة: 259].
- و ذكر خبرا عند قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ ... [آل عمران: 52].
- و ذكر خبر نزول المائدة و ما فيها و ما عليها عند قوله تعالى: قالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ ...
[المائدة: 115].
ترجمة الإمام البغوي (436- 516)
1- التعريف به:
هو الإمام الجليل العلامة الحافظ المسند الفقيه المفسر المقرئ، صاحب المصنفات التي اشتهرت في الآفاق، أحد من قام في عصره بنشر علوم الإسلام أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي.
2- نسبته:
اشتهرت نسبته بالبغوي، و ينسب أحيانا بالفراء أو ابن الفراء، نسبة لعمل أو بيع الفراء.
- أما نسبته البغوي، فهي إلى «بغ» أو «بغشور» و النسبة إلى بغشور على غير قياس.
- قال ياقوت الحموي في «معجم البلدان» 1/ 467:
بغشور بليدة بين هراة و مرو الرّوذ، شهر بهم من آبار عذبة، و هم في برية ليس عندهم شجرة واحدة، و يقال لها بغ أيضا، رأيتها في شهور سنة 616 و الخراب فيها ظاهر، و قد نسب إليها خلق كثير من الأعيان.
- و قال الفيروزآبادىّ: بغشور ... و هو معرب كوشور، أي الحفرة المالحة.
- و قال الزبيدي في «تاج العروس» 2/ 54:
و هذا تعريف غريب فإن- بغ- بالفارسية البستان، و لا ذكر للحفرة في الأصل، إلا أن يقال: إن أرض البستان دائما تكون محفورة.
3- ولادته و نشأته و حياته العلمية:
- ولد رحمه اللّه سنة 433 بذلك جزم ياقوت في «معجم البلدان» 1/ 467.
- نشأ في بلدته بغشور، و بها طلب العلم أولا، فما زال يجد و يجتهد في تحصيل علوم الشريعة، و بخاصة تفقهه بمذهب الشافعي حتى كان يميل فيه إلى الترجيح و التحقيق، من غير تعصب لمذهبه بل كان يطلع على أقوال باقي الأئمة، و يتعرف على أدلتهم.
- و مع ذلك كان يدعو إلى التمسك بالكتاب و السنة.
- و لم يكتف بما حصله من علوم في بلدته بل رحل في طلب المزيد، فرحل إلى مرو الرّوذ فالتقى هناك بالإمام الفقيه القاضي الحسين بن محمد المرورّوذي الشافعي فأخذ عنه، و تفقه عليه، و لازمه زمنا، و روى عنه.