کتابخانه تفاسیر
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 72
العموم، و الرحيم من تصل رحمته إليهم على الخصوص، و لذلك يدعى غير اللّه رحيما و لا يدعى [غير اللّه] «1» رحمانا، فالرحمن عام المعنى خاص اللفظ، و الرحيم عام اللفظ خاص المعنى، و الرحمة إرادة اللّه الخير لأهله، و قيل: هي ترك عقوبة من يستحقها و إسداء الخير إلى من لا يستحق، فهي على الأول صفة ذات و على الثاني صفة فعل.
و اختلفوا في آية التسمية فذهب قراء المدينة و البصرة و فقهاء الكوفة إلى أنها ليست من فاتحة الكتاب، و لا من غيرها من السور و الافتتاح بها للتّيمن و التبرك، و ذهب قراء مكة و الكوفة و أكثر فقهاء الحجاز إلى أنها [ليست] «2» من الفاتحة و ليست من سائر السور، و إنما «3» كتبت للفصل، و ذهب جماعة إلى أنها من الفاتحة و من كل سورة إلا سورة التوبة، و هو قول الثوري و ابن المبارك و الشافعي «4» ، لأنها كتبت في المصحف بخط سائر القرآن.
و اتفقوا على أن الفاتحة سبع آيات فالآية الأولى عند من يعدها من الفاتحة بسم اللّه الرّحمن الرّحيم و ابتداء الآية الأخيرة صراط الذين، و من لم يعدها من الفاتحة قال ابتداؤها الحمد للّه رب العالمين و ابتداء الآية الأخيرة غير المغضوب عليهم، و احتج من جعلها من الفاتحة و من السور بأنها كتبت في المصحف بخط القرآن و بما:
[25] أخبرنا [أبو الحسن] عبد الوهّاب بن محمد الكسائي، أنا أبو محمد عبد العزيز بن أحمد الخلال، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، و أنا الربيع بن سليمان أنا الشافعي أنا عبد المجيد عن ابن جريج أخبرني أبي عن سعيد بن جبير:
وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) [الحجر: 87]. هي أم القرآن قال أبي: و قرأها عليّ سعيد بن جبير حتى ختمها ثم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الآية السابعة، قال سعيد: قرأها عليّ ابن عباس كما قرأتها عليك ثم قال: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الآية السابعة، قال ابن عباس: فادخرها «5» لكم فما أخرجها لأحد قبلكم.
و من لم يجعلها من الفاتحة، احتج بما:
[26] ثنا أبو الحسن محمد بن محمد الشيرزي «6» أنا زاهر بن أحمد ثنا أبو إسحاق الهاشمي، أنا أبو
[25]- موقوف، فيه عبد المجيد، و هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، ضعفه قوم و وثقه آخرون.
هو في «شرح السنة» (581) بهذا الإسناد، و مثل هذا الإسناد لا يحتج به في مثل هذه المواطن.
[26]- إسناده صحيح على شرط البخاري و مسلم، أبو مصعب أحمد بن أبي بكر؛ حميد بن أبي حميد.
و هو في «شرح السنة» (584) بهذا الإسناد.
- و أخرجه مسلم 399 و مالك 1/ 81.
(1) سقط من المطبوع.
(2) زيد في المطبوع.
(3) في المطبوع «فإنما».
(4) زيد في المطبوع «في قول».
(5) في المطبوع «فذخرها».
(6) في الأصل «الشيرازي» و التصويب عن «الأنساب» و «شرح السنة» (584)
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 73
مصعب [عن مالك] «1» عن حميد الطويل عن أنس بن مالك أنه قال: قمت وراء أبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان كلهم [كان لا يقرأ] «2» بسم اللّه الرّحمن الرّحيم إذا افتتح الصلاة.
ع [27] قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لا يعرف ختم السورة حتى نزلت «3» بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. و عن ابن عباس «4» قال: كنا لا نعلم فصل ما بين السورتين حتى تنزل بسم اللّه الرحمن الرحيم.
ع [28] و قال الشعبي: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يكتب في بدء الأمر على رسم قريش باسمك اللهم حتى نزلت «5» وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها [هود: 41]، فكتب باسم اللّه حتى نزلت قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الإسراء: 110]، فكتب بسم اللّه الرحمن حتى نزلت آية إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (30) [النمل: 30] فكتب مثلها.
[سورة الفاتحة (1): الآيات 2 الى 3]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (2) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3)
قوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ لفظه خبر كأنه يخبر أن «6» المستحق للحمد هو اللّه عزّ و جلّ و فيه تعليم الخلق، تقديره: قولوا الحمد للّه، و الحمد يكون بمعنى الشكر على النعمة و يكون بمعنى الثناء عليه بما فيه من الخصال الحميدة، يقال حمدت فلانا على ما أسدى إليّ من نعمة، و حمدته على علمه و شجاعته، و الشكر لا يكون إلا على النعمة، و الحمد أعم من الشكر إذ لا يقال: شكرت فلانا على علمه، فكل حامد شاكر و ليس كل شاكر حامدا، و قيل: الحمد باللسان قولا و الشكر بالأركان فعلا، قال اللّه تعالى: وَ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً [الإسراء: 111]، و قال: اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً [سبأ: 13]، يعني: اعملوا الأعمال لأجل الشكر، فشكرا مفعولا له و انتصب باعملوا.
قوله: لِلَّهِ اللام فيه للاستحقاق كما يقال الدار لزيد قوله: رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) ، فالرب يكون بمعنى المالك كما يقال لمالك الدار: ربّ الدار، و يقال: ربّ الشيء إذا ملكه، و يكون بمعنى التربية و الإصلاح يقال: ربّ فلان الصنعة «7» يربها إذا أتمها و أصلحها، فهو ربّ مثل طب و بر، فاللّه تعالى مالك العالمين و مربّيهم، و لا يقال للمخلوق: هو الرب معرفا، إنّما يقال: ربّ كذا مضافا، لأنّ الألف و اللام للتعميم، و هو لا يملك الكل، و العالمين: جمع عالم [و العالم جمع] «8» لا واحد له من لفظه، و اختلفوا في العالمين.
[27]- ع أخرجه أبو داود 788 و الحاكم 1/ 231 عن ابن عباس به، و صححه الحاكم على شرطهما، و وافقه الذهبي، و له علة فقد كرره الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس، و صدره «كان المسلمون لا يعلمون ...» ليس فيه ذكر النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و هو أقرب، و إسناده صحيح و اللّه أعلم. و انظر «تفسير الشوكاني» (22) بتخريجي.
[28]- ع يأتي في سورة النمل: [30) إن شاء اللّه تعالى.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل و استدرك من «شرح السنة» و كتب التخريج.
(2) ما بين المعقوفتين في الأصل «كانوا لا يقرؤون» و التصويب عن «الموطأ» و «صحيح مسلم» و «شرح السنة».
(3) في المطبوع «ينزل».
(4) في المطبوع «مسعود».
(5) في المطبوع «نزل».
(6) في المطبوع «عن» بدل «أن».
(7) في المطبوع «الضيعة».
(8) زيد في المطبوع.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 74
قال ابن عباس: هم الجن و الإنس، لأنهم مكلفون بالخطاب، قال اللّه تعالى: لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1]: و قال قتادة و مجاهد و الحسن: جميع المخلوقين، قال اللّه تعالى: قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا [الشعراء: 23. 24]، و اشتقاقه من العلم و العلامة، سمّوا به لظهور أثر الصنعة فيهم، قال أبو عبيدة «1» : هم أربع أمم: الملائكة و الإنس و الجن و الشياطين، مشتق من العلم، و لا يقال للبهائم: عالم لأنها [لا تعلم و] «2» لا تعقل.
و اختلفوا في مبلغهم، قال سعيد بن المسيب «3» : للّه ألف عالم ستمائة في البحر و أربعمائة في البر، و قال مقاتل بن حيان: للّه ثمانون ألف عالم، أربعون ألفا في البحر و أربعون ألفا في البر، و قال وهب:
للّه ثمانية عشر ألف عالم، الدنيا عالم منها و ما العمران في الخراب إلا كفسطاط «4» في صحراء، و قال كعب الأحبار: و لا يحصي عدد العالمين أحد إلا اللّه، قال: وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر: 31].
[سورة الفاتحة (1): آية 4]
قوله: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) ، قرأ عاصم و الكسائي و يعقوب مالِكِ و قرأ الآخرون «ملك» قال قوم: معناهما واحد مثل فرهين و فارهين و حذرين و حاذرين، و معناهما الربّ، [كما] «5» يقال:
رب الدار و مالكها، و قيل: المالك «6» هو القادر على اختراع الأعيان من العدم إلى الوجود، و لا يقدر عليه أحد غير اللّه.
قال أبو عبيدة: «مالك» أجمع و أوسع لأنه يقال: مالك العبيد «7» و الطير و الدواب، و لا يقال ملك هذه الأشياء، و لأنّه لا يكون مالك لشيء إلّا و هو يملكه، و قد يكون ملك الشيء و لا يملكه.
و قال قوم: ملك أولى لأن كل ملك ملك، و ليس كل ملك ملكا، و لأنه أوفق لسائر القرآن، مثل قوله تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ* [المؤمنون: 116] و الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ* [الحشر: 23] و مَلِكِ النَّاسِ (2) [الناس: 2] قال ابن عباس و مقاتل و السدي: ملك يوم الدين قاضي يوم الحساب، [قال مجاهد: و الدين: الحساب. قال اللّه تعالى ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ* [الروم: 30] أي الحساب المستقيم] «8» ، و قال قتادة: الدين [الحساب] «9» ، و يقع على الجزاء في الخير و الشر جميعا، كما يقال: كما تدين تدان.
قال محمد بن كعب القرظي: مالك «10» يوم لا ينفع فيه إلا الدّين، و قال يمان بن رئاب: الدّين القهر، يقال دنته فدان، أي: قهرته فذل، و قيل: الدّين الطاعة، أي: يوم الطاعة، و إنما خص يوم الدين بالذكر مع كونه مالكا للأيام كلها لأن الأملاك يومئذ زائلة فلا ملك و لا أمر إلّا له، قال اللّه تعالى:
الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ [الفرقان: 26]، و قال: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16]، و قال: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19].
عمرو بن العاص، و السرادق من الأبنية.
(1) في المطبوع «عبيد».
(2) سقط من المطبوع.
(3) أثر سعيد بن المسيب و ما بعده متلقى عن أهل الكتاب لا حجة فيه.
(4) الفسطاط: مجتمع أهل الكورة (أي المدينة)- و علم مصر العتيقة التي بناها عمرو بن العاص و السرادق من البنية.
(5) سقط من المطبوع.
(6) زيد في المخطوط «و مالك».
(7) في المطبوع «العبد».
(8) سقط من المطبوع.
(9) في المطبوع «الجزاء».
(10) في المطبوع «ملك».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 75
و قرأ أبو عمرو: «الرحيم ملك» بإدغام الميم في الميم، و كذلك يدغم كل حرفين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج سواء كان الحرف ساكنا أو متحركا إلا أن يكون الحرف الأول مشددا أو منونا أو منقوصا أو [تاء الخطاب أو مفتوحا] «1» قبله ساكن في «2» غير المثلين فإنه لا يدغمها و إدغام المتحرك يكون في الإدغام الكبير، وافقه حمزة في إدغام المتحرك في قوله بَيَّتَ طائِفَةٌ [النساء: 81] وَ الصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) [الصافات: 1. 3] و وَ الذَّارِياتِ ذَرْواً (1) [الذاريات: 1]، و أدغم التاء فيما بعدها من الحروف وافقه حمزة برواية رجاء و خلف و الكسائي [في إدغام الصغير، و هو إدغام الساكن في المتحرك برواية جابر و خلف] «3» إلّا في الراء عند اللام و الدال عند الجيم، و كذلك لا يدغم حمزة الدال عند السين و الصاد و الزاي، و لا إدغام لسائر القراء إلّا في أحرف معدودة.
[سورة الفاتحة (1): آية 5]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
قوله: إِيَّاكَ ، إيّا كلمة ضمير خصت بالإضافة إلى المضمر، و يستعمل مقدما على الفعل، فيقال: إياك أعني و إياك أسأل، و لا يستعمل مؤخرا إلا منفصلا فيقال: ما عنيت إلّا إياك.
قوله: نَعْبُدُ أي: نوحدك و نطيعك خاضعين، و العبادة الطاعة مع التذلل و الخضوع و سمي العبد عبدا لذلته و انقياده يقال: طريق معبد أي: مذلل، وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ، نطلب منك المعونة على عبادتك و على جميع أمورنا.
فإن قيل: لم قدّم ذكر العبادة على الاستعانة و الاستعانة تكون قبل العبادة، [قيل] «4» هذا «5» يلزم من يجعل الاستطاعة قبل الفعل، و نحن نحمد اللّه و نجعل التوفيق و الاستطاعة «6» مع الفعل، فلا فرق بين التقديم و التأخير، و يقال: الاستطاعة نوع تعبّد فكأنه ذكر جملة العبادة أوّلا، ثم ذكر ما هو من تفاصيلها «7» .
[سورة الفاتحة (1): آية 6]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) ، اهدنا: أرشدنا، و قال «8» أبيّ بن كعب: ثبتنا، كما يقال للقائم: قم حتى أعود إليك، أي: دم على ما أنت عليه، و هذا الدعاء من المؤمنين مع كونهم على الهداية، بمعنى التثبيت و بمعنى طلب مزيد الهداية، لأن الإلطاف و الهدايات من اللّه تعالى لا تتناهى على مذهب أهل السنة.
الصِّراطَ : و «السراط» «9» قرئ بالسين رواه رويس «10» عن يعقوب و هو الأصل سمي سراطا لأنه يسرط السابلة، و يقرأ بالزاي و قرأ حمزة بإشمام الزاي و كلها لغات صحيحة، و الاختيار الصاد عند أكثر القراء لموافقة المصحف.
(1) العبارة في المطبوع «مفتوحا أو تاء الخطاب».
(2) في المطبوع «من».
(3) سقط من المطبوع.
(4) سقط من المطبوع.
(5) في المطبوع «فلهذا».
(6) في المطبوع «الاستعانة».
(7) في المخطوط- أ- ب «فضائلها».
(8) زيد في المطبوع «علي».
(9) في المطبوع «و صراط».
(10) وقع في كافة النسخ «أويس» و هو تصحيف، و التصويب عن «البدور الزاهرة» ص (2)
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 76
و الصراط المستقيم: قال ابن عباس و جابر: هو الإسلام و هو قول مقاتل، و قال ابن مسعود: هو القرآن.
ع [29] و روي عن علي مرفوعا «الصراط المستقيم كتاب اللّه».
و قال سعيد بن جبير: طريق الجنة، و قال سهل بن عبد اللّه: طريق السنة و الجماعة، و قال بكر بن عبد اللّه المزني: طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و قال أبو العالية و الحسن: رسول اللّه و صاحباه «1» ، و أصله في اللغة الطريق الواضح.
[سورة الفاتحة (1): آية 7]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لا الضَّالِّينَ (7)
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ أي: مننت عليهم بالهداية و التوفيق، قال عكرمة: مننت عليهم بالثبات على الإيمان و الاستقامة و هم الأنبياء عليهم السلام، و قيل: هم كل من ثبّته اللّه على الإيمان من النبيين و المؤمنين الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ [النساء: 69] الآية.
قال ابن عباس: هم قوم موسى و عيسى عليهما السلام قبل أن يغيّروا دينهم، و قال عبد الرحمن:
هم النبي و من معه، و قال أبو العالية: هم الرسول صلّى اللّه عليه و سلّم و أبو بكر و عمر رضي اللّه عنهما، و قال عبد الرحمن بن [زيد] «2» : رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أهل بيته، و قال شهر بن حوشب: هم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم [و أهل بيته] «3» .
قرأ حمزة «عليهم و لديهم و إليهم» بضم الهاء «4» ، و يضم يعقوب كل هاء قبلها ياء ساكنة تثنية و جمعا إلا قوله: بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَ أَرْجُلِهِنَ [الممتحنة: 12]، و قرأ الآخرون بكسرها «5» ، فمن ضم الهاء ردها إلى الأصل لأنها مضمومة عند الانفراد، و من كسر «6» فلأجل الياء الساكنة و الياء أخت الكسرة، و ضم ابن كثير و أبو جعفر كل ميم جمع [ضما] «7» مشبعا في الوصل إذا لم يلقها ساكن، فإن لقيها ساكن فلا يشبع، و نافع يخفف «8» ، و يضم ورش عند ألف القطع، و إذا لقته «9» ألف وصل و قبل الهاء كسرة أو ياء ساكنة ضم الهاء و الميم حمزة و الكسائي و كسر هما أبو عمرو، كذلك يعقوب إذا انكسر ما قبله، و الآخرون [يقرؤون] «10» بضم الميم و كسر الهاء لأجل الياء أو لكسر ما قبلها و ضم الميم على الأصل.
قوله: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ يعني: غير صراط الذين غضبت عليهم، و الغضب هو إرادة الانتقام من العصاة، و غضب اللّه تعالى لا يلحق عصاة المؤمنين إنما يلحق الكافرين.
وَ لَا الضَّالِّينَ أي: و غير الضالين عن الهدى، و أصل الضلال الهلاك و الغيبوبة، يقال: ضل
[29]- ع انظر الحديث المتقدم برقم: 5، و الراجح فيه الوقف.
(1) زيد في المطبوع «و آله».
(2) في الأصل «زيدان» و هو تصحيف.
(3) زيد في المطبوع.
(4) في المطبوع «هاءاتها».
(5) في المطبوع «بكسر هما».
(6) في المطبوع «كسرها».
(7) سقط من المطبوع.
(8) في المطبوع «يخير».
(9) في المطبوع «تلقته».
(10) زيد في المطبوع.
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 77
الماء في اللبن إذا هلك و غاب، و «غير» هاهنا بمعنى لا، و لا بمعنى غير، و لذلك جاز العطف [عليها] «1» ، كما يقال: فلان غير محسن و لا مجمل، فإذا كان غير بمعنى سوى، فلا يجوز العطف عليها بلا، لا يجوز في الكلام: عندي سوى عبد اللّه و لا زيد، و قرأ عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه «2» : «غير المغضوب عليهم و غير الضالين»، و قيل: المغضوب عليهم: هم اليهود. و الضالون: هم النصارى. لأن اللّه تعالى حكم على اليهود بالغضب، فقال: مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ [المائدة: 60]، و حكم على النصارى بالضلال فقال: وَ لا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ [المائدة: 77].
و قال سهل بن عبد اللّه: غير المغضوب عليهم بالبدعة و لا الضالين عن السنة، و السنة للقارئ أن يقول بعد فراغه من قراءة الفاتحة: «آمين»، مفصولا عن الفاتحة بسكتة، و هو مخفف و يجوز ممدودا و مقصورا، و معناه اللهم اسمع و استجب، و قال ابن عباس و قتادة: معناه كذلك يكون، و قال مجاهد: هو اسم من أسماء اللّه تعالى، و قيل: هو طابع الدعاء، و قيل: هو خاتم اللّه على عباده يدفع به الآفات عنهم، كخاتم الكتاب يمنعه من الفساد و ظهور ما فيه.
[30] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد بن القاضي، و أبو حامد أحمد بن عبد اللّه الصالحي قالا:
أنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري أنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن معقل الميداني، ثنا محمد بن يحيى ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة رضي اللّه عنه:
أن النبي صلّى اللّه عليه و سلّم قال: «إذا قال الإمام: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَ لَا الضَّالِّينَ ، فقولوا: آمين، فإن الملائكة يقولون «3» : آمين، و إن الإمام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» صحيح.
[30]- صحيح. محمد بن يحيى هو الذهلي خرج له البخاري، و من فوقه رجال البخاري و مسلم، عبد الرزاق هو ابن همام صاحب المصنف، و معمر هو ابن راشد و الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، و ابن المسيب هو سعيد، و هذا إسناد كالشمس.
و هو في «شرح السنة» (590) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق عبد الرزاق، و هو في «المصنف» (2644) عن معمر بهذا الإسناد.
و أخرجه البخاري 780 و 782 و 6402 و مسلم 410 و أبو داود 936 و الترمذي 250 و النسائي 2/ 144 و ابن ماجه 852 و مالك 1/ 87 و الشافعي في «المسند» (1/ 76- 77) و أحمد 2/ 233 و ابن خزيمة 569 و ابن حبان 1804 و البيهقي 2/ 57 من طرق كلهم من حديث أبي هريرة.
(1) زيد في المطبوع.
(2) في المطبوع تقديم و تأخير هاهنا مخلّ بالمعنى.
(3) في المطبوع «تقول» و في- ب- «تقولون».
معالم التنزيل فى تفسير القرآن، ج1، ص: 78
(فصل في فضائل «1» فاتحة الكتاب)
[31] أنا أبو الحسن «2» أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكيّالي «3» أنا أبو نصر محمد بن علي بن الفضل الخزاعي، أنا أبو عثمان عمرو «4» بن عبد اللّه البصري ثنا محمد بن عبد «5» الوهّاب، ثنا خالد بن مخلد القطواني «6» حدثني محمد بن جعفر بن أبي كثير هو أخو إسماعيل بن جعفر عن «7» العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على أبي بن كعب و هو قائم يصلي فصاح به فقال: «تعال يا أبي» فعجّل أبي في صلاته، ثم جاء إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال: «ما منعك يا أبي أن تجيبني إذ دعوتك، أليس اللّه يقول:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ » [الأنفال: 24]؟ قال أبي: لا جرم يا رسول اللّه، لا تدعوني إلا أجبتك و إن كنت مصليا، قال «8» : «تحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان «9» مثلها»؟ فقال أبي: نعم يا رسول اللّه! فقال: «لا تخرج من باب المسجد حتى تعلّمها»، و النبي صلّى اللّه عليه و سلّم يمشي يريد أن يخرج من المسجد فلما بلغ الباب ليخرج قال له أبي: السورة، يا رسول اللّه، فوقف فقال: «نعم! كيف تقرأ في صلاتك»؟ فقرأ أبي أمّ القرآن، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «و الذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة و لا في الإنجيل و لا في الزبور و لا في الفرقان «10» مثلها و إنما هي السبع من «11» المثاني التي آتاني اللّه عزّ و جلّ»، هذا حديث حسن صحيح.
[31]- صحيح، خالد بن مخلد، روى له البخاري، و فيه ضعف لكن توبع، و شيخه روى له الشيخان، و العلاء من رجال مسلم، و أبوه روى له الشيخان.
و هو في «شرح السنة» (1183) بهذا الإسناد. و قال البغوي: هذا حديث صحيح.
- و أخرجه الترمذي 2875 من طريق قتيبة عن عبد العزيز بن محمد عن العلاء به.
و قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. و وافقه البغوي.
- و ورد بنحوه مختصرا من طريق عبد الحميد بن جعفر عن العلاء بهذا الإسناد. أخرجه الترمذي 3125 و النسائي 2/ 139 و أحمد 5/ 114 و الحاكم 1/ 557 و ابن خزيمة 500 و ابن حبان 775 و صححه الحاكم، و وافقه الذهبي.
و أخرجه مالك 1/ 83 عن العلاء عن أبي سعيد مولى عامر بن كريز مرسلا.
- و في الباب من حديث أبي سعيد بن المعلى أخرجه البخاري 4474 و 4647 و 4703 و 5006 و أبو داود 1458 و النسائي 2/ 139 و ابن ماجه 3785 و الطيالسي 2/ 9 و أحمد 3/ 211 و 450 و ابن حبان 777 و الطبراني 22/ (303) و البيهقي 2/ 368، و انظر «فتح الباري» (8/ 157).
(1) في المطبوع «فضل».
(2) في «شرح السنة» «أبو الحسين».
(3) وقع في الأصل «الكتاني» و التصويب عن «شرح السنة» و عن «ط».
(4) في الأصل «عمر» و التصويب عن «ط» و عن «شرح السنة».
(5) في الأصل «عبد اللّه الوهّاب» و التصويب عن «شرح السنة».
(6) في الأصل «القطراني» و التصويب عن «شرح السنة» و كتاب «الأنساب» للسمعاني.
(7) في الأصل «ابن العلاء» و التصويب عن «شرح السنة» و كتب التخريج.
(8) في المخطوط «فقال» و المثبت عن «شرح السنة» و المطبوع.
(9) في المطبوع «القرآن».
(10) في المطبوع «القرآن».