کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 58

و هو على وزن فعلى، كالسرى و البكى. و زعم بعض أكابر نحاتنا أنه لم يجئ من فعلى مصدر سوى هذه الثلاثة، و ليس بصحيح، فقد ذكر لي شيخنا اللغوي الإمام في ذلك رضي الدين أبو عبد اللّه محمد بن علي بن يوسف الشاطبي أن العرب قالت: لقيته لقى، و أنشدنا لبعض العرب:

و قد زعموا حلما لقاك و لم أزد

بحمد الذي أعطاك حلما و لا عقلا

و قد ذكر ذلك غيره من اللغويين و فعل يكون جمعا معدولا و غير معدول، و مفردا و علما معدولا و غير معدول، و اسم جنس لشخص و لمعنى و صفة معدولة و غير معدولة، مثل ذلك: جمع و غرف و عمر و أدد و نغر و هدى و فسق و حطم. لِلْمُتَّقِينَ‏ المتقي اسم فاعل من اتقى، و هو افتعل من وقى بمعنى حفظ و حرس، و افتعل هنا: للاتخاذ أي اتخذ وقاية، و هو أحد المعاني الإثني عشر التي جاءت لها افتعل، و هو: الاتخاذ، و التسبب، و فعل الفاعل بنفسه، و التخير، و الخطفة، و مطاوعة أفعل، و فعل، و موافقة تفاعل، و تفعل، و استفعل، و المجرد، و الإغناء عنه، مثل ذلك: اطبخ، و اعتمل و اضطرب، و انتخب، و استلب، و انتصف مطاوع أنصف، و اغتم مطاوع غممته، و اجتور، و ابتسم، و اعتصم، و اقتدر، و استلم الحجر. و إبدال الواو في اتقى تاء و حذفها مع همزة الوصل قبلها فيبقى تقى مذكور في علم التصريف.

فأما هذه الحروف المقطعة أوائل السور، فجمهور المفسرين على أنها حروف مركبة و مفردة، و غيرهم يذهب إلى أنها أسماء عبر بها عن حروف المعجم التي ينطق بالألف و اللام منها في نحو: قال، و الميم في نحو: ملك، و بعضهم يقول: إنها أسماء السور، قاله زيد بن أسلم. و قال قوم: إنها فواتح للتنبيه و الاستئناف ليعلم أن الكلام الأول قد انقضى.

قال مجاهد: هي في فواتح السور كما يقولون في أول الإنشاد لشهير القصائد. بل و لا بل نحا هذا النحو أبو عبيدة و الأخفش. و قال الحسن: هي أسماء السور و فواتحها، و قوم: إنها أسماء اللّه أقسام أقسم اللّه بها لشرفها و فضلها. و روي عن ابن عباس و قوم: هي حروف متفرقة دلت على معان مختلفة، و هؤلاء اختلفوا في هذه المعاني فقال قوم: يتألف منها اسم اللّه الأعظم، قاله علي و ابن عباس، إلا أنّا لا نعرف تأليفه منها، أو اسم ملك من ملائكته، أو نبي من أنبيائه، لكن جهلنا طريق التأليف. و قال سعيد بن جبير: هي أسماء اللّه تعالى مقطعة، لو أحسن الناس تأليفها تعلموا اسم اللّه الأعظم. و قال قتادة: هي أسماء القرآن كالفرقان. و قال أبو العالية: ليس منها حرف إلا و هو مفتاح اسم من أسماء اللّه تعالى.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 59

و قيل: هي حروف تدل على مدة الملة، و هي حساب أبي جاد، كما ورد في حديث حيي بن أخطب. و روي هذا عن أبي العالية و غيره. و قيل: مدة الأمم السالفة و قيل: مدة الدنيا. و قال أبو العالية أيضا: ليس منها حرف إلا و هو في مدة قوم و آجال آخرين، و قيل:

هي إشارة إلى حروف المعجم كأنه قال للعرب: إنما تحديتكم بنظم من هذه الحروف التي عرفتم. و قال قطرب و غيره و غيره: هي إشارة إلى حروف المعجم كأنه يقول للعرب: إنما تحديتكم بنظم من هذه الحروف التي عرفتم فقوله: الم‏ بمنزلة: أ ب ت ث، ليدل بها على التسعة و عشرين حرفا. و قال قوم: هي تنبيه كما في النداء. و قال قوم: إن المشركين لما أعرضوا عن سماع القرآن بمكة نزلت ليستغربوها فيفتحون لها أسماعهم فيستمعون القرآن بعدها فتجب عليهم الحجة. و قيل: هي أمارة لأهل الكتاب أنه سينزل على محمد صلّى اللّه عليه و سلّم كتاب في أول سور منه حروف مقطعة، و قيل: حروف تدل على ثناء أثنى اللّه به على نفسه. و قال ابن عباس: الم‏ أنا اللّه أعلم، و المراد أنا اللّه أرى. و المص‏ أنا اللّه أفصل. و روي عن سعيد بن جبير مثل ذلك. و روي عن ابن عباس الألف: من اللّه، و اللام: من جبريل، و الميم: من محمد صلّى اللّه عليه و سلّم. و قال الأخفش: هي مبادئ كتب اللّه المنزلة بالألسن المختلفة و مبان من أسماء اللّه الحسنى و صفاته العلى و أصول كلام الأمم. و قال الربيع بن أنس: ما منها حرف إلا يتضمن أمورا كثيرة ذارت فيها الألسن، و ليس فيها حرف إلا و هو مفتاح اسم من أسمائه، و ليس منها حرف إلا و هو في الأبد و للأبد، و ليس منها حرف إلا في مدة قوم و آجالهم. و قال قوم: معانيها معلومة عند المتكلم بها لا يعلمها إلا هو، و لهذا قال الصديق رضي اللّه عنه: في كتاب اللّه سر، و سر اللّه في القرآن في الحروف التي في أوائل السور. و به قال الشعب. و قال سلمة بن القاسم: ما قام الوجود كله إلا بأسماء اللّه الباطنة و الظاهرة، و أسماء اللّه المعجمة الباطنة أصل لكل شي‏ء من أمور الدنيا و الآخرة، و هي خزانة سرّه و مكنون علمه، و منها تتفرع أسماء اللّه كلها، و هي التي قضى بها الأمور و أودعها أم الكتاب، و على هذا حوّم جماعة من القائلين بعلوم الحروف، و ممن تكلم في ذلك: أبو الحكم بن برجان، و له تفسير للقرآن، و البوني، و فسر القرآن و الطائي بن العربي، و الجلالي، و ابن حمويه، و غيرهم، و بينهم اختلاف في ذلك. و سئل محمد بن الحنفية عن‏ كهيعص‏ فقال للسائل: لو أخبرت بتفسيرها لمشيت على الماء لا يوارى قدميك. و قال قوم: معانيها معلومة و يأتي بيان كل حرف في موضعه. و قال قوم: اختص اللّه بعلمها نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم. و قد أنكر جماعة من المتكلمين أن يكون في القرآن ما لا يفهم معناه، فانظر إلى هذا الاختلاف المنتشر الذي لا يكاد ينضبط في تفسير هذه الحروف و الكلام‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 60

عليها. و الذي أذهب إليه: أن هذه الحروف التي في فواتح السور هو المتشابه الذي استأثر اللّه بعلمه، و سائر كلامه تعالى محكم. و إلى هذا ذهب أبو محمد علي بن أحمد اليزيدي، و هو قول الشعبي و الثوري و جماعة من المحدثين، قالوا: هي سر اللّه في القرآن، و هي من المتشابه الذي انفرد اللّه بعلمه، و لا يجب أن نتكلم فيها، و لكن نؤمن بها و تمر كما جاءت.

و قال الجمهور: بل يجب أن يتكلم فيها و تلتمس الفوائد التي تحتها، و المعاني التي تتخرج عليها، و اختلفوا في ذلك الاختلاف الذي قدمناه. قال ابن عطية: و الصواب ما قال الجمهور، فنفسر هذه الحروف و نلتمس لها التأويل لأنا نجد العرب قد تكلمت بالحروف المقطعة نظما و وضعا بدل الكلمات التي الحروف منها، كقول الشاعر:

قلت لها قفي فقالت قاف‏

أراد قالت وقفت‏

و كقول القائل:

بالخير خيرات و إن شرّفا

و لا أريد الشر إلا أن تا

أراد و إن شرا فشر، و أراد إلا أن تشاء: و الشواهد في هذا كثيرة فليس كونها في القرآن مما تنكره العرب في لغتها، فينبغي إذا كان من معهود كلام العرب، أن يطلب تأويله و يلتمس وجهه، انتهى كلامه.

و فرق بين ما أنشد و بين هذه الحروف، و قد أطال الزمخشري و غيره الكلام على هذه الحروف بما ليس يحصل منه كبير فائدة في علم التفسير، و لا يقوم على كثير من دعاويه برهان. و قد تكلم المعربون على هذه الحروف فقالوا: لم تعرب حروف التهجي لأنها أسماء ما يلفظ، فهي كالأصوات فلا تعرب إلا إذا أخبرت عنها أو عطفتها فإنك تعربها، و يحتمل محلها الرفع على المبتدأ أو على إضمار المبتدأ، و النصب بإضمار فعل، و الجر على إضمار حرف القسم، هذا إذا جعلناها اسما للسور، و أما إذا لم تكن اسما للسور فلا محل لها، لأنها إذ ذاك كحروف المعجم أو ردت مفردة من غير عامل فاقتضت أن تكون مستكنة كأسماء الأعداد، أو ردتها لمجرد العدد بغير عطف، و قد تكلم النحويون على هذه الحروف على أنها أسماء السور، و تكلموا على ما يمكن إعرابه منها و ما لا يمكن، و على ما إذا أعرب فمنه ما يمنع الصرف، و منه ما لا يمنع الصرف، و تفصيل ذلك في علم النحو.

و قد نقل خلاف في كون هذه الحروف آية، فقال الكوفيون: الم‏ آية، و كذلك هي آية في أول كل سورة ذكرت فيها، و كذلك‏ المص‏ و طسم* و أخواتها و طه‏ و يس‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 61

و حم* و أخواتها إلا حم عسق‏ فإنها آيتان و كهيعص‏ آية، و أما المر و أخواتها فليست بآية، و كذلك‏ طس‏ و ص‏ و ق‏ و ن وَ الْقَلَمِ‏ و ق و ص حروف دل كل حرف منها على كلمة، و جعلوا الكلمة آية، كما عدوا: الرَّحْمنُ‏ و مُدْهامَّتانِ‏ آيتين.

و قال البصريون و غيرهم: ليس شي‏ء من ذلك آية. و ذكر المفسرون الاقتصار على هذه الحروف في أوائل السور، و أن ذلك الاقتصار كان لوجوه ذكروها لا يقوم على شي‏ء منها برهان فتركت ذكرها. و ذكروا أن التركيب من هذه الحروف انتهى إلى خمسة، و هو:

كهيعص، لأنه أقصى ما يتركب منه الاسم المجرد، و قطع ابن القعقاع ألف لام ميم حرفا حرفا بوقفة وقفة، و كذلك سائر حروف التهجي من الفواتح، و بين النون من طسم و يس و عسق و نون إلا في طس تلك فإنه لم يظهر، و ذلك اسم مشار بعيد، و يصح أن يكون في قوله‏ ذلِكَ الْكِتابُ‏ على بابه فيحمل عليه و لا حاجة إلى إطلاقه بمعنى هذا، كما ذهب إليه بعضهم فيكون للقريب، فإذا حملناه على موضوعه فالمشار إليه ما نزل بمكة من القرآن، قاله ابن كيسان و غيره، أو التوراة و الإنجيل، قاله عكرمة، أو ما في اللوح المحفوظ، قاله ابن حبيب، أو ما وعد به نبيه صلّى اللّه عليه و سلّم من أنه ينزل إليه كتابا لا يمحوه الماء و لا يخلق على كثرة الرد، قاله ابن عباس، أو الكتاب الذي وعد به يوم الميثاق، قاله عطاء بن السائب، أو الكتاب الذي ذكرته في التوراة و الإنجيل، قاله ابن رئاب، أو الذي لم ينزل من القرآن، أو البعد بالنسبة إلى الغاية التي بين المنزل و المنزل إليه، أو ذلك إشارة إلى حروف المعجم التي تحديتكم بالنظم منها.

و سمعت الأستاذ أبا جعفر بن إبراهيم بن الزبير شيخنا يقول: ذلك إشارة إلى الصراط في قوله: اهْدِنَا الصِّراطَ «1» ، كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب. و بهذا الذي ذكره الأستاذ تبين وجه ارتباط سورة البقرة بسورة الحمد، و هذا القول أولى لأنه إشارة إلى شي‏ء سبق ذكره، لا إلى شي‏ء لم يجر له ذكر، و قد ركبوا وجوها من الإعراب في قوله: ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ‏ .

و الذي نختاره منها أن قوله: ذلِكَ الْكِتابُ‏ جملة مستقلة من مبتدأ و خبر، لأنه متى أمكن حمل الكلام على غير إضمار و لا افتقار، كان أولى أن يسلك به الإضمار و الافتقار، و هكذا تكون عادتنا في إعراب القرآن، لا نسلك فيه إلا الحمل على أحسن الوجوه، و أبعدها من التكلف، و أسوغها في لسان العرب. و لسنا كمن جعل كلام اللّه تعالى كشعر امرئ‏

(1) سورة الفاتحة: 1/ 6.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 62

القيس، و شعر الأعشى، يحمله جميع ما يحتمله اللفظ من وجوه الاحتمالات. فكما أن كلام اللّه من أفصح كلام، فكذلك ينبغي إعرابه أن يحمل على أفصح الوجوه، هذا على أنا إنما نذكر كثيرا مما ذكروه لينظر فيه، فربما يظهر لبعض المتأملين ترجيح شي‏ء منه، فقالوا:

يجوز أن يكون ذلك خبر المبتدأ محذوف تقديره هو ذلك الكتاب، و الكتاب صفة أو بدل أو عطف بيان، و يحتمل أن يكون مبتدأ و ما بعده خبرا. و في موضع خبر الم‏ و لا رَيْبَ‏ جملة تحتمل الاستئناف، فلا يكون لها موضع من الإعراب، و أن تكون في موضع خبر لذلك، و الكتاب صفة أو بدل أو عطف أو خبر بعد خبر، إذا كان الكتاب خبرا، و قلت بتعدد الأخبار التي ليست في معنى خبر واحد، و هذا أولى بالبعد لتباين أحد الخبرين، لأن الأول مفرد و الثاني جملة، و أن يكون في موضع نصب أي مبرأ من الريب، و بناء ريب مع لا يدل على أنها العاملة عمل إن، فهو في موضع نصب و لا و هو في موضع رفع بالابتداء، فالمرفوع بعده على طريق الإسناد خبر لذلك المبتدأ فلم تعمل حالة البناء إلا النصب في الاسم فقط، هذا مذهب سيبويه. و أما الأخفش فذلك المرفوع خبر للا، فعملت عنده النصب و الرفع، و تقرير هذا في كتب النحو. و إذا عملت عمل إن أفادت الاستغراق فنفت هنا كل ريب، و الفتح هو قراءة الجمهور.

و قرأ أبو الشعثاء: لا رَيْبَ فِيهِ‏ بالرفع، و كذا قراءة زيد بن علي حيث وقع، و المراد أيضا هنا الاستغراق، لا من اللفظ بل من دلالة المعنى، لأنه لا يريد نفي ريب واحد عنه، و صار نظير من قرأ: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ‏ «1» بالبناء و الرفع، لكن البناء يدل بلفظه على قضية العموم، و الرفع لا يدل لأنه يحتمل العموم، و يحتمل نفي الوحدة، لكن سياق الكلام يبين أن المراد العموم، و رفعه على أن يكون ريب مبتدأ و فيه الخبر، و هذا ضعيف لعدم تكرار لا، أو يكون عملها إعمال ليس، فيكون فيه في موضع نصب على قول الجمهور من أن لا إذا عملت عمل ليس رفعت الاسم و نصبت الخبر، أو على مذهب من ينسب العمل لها في رفع الاسم خاصة، و أما الخبر فمرفوع لأنها و ما عملت فيه في موضع رفع بالابتداء كحالها إذا نصبت و بني الاسم معها، و ذلك في مذهب سيبويه، و سيأتي الكلام مشبعا في ذلك عند قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِ‏ «2» ، و حمل لا في قراءة لا ريب على أنها تعمل عمل ليس ضعيف لقلة إعمال لا عمل ليس، فلهذا كانت هذه القراءة ضعيفة. و قرأ الزهري، و ابن محيصن، و مسلم بن جندب، و عبيد بن عمير، فيه:

(1) سورة البقرة: 2/ 197.

(2) سورة البقرة: 2/ 197.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 63

بضم الهاء، و كذلك إليه و عليه و به و نصله و نوله و ما أشبه ذلك حيث وقع على الأصل. و قرأ ابن أبي إسحاق: فهو بضم الهاء و وصلها بواو، و جوزوا في قوله: أن يكون خبرا للا على مذهب الأخفش، و خبرا لها مع اسمها على مذهب سيبويه، أن يكون صفة و الخبر محذوف، و أن يكون من صلة ريب بمعنى أنه يضمر عامل من لفظ ريب فيتعلق به، إلا أنه يكون متعلقا بنفس لا ريب، إذ يلزم إذ ذاك إعرابه، لأنه يصير اسم لا مطولا بمعموله نحو لا ضاربا زيدا عندنا، و الذي نختاره أن الخبر محذوف لأن الخبر في باب لا العاملة عمل إن إذا علم لم تلفظ به بنو تميم، و كثر حذفه عند أهل الحجاز، و هو هنا معلوم، فاحمله على أحسن الوجوه في الإعراب، و إدغام الباء من لا ريب في فاء فيه مروي عن أبي عمرو، و المشهور عنه الإظهار، و هي رواية اليزيدي عنه. و قد قرأته بالوجهين على الأستاذ أبي جعفر بن الطباع بالأندلس، و نفي الريب يدل على نفي الماهية، أي ليس مما يحله الريب و لا يكون فيه، و لا يدل ذلك على نفي الارتياب لأنه قد وقع ارتياب من ناس كثيرين. فعلى ما قلناه لا يحتاج إلى حمله على نفي التعليق و المظنة، كما حمله الزمخشري، و لا يرد علينا قوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ‏ «1» لاختلاف الحال و المحل، فالحال هناك المخاطبون، و الريب هو المحل، و الحال هنا منفي، و المحل الكتاب، فلا تنافي بين كونهم في ريب من القرآن و كون الريب منفيا عن القرآن.

و قد قيد بعضهم الريب فقال: لا ريب فيه عند المتكلم به، و قيل هو عموم يراد به الخصوص، أي عند المؤمنين، و بعضهم جعله على حذف مضاف، أي لا سبب فيه لوضوح آياته و إحكام معانيه و صدق أخباره. و هذه التقادير لا يحتاج إليها. و اختيار الزمخشري أن فيه خبر، و بذلك بني عليه سؤالا و هو أن قال: هلا قدم الظرف على الريب كما قدم على القول في قوله تعالى: لا فِيها غَوْلٌ‏ «2» ؟ و أجاب: بأن التقديم يشعر بما يبعد عن المراد، و هو أن كتابا غيره فيه الريب، كما قصد في قوله: لا فِيها غَوْلٌ‏ تفضيل خمر الجنة على خمور الدنيا بأنها لا تغتال العقول كما تغتالها هي، كأنه قيل ليس فيها ما في غيرها من هذا العيب و النقيصة. و قد انتقل الزمخشري من دعوى الاختصاص بتقديم المفعول إلى دعواه بتقديم الخبر، و لا نعلم أحدا يفرق بين: ليس في الدار رجل، و ليس رجل في الدار، و على ما ذكر من أن خمر الجنة لا يغتال، و قد وصفت بذلك العرب خمر الدنيا، قال علقمة بن عبدة:

(1) سورة البقرة: 2/ 23.

(2) سورة الصافات: 37/ 47.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏1، ص: 64

تشفي الصداع و لا يؤذيك طالبها

و لا يخالطها في الرأس تدويم‏

و أبعد من ذهب إلى أن قوله: لا ريب صيغة خبر و معناه النهي عن الريب. و جوزوا في قوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ‏ أن يكون هدى في موضع رفع على أنه مبتدأ، و فيه في موضع الخبر، أو خبر مبتدأ محذوف، أي هو هدى، أو على فيه مضمرة إذا جعلنا فيه من تمام لا ريب، أو خبر بعد خبر فتكون قد أخبرت بالكتاب عن ذلك، و بقوله لا ريب فيه، ثم جاء هذا خبرا ثالثا، أو كان الكتاب تابعا و هدى خبر ثان على ما مر في الإعراب، أو في موضع نصب على الحال، و بولغ بجعل المصدر حالا و صاحب الحال اسم الإشارة، أو الكتاب، و العامل فيها على هذين الوجهين معنى الإشارة أو الضمير في فيه، و العامل ما في الظرف من الاستقرار و هو مشكل لأن الحال تقييد، فيكون انتقال الريب مقيدا بالحال إذ لا ريب فيه يستقر فيه في حال كونه هدى للمتقين، لكن يزيل الإشكال أنها حال لازمة.

و الأولى: جعل كل جملة مستقلة، فذلك الكتاب جملة، و لا ريب جملة، و فيه هدى للمتقين جملة، و لم يحتج إلى حرف عطف لأن بعضها آخذ بعنق بعض. فالأولى أخبرت بأن المشار إليه هو الكتاب الكامل، كما تقول: زيد الرجل، أي الكامل في الأوصاف. و الثانية نعت لا يكون شي‏ء ما من ريب. و الثالثة أخبرت أن فيه الهدى للمتقين. و المجاز إما في فيه هدى، أي استمرار هدى لأن المتقين مهتدون فصار نظير اهدنا الصراط، و إما في المتقين أي المشارفين لاكتساب التقوى، كقوله:

إذا ما مات ميت من تميم و المتقي في الشريعة هو الذي يقي نفسه أن يتعاطى ما توعد عليه بعقوبة من فعل أو ترك، و هل التقوى تتناول اجتناب الصغائر؟ في ذلك خلاف. و جوز بعضهم أن يكون التقدير هدى للمتقين و الكافرين، فحذف لدلالة أحد الفريقين، و خص المتقين بالذكر تشريفا لهم. و مضمون هذه الجملة على ما اخترناه من الإعراب، الإخبار عن المشار إليه الذي هو الطريق الموصل إلى اللّه تعالى، هو الكتاب أي الكامل في الكتب، و هو المنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الذي قال فيه‏ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ «1» ، فإذا كان جميع الأشياء فيه، فلا كتاب أكمل منه، و أنه نفى أن يكون فيه ريب و أنه فيه الهدى. ففي الآية الأولى الإتيان بالجملة كاملة الأجزاء حقيقة لا مجاز فيها، و في الثانية مجازا لحذف لأنا

صفحه بعد