کتابخانه تفاسیر
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 42
اعتصم، و استغنى موافق غنى، و استنكف و استحيا مغنيان عن المجرد، و استرجع، و استعان حلق عانته، مغنيان عن فعل، فاستعان طلب العون، كاستغفر، و استعظم. و قال صاحب اللوامح: و قد جاء فيه وياك أبدل الهمزة واوا، فلا أدري أ ذلك عن الفراء أم عن العرب، و هذا على العكس مما فروا إليه في نحو أشاح فيمن همز لأنهم فروا من الواو المكسورة إلى الهمزة، و استثقالا للكسرة على الواو. و في وياك فروا من الهمزة إلى الواو، و على لغة من يستثقل الهمزة جملة لما فيها من شبه التهوع، و بكون استفعل أيضا لموافقة تفاعل و فعل. حكى أبو الحسن بن سيده في المحكم: تماسكت بالشيء و مسكت به و استمسك به بمعنى واحد، أي احتبست به، قال و يقال: مسكت بالشيء و أمسكت و تمسكت، احتبست، انتهى. فتكون معاني استفعل حينئذ أربعة عشر لزيادة موافقة تفاعل و تفعل. و فتح نون نستعين قرأ بها الجمهور، و هي لغة الحجاز، و هي الفصحى. و قرأ عبيد بن عمير الليثي، وزر بن حبيش، و يحيى بن وثاب، و النخعي، و الأعمش، بكسرها، و هي لغة قيس، و تميم، و أسد، و ربيعة، و كذلك حكم حرف المضارعة في هذا الفعل و ما أشبهه. و قال أبو جعفر الطوسي: هي لغة هذيل، و انقلاب الواو ألفا في استعان و مستعان، و ياء في نستعين و مستعين، و الحذف في الاستعانة مذكور في علم التصريف، و يعدى استعان بنفسه و بالباء. إياك مفعول مقدم، و الزمخشري يزعم أنه لا يقدم على العامل إلا للتخصيص، فكأنه قال: ما نعبد إلا إياك، و قد تقدم الرد عليه في تقديره بسم اللّه اتلوا، و ذكرنا نص سيبويه هناك. فالتقديم عندنا إنما هو للاعتناء و الاهتمام بالمفعول. و سب أعرابي آخر فأعرض عنه و قال: إياك أعني، فقال له: و عنك أعرض، فقدما الأهم، و إياك التفات لأنه انتقال من الغيبة، إذ لو جرى على نسق واحد لكان إياه. و الانتقال من فنون البلاغة، و هو الانتقال من الغيبة للخطاب أو التكلم، و من الخطاب للغيبة أو التكلم، و من التكلم للغيبة أو الخطاب. و الغيبة تارة تكون بالظاهر، و تارة بالمضمر، و شرطه أن يكون المدلول واحدا. ألا ترى أن المخاطب بإياك هو اللّه تعالى؟ و قالوا فائدة هذا الالتفات إظهار الملكة في الكلام، و الاقتدار على التصرف فيه. و قد ذكر بعضهم مزيدا على هذا، و هو إظهار فائدة تخص كل موضع موضع، و نتكلم على ذلك حيث يقع لنا منه شيء، و فائدته في إياك نعبد أنه لما ذكر أن الحمد للّه المتصف بالربوبية و الرحمة و الملك و الملك لليوم المذكور، أقبل الحامد مخبرا بأثر ذكره الحمد المستقر له منه و من غيره، أنه و غيره يعبده و يخضع له. و كذلك أتى بالنون التي تكون له و لغيره، فكما أن الحمد يستغرق الحامدين،
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 43
كذلك العبادة تستغرق المتكلم و غيره. و نظير هذا أنك تذكر شخصا متصفا بأوصاف جليلة، مخبرا عنه أخبار الغائب، و يكون ذلك الشخص حاضرا معك، فتقول له: إياك أقصد، فيكون في هذا الخطاب من التلطف على بلوغ المقصود ما لا يكون في لفظ إياه، و لأنه ذكر ذلك توطئة للدعاء في قوله اهدنا. و من ذهب إلى أن ملك منادى، فلا يكون إياك التفاتا لأنه خطاب بعد خطاب و إن كان يجوز بعد النداء الغيبة، كما قال:
يا دارمية بالعلياء فالسند
أقوت و طال عليها سالف الأبد
و من الخطاب بعد النداء:
ألا يا أسلمي يا دارمي على البلى
و لا زال منهلا بجرعائك القطر
و دعوى الزمخشري في أبيات امرئ القيس الثلاثة أن فيه ثلاثة التفاتات غير صحيح، بل هما التفاتان:
الأول: خروج من الخطاب المفتتح به في قوله:
تطاول ليلك بالإثمد
و نام الخلي و لم ترقد
إلى الغيبة في قوله:
و بات و باتت له ليلة
كليلة ذي العائر الأرمد
الثاني: خروج من هذه الغيبة إلى التكلم في قوله: و ذلك من نبأ جاءني. و خبرته عن أبي الأسود و تأويل كلامه أنها ثلاث خطأ و تعيين. إن الأول هو الانتقال من الغيبة إلى الحضور أشد خطأ لأن هذا الالتفات هو من عوارض الألفاظ لا من التقادير المعنوية، و إضمار قولوا قبل الحمد للّه، و إضمارها أيضا قبل إياك لا يكون معه التفات، و هو قول مرجوح. و قد عقد أرباب علم البديع بابا للالتفات في كلامهم، و من أجلهم كلاما فيه ابن الأثير الجزري، رحمه اللّه تعالى. و قراءة من قرأ إياك يعبد بالياء مبنيا للمفعول مشكلة، لأن إياك ضمير نصب و لا ناصب له و توجيهها إن فيها استعارة و التفاتا، فالاستعارة إحلال الضمير المنصوب موضع الضمير المرفوع، فكأنه قال أنت، ثم التفت فأخبر عنه أخبار الغائب لما كان إياك هو الغائب من حيث المعنى فقال يعبد، و غرابة هذا الالتفات كونه في جملة واحدة، و هو ينظر إلى قول الشاعر:
أ أنت الهلالي الذي كنت مرة
سمعنا به و الأرحبي المغلب
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 44
و إلى قول أبي كثير الهذلي:
يا لهف نفسي كان جلدة خالد
و بياض وجهك للتراب الأعفر
و فسرت العبادة في إياك نعبد بأنها التذلل و الخضوع، و هو أصل موضوع اللغة أو الطاعة، كقوله تعالى: لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ «1» ، أو التقرب بالطاعة أو الدعاء أن الذين يستكبرون عن عبادتي، أي عن دعائي، أو التوحيد إلا ليعبدون أي ليوحدون، و كلها متقاربة المعنى. و قرنت الاستعانة بالعبادة للجمع بين ما يتقرب به العبد إلى اللّه تعالى، و بين ما يطلبه من جهته. و قدمت العبادة على الاستعانة لتقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة لتحصل الإجابة إليها، و أطلق العبادة و الاستعانة لتتناول كل معبود به و كل مستعان عليه.
و كرر إياك ليكون كل من العبادة و الاستعانة سيقا في جملتين، و كل منهما مقصودة، و للتنصيص على طلب العون منه بخلاف لو كان إياك نعبد و نستعين، فإنه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب لعون، أي و ليطلب العون من غير أن يعين ممن يطلب ..
و نقل عن المنتمين للصلاح تقييدات مختلفة في العبادة و الاستعانة، كقول بعضهم:
إياك نعبد بالعلم، و إياك نستعين عليه بالمعرفة، و ليس في اللفظ ما يدل على ذلك. و في قوله: نعبد قالوا رد على الجبرية، و في نستعين رد على القدرية، و مقام العبادة شريف، و قد جاء الأمر به في مواضع، قال تعالى: وَ اعْبُدْ رَبَّكَ «2» اعْبُدُوا رَبَّكُمُ* «3» ، و الكناية به عن أشرف المخلوقين صلّى اللّه عليه و سلّم. قال تعالى: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ «4» ، وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا «5» ، و قال تعالى، حكاية عن عيسى، على نبينا و عليه أفضل الصلاة و السلام قالَ: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ «6» ، و قال تعالى و تقدس: لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي «7» فذكر العبادة عقيب التوحيد، لأن التوحيد هو الأصل، و العبادة فرعه. و قالوا في قوله: إياك. رد على الدهرية و المعطلة و المنكرين لوجود الصانع، فإنه خطاب لموجود حاضر.
اهْدِنَا ، الهداية: الإرشاد و الدلالة و التقدم و منه الهوادي أو التبيين، وَ أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ «8» أو الإلهاء أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى «9» ، قال المفسرون: معناه ألهم
(1) سورة يس: 36/ 60.
(2) سورة الحجر: 15/ 99.
(3) سورة البقرة: 2/ 21.
(4) سورة الإسراء 17/ 1.
(5) سورة الأنفال: 8/ 41.
(6) سوة مريم: 19/ 30.
(7) سورة طه: 20/ 14.
(8) سورة فصلت: 41/ 13.
(9) سورة طه: 20/ 50.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 45
الحيوانات كلها إلى منافعها، أو الدعاء، و لكل قوم هاد أي داع و الأصل في هدي أن يصل إلى ثاني معموله باللام يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ «1» أو إلى لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ «2» ثم يتسع فيه فيعدي إليه بنفسه، و منه اهْدِنَا الصِّراطَ ، و نا ضمير المتكلم و معه غيره أو معظم نفسه. و يكون في موضع رفع و نصب و جر.
الصِّراطَ الطريق، و أصله بالسين من السرط، و هو اللقم، و منه سمي الطريق لقما، و بالسين على الأصل قرأ قبل و رويس، و إبدال سينه صادا هي الفصحى، و هي لغة قريش، و بها قرأ الجمهور، و بها كتبت في الإمام، و زايا لغة رواها الأصمعي عن أبي عمرو، و أشمامها زايا لغة قيس و به قرأ حمزة بخلاف و تفصيل عن رواته. و قال أبو علي:
و روي عن أبي عمرو، السين و الصاد و المضارعة بين الزاي و الصاد، و رواه عنه العريان عن أبي سفيان، و روى الأصمعي عن أبي عمرو أنه قرأها بزاي خالصة. قال بعض اللغويين:
ما حكاه الأصمعي في هذه القراءة خطأ منه إنما سمع أبا عمرو يقرؤها بالمضارعة فتوهمها زايا، و لم يكن الأصمعي نحويا فيؤمن على هذا. و حكى هذا الكلام أبو علي عن أبي بكر بن مجاهد، و قال أبو جعفر الطوسي في تفسيره، و هو إمام من أئمة الإمامية: الصراط بالصاد لغة قريش، و هي اللغة الجيدة، و عامة العرب يجعلونها سينا، و الزاي لغة لعذرة، و كعب، و بني القين. و قال أبو بكر بن مجاهد، و هذه القراءة تشير إلى أن قراءة من قرأ بين الزاي و الصاد تكلف حرف بين حرفين، و ذلك صعب على اللسان، و ليس بحرف ينبني عليه الكلام، و لا هو من حروف المعجم. لست أدفع أنه من كلام فصحاء العرب، إلا أن الصاد أفصح و أوسع، و يذكر و يؤنث، و تذكيره أكثر. و قال أبو جعفر الطوسي: أهل الحجاز يؤنثون الصراط كالطريق، و السبيل و الزقاق و السوق، و بنو تميم يذكرون هذا كله و يجمع في الكثرة على سرط، نحو كتاب و كتب، و في القلة قياسه أسرطة، نحو حمار و أحمره، هذا إذا كان الصراط مذكرا، و أما إذا أنث فقياسه أفعل نحو ذراع و أذرع و شمال و أشمل. و قرأ زيد بن علي، و الضحاك، و نصر بن علي، عن الحسن: اهدنا صراطا مستقيما، بالتنوين من غير لام التعريف، كقوله: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ «3» .
الْمُسْتَقِيمَ ، استقام: استفعل بمعنى الفعل المجرد من الزوائد، و هذا أحد معاني
(1) سورة الإسراء: 17/ 9.
(2) سورة الشورى: 42/ 52.
(3) سورة الشورى: 42/ 52- 53.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 46
استفعل، و هو أن يكون بمعنى الفعل المجرد، و هو قام، و القيام هو الانتصاب و الاستواء من غير اعوجاج.
صِراطَ الَّذِينَ اسم موصول، و الأفصح كونه بالياء في أحواله الثلاثة، و بعض العرب يجعله بالواو في حالة الرفع، و استعماله بحذف النون جائز، و خص بعضهم ذلك بالضرورة، إلا إن كان لغير تخصيص فيجوز في غيرها، و سمع حذف أل منه فقالوا: لذين، و فيما تعرف به خلاف ذكر في النحو، و يخص العقلاء بخلاف الذي، فإنه ينطلق على ذي العلم و غيره.
أَنْعَمْتَ ، النعمة: لين العيش و خفضه، و لذلك قيل للجنوب النعامي للين هبوبها، و سميت النعامة للين سهمها: نعم إذا كان في نعمة، و أنعمت عينه أي سررتها، و أنعم عليه بالغ في التفضيل عليه، أي و الهمزة في أنعم بجعل الشيء صاحب ما صيغ منه، إلا أنه ضمن معنى التفضل، فعدى بعلى، و أصله التعدية بنفسه. أنعمته أي جعلته صاحب نعمة، و هذا أحد المعاني التي لأفعل، و هي أربعة و عشرون معنى، هذا أحدها. و التعدية، و الكثرة، و الصيرورة، و الإعانة، و التعريض، و السلب، و إصابة الشيء بمعنى ما صيغ منه، و بلوغ عدد أو زمان أو مكان، و موافقة ثلاثي، و إغناء عنه، و مطاوعة فعل و فعل، و الهجوم، و نفي الغريزة، و التسمية، و الدعاء، و الاستحقاق، و الوصول، و الاستقبال، و المجيء بالشيء و التفرقة، مثل ذلك، أدنيته و أعجبني المكان، و أغد البعير و أحليت فلانا، و أقبلت فلانا، و اشتكيت الرجل، و أحمدت فلانا، و أعشرت الدراهم، و أصبحنا، و أشأم القوم، و أحزنه بمعنى حزنه، و أرقل، و أقشع السحاب مطاوع قشع الريح السحاب، و أفطر مطاوع فطرته، و أطلعت عليهم، و أستريح، و أخطيته سميته مخطئا، و أسقيته، و أحصد الزرع، و أغفلته وصلت غفلتي اليه، وافقته استقبلته بأف هكذا مثل هذا. و ذكر بعضهم أن أفعل فعل، و مثل الاستقبال أيضا بقولهم: أسقيته أي استقبلته بقولك سقيا لك، و كثرت جئت بالكثير، و أشرقت الشمس أضاءت، و شرقت طلعت. التاء المتصلة بأنعم ضمير المخاطب المذكر المفرد، و هي حرف في أنت، و الضميران فهو مركب.
عَلَيْهِمْ ، على: حرف جر عند الأكثرين، إلا إذا جرت بمن، أو كانت في نحو هون عليك. و مذهب سيبويه أنها إذا جرت اسم ظرف، و لذلك لم يعدها في حروف الجر، و وافقه جماعة من متأخري أصحابنا و معناها الاستعلاء حقيقة أو مجازا، و زيد أن تكون بمعنى عن، و بمعنى الباء، و بمعنى في، و للمصاحبة، و للتعليل، و بمعنى من، و زائدة،
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 47
مثل ذلك كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ «1» فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ* «2» ، بعد على كذا حقيق علي أن لا أقول على ملك سليمان وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ «3» ، وَ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ «4» ، حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ* «5» .
أبى اللّه إلا أن سرحة مالك
على كل أفنان العضاه تروق
أي تروق كل أفنان العضاه. هم ضمير جمع غائب مذكر عاقل، و يكون في موضع رفع و نصب و جر. و حكى اللغويون في عليهم عشر لغات ضم الهاء، و إسكان الميم، و هي قراءة حمزة. و كسرها و إسكان الميم، و هي قراءة الجمهور. و كسر الهاء و الميم و ياء بعدها، و هي قراءة الحسن. و زاد ابن مجاهد أنها قراءة عمر بن فائد. و كذلك بغير ياء، و هي قراءة عمرو بن فائد. و كسر الهاء و ضم الميم و واو بعدها، و هي قراءة ابن كثير، و قالون بخلاف عنه. و كسر الهاء و ضم الميم بغير واو و ضم الهاء و الميم و واو بعدها، و هي قراءة الأعرج و الخفاف عن أبي عمرو. و كذلك بدون واو و ضم الهاء و كسر الميم بياء بعدها. كذلك بغير ياء. و قرىء بهما، و توضيح هذه القراءات بالخط و الشكل: عليهم، عليهم، عليهموا، عليهم، عليهمي، عليهم، عليهم، عليهمي، عليهم، عليهموا. و ملخصها ضم الهاء مع سكون الميم، أو ضمها بإشباع، أو دونه، أو كسرها بإشباع، أو دونه و كسر الهاء مع سكون الميم، أو كسرها بإشباع، أو دونه، أو ضمها بإشباع، أو دونه، و توجيه هذه القراءات ذكر في النحو. اهدنا صورته صورة الأمر، و معناه الطلب و الرغبة، و قد ذكر الأصوليون لنحو هذه الصيغة خمسة عشر محملا، و أصل هذه الصيغة أن تدل على الطلب، لا على فور، و لا تكرار، و لا تحتم، و هل معنى اهدنا أرشدنا، أو وفقنا، أو قدمنا، أو ألهمنا، أو بين لنا أو ثبتنا؟ أقوال أكثرها عن ابن عباس، و آخرها عن علي و أبي. و قرأ ثابت البناني بصرنا الصراط، و
معنى الصراط القرآن، قاله علي
و ابن عباس: و ذكر المهدوي أنه روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنه فسره بكتاب اللّه أو الإيمان و توابعه، أو الإسلام و شرائعه، أو السبيل المعتدل، أو طريق النبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و أبي بكر و عمر، قاله أبو العالية و الحسن، أو طريق الحج، قاله فضيل بن عياض، أو السنن، قاله عثمان، أو طريق الجنة، قاله سعيد بن جبير، أو
(1) سورة الرحمن: 55/ 26.
(2) سورة البقرة: 2/ 253.
(3) سورة البقرة: 2/ 177.
(4) سورة البقرة: 2/ 185.
(5) سورة المؤمنون: 23/ 5- 6.
البحر المحيط فى التفسير، ج1، ص: 48
طريق السنة و الجماعة، قاله القشيري، أو طريق الخوف و الرجاء، قاله الترمذي، أو جسر جهنم، قاله عمرو بن عبيد.
و روي عن المتصوفة في قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أقوال، منها: قول بعضهم: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بالغيبوبة عن الصراط لئلا يكون مربوطا بالصراط، و قول الجنيد أن سؤال الهداية عند الحيرة من أشهار الصفات الأزلية، فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية لئلا يستغرقوا في الصفات الأزلية. و هذه الأقوال ينبو عنها اللفظ، و لهم فيما يذكرون ذوق و إدراك لم نصل نحن إليه بعد. و قد شحنت التفاسير بأقوالهم، و نحن نلم بشيء منها لئلا يظن أنا إنما تركنا ذكرها لكوننا لم نطلع عليها. و قد رد الفخر الرازي على من قال إن الصراط المستقيم هو القرآن أو الإسلام و شرائعه، قال: لأن المراد صراط الذين أنعمت عليهم من المتقدمين و لم يكن لهم القرآن و لا الإسلام، يعني بالإسلام هذه الملة الإسلامية المختصة بتكاليف لم تكن تقدمتها. و هذه الرد لا يتأتى له إلا إذا صح أن الذين أنعم اللّه عليهم هم متقدمون، و ستأتي الأقاويل في تفسير الذين أنعم اللّه عليهم، و اتصال نا باهد مناسب لنعبد و نستعين لأنه لما أخبر المتكلم أنه هو و من معه يعبدون اللّه و يستعينونه سأل له و لهم الهداية إلى الطريق الواضح، لأنهم بالهداية إليه تصح منهم العبادة. ألا ترى أن من لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصح له بلوغ مقصوده؟ و قرأ الحسن، و الضحاك: صراطا مستقيما دون تعريف. و
قرأ جعفر الصادق: صراط مستقيم بالإضافة،
أي الدين المستقيم. فعلى قراءة الحسن و الضحاك يكون صراط الذين بدل معرفة من نكرة، كقوله تعالى: وَ إِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ ، و على قراءة الصادق و قراءات الجمهور تكون بدل معرفة من معرفة صراط الذين بدل شيء من شيء، و هما بعين واحدة، و جيء بها للبيان لأنه لما ذكر قبل اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ كان فيه بعض إبهام، فعينه بقوله: صِراطَ الَّذِينَ ليكون المسئول الهداية إليه، قد جرى ذكره مرتين، و صار بذلك البدل فيه حوالة على طريق من أنعم اللّه عليهم، فيكون ذلك أثبت و أوكد، و هذه هي فائدة نحو هذا البدل، و لأنه على تكرار العامل، فيصير في التقدير جملتين، و لا يخفى ما في الجملتين من التأكيد، فكأنهم كرروا طلب الهداية.
و من غريب القول أن الصراط الثاني ليس الأول، بل هو غيره، و كأنه قرىء فيه حرف العطف، و في تعيين ذلك اختلاف.
قيل هو العلم باللّه و الفهم عنه، قاله جعفر بن محمد