کتابخانه تفاسیر
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 185
لم يحصل من البيت هذه الأمور فهو كالبيداء و كذلك المعبود ينبغي أن يكون منه الخلق و الرزق و النفع و دفع الضرر فإن لم يكن كذلك فهو و المعدوم سواء.
على أنّه أدنى مراتب البيت أنّه إذا لم يكن سبب ثبات و ارتفاق فلا أقلّ من أن لا يكون سبب شتات و افتراق لكن بيت العنكبوت يصير سبب انزعاج العنكبوت فإنّ العنكبوت لو دام بيته في زاوية مدّة و اتّخذ بيتا أتبعه صاحب الملك بتنظيف البيت منه و الكنس و يقدم بأمور مؤذية لجسم العنكبوت فكذلك العابد للوثن إن دام على عبادته فذلك يوجب له العذاب الدائم.
و إنّما عبّر سبحانه بقوله: «من دون اللّه أولياء» و لم يقل آلهة إشارة إلى الشرك الخفي و فساده فإنّ من عبد اللّه رياء لغيره فقد اتّخذو ليّا غيره فمثله مثل العنكبوت.
ثمّ قال سبحانه: [وَ إِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ] صحّة ما أخبرناهم، و تقدير الآية: لو علموا أنّ اتّخاذهم الأولياء كاتّخاذ العنكبوت بيتا سخيفا لم يتّخذوهم أولياء.
قوله تعالى: [إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] هذا زيادة توكيد على التمثّل أي إنّ اللّه يعلم أنّ ما يدعونه ليس بشيء و يعلم عبادتهم لغيره و هو قادر على إهلاكهم و حكيم في الأمور يمهلهم للمصلحة و وجه النظم مع الآية السابقة هو أنّه لما مثّل أهل عبادة غير اللّه كمثل العنكبوت و الكافر لو يقول أنا لا أعبد هذه الأوثان الّتي أتّخذها و هي تحت تسخيري و إنّما أعبد صورة كوكب أو شخص أنا تحت تسخيره و منه نفعي و ضرري و خيري و شرّي و وجودي و دوامي فله سجودي و إعظامي فقال: إنّ اللّه يعلم أنّ كلّ ما يعبدون من دون اللّه هو مثل بيت العنكبوت لأنّ الكوكب و الملك و الفلك و كلّ ما عدا اللّه لا ينفع و لا يضرّ إلّا بإذن اللّه فعبادتكم للغائب الّذي بزعمكم هو النافع و تزعمون هذا الحاضر الّذي تعبدونه مثال ذلك الغائب و هيكله و لهذا الهيكل تعلّق بذلك الأصل فكلّ هذه المزعومات مثل العنكبوت و لا يستحقّون العبادة.
قوله: [وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ] قال الكافرون: كيف يضرب خالق السّماوات و الأرض الأمثال بالحشرات و الهوامّ مثل البعوض و الذباب
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 186
و العنكبوت؟ فيقال: الأمثال تضرب للنّاس و إن لم يكونوا كالبهائم يحصل لكم تدبّرو إدراك و التشبيه يؤثّر في النفس مثل تأثير الدليل فإنّ الحكيم إذا قال لمن يغتاب: إنّك بالغيبة كأنّك تأكل لحم ميّت لأنّك وقعت في هذا الرجل و هو غائب لا يفهم ما تقول و لا يسمع حتّى يجيب كمن يقع في لحم ميّت يأكل منه و الميّت لا يعلم و لا يقدر على دفعه فحينئذ ينفر الإنسان بعد هذا التشبيه من الغيبة، و ما يعقلها و ما يفهم هذه الأمثال إلّا العلماء الّذين عقلوا الطاعة عن المعصية فعمل بالطاعة و اجتنب عن المعصية.
ثمّ بيّن ما يدلّ على الهيته فقال: [خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ] و أخرجهما من العدم إلى الوجود و لم يخلقهما عبثا بل خلقهما ليسكنهما خلقه و ليستدلّوا بهما على إلهيته و وحدانيّته [بِالْحَقِ] أي حقيقة على وجه الحكمة و الإتقان و لإظهار الحقّ [إِنَّ فِي ذلِكَ] الخلق و الأمر [لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ] لأنّهم المنتفعون بذلك و لذلك خصّ المؤمنين بالذكر و إلّا أنّهما آية للمؤمن و الكافر و لمّا لم ينتفع الكافر أضيفت إلى المؤمن.
ثمّ خاطب نبيّه فقال: [اتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ] أي اقرأ ما اوحي إليك من القرآن على المكلّفين و اعمل بما تضمّنه [وَ أَقِمِ الصَّلاةَ] أي أدّها بحدودها في مواقيتها [إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ] .
و في الآية دلالة على أنّ فعل الصلاة لطف للمكلّف في ترك القبيح و المعاصي الّتي ينكرها الشرع و العقل فإذا كان أثرها أنّها تنهى عن القبيح يكون توفيقا. و قيل: إنّ الصّلاة بمنزلة الناهي بالقول إذا قال لا تفعل الفحشاء و المنكر و ذلك لأنّ فيها التكبير و التسبيح و القراءة و الوقوف بين يدي اللّه و غير ذلك من صنوف العبادة و كلّ ذلك يدعو إلى شكله و يصرف عن ضدّه لأن شبيه الشيء ينجذب إليه فحينئذ يكون مثل الآمر و الناهي و مؤدّ إلى الخير و صارف عن الشرّ الّذي ضدّه.
و قيل: تنهى صاحبها عن الفحشاء و المنكر ما دام فيها كقوله: «وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً» «1» و هذا ضعيف لأنّه ليس مدحا للصّلاة بل النوم كذلك.
و قال ابن عبّاس في الصّلاة منهى و مزدجر عن معاصي اللّه فمن لم تنهه صلاته عن
(1) آل عمران: 97.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 187
المعاصي لم يزدد من اللّه إلّا بعدا. و قال الحسن و قتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر فليست صلاته بصلاة و هي و مال عليه. و روى أنس بن مالك الجهنيّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
من لم تنهه صلاته عن الفحشاء و المنكر لم يزدد من اللّه إلّا بعدا. و روي عن أنس بن مسعود عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال: لا صلاة لمن لم يطع الصلاة و طاعة الصلاة أن ينتهي المصلّي عن الفحشاء و المنكر فإذا لم ينته عن المعاصي لم تكن صلاته بالصفة الّتي وصفها اللّه بها فإن تاب من بعد ذلك و ترك المعاصي فقد تبيّن أنّ صلاته كانت نافعة له و ناهية و إن لم ينته إلّا بعد زمان.
و روى أنس أنّ فتى من الأنصار كان يصلّي الصلاة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و يرتكب الفواحش فوصف ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال: إنّ صلاته تنهاه يوما. و عن جابر قال:
قيل لرسول اللّه: إنّ فلانا يصلّي بالنهار و يسرق بالليل فقال: إنّ صلاته لتردعه. و روى أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء و المنكر فبقدر ما منعته قبلت منه. انتهى.
و في المسألة تحقيق آخر و هو أنّ من كان من العقلاء و هو مشتغل بخدمة ملك عظيم الشأن كثير الإحسان في حقّه إذا رأى أنّ عبدا من عبيد ذلك الملك جنى جناية عظيمة بحيث طرده الملك طردا لا يتصوّر قبوله وفاته الخير بحيث لا يرجى حصوله فإذا هذا العبد المتقرّب عند الملك كيف يقرّب في طاعة ذلك المطرود و يخالف مولاه فكذلك المصلّي إذا صلّى و قام بين يدي اللّه و ناجى مولاه فكيف يترك طاعة اللّه و يدخل تحت طاعة الشيطان المطرود.
و هناك مثال آخر و هو أنّ من يباشر القاذورات كالزبّال و الكنّاس يكون له لباس نظيف فإذا لبسه لا يباشر معه القاذورات و كلّما كان ثوبه أرفع و أبهى كان امتناعه عن الخبائث أكثر فكذلك العبد إذا صلّى لبس لباس التقوى فكيف مع هذا اللباس يباشر قاذورات الفحشاء و المنكر؟ ثمّ إنّ الصلوات متكرّره واحدة بعد واحدة فيدوم هذا اللبس فيدوم الامتناع.
و في الآية وجه و تحقيق معقوليّ و هو أنّ المراد من قوله: «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 188
الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ» هو أنّها تنهى عن التعطيل و الإشراك و التعطيل هو إنكار وجود اللّه و الإشراك إثبات الوهيّة لغير اللّه فالتعطيل عقيدة فحشاء لأنّ الفاحش هو القبيح الظاهر القبح لكن وجود اللّه أظهر من الشمس و الإشراك منكر و ذلك أنّ اللّه لمّا أطلق اسم المنكر على من نسب نفسا إلى غير الولد حيث قال: «إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ» «1» فالمشرك الّذي يقول: الملائكة بنات اللّه، و ينسب الولد إلى من لم يلد كيف لا يكون قوله منكرا؟
فالصلاة تنهى عن الفحشاء أي هذه الفحشاء و هذا المنكر و ذلك لأنّ العبد أوّل ما يشرع في الصلاة يقول: «اللّه أكبر» فبقوله «اللّه» ينفي التعطيل و عقيدة الفحشاء و بقوله «أكبر» ينفي التشريك لأنّ الشريك لا يكون أكبر من الشريك الآخر فإذا قال «بِسْمِ اللَّهِ» نفى التعطيل و إذا قال «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» نفى الإشراك لأنّ الرحمن من يعطي الوجود بالخلق بالرحمة و الرحيم من يعطي البقاء بالرزق بالرحمة فإذا قال: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» أثبت بقوله «الحمد» خلاف التعطيل و بقوله «رَبِّ الْعالَمِينَ» خلاف الإشراك فإذا قال «إِيَّاكَ نَعْبُدُ» نفى التعطيل و الإشراك و كذا بقوله «وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» فإذا قال «اهْدِنَا الصِّراطَ» نفى التعطيل لأنّ طالب الصراط له مقصد و المعطّل لا مقصد له و «الْمُسْتَقِيمَ» نفى الإشراك لأنّ المستقيم هو الأقرب و المشرك يعبد الأصنام حتّى أنّه يعبد صورة صوّرها إله العالمين و يظنّون أنّهم يشفعون لهم و عبادة اللّه من غير واسطة أقرب و على هذا إلى آخر الصلاة فيقول: «أشهد أن لا إله إلّا اللّه» فينفي الإشراك و التعطيل و الصلاة أوّلها لفظة اللّه و آخرها لفظة اللّه فيقتضي أنّ المصلّي يكون من أوّلها إلى آخرها حاضر القلب مع اللّه و وجب شهادة الرسالة لمحمّد في الصلاة ليعلم المصلّي أنّه إنّما وصل بهذه المنزلة الرفيعة بأن يخاطب و يناجي ربّه بهداية محمّد صلّى اللّه عليه و آله فلا بدّ أن يذكر إحسان محمّد بالصلاة عليه.
ثمّ إنّ المصلّي إذا رجع من سفر معراجه يسلم أوّلا على نبيّه الّذي به نال هذه المرتبة ثمّ يسلّم على إخوانه المؤمنين. و اعلم أنّ الصلاة هيئة فيها هيبة فإنّ أوّلها وقوف العبد المملوك بين يدي مولاه و آخرها جثوّ كما يجثو بين يدي السلطان كمن
(1) المجادلة: 2.
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 189
أكرمه السلطان بالشرافة في الجلوس لأنّ العبد بالوقوف في الصلاة و الثناء على اللّه يتكرّم عند اللّه بهذه العبادة فيشرّف بالجلوس ما جلسه و جثا.
و بالجملة [وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ] أي و ذكر اللّه إيّاكم برحمته أكبر من ذكركم إيّاه بطاعته عن ابن عبّاس و سلمان و ابن مسعود و جماعة و قيل: ذكر العبد ربّه أفضل و أكبر من سائر أعماله الصالحة و يمكن أن يكون معناه إنّ أكبر شيء للنهي عن الفحشاء ذكر العبد ربّه فإنّه أقوى لطف يدعو إلى الطاعة و ترك المعصية و هو أكبر من كلّ لطف أي من كان ذاكرا للّه فيجب أن ينهاه ذكره عن الفحشاء و المنكر.
و روى ثابت البنانيّ قال: إنّ رجلا أعتق أربع رقاب فقال رجل آخر و هو فقير:
سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر ثمّ دخل المسجد فأتى حبيب بن أو في السلميّ و أصحابه فقال: ما تقولون في رجل أعتق أربع رقاب و إنّي أقول: سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلّا اللّه و اللّه أكبر فأيّهما أفضل؟ فنظروا هنيئة فقالوا: ما نعلم شيئا أكبر و أفضل من ذكر اللّه. و عن معاذ بن جبل قال: ما عمل آدميّ عملا أنجا له من عذاب اللّه من ذكر اللّه عزّوجل قيل: و لا الجهاد في سبيل اللّه؟ قال: و لا الجهاد في سبيل اللّه فإنّ اللّه يقول:
«وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» و عنه: قال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: أي الأعمال أحبّ إلى اللّه؟
قال: أن تموت و لسانك رطب عن ذكر اللّه و قال: يا معاذ إنّ السابقين الّذين يسهرون و يذكرون اللّه عزّ و جلّ و من أحبّ أن يرتع في رياض الجنّة فليكثر ذكر اللّه.
و روي عن عطاء بن السائب عن عبد اللّه بن ربيعة عن ابن عبّاس قال: قال عبد اللّه بن عبّاس: أ رأيت قول اللّه: «وَ لَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» قال: ذكر اللّه بالقرآن حسن و ذكره بالصلاة حسن و بالتسبيح و التكبير حسن و أحسن من ذلك أن يذكر الرجل ربّه عند المعصية فينحجز عنها فقال ابن عبّاس: لقد قلت قولا عجيبا و أمّا هو كما قلت و لكن ذكر اللّه إيّاكم أكبر من ذكركم إيّاه.
هذا كلّه إذا كان اللفظ بمعنى التفضيل و أمّا إذا كان بمعنى الوصف فمعناه أنّ ذكر اللّه له الكبر لا لغيره كما يقال في الصلاة: اللّه أكبر أي له الكبر لا لغيره، و لعلّ في ترك ذكر المفضّل عليه هذه النكتة و هي أنّه لا يقال: الجبل أكبر من الخردلة و إنّما يقال هذا الجبل
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 190
أكبر من ذلك الجبل إذ كلّ كبير و عظيم بالنسبة إلى كبريائه أصغر من الخردلة.
قوله: [وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَصْنَعُونَ] عالم بصنائعكم من التلاوة و الصلاة و الذكر و جميع ما أنتم صانعون.
قوله: [سورة العنكبوت (29): آية 46]
لمّا بيّن في الآية السابقة طريقة الدعاء و الذكر شرح في هذه الآية طريقة دعوة أهل الكتاب و إرشادهم فقال:
و لا تجادلوهم بالسيف و الخشونة و جادلوهم بالحجّة و الرفق و اللينة لحصول الخير و النفع بها و المراد من أهل الكتاب قيل: نصارى نجران، و قيل: اليهود و النصارى و في الآية دلالة على وجوب استعمال القول الجميل في التنبيه على آيات اللّه.
[إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ] أي إلّا من أبي أن يقرّ بالجزية منهم و نصب الحرب فجادلوا هؤلاء بالسيف حتّى يسلموا أو يعطوا الجزية. و قيل: معنى «إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» بالعناد و كتمان صفة بعد العلم به. و قيل: إلّا الّذين ظلموا منهم بالإقامة على الكفر بعد قيام الحجّة. و الأولى أن يكون معناه إلّا الّذين ظلموك في جدالهم أو في غيره ممّا يقتضي الإغلاظ لهم فيجوز أن يسلكوا معهم طريقة الغلظة و قيل: الآية منسوخه بآية السيف و الصحيح أنّها غير منسوخة لأنّ الجدال على الوجه الأحسن هو الواجب الّذي لا يجوز غيره.
[وَ قُولُوا] لهم في المجادلة و الدعوة: [آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ] أي آمنّا بالكتاب الّذي انزل إلينا و بالكتاب الّذي انزل إليكم [وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ] لا شريك له [وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] و طائعون.
قوله تعالى: [سورة العنكبوت (29): الآيات 47 الى 50]
مقتنيات الدرر و ملتقطات الثمر، ج8، ص: 191
[وَ كَذلِكَ] أي و مثل ما أنزلنا الكتاب على موسى و عيسى [أَنْزَلْنا] عليك القرآن [فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ] أي علم الكتاب [يُؤْمِنُونَ بِهِ] بالقرآن.
و قيل: المراد مؤمني أهل الكتاب مثل عبد اللّه بن سلام و نظرائه.
و قيل: الضمير في «به» راجع إلى النبيّ صلّى اللّه عليه و آله [وَ مِنْ هؤُلاءِ] يعني كفّار مكّة [مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ] أي من أسلم منهم و يحتمل أن هو يريد بقوله: «فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ» المسلمين و الكتاب القرآن، وَ «مِنْ هؤُلاءِ» يعني و من اليهود و النصارى من يؤمن به [وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ] أي و ما ينكر دلائلنا و آياتنا الشاهدة على توحيدنا إلّا الكافرون، القميّ ما يجحد بأمير المؤمنين و الأئمّة إلّا الكافرون.
ثمّ خاطب نبيّه: [وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ] أي و ما كنت يا محمّد تقرأ قبل القرآن كتابا أي إنّك لم تكن تحسن القراءة قبل أن يوحي إليك بالقرآن [وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ] أي و ما كنت أيضا تكتبه بيدك أي و لو كنت تقرأ كتابا أو تكتبه لوجد المبطلون طريقا إلى اكتساب الشكّ و المناقشة في أمرك و إلقاء الريبة لضعفة الناس في نبوّتك و لقالوا: إنّما تقرء علينا ما جمعته من كتب الأوّلين فلمّا ساويتهم في المولد و المنشأ ثمّ آتيتهم بما عجزوا عنه وجب أن يعلموا أنّه من عند اللّه و ليس من عندك.
قال الشريف المرتضى علم الهدى قدّس اللّه روحه: هذه الآية تدلّ على أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما كان يحسن الكتابة قبل النبوّة فأمّا بعد النبوّة فالّذي نعتقده في ذلك التجويز يكونه عالما بالكتابة و القراءة و بكونه غير عالم بالقراءة و الكتابة من غير قطع على أحد الأمر بن و ظاهر الآية يقتضي أنّ النفي قد تعلّق بما قبل النبوّة فأمّا ما بعد النبوّة فلا تعلّق له بالريبة و التهمة فيجوز أن يكون قد تعلّم من جبرئيل بعد النبوّة.