کتابخانه تفاسیر

پایگاه داده های قرآنی اسلامی
کتابخانه بالقرآن

البحر المحيط فى التفسير

الجزء الأول

خطبة الكتاب

سورة البقرة 2

[سورة البقرة(2): الآيات 1 الى 5] [سورة البقرة(2): الآيات 6 الى 7] [سورة البقرة(2): الآيات 8 الى 10] [سورة البقرة(2): الآيات 11 الى 16] [سورة البقرة(2): الآيات 17 الى 18] [سورة البقرة(2): آية 19] [سورة البقرة(2): آية 20] [سورة البقرة(2): الآيات 21 الى 22] [سورة البقرة(2): الآيات 23 الى 24] [سورة البقرة(2): آية 25] [سورة البقرة(2): الآيات 26 الى 29] [سورة البقرة(2): الآيات 30 الى 33] [سورة البقرة(2): آية 34] [سورة البقرة(2): آية 35] [سورة البقرة(2): الآيات 36 الى 39] [سورة البقرة(2): الآيات 40 الى 43] [سورة البقرة(2): الآيات 44 الى 46] [سورة البقرة(2): الآيات 47 الى 49] [سورة البقرة(2): الآيات 50 الى 53] [سورة البقرة(2): الآيات 54 الى 57] [سورة البقرة(2): الآيات 58 الى 61] [سورة البقرة(2): الآيات 62 الى 66] [سورة البقرة(2): الآيات 67 الى 74] [سورة البقرة(2): الآيات 75 الى 82] [سورة البقرة(2): الآيات 83 الى 86] [سورة البقرة(2): الآيات 87 الى 96] [سورة البقرة(2): الآيات 97 الى 103] [سورة البقرة(2): الآيات 104 الى 113] [سورة البقرة(2): الآيات 114 الى 123] [سورة البقرة(2): الآيات 124 الى 131] [سورة البقرة(2): الآيات 132 الى 141]
فهرست الجزء الأول من تفسير البحر المحيط

الجزء الثالث

سورة ال عمران

[سورة آل‏عمران(3): الآيات 1 الى 11] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 12 الى 14] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 15 الى 18] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 19 الى 22] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 23 الى 32] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 33 الى 41] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 42 الى 51] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 52 الى 61] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 62 الى 68] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 69 الى 71] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 72 الى 74] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 75 الى 79] [سورة آل‏عمران(3): آية 80] [سورة آل‏عمران(3): آية 81] [سورة آل‏عمران(3): آية 82] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 83 الى 91] [سورة آل‏عمران(3): آية 92] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 93 الى 101] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 102 الى 112] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 113 الى 120] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 121 الى 127] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 128 الى 132] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 133 الى 141] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 142 الى 152] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 153 الى 163] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 164 الى 170] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 171 الى 180] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 181 الى 185] [سورة آل‏عمران(3): الآيات 186 الى 200]
فهرس الجزء الثالث

الجزء الرابع

فهرست الجزء الرابع

الجزء الخامس

فهرس الجزء الخامس

الجزء السادس

فهرس الجزء السادس

الجزء السابع

فهرس الجزء السابع

الجزء الثامن

فهرس الجزء الثامن

الجزء التاسع

فهرس الجزء التاسع

الجزء العاشر

فهرس الجزء العاشر

الجزء الحادي عشر

1 - فهرس الآيات القرآنية الكريمة

سورة البقرة سورة آل عمران سورة النساء سورة المائدة سورة الأنعام سورة الأعراف سورة الأنفال سورة التوبة سورة يونس سورة هود سورة يوسف سورة الرعد سورة إبراهيم سورة الحجر سورة النحل سورة الإسراء سورة الكهف سورة مريم سورة طه سورة الأنبياء سورة الحج سورة المؤمنون سورة النور سورة الفرقان سورة الشعراء سورة النمل سورة القصص سورة العنكبوت سورة الروم سورة لقمان سورة السجدة سورة الأحزاب سورة سبأ سورة فاطر سورة يس سورة الصافات سورة ص سورة الزمر سورة غافر سورة فصلت سورة الشورى سورة الزخرف سورة الدخان سورة الجاثية سورة الأحقاف سورة محمد سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق سورة الذاريات سورة الطور سورة النجم سورة القمر سورة الرحمن سورة الواقعة سورة الحديد سورة المجادلة سورة الحشر سورة الممتحنة سورة الصف سورة الجمعة سورة المنافقون سورة التغابن سورة الطلاق سورة التحريم سورة الملك سورة القلم سورة الحاقة سورة المعارج سورة نوح سورة الجن سورة المزمل سورة المدثر سورة القيامة سورة الإنسان سورة المرسلات سورة النبأ سورة النازعات سورة عبس سورة التكوير سورة الانفطار سورة المطففين سورة الإنشقاق سورة البروج سورة الطارق سورة الأعلى سورة الغاشية سورة الفجر سورة البلد سورة الشمس سورة الليل سورة الضحى سورة الشرح سورة التين سورة العلق سورة البينة سورة الزلزلة سورة العاديات سورة القارعة سورة التكاثر سورة العصر سورة الهمزة سورة الفيل سورة قريش سورة الماعون سورة الكوثر سورة الكافرون سورة النصر سورة المسد سورة الإخلاص سورة الفلق سورة الناس
2 - فهرس الأحاديث و الآثار 3 - فهرس الشعوب و القبائل و الأديان 4 - فهرس الأماكن و البلاد

5 - فهرس الأبيات الشعرية

حروف الهمزة الهمزة المفتوحة الهمزة المضمومة الهمزة المكسورة حرف الباء الباء المفتوحة الباء المضمومة الباء المكسورة حرف التاء التاء المفتوحة التاء المضمومة التاء المكسورة حرف الثاء الثاء المفتوحة الثاء المكسورة حرف الجيم الجيم المفتوحة الجيم المضمومة الجيم المكسورة حرف الحاء الحاء المفتوحة الحاء المضمومة الحاء المكسورة الخاء المكسورة حرف الدال الدال المفتوحة الدال المضمومة الدال المكسورة حرف الراء الراء المفتوحة الراء المضمومة الراء المكسورة حرف الزاي الزاي المفتوحة حرف السين السين المفتوحة السين المضمومة السين المكسورة حرف الشين الشين المفتوحة الشين المكسورة حرف الصاد الصاد المفتوحة الصاد المضمومة الصاد المكسورة حرف الضاد الضاد المفتوحة الضاد المكسورة حرف الطاء الطاء المفتوحة حرف الظاء حرف العين العين المفتوحة العين المضمومة العين المكسورة الغين المكسورة حرف الفاء الفاء المفتوحة الفاء المضمومة الفاء المكسورة حرف القاف القاف المفتوحة القاف المضمومة القاف المكسورة حرف الكاف الكاف المفتوحة الكاف المضمومة الكاف المكسورة حرف اللام اللام المفتوحة اللام المضمومة اللام المكسورة حرف الميم الميم المفتوحة الميم المضمومة الميم المكسورة حرف النون النون المفتوحة النون المضمومة النون المكسورة حرف الهاء الهاء المفتوحة الهاء المكسورة الواو المفتوحة الواو المكسورة الياء المفتوحة الياء المكسورة حرف الألف
6 - فهرس أنصاف الأبيات 7 - فهرس الأمثال

البحر المحيط فى التفسير


صفحه قبل

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 8

تمارينا و امترينا فيه، كقولك: تحاورنا و احتورنا. وجهة، قال قوم، منهم المازني و المبرد و الفارسي: إن وجهة اسم للمكان المتوجه إليه، فعلى هذا يكون إثبات الواو أصلا، إذ هو اسم غير مصدر. قال سيبويه: و لو بنيت فعلة من الوعد لقلت وعدة، و لو بنيت مصدرا لقلت عدة. و ذهب قوم، منهم المازني، فيما نقل المهدوي إلى أنه مصدر، و هو الذي يظهر من كلام سيبويه. قال، بعد ما ذكر حذف الواو من المصادر، و قد أثبتوا فقالوا: وجهة في الجهة، فعلى هذا يكون إثبات الواو شاذا، منبهة على الأصل المتروك في المصادر.

و الذي سوّغ عندي إقرار الواو، و إن كان مصدرا، أنه مصدر ليس بجار على فعله، إذ لا يحفظ وجه يجه، فيكون المصدر جهة. قالوا: وعد يعد عدة، إذ الموجب لحذف الواو من عدة هو الحمل على المضارع، لأن حذفها في المضارع لعلة مفقودة في المصدر. و لما فقد يجه، و لم يسمع، لم يحذف من وجهة، و إن كان مصدرا، لأنه ليس مصدرا ليجه، و إنما هو مصدر على حذف الزوائد، لأن الفعل منه: توجه و اتجه. فالمصدر الجاري هو التوجه و الاتجاه، و إطلاقه على المكان المتوجه إليه هو من باب إطلاق المصدر على اسم المفعول.

الاستباق: افتعال من السبق، و هو الوصول إلى الشي‏ء أولا، و يكون افتعل منه، إما لموافقة المجرد، فيكون معناه و معنى سبق واحدا، أو لموافقة تفاعل، فيكون استبق و تسابق بمعنى واحد. الخيرات: جمع خيرة، و يحتمل أن يكون بناء على فعلة، أو بناء على فيعلة، فحذف منه، كالميتة و اللينة. و قد تقدّم القول في هذا الحذف، قالوا: رجل خير، و امرأة خيرة، كما قالوا: رجل شر، و امرأة شرّة، و لا يكونان إذ ذاك أفعل التفضيل. الجوع:

القحط، و أما الحاجة إلى الأكل فإنما اسمها: الغرث. يقال: غرث يغرث غرثا، فهو غرث و غرثان، قال:

مغرّثة زرقا كأن عيونها

من الذمر و الإيحاء نوّار عضرس‏

و قد استعمل المحدثون في الغرث: الجوع اتساعا.

سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها : سبب نزول هذه الآية ما

رواه البخاري، عن البراء بن عازب قال: لما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم المدينة، فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا. و كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل اللّه تعالى: قَدْ نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ الآية.

فقال‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 9

السفهاء من الناس، و هم اليهود: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فقال اللّه تعالى:

قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ الآية. و مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن اليهود و النصارى قالوا:

إن إبراهيم، و من ذكر معه، كانوا يهودا و نصارى. ذكروا ذلك طعنا في الإسلام، لأن النسخ عند اليهود باطل، فقالوا: الانتقال عن قبلتنا باطل و سفه، فرد اللّه تعالى ذلك عليهم بقوله:

قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ الآية، فبين ما كان هداية، و ما كان سفها. و سيقول، ظاهر في الاستقبال، و أنه إخبار من اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه و سلم، أنه يصدر منهم هذا القول في المستقبل، و ذلك قبل أن يؤمروا باستقبال الكعبة، و تكون هذه الآية متقدمة في النزول على الآية المتضمنة الأمر باستقبال الكعبة، فتكون من باب الإخبار بالشي‏ء قبل وقوعه، ليكون ذلك معجزا، إذ هو إخبار بالغيب. و لتتوطن النفس على ما يرد من الأعداء، و تستعد له، فيكون أقل تأثيرا منه إذا فاجأ، و لم يتقدم به علم، و ليكون الجواب مستعدا لمنكر ذلك، و هو قوله: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ . و إلى هذا القول ذهب الزمخشري و غيره. و ذهب قوم إلى أنها متقدمة في التلاوة، متأخرة في النزول، و أنه نزل قوله: قَدْ نَرى‏ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ‏ الآية، ثم نزل: سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ‏ . نص على ذلك ابن عباس و غيره. و يدل على هذا و يصححه حديث البراء المتقدم، الذي خرجه البخاري. و إذا كان كذلك، فمعنى قوله: سيقول، أنهم مستمرون على هذا القول، و إن كانوا قد قالوه، فحكمة الاستقبال أنهم، كما صدر عنهم هذا القول في الماضي، فهم أيضا يقولونه في المستقبل. و ليس عندنا من وضع المستقبل موضع الماضي. و إن معنى سيقول: قال، كما زعم بعضهم، لأن ذلك لا يتأتى مع السين لبعد المجاز فيه. و لو كان عاريا من السين، لقرب ذلك و كان يكون حكاية حال ماضية. و السفهاء: اليهود، قاله البراء بن عازب، و مجاهد، و ابن جبير. و أهل مكة قالوا: اشتاق محمد إلى مولده، و عن قريب يرجع إلى دينكم، رواه أبو صالح، عن ابن عباس، و اختاره الزجاج. أو المنافقون قالوا: ذلك استهزاء بالمسلمين، ذكره السدي، عن ابن مسعود. و قد جرى تسمية المنافقين بالسفهاء في قوله: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ «1» ، أو الطوائف الثلاث الذين تقدم ذكرهم من الناس. قال ابن عطية و غيره: و خص بقوله من الناس، لأن السفه أصله الخفة، يوصف به الجماد. قالوا: ثوب سفيه، أي خفيف النسج و الهلهلة، و رمح سفيه: أي خفيف سريع النفوذ. و يوصف به الحيوانات غير الناس، فلو اقتصر، لاحتمل الناس و غيرهم، لأن القول ينسب إلى الناس حقيقة، و إلى غيرهم مجازا،

(1) سورة البقرة: 2/ 13.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 10

فارتفع المجاز بقوله: مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ‏ ، أي ما صرفهم، و الضمير عائد على النبي صلى اللّه عليه و سلم، و المؤمنين عن قبلتهم. أضاف القبلة إليهم لأنهم كانوا استقبلوها زمنا طويلا، فصحت الإضافة.

و أجمع المفسرون على أن هذه التولية كانت من بيت المقدس إلى الكعبة. هكذا ذكر بعض المفسرين، و ليس ذلك إجماعا، بل قد ذهب قوم إلى أن هذه القبلة، التي عيب التحول منها إلى غيرها هي الكعبة، و أنه كان يصلي إليها عند ما فرضت الصلاة، لأنها قبلة أبيه إبراهيم. فلما توجه إلى بيت المقدس، قال أهل مكة، زارّين عليه و عائبين ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، هذا على حذف مضاف، أي على استقبالها. و الاستعلاء هنا مجاز، و حكمته الهم لمواظبتهم على امتثال أمر اللّه في المحافظة على الصلوات. صارت القبلة لهم كالشي‏ء المستعلى عليه، الملازم دائما. و في وصف القبلة بقوله: الَّتِي كانُوا عَلَيْها ، ما يدل على تمكن استقبالها، و ديمومتهم على ذلك. و الضمير في قوله: قبلتهم و كانوا، ضمير المؤمنين. و قيل: يحتمل أن يكون الضمير عائدا على السفهاء، فإنهم كانوا لا يعرفون إلا قبلة اليهود، و هي إلى المغرب، و قبلة النصارى، و هي إلى المشرق، و العرب لم يكن لهم صلاة، فيتوجهون إلى شي‏ء من الجهات. فلما توجه نحو الكعبة، استنكروا ذلك فقالوا: كيف يتوجه إلى غير هاتين الجهتين المعروفتين؟ و اختلفوا في استقبال بيت المقدس، أ كان بوحي متلوّ؟ أو بأمر من اللّه غير متلو؟ أو بتخيير اللّه رسوله في النواحي؟ فاختار بيت المقدس، قاله الربيع؛ أو باجتهاده بغير وحي، قاله الحسن و عكرمة و أبو العالية. أقوال:

الأول: عن ابن عباس، روي عنه أنه قال: أول ما نسخ من القرآن القبلة: و كذلك اختلفوا في المدة التي صلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيها إلى بيت المقدس، فقيل: ستة عشر شهرا، أو سبعة عشر شهرا. و قيل: تسعة، أو عشرة أشهر. و قيل: ثلاثة عشر شهرا. و قيل: من وقت فرض الخمس و ائتمامه بجبريل، إثر الإسراء، و كان ليلة سبع عشرة من ربيع الآخر، قبل الهجرة بسنة، ثم هاجر في ربيع الأول، و تمادى يصلي إلى بيت المقدس، إلى رجب من سنة اثنتين. و قيل: إلى جمادى. و قيل: إلى نصف شعبان. و

روي‏ أنه صلى اللّه عليه و سلم صلى ركعتي الظهر، فانصرف بالآخرتين إلى الكعبة

، و قد استدل بهذه الآية على جواز نسخ السنة بالقرآن، إذ صلاته إلى بيت المقدس ليس فيها قرآن، و استدل بها أيضا على بطلان قول من يزعم أن النسخ بداء.

قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ : الأمر متوجه للنبي صلى اللّه عليه و سلم، و فيه تعليم له صلى اللّه عليه و سلم كيف يبطل‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 11

مقالتهم، ورد عليهم إنكارهم. و المعنى: أن الجهات كلها للّه تعالى، يكلف عباده بما شاء أن يستقبل منها، و أن تجعل قبلة. و قد تقدم الكلام على قوله: لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ ، فأغنى عن الإعادة هنا. و قد شرح المشرق بيت المقدس، و المغرب بالكعبة، لأن الكعبة غربي بيت المقدس، فيكون بالضرورة بيت المقدس شرقيها. يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ : أي من يشاء هدايته. و قد تقدم الكلام على ما يشبه هذه الجملة في قوله:

اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ‏ «1» ، فأغنى عن إعادته: و تقدم أن هدى يتعدى باللام و بإلى و بنفسه، و هنا عدى بإلى. و قد اختلفوا في الصلاة التي حولت القبلة فيها، فقيل: الصبح، و قيل: الظهر، و قيل: العصر. و كذلك أكثروا الكلام في الحكمة التي لأجلها كان تحويل القبلة، بأشياء لا يقوم على صحتها دليل، و عللوا ذلك بعلل لم يشر إليها الشرع، و لا قاد نحوها العقل، فتركنا نقل ذلك في كتابنا هذا، على عادتنا في ذلك. و من طلب للوضعيات تعاليل، فأحرى بأن يقلّ صوابه و يكثر خطؤه. و أما ما نص الشرع على حكمته، أو أشار، أو قاد إليه النظر الصحيح، فهو الذي لا معدل عنه، و لا استفادة إلا منه. و قد فسر قوله:

صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ بأنه القبلة التي هي الكعبة. و الظاهر أنه ملة الإسلام و شرائعه، فالكعبة من بعض مشروعاته.

وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً : الكاف: للتشبيه، و ذلك: اسم إشارة، و الكاف في موضع نصب، إما لكونه نعتا لمصدر محذوف، و إما لكونه حالا. و المعنى: و جعلناكم أمة وسطا جعلا مثل ذلك، و الإشارة بذلك ليس إلى ملفوظ به متقدم، إذ لم يتقدم في الجملة السابقة اسم يشار إليه بذلك، لكن تقدم لفظ يهدي، و هو دال على المصدر، و هو الهدى، و تبين أن معنى‏ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ : يجعله على صراط مستقيم، كما قال تعالى: مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَ مَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ‏ «2» . قابل تعالى الضلال بالجعل على الصراط المستقيم، إذ ذلك الجعل هو الهداية، فكذلك معنى الهدى هنا هو ذلك الجعل. و تبين أيضا من قوله: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ‏ إلى آخره، أن اللّه جعل قبلتهم خيرا من قبلة اليهود و النصارى، أو وسطا. فعلى هذه التقادير اختلفت الأقاويل في المشار إليه بذلك. فقيل: المعنى أنه شبه جعلهم أمة وسطا بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، أي أنعمنا عليكم بجعلكم أمة وسطا، مثل ما سبق إنعامنا عليكم بالهداية إلى الصراط المستقيم، فتكون الإشارة بذلك إلى المصدر الدال عليه يهدي، أي جعلناكم أمة

(1) سورة الفاتحة: 1/ 6.

(2) سورة الأنعام: 6/ 39.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 12

خيارا مثل ما هديناكم باتباع محمد صلى اللّه عليه و سلم، و ما جاء به من الحق. و قيل: المعنى أنه شبه جعلهم أمة وسطا بجعلهم على الصراط المستقيم، أي جعلناكم أمة وسطا مثل ذلك الجعل الغريب الذي فيه اختصاصكم بالهداية، لأنه قال: يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ، فلا تقع الهداية إلا لمن شاء اللّه تعالى. و قيل: المعنى كما جعلنا قبلتكم خير القبل، جعلناكم خير الأمم.

و قيل: المعنى كما جعلنا قبلتكم متوسطة بين المشرق و المغرب، جعلناكم أمة وسطا.

و قيل: المعنى كما جعلنا الكعبة وسط الأرض، كذلك جعلناكم أمة وسطا، دون الأنبياء، و فوق الأمم، و أبعد من ذهب إلى أن ذلك إشارة إلى قوله تعالى: وَ لَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا «1» أي مثل ذلك الاصطفاء جعلناكم أمة وسطا.

و معنى وسطا: عدولا، روي ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم‏

، و قد تظاهرت به عبارة المفسرين. و إذا صح ذلك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، وجب المصير في تفسير الوسط إليه. و قيل: خيار، أو قيل: متوسطين في الدين بين المفرط و المقصر، لم يتخذوا واحدا من الأنبياء إلها، كما فعلت النصارى، و لا قتلوه، كما فعلت اليهود. و احتج جمهور المعتزلة بهذه الآية على أن إجماع الأمة حجة فقالوا: أخبر اللّه عن عدالة هذه الأمة و عن خيرتهم، فلو أقدموا على شي‏ء، وجب أن يكون قولهم حجة.

لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ‏ : تقدم شرح الشهادة في قوله: وَ ادْعُوا شُهَداءَكُمْ‏ «2» ، و في شهادتهم هنا أقوال: أحدها: ما عليه الأكثر من أنها في الآخرة،

و هي شهادة هذه الأمة للأنبياء على أممهم الذين كذبوهم، و قد روي ذلك نصا في الحديث في البخاري و غيره.

و قال في المنتخب: و قد طعن القاضي في الحديث من وجوه، و ذكروا وجوها ضعيفة، و أظنه عنى بالقاضي هنا القاضي عبد الجبار المعتزلي، لأن الطعن في الحديث الثابت الصحيح لا يناسب مذاهب أهل السنة. و قيل: الشهادة تكون في الدنيا.

و اختلف قائلو ذلك، فقيل: المعنى يشهد بعضكم على بعض إذا مات، كما

جاء في الحديث‏ من أنه مر بجنازة فأثنى عليها خيرا، و بأخرى فأثنى عليها شرّا، فقال الرسول:

«وجبت»، يعني الجنة و النار، «أنتم شهداء اللّه في الأرض» ثبت ذلك في مسلم.

و قيل:

الشهادة الاحتجاج، أي لتكونوا محتجين على الناس، حكاه الزّجاج. و قيل: معناه لتنقلوا إليهم ما علمتموه من الوحي والدين كما نقله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و تكون على بمعنى اللام، كقوله: وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ‏ «3» ، أي للنصب. و قيل: معناه ليكون إجماعكم حجة،

(1) سورة البقرة: 2/ 130.

(2) سورة البقرة: 2/ 23.

(3) سورة المائدة: 5/ 3.

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 13

و يكون الرسول عليكم شهيدا، أي محتجا بالتبليغ. و قيل: لتكونوا شهداء لمحمد صلى اللّه عليه و سلم على الأمم، اليهود و النصارى و المجوس، قاله مجاهد. و قيل: شهداء على الناس في الدنيا، فيما لا يصح إلا بشهادة العدول الأخيار. و أسباب هذه الشهادة، أي شهادة هذه العدول أربعة: بمعاينة، كالشهادة على الزنا، و بخبر الصادق، كالشهادة على الشهادة؛ و بالاستفاضة، كالشهادة على الأنساب؛ و بالدلالة، كالشهادة على الأملاك، و كتعديل الشاهد و جرحه. و قال ابن دريد: الإشهاد أربعة: الملائكة بإثبات أعمال العباد، و الأنبياء، و أمة محمد، و الجوارح. انتهى. و لما كان بين الرؤية بالبصر و الإدراك بالبصيرة مناسبة شديدة، سمي إدراك البصيرة: مشاهدة و شهودا، و سمي العارف: شاهدا و مشاهدا، ثم سميت الدلالة على الشي‏ء: شهادة عليه، لأنها هي التي بها صار الشاهد شاهدا. و قد اختص هذا اللفظ في عرف الشرع بمن يخبر عن حقوق الناس بألفاظ مخصوصة على جهات. قالوا: و في هذه الآية دلالة على أن الأصل في المسلمين العدالة، و هو مذهب أبي حنيفة، و استدل بقوله: أُمَّةً وَسَطاً ، أي عدولا خيارا. و قال بقية العلماء: العدالة وصف عارض لا يثبت إلا ببينة، و قد اختار المتأخرون من أصحاب أبي حنيفة ما عليه الجمهور، لتغير أحوال الناس، و لما غلب عليهم في هذا الوقت، و هذا الخلاف في غير الحدود و القصاص.

وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً : لا خلاف أن الرسول هنا هو محمد صلى اللّه عليه و سلم، و في شهادته أقوال: أحدها: شهادته عليهم أنه قد بلغهم رسالة ربه. الثاني: شهادته عليهم بإيمانهم. الثالث: يكون حجة عليهم. الرابع: تزكيته لهم و تعديله إياهم، قاله عطاء، قال: هذه الأمة شهداء على من ترك الحق من الناس أجمعين، و الرسول شهيد معدل مزك لهم. و روي في ذلك حديث. و قد تقدم أيضا ما روى البخاري في ذلك. و اللام في قوله:

لتكونوا هي، لام كي، أو لام الصيرورة عن من يرى ذلك، فمجي‏ء ما بعدها سببا لجعلهم خيارا، أو عدولا ظاهرا. و أما كون شهادة الرسول عليهم سببا لجعلهم خيارا، فظاهر أيضا، لأنه إن كانت الشهادة بمعنى التزكية، أو بأي معنى فسرت شهادته، ففي ذلك الشرف التامّ لهم، حيث كان أشرف المخلوقات هو الشاهد عليهم. و لما كان الشهيد كالرقيب على المشهود له، جي‏ء بكلمة على، و تأخر حرف الجر في قوله: على الناس، عما يتعلق به. جاء ذلك على الأصل، إذ العامل أصله أن يتقدّم على المعمول. و أما في قوله:

عَلَيْكُمْ شَهِيداً فتقدّمه من باب الاتساع في الكلام للفصاحة، و لأن شهيدا أشبه‏

البحر المحيط فى التفسير، ج‏2، ص: 14

بالفواصل و المقاطع من قوله: عليكم، فكان قوله: شهيدا، تمام الجملة، و مقطعها دون عليكم. و ما ذهب إليه الزمخشري من أن تقديم على أوّلا، لأن الغرض فيه إثبات شهادتهم على الأمم؛ و تأخير على: لاختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم، فهو مبني على مذهبه: أن تقديم المفعول و المجرور يدل على الاختصاص. و قد ذكرنا بطلان ذلك فيما تقدم، و أن ذلك دعوى لا يقوم عليها برهان. و تقدّم ذكر تعليل جعلهم وسطا بكونهم شهداء، و تأخر التعليل بشهادة الرسول، لأنه كذلك يقع. ألا ترى أنهم يشهدون على الأمم، ثم يشهد الرسول عليهم، على ما نص في الحديث من أنهم إذا ناكرت الأمم رسلهم و شهدت أمّة محمد عليهم بالتبليغ، يؤتى بمحمد صلى اللّه عليه و سلم فيسأل عن حال أمّته، فيزكيهم و يشهد بصدقهم؟ و إن فسرت الشهادتان بغير ذلك مما يمكن أن تكون شهادة الرسول متقدّمة في الزمان، فيكون التأخير لذكر شهادة الرسول من باب الترقي، لأن شهادة الرسول عليهم أشرف من شهادتهم على الناس. و أتى بلفظ الرسول، لما في الدلالة بلفظ الرسول على اتصافه بالرسالة من عند اللّه إلى أمّته. و أتى بجمع فعلاء، الذي هو جمع فعيل و بشهيد، لأن ذلك هو للمبالغة دون قوله: شاهدين، أو إشهادا، أو شاهدا. و قد استدل بقوله: وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً على أن التزكية تقتضي قبول الشهادة، فإن أكثر المفسرين قالوا: معنى شهيدا: مزكيا لكم، قالوا: و عليكم تكون بمعنى: لكم.

وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْهِ‏ : جعل هنا: بمعنى صير، فيتعدى لمفعولين: أحدهما القبلة، و الآخر الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها . و المعنى: و ما صيرنا قبلتك الآن الجهة التي كنت أوّلا عليها إلا لنعلم، أي ما صيرنا متوجهك الآن في الصلاة المتوجه أوّلا، لأنه كان يصلي أولا إلى الكعبة، ثم صلى إلى بيت المقدس، ثم صار يصلي إلى الكعبة. و تكون القبلة: هو المفعول الثاني، و التي كنت عليها: هو المفعول الأول، إذ التصيير هو الانتقال من حال إلى حال. فالمتلبس بالحالة الأولى هو المفعول الأول، و المتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني. ألا ترى أنك تقول: جعلت الطين خزفا، و جعلت الجاهل عالما؟ و المعنى هنا على هذا التقدير:

صفحه بعد