کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 24
المستقيم، و هو الذي لا تزيغ به الأهواء، و لا تتشعب معه الآراء، و لا يشبع منه العلماء، و لا يمله الأتقياء، من علم علمه سبق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من عصم به فقد هدي إلى صراط مستقيم».
و
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من أراد علم الأولين و الآخرين فليثور القرآن».
و
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «اتلوا هذا القرآن، فإن اللّه تعالى يأجركم بالحرف عشر حسنات، و أما أني لا أقول ألم حرف، و لكن الألف حرف و اللام حرف و الميم حرف».
و
روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال، في آخر خطبة خطبها، و هو مريض: «أيها الناس، إني تارك فيكم الثقلين، إنه لن تعمى أبصاركم، و لن تضل قلوبكم، و لن تزلّ أقدامكم، و لن تقصر أيديكم، كتاب اللّه سبب بينكم و بينه، طرفه بيده و طرفه بأيديكم، فاعملوا بمحكمه، و آمنوا بمتشابهه، و أحلوا حلاله، و حرموا حرامه، ألا و أهل بيتي و عترتي، و هو الثقل الآخر، فلا تسبوهم فتهلكوا».
و
روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «من قرأ القرآن فرأى أن أحدا أوتي أفضل مما أوتي، فقد استصغر ما عظم اللّه».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «ما من شفيع أفضل عند اللّه من القرآن، لا نبي و لا ملك».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضل عبادة أمتي بالقرآن».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «أشرف أمتي حملة القرآن».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «من قرأ مائة آية كتب من القانتين، و من قرأ مائتي آية لم يكن من الغافلين، و من قرأ ثلاثمائة آية لم يحاجه القرآن».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «القرآن شافع مشفع، و ما حل مصدق، من شفع له القرآن نجا، و من محل به القرآن يوم القيامة أكبه اللّه لوجهه في النار، و أحق من شفع له القرآن أهله و حملته، و أولى من محل به القرآن من عدل عنه وضيعه».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إن أصغر البيوت بيت صفر من كتاب اللّه تعالى».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه قال: «إن الذي يتعاهد القرآن و يشتد عليه له أجران، و الذي يقرأه و هو خفيف عليه مع السفرة الكرام البررة».
و
عنه صلّى اللّه عليه و سلّم: «أفضلكم من تعلم القرآن و علمه».
و
قال قوم من الأنصار للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم: ألم تر يا رسول اللّه ثابت بن قيس لم تزل داره البارحة تزهر، و حولها أمثال المصابيح؟ فقال لهم: «فلعله قرأ سورة البقرة». فسئل ثابت بن قيس فقال: قرأت سورة البقرة.
و قد خرج البخاري في تنزيل الملائكة في الظلمة لصوت أسيد بن حضير بقراءة سورة البقرة، و
قال عقبة بن عامر: عهد إلينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حجة الوداع فقال: «عليكم بالقرآن».
و
سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن أحسن الناس قراءة أو صوتا بالقرآن فقال: «الذي إذا سمعته رأيته يخشى اللّه تعالى».
و أما ما ورد في تفسيره،
فروى ابن عباس أن رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: أي علم
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 25
القرآن أفضل؟ فقال النبي صلّى اللّه عليه و سلّم: «عربيته، فالتمسوها في الشعر».
و
قال أيضا صلّى اللّه عليه و سلّم: «أعربوا القرآن، و التمسوا غرائبه، فإن اللّه تعالى يحب أن يعرب، و قد فسرت الحكمة من قوله تعالى: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ «1» بأنها تفسير القرآن».
و
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة».
و قال الحسن: أهلكتهم العجمة، يقرأ أحدهم الآية، فيعيا بوجوهها حتى يفتري على اللّه فيها. و قال ابن عباس: الذي يقرأ القرآن و لا يفسر كالإعرابي الذي يهذ الشعر. و وصف علي جابر بن عبد اللّه، لكونه يعرف تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ «2» . و رحل مسروق البصرة في تفسير آية، فقيل له: الذي يفسرها رجع إلى الشام، فتجهز و رحل إليه حتى علم تفسيرها.
و قال مجاهد: أحب الخلق إلى اللّه تعالى أعلمهم بما أنزل.
و ما
روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: «من كونه لا يفسر من كتاب اللّه إلا آيا بعدد علمه إياهن جبريل عليه السلام».
محمول ذلك على مغيبات القرآن و تفسيره لمجمله و نحوه، مما لا سبيل إليه إلا بتوقيف من اللّه تعالى. و ما
روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم من قوله: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب، فقد أخطأ
محمول على من تسور على تفسيره برأيه، دون نظر في أقوال العلماء و قوانين العلوم، كالنحو و اللغة و الأصول، و ليس من اجتهد ففسر على قوانين العلم و النظر بداخل في ذلك الحديث، و لا هو يفسر برأيه و لا يوصف بالخطأ. و المنقول عنه الكلام في تفسير القرآن من الصحابة جماعة، منهم: علي بن أبي طالب، و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن مسعود، و أبي بن كعب، و زيد بن ثابت، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص. فهؤلاء مشاهير من أخذ عنه التفسير من الصحابة، رضي اللّه تعالى عنهم، و قد نقل عن غير هؤلاء غير ما شيء من التفسير.
و من المتكلمين في التفسير من التابعين: الحسن بن أبي الحسن، و مجاهد بن جبر، و سعيد بن جبير، و علقمة، و الضحاك بن مزاحم، و السدي، و أبو صالح. و كان الشعبي يطعن على السدي و أبي صالح، لأنه كان يراهما مقصرين في النظر. ثم تتابع الناس في التفسير و ألفوا فيه التآليف. و كانت تآليف المتقدمين أكثرها، إنما هي شرح لغة، و نقل سبب، و نسخ، و قصص، لأنهم كانوا قريبي عهد بالعرب، و بلسان العرب. فلما فسد اللسان، و كثرت العجم، و دخل في دين الإسلام أنواع الأمم المختلفو الألسنة، و الناقصو
(1) سورة البقرة: 2/ 269.
(2) سورة القصص: 28/ 85.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 26
الإدراك، احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب اللّه تعالى، من غرائب التركيب، و انتزاع المعاني، و إبراز النكت البيانية، حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه، و يكتسبها من لم تكن نشأته عليها، و لا عنصره يحركه إليها، بخلاف الصحابة و التابعين من العرب، فإن ذلك كان مركوزا في طباعهم، يدركون تلك المعاني كلها، من غير موقف و لا معلم، لأن ذلك هو لسانهم و خطتهم و بيانهم، على أنهم كانوا يتفاوتون أيضا في الفصاحة و في البيان. ألا ترى إلى
قوله صلّى اللّه عليه و سلّم، حين سمع كلام عمرو بن الأهتم في الزبرقان: «إن من البيان لسحرا».
و قد أشرنا فيما تقدم إلى تفاوت العرب في الفصاحة.
و قد آن أن نشرع فيما قصدنا، و ننجز ما به وعدنا، و نبدأ برسم لعلم التفسير، فإني لم أقف لأحد من علماء التفسير على رسم له، فنقول: التفسير في اللغة الاستبانة و الكشف.
قال ابن دريد: و منه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب تفسره و كأنه تسمية بالمصدر، لأن مصدر فعل جاء أيضا على تفعله، نحو جرب تجربة، و كرم تكرمة، و إن كان القياس في الصحيح من فعل التفعيل، كقوله تعالى: وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً «1» . و ينطلق أيضا التفسير على التعرية للانطلاق. قال ثعلب: تقول فسرت الفرس عريته لينطلق في حصره، و هو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري.
و أما الرسم في الاصطلاح، فنقول: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، و مدلولاتها، و أحكامها الإفرادية و التركيبية، و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، و تتمات لذلك. فقولنا علم هو جنس يشمل سائر العلوم. و قولنا يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن هذا هو علم القراءات. و قولنا و مدلولاتها، أي مدلولات تلك الألفاظ، و هذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم. و قولنا و أحكامها الإفرادية و التركيبية هذا يشمل علم التصريف، و علم الإعراب، و علم البيان، و علم البديع، و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب شمل بقوله التي تحمل عليها ما لا دلالة عليه بالحقيقة، و ما دلالته عليه بالمجاز، فإن التركيب قد يقتضي بظاهره شيئا، و يصد عن الحمل على الظاهر صاد، فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على غير الظاهر، و هو المجاز. و قولنا، و تتمات لذلك، هو معرفة النسخ، و سبب النزول، و قصة توضح بعض ما انبهم في القرآن، و نحو ذلك.
(1) سورة الفرقان: 25/ 33.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 27
سورة الفاتحة 1
[سورة الفاتحة (1): الآيات 1 الى 7]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (1)
(*) بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ باء الجر تأتي لمعان: للإلصاق، و الاستعانة، و القسم، و السبب، و الحال، و الظرفية، و النقل. فالإلصاق: حقيقة مسحت برأسي، و مجازا مررت بزيد. و الاستعانة: ذبحت بالسكين. و السبب: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا «1» .
و القسم: باللّه لقد قام. و الحال: جاء زيد بثيابه. و الظرفية: زيد بالبصرة. و النقل: قمت بزيد. و تأتي زائدة للتوكيد: شربن بماء البحر. و البدل: فليت لي بهم قوما أي بدلهم.
و المقابلة: اشتريت الفرس بألف. و المجاوزة: تشقق السماء بالغمام أي عن الغمام.
و الاستعلاء: من أن تأمنه بقنطار. و كنى بعضهم عن الحال بالمصاحبة، و زاد فيها كونها للتعليل. و كنى عن الاستعانة بالسبب، و عن الحال، بمعنى مع، بموافقة معنى اللام.
و يقال اسم بكسر همزة الوصل و ضمها، و سم بكسر السين و ضمها، و سمي كهدي، و البصري يقول: مادته سين و ميم و واو، و الكوفي يقول: واو و سين و ميم، و الأرجح الأول.
و الاستدلال في كتب النحو: أل للعهد في شخص أو جنس، و للحضور، و للمح الصفة، و للغلبة، و موصولة. فللعهد في شخص: جاء الغلام، و في جنس: اسقني الماء، و للحضور: خرجت فإذا الأسد، و للمح: الحارث، و للغلبة: الدبران. و زائدة لازمة، و غير لازمة، فاللازمة: كالآن، و غير اللازمة: باعد أم العمر من أسيرها، و هل هي مركبة من حرفين أم هي حرف واحد؟ و إذا كانت من حرفين، فهل الهمزة زائدة أم لا؟ مذاهب. و اللّه علم لا يطلق إلا على المعبود بحق مرتحل غير مشتق عند الأكثرين، و قيل مشتق، و مادته
(1) سورة النساء: 4/ 160.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 28
قيل: لام و ياء و هاء، من لاه يليه، ارتفع. قيل: و لذلك سميت الشمس إلاهه، بكسر الهمزة و فتحها، و قيل: لام و واو و هاء من لاه يلوه لوها، احتجب أو استتار، و وزنه إذ ذاك فعل أو فعل، و قيل: الألف زائدة و مادته همزة و لام، من أله أي فزع، قاله ابن إسحاق، أو أله تحير، قاله أبو عمر، و أله عبد، قاله النضر، أو أله سكن، قاله المبرد. و على هذه الأقاويل فحذفت الهمزة اعتباطا، كما قيل في ناس أصله أناس، أو حذفت للنقل و لزم مع الإدغام، و كلا القولين شاذ. و قيل: مادته واو و لام و هاء، من وله، أي طرب، و أبدلت الهمزة فيه من الواو نحو أشاح، قاله الخليل و القناد، و هو ضعيف للزوم البدل. و قولهم في الجمع آلهة، و تكون فعالا بمعنى مفعول، كالكتاب يراد به المكتوب. و أل في اللّه إذا قلنا أصله الإلاه، قالوا للغلبة، إذ الإله ينطلق على المعبود بحق و باطل، و اللّه لا ينطلق إلا على المعبود بالحق، فصار كالنجم للثريا. و أورد عليه بأنه ليس كالنجم، لأنه بعد الحذف و النقل أو الإدغام لم يطلق على كل إله، ثم غلب على المعبود بحق، و وزنه على أن أصله فعال، فحذفت همزته عال. و إذا قلنا بالأقاويل السابقة، فأل فيه زائدة لازمة، و شذ حذفها في قولهم لاه أبوك شذوذ حذف الألف في أقبل سيل. أقبل جاء من عند اللّه. و زعم بعضهم أن أل في اللّه من نفس الكلمة، و وصلت الهمزة لكثرة الاستعمال، و هو اختيار أبي بكر بن العربي و السهيلي، و هو خطأ، لأن وزنه إذ ذاك يكون فعالا، و امتناع تنوينه لا موجب له، فدل على أن أل حرف داخل على الكلمة سقط لأجلها التنوين. و ينفرد هذا الاسم بأحكام ذكرت في علم النحو، و من غريب ما قيل: إن أصله لاها بالسريانية فعرب، قال:
كحلفة من أبي رياح
يسمعها لاهه الكبار
قال أبو يزيد البلخي: هو أعجمي، فإن اليهود و النصارى يقولون لاها، و أخذت العرب هذه اللفظة و غيروها فقالوا اللّه. و من غريب ما قيل في اللّه أنه صفة و ليس اسم ذات، لأن اسم الذات يعرف به المسمى، و اللّه تعالى لا يدرك حسا و لا بديهة، و لا تعرف ذاته باسمه، بل إنما يعرف بصفاته، فجعله اسما للذات لا فائدة في ذلك. و كان العلم قائما مقام الإشارة، و هي ممتنعة في حق اللّه تعالى، و حذفت الألف الأخيرة من اللّه لئلا يشكل بخط اللاه اسم الفاعل من لها يلهو، و قيل طرحت تخفيفا، و قيل هي لغة فاستعملت في الخط.
الرَّحْمنِ : فعلان من الرحمة، و أصل بنائه من اللازم من المبالغة و شذ من
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 29
المتعدي، و أل فيه للغلبة، كهي في الصعق، فهو وصف لم يستعمل في غير اللّه، كما لم يستعمل اسمه في غيره، و سمعنا مناقبه، قالوا: رحمن الدنيا و الآخرة، و وصف غير اللّه به من تعنت الملحدين، و إذا قلت اللّه رحمن، ففي صرفه قولان ليسند أحدهما إلى أصل عام، و هو أن أصل الاسم الصرف، و الآخر إلى أصل خاص، و هو أن أصل فعلان المنع لغلبته فيه. و من غريب ما قيل فيه إنه أعجمي بالخاء المعجمة فعرب بالحاء، قاله ثعلب.
الرَّحِيمِ : فعيل محوّل من فاعل للمبالغة، و هو أحد الأمثلة الخمسة، و هي:
فعال، و فعول، و مفعال، و فعيل، و فعل، و زاد بعضهم فعيلا فيها: نحو سكير، و لها باب معقود في النحو، قيل: و جاء رحيم بمعنى مرحوم، قال العملس بن عقيل:
فأما إذا عضت بك الأرض عضة
فإنك معطوف عليك رحيم
قال علي، و ابن عباس، و علي بن الحسين، و قتادة، و أبو العالية، و عطاء، و ابن جبير، و محمد بن يحيى بن حبان، و جعفر الصادق، الفاتحة مكية
، و يؤيده وَ لَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ «1» . و الحجر مكية، بإجماع. و في حديث أبي: إنها السبع المثاني و السبع الطوال، أنزلت بعد الحجر بمدد، و لا خلاف أن فرض الصلاة كان بمكة، و ما حفظ أنه كانت في الإسلام صلاة بغير الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ . و قال أبو هريرة، و عطاء بن يسار، و مجاهد، و سواد بن زياد، و الزهري، و عبد اللّه بن عبيد بن عمير:
هي مدنية، و قيل إنها مكية مدنية.
الباء في بسم اللّه للاستعانة، نحو كتبت بالقلم، و موضعها نصب، أي بدأت، و هو قول الكوفيين، و كذا كل فاعل بدىء في فعله بالتسمية كان مضمرا لا بدأ، و قدره الزمخشري فعلا غير بدأت و جعله متأخرا، قال: تقديره بسم اللّه أقرأ أو أتلو، إذ الذي يجيء بعد التسمية مقروء، و التقديم على العامل عنده يوجب الاختصاص، و ليس كما زعم. قال سيبويه، و قد تكلم على ضربت زيدا ما نصه: و إذا قدمت الاسم فهو عربي جيد كما كان ذلك، يعني تأخيره عربيا جيدا و ذلك قولك زيدا ضربت. و الاهتمام و العناية هنا في التقديم و التأخير، سواء مثله في ضرب زيد عمر، أو ضرب زيدا عمر، و انتهى، و قيل موضع اسم رفع التقدير ابتدائي بأبت، أو مستقر باسم اللّه، و هو قول البصريين، و أي التقديرين أرجح يرجح الأول، لأن الأصل في العمل للفعل، أو الثاني لبقاء أحد جزأي الإسناد.
(1) سورة الحجر: 15/ 85.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 30
و الاسم هو اللفظ الدال بالوضع على موجود في العيان، إن كان محسوسا، و في الأذهان، إن كان معقولا من غير تعرض ببنيته للزمان، و مدلوله هو المسمى، و لذلك قال سيبويه: (فالكل اسم و فعل و حرف)، و التسمية جعل ذلك اللفظ دليلا على ذلك المعنى، فقد اتضحت المباينة بين الاسم و المسمى و التسمية. فإذا أسندت حكما إلى اسم، فتارة يكون إسناده إليه حقيقة، نحو: زيد اسم ابنك، و تارة لا يصح الإسناد إليه إلا مجازا، و هو أن تطلق الاسم و تريد به مدلوله و هو المسمى، نحو قوله تعالى: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ «1» ، و سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ «2» ، و ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ «3» .
و العجب من اختلاف الناس، هل الاسم هو عين المسمى أو غيره، و قد صنف في ذلك الغزالي، و ابن السيد، و السهيلي و غيرهم، و ذكروا احتجاج كل من القولين، و أطالوا في ذلك. و قد تأول السهيلي، رحمه اللّه، قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ بأنه أقحم الاسم تنبيها على أن المعنى سبح ربك، و اذكر ربك بقلبك و لسانك حتى لا يخلو الذكر و التسبيح من اللفظ باللسان، لأن الذكر بالقلب متعلقه المسمى المدلول عليه بالاسم، و الذكر باللسان متعلقه اللفظ. و قوله تعالى: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً بأنها أسماء كاذبة غير واقعة على حقيقة، فكأنهم لم يعبدوا إلا الأسماء التي اخترعوها، و هذا من المجاز البديع.
و حذفت الألف من بسم هنا في الخط تخفيفا لكثرة الاستعمال، فلو كتبت باسم القاهر أو باسم القادر. فقال الكسائي و الأخفش: تحذف الألف. و قال الفراء: لا تحذف إلا مع بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، لأن الاستعمال إنما كثر فيه، فأما في غيره من أسماء اللّه تعالى فلا خلاف في ثبوت الألف.
و الرحمن صفة اللّه عند الجماعة. و ذهب الأعلم و غيره إلى أنه بدل، و زعم أن الرحمن علم، و إن كان مشتقا من الرحمة، لكنه ليس بمنزلة الرحيم و لا الراحم، بل هو مثل الدبران، و إن كان مشتقا من دبر صيغ للعلمية، فجاء على بناء لا يكون في النعوت، قال: و يدل على علميته و وروده غير تابع لاسم قبله، قال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى «4» الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ «5» و إذا ثبتت العلمية امتنع النعت، فتعين البدل. قال أبو زيد السهيلي: البدل فيه عندي ممتنع، و كذلك عطف البيان، لأن الاسم الأول لا يفتقر
(1) سورة الرحمن: 55/ 78.
(2) سورة طه: 20/ 5.
(3) سورة الأعلى: 87/ 1.
(4) سورة الرحمن: 55/ 1.